الذين يقبلون الرواية السطحية، عادة هم أكثر الأشخاص عرضة للخداع والتضليل. وهكذا حال غالبية المهتمين بالشأن العربي والعالمي، ونسبة كبيرة من المتخصصين في دراسة الوضع المركب والمعقد لدول الخليج. غارقون في التعميم والتسطيح: دولة ريعية سلطوية! مجرد رجال أعمال يديرون شركة! دولة منفصلة عن المجتمع! دولة ذات تحالف اجتماعي متجانس وموحد [1]! ولا توجد ديناميكية لتفاعل بين أواصرها الاجتماعية! أنظمة منغلقة على نفسها! دولة تخصص من ريع النفط لشعبها مقابل تخليه عن حقوقه السياسية أو الدفع به بعيدًا عن محاسبتها! برلمانات صنعت للاحتواء وحفظ النظام!

كل تلك الأبجديات التي تنطوي على بعض الحقائق عن تلك المجتماعات، فهي مع احتوائها تلك الحقائق تبدو سطحية جدًا، ولم تكن هذه الأبجديات سائرة فقط في إطار المهتمين بالشأن الخليجي، بل تتجاوزه لنظريات رائجة كنظرية «الدولة الريعية الكلاسيكية». كل تلك النظريات أعيد ترويجها في ظل الهجمة الشرسة التي أقدمت عليها تلك الأنظمة ضد ثورات الربيع العربي، باعتبارها أنظمة هشة – وهي كذلك – خائفة من انتقال العدوى إليها.

لماذا فشلت مظاهرات الربيع العربي في تحقيق أي نجاح سياسي يُذكر في دول مثل: السعودية والإمارات والكويت وقطر؟

هذه الدول سعت لإفشال وتخريب تلك الثورات لعدة أسباب؛ منها أن الأنظمة العربية سعت للحفاظ على نسقها التي خبرته ورضيت به منذ حرب الخليج 1991. كذلك الرغبة في الحيلولة دون وصول الإسلاميين للسلطة في تلك الدول، إذ تعتبرهم هذه الدول الخطر الداهم والمحدق بأنظمتها لاحتوائها على مكونات إسلامية وذات تاريخ قوي منذ نشأة دولهم. أيضًا الاتجاه السائد في الخليج بالانفتاح الاقتصادي والثقافي على القاهرة، وبناء على ذلك لم تعد مؤسسات الدولة الخليجية الرسمية هي من تقوم بالاستثمار والتبادل الثقافي – إن وجد- بل أصبح أمرًا شعبويًا، مما يجعل السيطرة على الداخل الاجتماعي أمرًا صعبًا، ويشي ذلك بتشكل وضع جديد يؤدي في نهاية المطاف لتهاوي أنظمتهم، بتشكل وعي جديد لشعوبهم وثقافة اقتصادية جديدة.

هذا المقال يهدف إلى ثلاثة أمور؛ أولًا الكف عن النظر إلى الدولة الخليجية بسطحية تعميمية ساذجة، الأمر الثاني لأهمية دراسة الكويت في التجربة – شبه الليبرالية – في ظل نظام سلطوي، مما يعتبر أنموذجًا لبقية دول الخليج في تحولها إلى أنظمة مفتوحة وديموقراطية، ثالثًا، لأهمية قراءة شباب دول الثورات الموءودة للحالة الخليجية لأن التعامل معها صار أمرًا واجبًا، فلا ديموقراطية ستُعاش في القاهرة إلا بعد أن يشعر بها سكان الرياض وكل دول الخليج. لقد علمتنا تجربة الربيع؛ أننا عرب أكثر مما ينبغي.


من هنا، أبحر الأجداد[2]

غنت أم كلثوم للكويت قائلة: «التبرُ في برها والدر في بحرها»، كانت حكايات الكويت هي ذات حكايات شعوب الساحل المتصالح [3]، غوص ولؤلؤ وهجرة ومراغمًا كثيرًا وسعة. انطلقت قبائل العتوب من نجد في مطلع القرن السابع عشر إلى الأحساء، وفي نهاية القرن اتجهوا صوب قطر تحت إمرة آل مسلم، وما إن تم تهديدهم من حكام قبائلها بسبب نشاطهم في الغوص والتجارة اتجهوا صوب بغداد عبر السفن، وطُرِدوا بضغط من العثمانيين، ثم انتهى بهم المطاف باستيطان الكويت تحت ولاء بني خالد في الأحساء.

في هجرتهم إلى قطر تعلموا فنون الغوص والتجارة البحرية، لذا كانت بالنسبة لهم هجرتهم إلى قطر هي من شكلت واقعهم الاقتصادي والاجتماعي الجديد في الكويت، تتكون العتوب من ثلاثة بطون رئيسية، آل الصباح التي راحت إليها أمور السياسة منذ 1713، وآل خليفة المتحكمون في أمور التجارة وناظموها، والجلاهمة وهم المعنيون بترتيب شؤون البحر. هُدد نظامهم لرفضهم دعوة محمد بن عبدالوهاب، وبعد لجوئه للدرعية هددت الدولة السعودية الأولى العتوب بالكويت، فلجؤوا إلى تسوير المدينة وحمايتها من الأعداء، قبل أن يستخدم ذلك السور كجدار فاصل بين طبقات المجتمع فيما بعد.

وكانت الكويت آخر الدول التي احتُلت من قبل بريطانيا باتفاقية 1899، وذلك لقطع التطلع الألماني للوصول إلى شرق آسيا عبر مد سكة حديد من برلين إلى الكاظمة شمال الكويت. هُدد مجتمع الكويت إبان حروب الإخوان بأمر من الملك عبدالعزيز وبقيادة فيصل الدويش، حتى أبرم اتفاق 1925 بدعم بريطاني. كما لجأ لها المتمردون من الإخوان إبان نزاعهم مع الملك السعودي عام 1929. حدثت هجرات متتابعة في عشرينيات القرن الماضي كانت الكويت مسورة على أهلها، في حين كان المهاجرون يبيتون خارج أسوارها حتى إذا أشرق الصباح دخلوا المدينة وابتاعوا، وإذا جن الليل انصرفوا خارجها، وهم في الغالب مَن يشكلون بدو اليوم.

كانت السلطة وقتها تشاركية تعتمد على توزنات القوى وكلٌ باختصاصه، وعلى هذا الأساس فإن كبار التجار كانوا شركاء في الحكم، كذلك المسئولين عن تنظيم إدارة البحر، واستأثر آل الصباح بأمور السياسة والأمن حتى استتب لهم ذلك. حتى مع ارتفاع نشاط التجارة في ظل الوضع البريطاني والحماية، أصبح تجار الحضر لهم سوطًا في السياسة، ورغبوا في تقاسم السلطة خصوصًا مع فرض ضرائب على تجارتهم، فطرحوا مشاريع لعمل مجالس للشورة عام 1921، ثم مجلس المعارف 1936، ومجلس شورى منتخب عام 1938، جميعها فشلت بسبب رفض آل الصباح مشاركة الملك مع غيرهم.

حتى أن مجلس 1938 تم حله بأمر بريطاني مباشر، ومن المهم الإشارة إلى أمرين، أن نشوء تلك المجالس كان بفعل اجتماعي نابع من التجار أنفسهم، وأن تلك المرحلة التشاركية سابقة لاكتشاف النفط بين عامي 1936 و1938. وتجدر الإشارة إلى وضع تلك المجالس وما أفرزت من قرارات حيث كانت السلطة تستجيب لها، كتطوير التعليم الذي نوقش في مجلس المعارف، وأقر استقدام مدرسين من العراق في حين رفضت أسرة الصباح مقترح العراقيين واستقدمت بدلاً منهم فلسطينيين ومصريين، ومع إمكانات النفط تم إنشاء مدرسة الشويخ الثانوية كبرى المدارس وقتها في الشرق الأوسط، كاستجابة من أسرة الصباح لمقترحهم، قبل تحويل أجزاء منها لجامعة الكويت المنشأة عام 1966. كلفت تلك المدرسة 5 ملايين جنيه إسترليني، وأُنشئت بنظام مصري عام 1954 برئاسة عبدالمجيد مصطفى رئيس البعثة المصرية، وشكل الكويتيون 43% من الطلبة.


كويت ما قبل النفط

تولى عبدالله سالم الصباح في 25 فبراير/ شباط 1950 الحكم، بعد 12 عامًا من وجود فائض من النفط لدى السلطة. لم تعد ثمة حاجة لتشاركية بعد اليوم بين آل الصباح وتجار الحضر. ويُشار إلى عصره بعهد تشكل دولة الكويت، وعهد الاستقلال في 19 يونيو/ حزيران 1961، حيث يُحتفل باليوم الوطني يوم توليه الحكم.

أعيد في عصره مأسسة الدولة قبيل استقلالها وجرى توكيد ذلك في ستينيات القرن الماضي. كذلك جرت إعادة هندسة علاقة المجتمع بالسلطة، بل وتشكيل وضع المجتمع الجديد بما يتناسب مع وضع الدولة الجديدة. فأنشئ في عهده التعليم الثانوي الذي احتوى بذور الحركة القومية العربية والوطنية، خصوصًا مع ارتباط المتعلمين ببيروت والقاهرة عرين القومية. كذلك احتوت بذور لحركات الإسلام السياسي بعد محنة الإخوان المسلمين بالقاهرة 1954، عبر جمعيات أهلية كجمعية الرشاد.

كما أصدر الصباح قرارًا بإلغاء الرق، مما أدى لظهور مشكلة البدون، الذين تشكلوا من الرقيق الأفارقة والمهاجرين من العراق والدول المجاورة قبيل استقلال الكويت. اعتمدت سياسات الدولة الاجتماعية على إعادة احتواء أكبر قدر ممكن من القاعدة الاجتماعية، فمن ناحية ضمنت مستوى من أدوات دولة الرفاه للمكونات القبلية والشيعية [4]، وأتى ذلك من خلال استخدام آلة التوظيف في القطاع العام، ومن خلال غزو مظاهر الحضر في مناطق البد والقبائل، حتى أصبح مع بداية الألفية جميع مواطني دولة الكويت يعيشون في مناطق حضرية [5]. حددت الدولة قاعدتها الاجتماعية بعناية فائقة، وظفت قدرتها لاحتواء الأطراف في قيادة المركز، ولكن ما وضع سكان الحضر والتجار منهم، ممن يمتلكون أصلًا تلك الرفاهية ولا يعتدون بها منحة، بل هو حق مكتسب؟

هنا أتى التمييز بمنافع خاصة ستؤدي كما يوضح الباحث لؤي علي [6] إلى وجود صراع اجتماعي بالكويت، تنظمه الدولة وخصوصًا في مجلس الأمة. هذه السياسات الخاصة تمثلت في التثمين الحكومي، أي شراء الأرض من التجار بأسعار ضخمة جدًا لإعادة توزيع المال. الأمر الثاني من خلال إرساء المناقصات الحكومية من جميع الفئات لتجار الحضر، بصورة تتجاوز 90% وهي سياسة قائمة حتى يومنا هذا. كما أُنشئت في عام 1953 الهيئة العامة للاستثمار – أقدم صندوق سيادي في العالم – لاستثمار فائض النفط، وهو الرابع عالميًا اليوم بقيمة تتجاوز نصف تريليون دولار والثاني عربياً بعد أبوظبي، ساهم الصندوق في إعادة رسم العلاقات الخارجية للكويت وتنظيم دور لها في النسق العربي والإقليمي.

أما ظهور مجلس الأمة والحالة شبه الليبرالية في ظل حكم سلطوي، جاء بنصيحة بريطانية. وذلك بسبب الظرف التاريخي والعوامل الداخلية والخارجية، كما يشير عبدالله النفيسي في كتابه «الكويت.. الرأي الآخر»، تمثلت العوامل الخارجية في المد الناصري [7]. فعلى سبيل المثال خرجت جموع الطلبة والحركة الوطنية بالكويت تطالب بالتحرر والاستقلال، ودعمت ثورة ظفار 1965 ذلك التوجه، بالإضافة لتفاعلها مع مصر في حرب 1956 والوحدة مع سوريا. أدى هذا الضغط خصوصًا مع صعود النزعة القومية في بلد نفطي مغرٍ لبريطانيا، لمنح الكويت استقلاله مع التخوف من تكرار ظاهرة مصدق في إيران مرة أخرى، وامتدادًا لاستقلال العراق مُنحت الكويت ذات الاستقلال على شرط مهم، وهو إنشاء مجالس ديموقراطية، تسمح بكثير من التحرر الاقتصادي والاحتواء السياسي يضمن للأسرة الحاكمة الملك، ولبريطانيا النفط من خلال النخب.

ومع طلب عبدالكريم قاسم رئيس العراق وقتها، ضم الكويت للعراق أنزلت بريطانيا قوات لحماية الكويت الوليدة بعد استقلالها بشهر، أما العوامل الداخلية، فتحالف التجار مع الحركة الوطنية للحصول على وضع سياسي، بعد تحييد مراكزهم إثر تراجع التجارة والاستقلال المالي لأسرة الصباح عبر النفط. ثم منحتهم سياسات الدولة بعض الصلاحيات واجتذبتهم إليها؛ ذكرنا منها التثمين الحكومي والمناقصات، بالإضافة لشرط وجود شريك محلي بالنسبة للاستثمارات الأجنية. مثلت تلك النخبة وسيط السوق الحر ويمكن وصفها بالنيوليبرالية الكويتة.


هل من شرعية جديدة؟

بعيد اكتشاف أسرة آل الصباح لجريرة النظام الذي طُرح مع المجلس التأسيسي 1962م، وأول انتخابات محدودة في الخليج [8]، هذه الجريرة اضطُرت الأسرة لتزوير انتخابات 1967، ومع انتفاء التحديات الخارجية والداخلية سعت الدولة لحل المجلس بشكل غير دستوري عام 1976. اعترضت الحركة الطلابية على الحل لكن جرت تحولات في الحركة بتقدم الإسلاميين فيها مع عام 1977. كانت موجة التيارات الإسلامية قد سيطرت على الحياة السياسية، الإخوان المسلمين من جهة، وسلفيو الكويت الذين ظهروا مع وصول الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق المصري عام 1965 والشيخ عمر الأشقر الأردني، وفي نهاية السبعينيات تراجعت قوى اليسار والقومية مع انهزامها الإقليمي عمومًا، وصعود قوى التسلفن السعودي الناعم في المنطقة.

أيدت الحركة اليسارية في ذلك الحين تحركات جهيمان ضد الحكم السعودي، وقدمت لهم تسهيلات الطباعة على أمل تقويض الحكم السعودي الذي كان في نظرهم رجعي ومنغلق، بالإضافة لعداوته لدول الجوار ومعاملته لهم بمنطق التابع. اتجه اليسار مع احتوائه من الدولة في مجال الثقافة والفنون بشكل أكثر من فترة الستينيات. في ذلك الوقت قامت الدولة بتنمية البنى التحتية والمكتبية [9] ورفعت من كفاءة وقدرة مؤسسات الثقافة. تلك التحركات ستتمكن من إحداث طفرات ثقافية في الكويت. فبعد حل مجلس الأمة للمرة الثانية بشكل غير دستوري 1986، أصبح هناك وعي سياسي أكبر وانتفضت الحركة الطلابية وعلى رأسها الاتحاد الوطني لطلاب الكويت، لذا جرى حله وبالرغم من ذلك سعى لتنفيذ شبه ديموقراطية شعبية عبر ديوانيات الإثنين، التي انتهت هي الأخرى بالإغلاق والتضييق.

أصبح النظام شبه عارِ من أي شرعية، في هذه الإثناء كان قد كثف جهوده لبحث عصر ما بعد النفط، راغبًا في إجراء تحولات حقيقية تتضمن استمرار تسلطه وتفرده بحكم الدولة، وبالرغم من ارتفاع قيمة الاقتصاد الخدمي والميركانتلي [10]، فإن هذا الاقتصاد لا تنشأ منه علاقات الإنتاج المثمرة لأي تحول ديموقراطي، أو لتغيير شكل النظام السياسي والاجتماعي عمومًا، وذلك بسبب العمالة المرتفعة من الخارج.

أتى الاحتلال العراقي في أغسطس/ آب 1990، كرصاصة الرحمة التي أعادت الروح للنظام بعد حالات مزرية من الفشل. رُفضت محاولات الخليجيين لحمل السلاح والدفاع عن وطنهم، وذلك لأن التضحية توجب تقاسم السلطة، واكتفوا بسعيهم لحشد دعم دولي كتحركات الطلاب. أما مقترحات كالتي أشار اليها روبرت ليسي في كتاب «المملكة من الداخل»، بأن أسامة بن لادن عرض على الأمير نايف والملك سلمان خطة لتدريب قوات شعبية ومواجهة القوات العراقية رفضت بالرغم من أن ابن لادن سعى بعد ذلك لإنشاء معسكرات باليمن، بالتعاون مع علي محسن الأحمر نائب الرئيس هادي.

كانت لحظة الفشل التي سبقت الاحتلال تبعتها محاولات السلطة توسيع مستوى احتوائها للمكونات الاجتماعية والسياسية، فأعادت مجلس الأمة 1992 بعد 6 سنوات من الإغلاق، وأعادت الحياة الدستورية، وتقبلت الحركة الطلابية وأشادت بها في الحشد الدولي، وأعادت احتواء التيار الشيعي ليدفع بمرشحيه في المجلس. كذلك القبائل مع ظهور مزيج قوي من التيارات السياسية مرة أخرى من الإخوان المسلمين وصولًا لليسار، مرورًا بالديموقراطية الاجتماعية وبعلاقات التجار المتمثلة في الغرفة التجارية. كانت هذه اللحظة إعادة مأسسة لجميع تلك القوى والتيارات التي تشكلت بشكل سابق مع ظهور الكويت الحديث.


على أعتاب التحول: سياسات حذرة

مؤشرات الاقتصاد الكويت «كتاب الإحصاءات التابع للأمم المتحدة، ص214»
مؤشرات الاقتصاد الكويت «كتاب الإحصاءات التابع للأمم المتحدة، ص214»

تعداد سكان الكويت 4.5 مليون نسمة،يشكل الكويتيون منهم 31%[11] بتعداد سكان يبلغ 1.4 مليون نسمة، منهم أكثر من 120 ألفًا من البدون، مواطني الدرجة الثانية التي لا يتمتعون بحقوق جنسية كاملة.

العاملين في الكويت من السكان المحليين عام 2005
العاملين في الكويت من السكان المحليين عام 2005

في عام 2000 مع نمو السكان المحليين، وارتفاع نسبة البطالة قررت الحكومة رفع مستوى التكويت في القطاع الخاص، والذي يمتلكه تجار الحضر والشركات متعددة الجنسيات والأجنبية. أدى ذلك منذ عام 2005 وحتى 2012 إلى ارتفاع نسب العاملين المحليين بالقطاع من 10% الى أكثر من 21% مع نمو العاملين بالقطاع العام والخاص عمومًا إلى 25%. وفي حين تدفع الحكومة اليوم برفع التكويت إلى 85% بحلول عام 2020، سيفرز ذلك ولا شك وضعًا اجتماعيًا جديدًا.

كان أهم ما يميز الحكومة بعد عام 2000 هو احتواء المجموعات المهمشة بشكل أكبر كالمرأة التي سُمح لها بالتصويت والترشح في مجلس الأمة 2005، كذلك الاستجابة للضغط الشعبي من خلال تغيير قانون دوائر الانتخاب التي كانت تضمن للحكومة أغلبية مريحة في المجلس، ليصبح نظامًا معقدًا وأكثر جماهيرية لصالح المؤسسات السياسية وعلى رأسها الإسلامية، كذلك استقالة رئيس الوزراء بعد ضغط شعبي.

تركيبة النظام السياسي في الكويت
تركيبة النظام السياسي في الكويت

يؤدي ذلك لحالات الترقي الاجتماعي خارج إطار وحدود قواعد الدولة للترقي منذ خمسينيات القرن الماضي، ما ينبئ عن وضع اجتماعي واقتصادي جديد، وبالتالي سيتبعه تحول سياسي. وبالرغم من ذلك فهذا التنوع الاقتصادي قد يفرز تمايز اجتماعي، ووعي سياسي ليكون تحديًا للنظام السياسي في الكويت [13]، إلا أن سياسات الدولة الحذرة لحصره في المجال الميركانتلي حيث الصيرفة والأوراق المالية والاقتصاد الخدمي، تحول دون تشكل علاقات إنتاج قوية ووثيقة.

وبالرغم من ذلك يمكن رصد ذلك من خلال التصويت الاقتصادي على المنافع العامة التي تعتبر امتيازًا للجميع حيث تقوم أطياف التحالف الاجتماعي الحاكم بالتصويت ضد الحكومة في المشاريع التي تخص المنافع العامة بمجلس الأمة [14]، لأنه أصبح حق مكتسب للجميع وهذا ما جرى على مكونات كالقبائل والشيعة التي لم تعد الرفاهية تكفيها بل تجاوزوها للحصول على امتيازات ومنافع خاصة، وفي حين يصوت الحضر والشيعة والوزراء والحكومة لصالح قرارات المنافع الخاصة، مع معارضة قبلية، فإن ذلك يؤكد وجود صراع اجتماعي محموم، خصوصًا مع سياسات النيوليبرالية وفتح الأسواق أمام استثمارات أجنبية ضخمة وخصخصة للقطاع العام، الذي تستفيد منه النخب الحضرية.

يصنف نورث وآخرون [15] في تصنيفهم للأنظمة السياسية على أنها مقيدة هشة، مقيدة أساسية، مقيدة ناضجة، ثم أنظمة مفتوحة، إلا أن الانتقال من الأدنى إلى الأكثر انفتاحًا يعتمد بالأساس على عوامل أهمها:

  • سيادة القانون بالنسبة للنخب.
  • تقديم الدعم للمنظمات النخبوية التي عاشت على الدوام، العامة والخاصة.
  • السيطرة السياسية المعززة على المنظمات ذات القدرة على العنف.

ونضيف إلى ذلك أهمية التحول من اقتصاد نفطي إلى صناعي، وهو الخيار الذي تتهرب منه الدولة الكويتية، بل تكتفي بالتجارة الخدمية والميركانتلية التي قد لا تسبب تحولًا في شكل النظام، لذلك فإن وضع النفط المضطرب قد يزج باتجاه التحول الاقتصادي، مع نمو وضع عدم ارتباط الأجيال الجديدة بالدولة من ناحية الترقي الاجتماعي، كما تفرض حالة انهيار الأسواق العالمية وضعًا قد يكون مرعبًا لهذا النظام، من خلال تضخم البطالة التي قد تحدث، مما ستؤدي إلى حالة شبيهة بمعاناة النظام الملكي المصري جراء انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتسريح العمال وسيسعى النظام وقتها للبحث عن شرعية جديدة، وإن لم يوفق فسيلتهم الصراع الاجتماعي النظام مُنبئًا بعصر جديد ربما يكون عصر ديموقراطيات الخليج!


[1] التعامل مع المجتمع ككتلة واحدة ومتجانسة.[2] العنوان مستلهم من قصيدة (إنني بنت الكويت) للشاعرة سعاد الصباح.[3] الساحل المتصالح يطلق على دول الخليج العربي التي كانت تحتلها بريطانيا، وهي أول المناطق العربية التي سقطت تحت سطوة الاحتلال عام 1820، ومدت بريطانيا احتلالها حتى عدن فيما بعد ثم الكويت 1899.[4] لؤي علي، مدخل إلى فهم الصراع الاجتماعي في الكويت، مجلة عمران ربيع 2019.ص69-70.[5] راجع كتاب إحصاءات الأمم المتحدة 2018.ص214.[6] المصدر السابق.[7] عبدالله النفيسي، الكويت الرأي الآخر، مكتبة آفاق -طبعة جديدة-2012.ص69-70-71. الكتاب أصدر عام 1978م في لندن بعدل حل مجلس الأمة حلا غير دستوري عام 1976م.[8] منح التصويت لعدد قليل من فئات الشعب فمنعت المرأة والعديد من الفئات مثل البدون منعوا من المشاركة.[9] تشير نورث إلى أن الكويت كانت تحصل على أكبر شبكة معلوماتية في الشرق الأوسط في الثمانينات وقدرت البنية التحتية التي اتلفت على يد القوات العراقية إبان الغزو في هذا المجال بـ150 مليون دولار، بالإضافة لإتلاف الملايين من الكتب وتدميرها بالإضافة لتدمير خطط ما بعد عصر النفط، ويمكن العودة للإحصاءات للأرقام المفزعة لتدمير الكتب إلى ربيكا نورث، إبادة الكتب، عالم المعرفة 6/2018، ص179-213.[10] هو الاقتصاد المصرفي والخدمي والتجاري، الذي لا يهتم بشكل أساسي بالرأسمالية الصناعية وتعظيم الصادرات، وتراكم رأسمال بطيء، والذي يعيد تشكيل السلطة وهيئة المجتمع وذلك لوجود علاقات الإنتاج الطويلة والثقافة التي تتشكل مع الزمن من خلالها.[11] يبلغ مواطنو مجلس التعاون الخليجي 52% فقط من تعداد سكان الخليج، تتصدر السعودية القائمة بـ63% من سكانها سعوديون، في حين تتذيل القائمة الإمارات بنسبة 19% فقط من سكانها إمارتيون.[12] لؤي علي، مصدر سابق.[13] نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية، ترجمة أمجد حسين، مركز دراسات الوحدة العربية 2010.ص453.[14] راجع دراسة لؤي علي سابقة الذكر.[15] دوغلاس نورث وآخرون، في ظل العنف، عالم المعرفة 2/2016م،ص31.[16] المصدر السابق.ص27.