يرى «جيريمي سكاهيل» الكاتب الصحفي ذائع الصيت ومؤلف كتاب «أخطر منظمة سرية في العالم: بلاك ووتر»، أن مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيكون أقوى المدافعين عن سيادة المسيحيين البيض في تاريخ الولايات المتحدة.

ويستند سكاهيل في مقاله المطول، المنشور لدى «ذا إنترسيبت» الأمريكية، إلى عدة شواهد ووقائع لبنس تؤكد صحة زعمه، إبان عمل بنس عمدةً لولاية إنديانا وصداقاته مع شخصيات مثيرة للجدل، أمثال مؤسس بلاك ووتر إيريك دين برنس.

ويقول سكاهيل: «لقد كان لانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وقع الصدمة على مشاعر ووجدان جميع مواطني البلاد بشكل خاص ومواطني العالم بشكل عام، إذ سيصبح الخوف من المرشح، الذي طغت على حملته الانتخابية الخطابات المليئة بالتعصب الصريح وتوعد المهاجرين والمسلمين وعبّر عن كرهه للنساء بشكل صارخ، مبررًا حال يصبح ذلك المرشح رئيسًا في القريب العاجل».

ويشير سكاهيل إلى أن ترامب عيّن قوميًا أبيض اللون، وهو ستيفين بانون في منصب كبير المخططين الاستراتيجيين في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي احتفل به على الفور الحزب النازي الأمريكي ومنظمات كو كلوكس كلان (التي تؤمن بالعنصرية والتفوق الأبيض ومعاداة السامية).

ويؤكد سكاهيل أن الكثير من الأسباب تجعل بنس مخيفًا بشكل أكبر من ترامب.

في بداية المقال، يشير سكاهيل إلى أن صعود بنس لثاني أكبر منصب في الحكومة الأمريكية، يُعد ضربة موفقة لليمين الديني المتطرف، فبنس ورفاقه المتطرفون المؤمنون بتفوق الجنس الأبيض، لم يكونوا ليفوزوا بالبيت الأبيض بمفردهم، لولا كان دونالد ترامب بمثابة هدية السماء لهم.

ويستشهد سكاهيل بما قاله ديفيد بارتون، وهو ناشط مسيحي يميني بارز، في هذا الشأن: «ربما لا يكون ترامب مرشحنا المفضل، لكن ذلك لا يتعارض مع أنه ربما يكون مرشح الرب الذي سيفعل الشيء الذي لا نراه نحن».

ويصف سكاهيل ترامب بأنه «حصان طروادة» لزمرة المتعصبين الشرسين الذين لطالما رغبوا في إقامة دولة دينية مسيحية متطرفة، ويأتي بنس ليكون أحد محاربيها العظام.

ويقول سكاهيل: «إن أحد أبناء ترامب وهو دونالد ترامب الابن قد أعلن سابقًا أن مايك بنس سيكون مسئولًا عن السياسات الداخلية والخارجية في الإدارة المقبلة، بينما سيركز ترامب على المهمة (المبهمة) بجعل أمريكا عظيمة مجددًا»!

لكن حملة ترامب الانتخابية سارعت بوصف تصريحات دونالد ترامب الابن بالـ «وهمية». على أي حال، فإن هناك العديد من التداعيات إزاء اختيار بنس لمنصب نائب الرئيس، فهو يجمع بين معظم الجوانب البغيضة لـ «ديك تشيني» ونظرته للعالم.

ويرى سكاهيل أن فرض الحزب الجمهوري بنس على ترامب هي دون شك قصة شيقة نأمل أن يتم الكشف عنها في يوم من الأيام. ويضيف أنه من الواضح أن بنس أعطى ترامب مصداقية لطالما كان الأخير في حاجة إليها من الناخبين الإنجيليين والحزب الجمهوري، غير أن اختيار بنس ينذر بوقوع كارثة على صعيد الحكم.

ويبدأ سكاهيل في سرد الشواهد والأحداث والعوامل التي ستجعل من بنس شخصًا مخيفًا أكثر من ترامب.

ويقول سكاهيل: «في حين يفاضل ترامب بين مجموعة من القضايا بداية من الإجهاض والهجرة إلى الحرب والرعاية الصحية، كان بنس شجاعًا طيلة حياته العامة فيما يتعلق بالجهاد المسيحي ولم يكن مترددًا على الإطلاق فيما يتعلق بالتزامه العسكري، وتجريم الإجهاض، والتعبير عن الكراهية تجاه مثليي الجنس ما لم يخضعوا للتحول الجنسي لتغيير سلوكياتهم الجنسية، وهو الأمر الذي اقترح أن تسدد الحكومة تكاليفه».

ويشير سكاهيل إلى أن بنس دعّم التطبيق الدائم لقانون باتريوت (قانون مكافحة الإرهاب أو قانون الوطنية)، وكان يرغب في حظر حرق العلم الأمريكي.

ويتابع سكاهيل: «أثناء عمله عمدة لولاية إنديانا، أصدر بنس مشروع قانون للحد من استخدام الأجهزة التي تستخدم تقنية (ستينجراي) للتجسس والمراقبة من قبل هيئات إنفاذ القانون المحلية، على الرغم من أن ذلك كان إبان المراحل الأولى من ظهور تسريبات إدوارد سنودن، وكان القلق العام حول الرقابة الحكومية شديدًا».

لقد دعم بنس أيضًا منح الحصانة بأثر رجعي لشركات الاتصالات المتورطة في التنصت دون إصدار إذن مسبق، فضلا عن أنه لم يرغب في فرض رقابة من قبل الكونجرس على الاستجوابات التي تجريها وكالة الاستخبارات الأمريكية (C.I.A).

ويشير سكاهيل إلى أن بنس لطالما تشدّق بالحديث عن عدم قانونية التعذيب لكنه أكد في الوقت نفسه أن الاستجوابات «المُغلظة» أنقذت حياة أشخاص.

ويؤكد سكاهيل على رغبة بنس في استكمال وضع سجناء جدد في معتقل جونتنامو أو كما صرح ترامب مسبقًا أنهم يخططون لملئ المعتقل بالسجناء، كما يدعم بنس التوسع في المحاكم العسكرية

أما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، فيشير سكاهيل إلى أن بنس يدعم العزل الاقتصادي لإيران كحل بديل عن الدخول معها في مواجهة عسكرية.

في هذا الصدد، ينوه سكاهيل عن تصريحات لبنس عام 2010م يؤكد خلالها على دعم بلاده لإسرائيل ضد إيران حال احتمالية قيام تل أبيب بشن هجمات استباقية ضد منشآت طهران النووية.

أيضا، قام بنس بدعم إصدار تشريعات لاستخدام جميع الوسائل الضرورية للمجابهة والقضاء على التهديدات النووية التي تفرضها إيران، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية.

وبالعودة لفترة عمله كعمدة لولاية إنديانا، فقد وضع بنس قانونًا يلزم بحرق أو دفن أنسجة الجنين الناتجة عن الإجهاض، وكان ضمن طليعة الداعمين لوقف تمويل برنامج تنظيم الأسرة.

ويستطرد سكاهيل قائلا: «إن بنس يقف ضد جهود توسيع قوانين جرائم الكراهية لتشمل الهجمات على (إل.جي.بي.تي) (مجتمعات السحاق والمثلية وازدواجية التوجه الجنسي والتحول الجنسي)».

ويتابع: «إن بنس يقف ضد وجود الشواذ جنسيًا داخل الجيش فوجودهم لا يتوافق مع الخدمة العسكرية بل ويضعف من تماسك وحداته».

كما أن بنس يقف إلى جانب ترامب في مسألة تشييد سياج فاصل بينه وبين المكسيك كما يتسم موقفه من استقبال اللاجئين السوريين بالشراسة الشديدة.

أما فيما يتعلق بحوادث قتل الشرطة الأمريكية للسود العزل، فقد استنكر بنس تصريحات نشطاء بعد احتجاجهم على عمليات القتل التي قامت بها الشرطة مؤخرًا بحق العزّل الأمريكيين من أصول إفريقية.

يُعد بنس، بحسب سكاهيل، أحد المؤيدين بشدة لبرامج التوقيف والتفتيش واسعة الاستخدام في نيويورك ضد أصحاب البشرات الملونة، بل وأنه يريد توسيعها لتكون سارية في جميع أنحاء البلاد.

ويشير سكاهيل إلى ما وصفه بـ «الفارق المثير» بين ترامب وبنس يتمركز حول التعديل الأول بالدستور، فترامب أعلنها صراحة؛ أنه يؤمن بالحرب على حرية الصحافة بل وشجع على العداء تجاه الصحفيين الذين كانوا يغطون فعاليات حملته الانتخابية. على العكس، كان بنس أحد المؤيدين بشدة لمحاولة إصدار قانون فيدرالي لحماية حقوق الصحفيين في الحفاظ على سرية مصادرهم.

وما يؤكد على ذلك هو أن بنس أعلن مساندته لمراسلة صحيفة نيويورك تايمز جودي ميلر، التي سُجنت لرفضها الرد على أسئلة عن مصادرها إبان فضيحة الجاسوسة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية فاليري بليم.

عندما انضم إلى حملة ترامب الانتخابية الصيف الماضي، زعم بنس أنهما يقومان باستعراض سياسة الحملة حول التعامل مع الصحفيين الذين يقومون بتغطية فعاليات ترامب، لكن الموقف ساء مع سير الحملة الانتخابية.

وفيما يتعلق بالرعاية الصحية، يشير سكاهيل إلى أن بنس يدعم إلغاء قانون الرعاية الصحية الميسر، على الرغم من إشادته السابقة بالقانون إبان عمله عمدة لولاية إنديانا.

يمكن أن نطلق على بنس أنه شخص غريب الأطوار تجاه قضية التغير المناخي، ففي أوائل عمله كان يرى أن الاحتباس الحراري خرافة وأن اتفاق باريس بشأن المناخ كارثي.

وعلى الرغم من اعترافه بوقوف البشر وراء تلك الظاهرة، إلا أن بنس يقف ضد إنهاء أي من الأنشطة الصناعية والحكومة والمؤسساتية المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويشير سكاهيل إلى أن بنس يعارض المساعدات الحكومية المقدمة للعمال المتضررين من اتفاقات التجارة الحرة، فضلًا عن دعمه لجميع البرامج التجارية النيوليبرالية.

ويوضح سكاهيل أن بنس عارض فرض قيود على تفرد شركة بعينها في تقديم الخدمات التعاقدية، الأمر الذي قد يفسر علاقته الوثيقة ب إيريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر (التي تعتبر إحدى أكبر وأقوى منظمات المرتزقة السرية في العالم).

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2007م، وبعد 3 أشهر من قيام عناصر بلاك ووتر بقتل 17 مدنيًا عراقيًا في ساحة النسور بالعاصمة بغداد، قام بنس والحزب الجمهوري بتنظيم حشد للترحيب بإيريك برينس في واشنطن.

ويوضح سكاهيل أن علاقتهما لم تتشكل خلال الحروب فحسب، فبرنس ووالداته إيلسا كانا من بين كبار الممولين للعديد من المبادرات للتصويت على حظر زواج المثليين في شتى أنحاء البلاد، ولعبا أيضًا دورًا أساسيًا في تمويل الجهود لتجريم الإجهاض.

يجدر بنا أيضًا هنا، ذكر أن برينس منح الأموال اللازمة للحملات الانتخابية لمايك بنس، فحتى نهاية السباق الرئاسي، ساهم برينس بما يقارب الـ 100 ألف دولار، للجنة العمل السياسية المعروف باسم «اجعلوا أمريكا رقم 1» التابعة لترامب وبنس، وتبرعت والدته أيضا بـ 50 ألف دولار.

إن دعم عائلة برينس لمايك بنس وأيديولوجية سيادة البيض التي يمثلها لها جذور عميقة، فإدجار والد إيريك برينس أسس قطاعًا تصنيعيًا ناجحًا للغاية في مدينة هولاند بولاية ميشيجان، وأصبح أحد الممولين الرئيسيين لما عُرِف لاحقا باليمين الديني المتطرف.