خنجر وخريطة، هما هديتا «مصطفى البرزاني» -رئيس إقليم كردستان السابق، ووالد الرئيس الحالي مسعود البرزاني- لوزير الدفاع الإسرائيلي «موشيه ديان» أثناء زيارته الأولى لإسرائيل عام 1966.

أما الخنجر فدليل المودة، وأما الخريطة فدليل الولاء لإسرائيل دون العراق، إذ كانت خريطة مصفاة النفط العراقية الموجودة في كركوك، والتي تم تفجيرها عام 1969 بتعاون مشترك بين البرزاني والموساد. وفي عام 1967 يذبح البرزاني كبشًا ملفوفةً حول عنقه شريطةٌ زرقاء -علم إسرائيل- ومكتوبًا عليه «هنيئًا لإسرائيل»، إشارةً إلى أن الولاء الكرديّ لإسرائيل دون القدس.

ألا تُثير هذه العلاقات شديدة الدفء، والتي تمتد إلى ما يتجاوز الخمسين عامًا، تساؤلات حول كُنه الرابط بين البلدين، وهل دور إسرائيل في انفصال كردستان العراق ليس سوى أنّ إسرائيل رأت فرصةً سانحةً للتوغل في المنطقة عبر رغبة الأكراد في الاستقلال، أم أنّ هذا الاستقلال «صُنع في إسرائيل»؟


أخوة الحمض النووي

عوّدتنا إسرائيل أنّها لا تسعى لاغتصاب حق أحد، وإنما تسعى للحصول على حقوقها التاريخية، المُثبتة بالحقائق التاريخية، (التي هي من صنعها طبعًا)، وليس الأكراد ببدعةٍ في هذا الصدد؛ في العام 2001 نشرت صحيفة «هآرتس»دراسةً أجرتها الجامعة العبرية في القدس المُحتلة تفيد بأن الشعبين، الكردي والإسرائيلي، تجمعهما أصول متشابهة تعود إلى ما قبل التاريخ وخاصة أكراد العراق وتركيا، وأن الشبه بين اليهود والأكراد أكبر من الشبه بين اليهود وعرب فلسطين، وهي النتيجة التي توصلت إليها دراسة سابقة. يبدو وكأن الجينات تتشكل حسب الرغبة الإسرائيلية في إثبات الأحقية بالتواجد في مكانٍ ما.

بالطبع لم تكن الأخوة وحدها التي جعلت إسرائيل تقف وراء كردستان العراق؛ فقبل ظهور هذه الدراسة بـ 40 عامًا، كان السلاح الإسرائيلي يتدفق إلى الأكراد للإبقاء على جذوة ثورتهم ضد النظام العراقي مشتعلة، وكان الاتصال بين إسرائيل والأكراد آنذاك بوساطة إيران الشاه، التي رأت أن إضعاف القوات العراقية وانشغالها بقتال الأكراد في مصلحتها هي الأخرى. وتطور الوجود العسكري الإسرائيلي شيئًا فشيئًا، حتى وصل إلى عصره الذهبي مع بداية الغزو الأمريكي للعراق 2003، حيث خرج التصريح علانيةً من «أرييل شارون» –رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك- أن بلاده تُقيم علاقات قوية مع أكراد شمال العراق.

وما جعل الأمر يتجاوز حدود المصلحة العسكرية، ويتجاوز النظر إليه باعتباره تعاونا عسكريا بين كيانين كل منهما يرغب في الاستفادة من الآخر حتى وقت معلوم، هو صدور العدد الأول من مجلة «يسرائيل ــ كورد»، وهي مجلة كردية تصدر برعاية سلطات كردستان، تُفرد صفحات طوال وتحقيقات ودراسات حول العلاقات الإسرائيلية الكردية.

بهذا التتبع التاريخي الموجز ترتسم حقيقة أن للأمر جذورا قديمة، وأبعادا تفوق الاعتقاد بأن إسرائيل تدعم الأكراد لمجرد أن إسرائيل تدعم أي شيء يُدمر مَن حولها، ويفتت اتحاد المحيطين بها، والاعتقاد بأن الأكراد ما هم إلا صيدٌ ثمين لإسرائيل، وليس انفصالًا عاديًا كجنوب السودان مثلًا.

إنّها تريد أكثر من ذلك، وتريده من الأكراد دون غيرهم، فلماذا الأكراد؟


النفط: كنز الدولة الجديدة

نظرية «دول الطوق الثالث»، التي أرساها «ديفيد بن جوريون» تنص على ضرورة إقامة تحالفات مع دول لا تجمعها حدود مشتركة مع إسرائيل، لكن تجمعها مصالح مشتركة، وليس هناك أفضل من الذين ورد ذكرهم في العهد الجديد.

«إرمياء»

وهكذا عَملت إسرائيل على تقوية هذا الضعيف منذ سنوات، ليكون لها درعًا في الماضي من إيران الإسلامية وبغداد الصدّامية. وتعمل اليوم على تقويته ليكون لها سلاحًا تصوبه إلى وجه المربع المُشتعل، العراق، إيران، سوريا، وتركيا. فضلًا عن أن إسرائيل ترى الصورة الأكبر، فاستقلال الأكراد لن يكون قاصرًا على أكراد العراق فحسب، بل سيكون ذلك نواة لجذب الأكراد شمالي وشمال شرقي سوريا، و20 مليون كردي في شرق تركيا و15 مليون كردي في غربي وشمال غربي إيران، ما يعني نشأة دولة قوية يربطها ميثاق غليظ بإسرائيل، ليتراجع بذلك شعور إسرائيل بالوحدة بين شعوب المنطقة، كما تصبح ورقة ضغط لا يُستهان بها على القوى الفاعلة في المنطقة، إذا أرادت المساس بأمن إسرائيل، أو السير في طريق لا تريد لهم إسرائيل السير فيه. أضف إلى ذلك أن استقلال الأكراد هو الصيغة المُهذبة لنجاح تقسيم العراق بصورة رسمية.

وكردستان العراق هى جنّة النفط التي ينبع منها 75% من النفط المُتدفق إلى إسرائيل، إضافةً إلى ما كشفت عنه صحيفة معاريف في 2014 عن أن العديد من الاستثمارات الموجودة في كردستان العراق مملوكة من قبل شركات إسرائيلية، والتي يديرها جنرالات احتياط من الجيش الإسرائيلي، ومنهم رئيس الموساد السابق «داني باتوم».


للمرة الأولى: شعبٌ وحكومته يدعمون إسرائيل

وعندما يحين الوقت لتحقيق وعد الله لتدمير بابل، سيطلق الله ضعيفا من المناطق الواقعة إلى الشمال من بابل

لم تضِع سنوات العناء التي قضتها إسرائيل في تهيئة الأجواء الكردية بإزكاء النزعة الانفصالية المتواجدة بطبيعة الحال، بل نجحت إسرائيل في أن تسوق لنفسها في الداخل الكردي على أنّها المُخلص للأكراد من الاضطهاد، وأنها الدولة الوحيدة في العالم التي تهتم بقضايا المقهورين والمظلومين، وبهذا حصدت إسرائيل ثمرةً لم تكن تحلم بها يومًا،شعبٌ كاملٌ يدعم إسرائيل، بعد أن اعتادت على أن تكون صديقة للحكومات، عدوةً للشعوب.

الأكراد في مراكز الاقتراع، وفي الشوارع، يرفعون الأعلام الإسرائيلية بجوار أعلام بلدهم، ليس لأنّها دعمتهم، بل لأنّهم يرون في إسرائيل نموذجًا للدولة التي يريدون أن يكونوا عليها، ويرون فيها شقيقتهم في العناء والمثابرة على حق تقرير المصير رغم عداوة الجوار، فهي مثلهم، دولة حاولت أن تبحث عن وطن لها وسط استهجان من العالم، كما يقول أحد المواطنين الأكراد.

فلسطين ليست دولة الفلسطينين، لقد باعوا أرضهم لليهود منذ الأربعينيات، وهم يريدون العودة الآن. ورفضوا كل عروض السلام المُقدمة لهم، لأنّهم لا يريدون سوى رمي الإسرائيليين في البحر، وهذا لن يحدث أبدًا، وليس لديّ أي تعاطف تجاههم.

سارباست حسين- قائد البشمركة السابق

يمكننا الآن الإجابة على السؤال الذي لأجله بدأنا، إذ يتخطى الدور الإسرائيلي حدود الدعم إلى الاستخدام، لتكون دولة الكرد طوقًا مهددًا لأمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لطالما أرعبت إسرائيل عبر بوابة لبنان، وسوريا. الآن باتت تركيا تتحسس أمنها القومي، فحزب العمال الكردستاني الذي كان بلا دولة داعمة، باتت له دولته الداعمة، التي ستغذيه بالمال والعتاد وتوفر الملاذ الآمن ومعسكرات التدريب.