إشارة باليدين تمثّل «نسرًا مزدوجًا»، رفعها اللاعبان الألبانيان في صفوف المنتخب السويسري، تشاكا وشاكيري، احتفالًا بالهدفين في شباك المنتخب الصربي، بالمونديال الروسي 2018، وفي مونديال 2022، تكرّر الأمر بصورة مختلفة، ففي احتفالات ما بعد المباراة بفوز المنتخب السّويسري على الصربي، ارتدى تشاكا قميصاً لمنتخب بلاده يحمل اسم «يشاري»، وعلى الرغم من إنكار تشاكا أي تأويل سياسي، كان من الواضح أن المقصود بالاحتفاء هو آدم يشاري اسم قائد جيش تحرير كوسوفو، وهاجر اللاعبان الألبانيان من أراضي بلدهما كوسوفو إلى سويسرا؛ بسبب عمليات التهجير تحت الحكم الصربي، هاجر شاكيري عندما كان طفلًا، بينما هاجرت عائلة تشاكا قبل ولادته، في وقت سابق في مونديال 2022، قام لاعبو المنتخب الصّربي بوضع علم لصربيا دمجت فيه خريطة كوسوفو، مطبوعة على قطعة من القماش الأبيض، معلقة على أوتاد في غرفة المنتخب لتبديل الملابس، ومختومة بعلم صربيا كتب عليها «لن يكون هناك استسلام».

كل هذه الأفعال على ساحة الرّياضة، هي انعكاس لصراع طويل على الأرض مدّته تزيد على خمسة قرون، بين قوميّتين تعتدّان بهويّتهما أشدّ الاعتداد، وتعيش كل واحدة منهما حلمها الخاص: صربيا الكبرى وألبانيا الكبرى، واشتهرتا تاريخيًّا بالضّراوة في القتال، والاستعداد للصّراع لآخر نَفَس.

كما هي العادة في معظم صراعات منطقة البلقان، لكلّ طرف سرديّته التّاريخيّة التي تشكّلت بناء عليها مطامحه الوطنيّة، والسّياق التاريخي الأشهر لكوسوفو يتمثّل في معركة كوسوفو (قوصوه كما يطلق عليها العثمانيون)، تلك المعركة الملحمية في التّاريخين العثماني والصّربي، عند العثمانيين كانت بداية للاستيلاء على البلقان بأكمله، وترسيخًا لهيبة العثمانيّين في الخيال الغربي، وبالنسبة للصّرب على الرغم من أنّها بداية النّهاية لسقوط المملكة الصّربية، وهجرة عدد كبير من الصّرب للشّمال، وانضمامهم لجيوش أجنبيّة لقتال العثمانيين، فإنّهم لم يعتبروا المعركة هزيمة لهم، بل احتفظوا بصورتها ككربلائهم الخاصّة، تثير الأحاسيس العظيمة بالبطولة والتّضحية ومجد الصّرب الأبدي، وإعلانًا للحرب المستمرّة حتّى تحقيق طموحهم «صربيا الكبرى»، التي كانت كوسوفو مهدًا لها، وكذلك مقرًّا للكنيسة القومية الصّربية الأرثوذكسيّة، لا عجب أن يكون لكوسوفو كلّ هذه الهالة في الوجدان الوطني للصّرب.

هجرات وتهجير

موجات هجرة وتهجير، ساهمت في تغيير ديموغرافيا كوسوفو بين حقبة وأخرى في القرون التّالية، والعامل الرّئيس كان الصّراعات بين القوى الكبرى المختلفة والاستقطابات النّاتجة بين صفوف السّكّان، فحين ينحاز بعضهم لطرف ويهزم يهاجر المناصرون خوفًا من الانتقام، أو بسبب عدم الرّغبة في العيش تحت رحمة العدوّ، أو نتيجة لقمع السّلطات وبطشها بالسّكان المتحالفين مع الآخر.

بعد معركة كوسوفو مباشرة، انتشر الطّاعون في سهل كوسوفو لدرجة أنه كان من المستحيل العيش فيه لسنوات طويلة بعد أن كان منطقة خصبة، ثمّ توالت هجرات الصّرب من المنطقة، اشتهرت منهما هجرتان كبيرتان: الأولى في بداية عام 1690 والهجرة الكبيرة الثّانية في عام 1740 بعد الحرب الروسية النمساوية التركية.

 كانت معركة فيينّا حدثًا فاصِلًا، توقّف بعدها العثمانيون عن التّوسّع غربًا، وأدّت لتغيير كبير في ديموغرافيا كوسوفو والبوسنة وكرواتيا وسلوفينيا والمناطق المجاورة، فنزح عدد كبير من مسلمي المناطق التي انسحبت منها الدّولة العثمانية إلى مناطق سيطرتها، وبالمقابل حدثت هجرة عكسيّة من قبل غير المسلمين إلى الشّمال في سلوفينيا، وعلى حدود المجر والنّمسا والسّاحل الأدرياتيكي.

وكان صرب كوسوفو جزءاً من هذه الهجرات الكبيرة حينها؛ لأن بعض كبرائهم استجابوا لنداء القوى الأوروبية التي دعت شعوب البلقان للقتال ضد العثمانيين والوقوف إلى جانب تحالف القوى المسيحية «الرابطة المقدسة» (الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وبولندا، وروسيا، وجمهورية البندقية) في حربها ضدّهم، حاولت النّمسا استمالتهم، منحتهم ألقابًا ووعودًا مقابل أن يقوموا بانتفاضة ضد العثمانيين، وبارك هذا العمل رجال دين صرب عبر التهديد بالحرمان الكنسي لأي شخص له صلات مع الأتراك، ولكن مع استمرار القتال تراجع الجيش النمساوي إلى الضفة اليسرى لنهر الدانوب والسافا.

خوفًا من انتقام الأتراك، قاد بطريارك الكنيسة الصربية حينها الهجرة الكبرى إلى المجر، ويذكر في بعض السّجلّات العائدة لتلك الحقبة أن 37000 عائلة هاجرت واستقرت في شمال صربيا وفي المجر، بعدها أصبحت 360 قرية مهجورة في كوسوفو، بمرور الوقت، غطت الشجيرات والغابات أجزاء كبيرة من كوسوفو.

الهجرة الكبيرة الثّانية

في عام 1737 اندلعت حرب روسية – نمساوية – تركية جديدة، ثار خلالها صرب كوسوفو مرة أخرى ضد الدولة العثمانية بدعوة من بطريارك الكنيسة الصّربية، فانضم العديد منهم للجيش النّمساوي ولكن تعرضت النمسا للهزيمة وتركت الناس تحت رحمة العثمانيين، فهاجر مع البطريارك أكثر من مئة ألف شخص، وانتشروا في أراضي النّمسا والمجر، وصل بعضهم حتى الإمبراطورية الروسية، حيث استقروا في المناطق التي سميت باسمهم صربيا السلافية وصربيا الجديدة، في أوكرانيا اليوم.

نزل الألبان من معاقلهم الجبلية إلى أودية كوسوفو المقفرة والخصبة، فانتقل مركز تواجد العرق الصربي من المناطق القديمة في كوسوفو إلى شمال صربياالحالية.

نتيجة لهذه الهجرات، أصبح السكان الصرب في كوسوفو أقلية في نهاية القرن التاسع عشر، واكتسبت المنطقة طابعًا عثمانيًا وألبانيًّا.

كل ما ورد، قد يؤكّد السردية الصربية القائلة إنهم سكان المنطقة القدماء قبل وصول الألبان إليها بعد الفتح العثماني، لكن السّردية الألبانيّة المقابلة تؤكد أن أسلاف الألبان (الإلير) كانوا سكّان كوسوفو قبل وصول القبائل السلافية (الذين ينتمي لهم الصّرب) إليها، والاستيطان الكثيف للقبائل السلافية في المنطقة هو ما تسبّب بانسحاب أسلاف الألبان إلى السكن في الجبال المحيطة، وإلى عمق وجودهم على السّاحل الأدرياتيكي.

ويعتبر الألبان في كوسوفو أنّ ادّعاء الصّرب بأنّ كوسوفو هي «مهد الحضارة الصّربية» ليس صحيحًا، بل هو عائد إلى كون أرض كوسوفو أصبحت المنطقة المركزية للملكة الصربية، ووجود مقر الكنيسة الأرثوذكسية الصربية فيها، ولكن ليس لأنّهم السّكّان الأصليّون في المنطقة.

ما يلفت النّظر عند الاطلاع على تاريخ علاقات الشّعب الألباني بالدّولة العثمانيّة، أنّ الألبان يتشابهون مع الصّرب في سعيهم الدّائم للتّمرّد على السّلطة العثمانيّة، وأنّ الحسّ القومي لديهم بقي مسيطرًا على الرغم من اعتناق أغلبيّتهم الدّين الإسلامي.

خاض الألبان بين عامي 1432-1479 حربًا معادية للعثمانيين بقيادة السنجق بيك إسكندر بك الذي انشقّ عن العثمانيين، وبقي إسكندر بك رمزًا وطنيًا مهمًا لدى الألبان، وأصبحت راية عائلته، التي تحمل نسرًا أسود برأسين في مساحة حمراء، علم الحركة الوطنية الألبانية لقرون لاحقة.

تتابعت الحروب بين الدّولة العثمانيّة وجيرانها في محيطها الأوروبي، وبدأت الكفّة تميل لغير صالح الدّولة العثمانيّة، فأعلنت إمارة صربيا الحرب على الدولة العثمانية في 1876، وحصلت صربيا في مؤتمر برلين 1878 على اعتراف دولي باعتبارها دولة مستقلة، وتوسّعت أراضيها، فقام الجيش الصربي بترحيل بين30-70 ألف مسلم، معظمهم من الألبان، من سنجق نيش داخل صربيا، فاستقر الألبان المرحلون في كوسوفو، وكانت لا تزال تحت السّيطرة العثمانية.

وحين نهضت الحركات القومية ضمن الإمبراطورية العثمانية، شكّل الألبان رابطة بريزرين في 1878، التي التزمت إنشاء دولة ألبانيّة مستقلّة داخل الدّولة العثمانية، وشكّلت حكومة مؤقتة لألبانيا، وبالتبعية تأسست منظّمات للحركة الوطنية في كوسوفو لكنّها قمعت بعد نزاع مسلح مع السلطات العثمانية، دفعت الثورة الألبانية في كوسوفو 1912 إلى موافقة الإمبراطورية العثمانية على إقامة شبه دولة ألبانية، لكن سرعان ما طُردت القوات العثمانية بعد حروب البلقان في عامي 1912 و1913، بعد استيلاء مملكة يوغسلافيا على كوسوفو.

حاولت حكومة مملكة يوغوسلافيا طرد السكان الألبان من كوسوفو ومقدونيا، عبر تجريد مئات الآلاف من الألبان من ممتلكاتهم وإجبارهم على إعلان أنفسهم أتراكًا، لتستفيد من اتفاقيات تبادل السكان التي أبرمتها الدّولة العثمانية مع دول البلقان، وترسلهم لتركيا أو ألبانيا، ثم قامت بتوطين الصرب في هذه المناطق، وتعرّض ألبان كوسوفو لمذابح وحشيّة.

حين سقطت مملكة يوغسلافيا عام 1941 بعد غزو القوّات الألمانية والإيطاليّة لها، أصبحت كوسوفو تحت سلطة إيطاليا الفاشيّة، وتتّهم صربيا المتعاونين الألبان مع الفاشيّة باضطهاد المستوطنين الصرب، وقتل الآلاف، وترحيل ما بين 70-100 ألف صربي أو نقلهم إلى معسكرات الاعتقال من كوسوفو، سعيًا لتطهيرها عرقيًّا ثمّ تحقيق حلم الانضمام لألبانيا.

يوغسلافيا السّابقة

منعت الحكومة الاشتراكية الجديدة بشكل ممنهج في ظل جوزيب بروز تيتو النزعة القومية في صفوف الجماعات الإثنية على امتداد يوغسلافيا، وأسست 6 جمهوريات: سلوفينيا وكرواتيا وصربيا والجبل الأسود ومقدونيا والبوسنة والهرسك كأجزاء تشكل الاتحاد اليوغسلافي.

نزع تيتو مركزية السلطة في صربيا – الجمهورية الأكبر والأعلى كثافة سكانية – عبر إنشاء حكومات تتمتع باستقلال ذاتي في مقاطعة فويفودينا الصربية في الشمال وكوسوفو في الجنوب.

على الرغم من أنها كانت ناعمة في الخطابة والدعاية تجاه السكان الألبان، سمحت القيادة الشّيوعيّة عمليًا باستمرار نفس السياسة الفاشية التي تم تنفيذها قبل الحرب، فقد عانى القوميون الألبان من قمع وحشي قامت به الشرطة السرية حتى 1963، أعلنت حالة الطوارئ بهدف سحق أعمال الشغب التي زعم أنها أثيرت من قبل جماعات إرهابية من ألبانيا.

اندلعت مظاهرات الطلاب الألبان، الذين طالبوا بحقوقهم الوطنية، مثل استخدام اللغة الألبانية، وبجامعة ألبانية، وصلاحيات تمثيلية أكبر للألبان في جهازي الدولة الصربي واليوغسلافي، نتيجة لذلك منح تيتو وحزب رابطة الشيوعيين الذي تزعمه صلاحيات أكبر للجمهوريات وحاول تحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في كوسوفو، فتأسست جامعة بريشتينا كمعهد مستقل، وتأسّست أكاديمية الفنون والعلوم، فضلًا عن الإذاعة والتلفزيون في كوسوفو، وهي مؤسسات مهدت الطريق للارتقاء الفكري والثقافي والتنمية العامة للسكان الألبان، وعلى الرغم من أن ألبان كوسوفو نالوا سيطرة تامة على القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية في المقاطعة، فإن كوسوفو ظلت المنطقة الأكثر تخلفًا في كل يوغوسلافيا، وسيصبح الوضع الاقتصادي السيئ محفزًا للمزيد من الاضطرابات.

حرب كوسوفو

بعد وفاة تيتو رئيس يوغسلافيا القوي في 1980، بدأت التصدّعات تظهر في جسد الاتّحاد اليوغسلافي، شعر الألبان أن هناك جهودًا صربية تبذل لأجل تعطيل ما حقّقه الألبان في الفترات الماضية، استمرت المظاهرات الألبانيّة طوال الثمانينيات وسُجن العديد من النشطاء الألبان وأجبر آخرون على مغادرة البلاد، وكانت كوسوفو تخضع لحظر التجول معظم الوقت.

كانت مطالب ألبان كوسوفو تتلخّص بتحويل الإقليم إلى جمهورية، وبالمقابل نظمت الأقلية الصربية في كوسوفو مظاهرات امتدت حتى بلغراد تطالب بإعادة النظر في الحكم الذاتي الممنوح للإقليم ووقف نشاط القوميين الألبان ضد الأقلية الصربية ما دفع بهم إلى الهجرة.

قامت الحكومة التي يهيمن عليها الصّرب بتسليح الأقلية الصربية سرًّا، ما جعل التوترات العرقية تتحول لاشتباكات مسلحة، أثارت هذه التوترات تخوف الصرب من فقدانهم للإقليم، واستغل الأمر سياسي صربي صاعد ألقى خطابًا شهيرًا في كوسوفو، استعاد فيه ذكرى معركة كوسوفو، مهيئًا الأجواء لتصعيد اللهجة ضد الألبان، ثم إلغاء الحكم الذاتي لهم في 1990، رئيس يوغسلافيا سلوبودان ميلوشيفتش.

إعلان الجمهورية والمقاومة السلمية 

على إثر ذلك، بدأت مرحلة نضال سلمي على يد رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الألباني إبراهيم روغوفا، قام بتنظيم استفتاء عام أظهر رغبة الألبان في الانفصال عن صربيا، فأعلنت حكومة كوسوفو استقلالها ولكن لم تعترف بها أية دولة ورفضتها الحكومة الصربية، بل أقرت قوانين ألغت التعليم باللغة الألبانية وطردت العمال الألبان، وكان ما يبدو مخططًا واضحًا يهدف لتهجير الألبان من الإقليم؛ لتغيير التركيبة السكانية.

في البداية انتهج الألبان سياسة تقوم على مبدأ النظام الموازي، بمعنى إقامة مؤسسات بديلة عن المؤسسات الصربية في كوسوفو بهدف الاستقلال من دون إثارة العنف، وإثارة اهتمام المجتمع الدولي، إلا أنها فشلت في ذلك، اقتنع الألبان بضرورة المقاومة المسلّحة، وتدويل النّزاع على غرار ما حصل في البوسنة والهرسك، وقام جيش تحرير كوسوفو بقيادة المقاومة المسلّحة، وردًا على ذلك قررت القوات الصربية شن هجوم واسع ضد جيش تحرير كوسوفو، باستعمال مفرط للقوة ومن دون تمييز بين المدنيين المقاتلين، وبناءً عليه تم تهجير ربع مليون ألباني، وتدمير 170 قرية، ونزح أيضًا أكثر من 300 ألف ألباني وفق إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وإثر فشل مفاوضات حل الأزمة سلميًا تدخل حلف الناتو وشنّ غارات جوية وبحرية على أهداف استراتيجية وعسكرية يوغسلافية لمدة تسع وسبعين يومًا متواصلًا، وتنسحب صربيا من كوسوفو، واحتلت قوات حفظ السلام الدولية كوسوفو تحت قيادة حلف شمال الأطلنطي، ثم أرسلت الأمم المتحدة بعثة إلى كوسوفو للمساعدة في إنشاء المؤسسات المحلية، وبدأت الولايات المتحدة وبلدان غرب أوروبا في رعاية السلطات الألبانية الجديدة في كوسوفو وتوجيهها نحو إقامة دولة، وفي 2008 نالت كوسوفو استقلالها، واعترفت بها ستون دولة، ومن بينها الولايات المتحدة وأغلب بلدان الاتحاد الأوروبي.

التطوّرات الأخيرة

تصعيد خطير حصل في شمال كوسوفو منذ نهاية مايو، بدأت فصوله منذ ديسمبر 2022، حيث قرّرت حكومة كوسوفو منع سيارات تحمل أرقامًا صربية من التجوّل داخل البلد، وإلزامها بتغيير اللوحات الكوسوفية، لكن صرب كوسوفو والذين تقارب نسبتهم حسب التقديرات 5% نظروا للأمر على أنّه استهداف لهم، كونهم يصرّون على كونهم صربًا ينتمون لصربيا، ويشاركون في انتخاباتها الرّئاسية والبرلمانية، ولا يعترفون -أسوة بصربيا- باستقلال كوسوفو.

كان ردّ فعل صرب كوسوفو الأولي احتجاجًا واسعًا، تمثّل باستقالة حوالي 600 من الموظّفين الرّسميين الصّرب في كوسوفو، ومنهم رؤساء بلديات، وضباط شرطة، وغير ذلك.

حكومة كوسوفو برئاسة ألبين كورتي لم تتراجع عن قرارها بمنع لوحات السيارات الصربية، وقابلت الاحتجاج الواسع بإعلان انتخابات بلدية جديدة في المناطق التي استقال رؤساء بلدياتها الصرب، والتي يشكّل الصرب غالبية سكّانها، وبالطّبع قابل الصرب ذلك القرار بمقاطعتهم للانتخابات التي أجريت في أبريل العام الجاري، فكانت النتيجة مشاركة الألبان فقط، ونسبتهم لا تتجاوز 4%؜ في تلك البلديات، مما أفرز رؤساء بلديات ألبان، لبلديات غالبيتها صربية بنسبة 95%؜.

هذه المشاركة المعدومة للصرب في الانتخابات لم تثنِ حكومة كوسوفو عن اعتماد النتيجة، وإعطائها الضوء الأخضر لرؤساء البلديات المنتخبين الجدد بالمبادرة لاستلام مهامهم، وسط غضب صربي واسع تجسّد بمحاولة منع رؤساء البلدية الجدد من دخول مباني بلدياتهم، فكان أن استعانت حكومة كوسوفو بالقوات الخاصة لإدخال الرؤساء لمقرات عملهم بالقوة، وهذا ما كان «القشة التي قصمت ظهر البعير»، فانفجرت الاحتجاجات على نطاق واسع.

أقام المحتجون حواجز لمنع دخول الشرطة الكوسوفية لمناطقهم، فاستعانت الحكومة بقوات الناتو لفرض النظام، ثم تعرض جنود الناتو للضرب بالحجارة والقنابل الحارقة، وأصيب 25 من جنود الناتو بإصابات بالغة، هددت بتحويل الموقف إلى صراع دولي، كون الصرب متحالفين مع روسيا ضمنيًا ومتعاطفين دائمين معها ضد الناتو، وما زالت جهود حلّ النّزاع تجري بتدخّل الاتّحاد الأوروبي، الذي يحرص على الحفاظ على توازن القوى في منطقة البلقان والتوازن في إرضاء الأطراف المتصارعة، وتبقى كوسوفو ميدانًا لصراع أزليّ على الأرض، تغذّيه أسطورة حلم مملكة كبرى، يسعى لها الصّرب منذ قرون، ويثيرون القلاقل في البلاد المحيطة التي يوجدون بها سعيًا لهذا الحلم، ويسعى لها الألبان أيضًا، وكلاهما لا يبدو تحقّقهما ممكنًا على المدى القريب.