يزور وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد القاهرة لإجراء محادثات مع مسؤولين مصريين حول عدة ملفات.

الزيارة ستكون أحدث حلقة في سلسلة اتصالات رفيعة المستوى بين إسرائيل ومصر. سبقها اجتماع رئيس الوزراء نفتالي بينيت في شرم الشيخ مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر، في أول قمة من نوعها بين القادة المصريين والإسرائيليين منذ أكثر من عقد، وزيارة الرئيس الجديد لجهاز الأمن العام الشاباك ومستشار بينيت للأمن القومي إلى مصر لإجراء محادثات بشأن غزة.

ملفات على جدول الزيارة

تجري إسرائيل وحركة حماس مفاوضات غير مباشرة، خاضعة لإشراف مصر، بشأن استقرار وقف إطلاق النار الهش منذ المعركة التي استمرت 11 يومًا بين الجانبين في مايو. وتعهدت إسرائيل بعدم السماح بإعادة إعمار غزة بشكل كامل دون تبادل الأسرى بين الجانبين.

يتوقع أن تشمل عملية تبادل أسرى محتملة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، تخص إسرائيليين يفترض أنهم محتجزون في قطاع غزة، في عملية مجمدة منذ صفقة 11 أكتوبر 2011، حين أفرجت السلطات الإسرائيلية عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل إفراج حركة حماس عن الجندي الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، بوساطة مصرية كذلك.

الجدول يتطرق إلى تسليم القطع الأثرية المصرية المسروقة المهربة إلى إسرائيل. لم تحدد تفاصيل تلك الآثار المهربة، لكن سلطات الآثار في الكيان قالت مطلع هذا العام إنها عثرت على العديد من القطع المهربة التي تعود إلى مصر القديمة، بينها أغطية توابيت مزخرفة، وصناديق خشبية مطلية على الطراز المصري، وتماثيل مختلفة.

الملف الأهم: حرب جديدة في غزة؟

لكن الملف الأهم الذي تغطيه زيارة لبيد إلى القاهرة ستكون الصراع مع غزة، والهدنة المؤقتة التي توسطت فيها مصر في القطاع المحاصر بعد جولة التصعيد الأخيرة.

الأهمية هنا تتعلق بتزامن الزيارة مع تصريح مصدر رفيع في حماس لقناة «الجزيرة» بأن القيادتين السياسية والعسكرية للحركة تدرسان خيارات التصعيد مع إسرائيل في ظل استمرار الحصار على قطاع غزة، والتباطؤ في إعادة الإعمار، وتفاقم الأزمات الإنسانية.

وذكر المصدر القيادي أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى ومصادرة الأراضي وتشديد الإجراءات ضد الأسرى، «صاعق سيفجر الأوضاع من جديد».

القيادي الحمساوي قال، إن الخيارات المطروحة تشمل التصعيد الشعبي، لكنها تمتد لكسر الحصار البحري بقوة المقاومة، دون أن يستبعد الخيار العسكري الذي وصفه بـ«المطروح بقوة»، مشددًا أن حماس «لن تسمح باستمرار الوضع الحالي»، وأن «المرحلة القادمة ستثبت مصداقية ما نقول».

مصر طرف أم وسيط؟

قدمت القاهرة نفسها وسيطًا بين حماس وإسرائيل فيما يخص التهدئة ومحاولة كسر الحصار عن غزة. لكن مصدر حماس عبّر عن استياء الحركة الشديد من سلوك مصر التي قال، إنها تتلكأ في تنفيذ وعودها تجاه غزة، ولم تلتزم حتى اللحظة بما تعهدت به للحركة والفصائل الفلسطينية في ما يتعلق بإعادة الإعمار، بحسب قوله، وإنها «تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع غزة»، متهمًا إياها بمنع الآلاف من السفر من القطاع من دون مبرر، فيما اعتبره «تخليًا عن تعهدها بإلزام إسرائيل مقابل التزام المقاومة بالتهدئة».

الأمر هنا ربما لا يكون مشكلة إعادة إعمار غزة ولا رفع الحصار عنها بذاته، بل في الآلية؛ فإسرائيل مصممة على تعطيل العملية حتى تبادل الأسرى، وأن تجري بشكل يضمن ألا تستلم حماس مخصصات إعادة الإعمار، ولا أي أرباح شعبية ناتجة عن تخفيف قيود الحصار، وربما تكون القاهرة معنية بنفس الأمر.

تحليل لمركز كارنيجي كشف جانبًا مهمًا من تلك الأزمة؛ إذ قال إن المشاورات المحلية والإقليمية والدولية رجحت كفة السلطة الفلسطينية بمنحها صلاحية إعادة إعمار غزة، وإدخال المنحة القطرية من خلالها، وليس إلى غزة مباشرة، وهي توجهات جديدة قادتها الإدارة الأمريكية، ولقيت استحسانًا إسرائيليًا ومصريًا وأمميًا، فيما واجهت رفضًا من حماس لأنه يعمل على «تفريغ» إنجازها العسكري من مضمونه، و«تبهيت» انتصارها الميداني، بحرمانها من ترجمته إلى إنجاز سياسي؟

ونقل التحليل عن مصادر رفيعة في حماس أن «الحركة تخشى من توجه لزيادة الضغط عليها بتقييد دخول المال «الكاش» إلى غزة، أو بإبعاد حلفائها عن القطاع، لصالح أطراف أخرى ليست على توافق تام مع الحركة.

وتأزم الموقف بين فتح وحماس حين أظهرت السلطة الفلسطينية رغبتها بتحييد حماس عن كل ما يتعلق بإدارة غزة، خصوصًا إعادة الإعمار، عبر لجنة رسمية لم تضع في حساباتها الحكومة القائمة التي تقودها حماس في غزة.

ظروف متغيرة؟

بعد ستة أشهر من الصراع في غزة، تعتبر إسرائيل نفسها أكثر استعدادًا للذهاب إلى الحرب، خصوصًا بعدما أعلن وزير الدفاع بيني غانتس، الانتهاء من بناء جدار على الحدود مع القطاع، بعد أكثر من ثلاث سنوات من البناء ، قائلاً إنه يضع «جدارًا حديديًا» بين حماس ومستوطني جنوب فلسطين المحتلة.

وخلال جولة القتال في مايو، استخدمت حماس نظام أنفاق متطور داخل غزة، وأطلقت أكثر من 4000 صاروخ على إسرائيل في 11 يومًا، مع وابل كبير طغى أحيانًا على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية المتطورة.

في المقابل، نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية، وهدمت عدة مبان متعددة الطوابق، وأدت لاستشهاد أكثر من 250 شخصًا في غزة، بينما قُتل 13 إسرائيليًا.

تقول إسرائيل كذلك، إن خيار تصعيد المقاومة الشعبية لن يكون مجديًا؛ بعدما منعت قوات الاحتلال عمليات التسلل الجماعي على الحدود. في المقابل، تشكك الميديا الإسرائيلية في استعداد مستوطنات الجنوب، خصوصًا عسقلان، الأكثر استهدافًا في مايو، لاستقبال المزيد من الصواريخ.

لا يزال 150,000 من مستوطني المدينة لا يستطيعون الوصول إلى أي نوع من الملاجئ ، بما في ذلك الملاجئ العامة والغرف الداخلية المحمية بالصواريخ (المعروفة بالعبرية باسم مماد) والملاجئ المحمولة. وبعض المباني المتضررة لم يتم إصلاحها بعد.

وقال رئيس بلدية عسقلان، تومر جلام لـ«تايمز أوف إسرائيل» الشهر الماضي: «نحن لا نطلب خدمات أو كرمًا. نطالب بما نستحقه بموجب القانون. أن تتخذ الحكومة خطوات لحماية السكان في الوقت المناسب للجولة التالية من القتال التي نعلم جميعًا أنها ستأتي».

حماس لا تزال قادرة

مسلحين بخطط حرب واسعة النطاق، حاول القادة العسكريون الإسرائيليون بشكل منهجي تعزيز قائمة الأهداف في جولة اشتباك مايو، في محاولة لإلحاق أكبر قدر من الضرر بقدرات حماس العسكرية وقادتها.

مع ذلك، أقرت الطبقة العليا في الجيش الإسرائيلي بأن هذه الجهود قد لا تمنع جولة أخرى من القتال، حتى في المستقبل القريب.

لا يزال لدى حماس نحو 8,000 صاروخ، وفقًا لضابط إسرائيلي كبير، وعدة مئات من قاذفات الصواريخ، وفقًا لضابط آخر من هذا القبيل، وهو ما يكفي لحربين مستقبليين.

وعلى الرغم من قدرة المراقبة الإسرائيلية وقوة النيران العسكرية الهائلة في الجوار، تمكن المسلحون الفلسطينيون في غزة من حشد ترسانة كبيرة من الصواريخ ذات المدى المحسن في 16 عامًا.

وإلى جانب الأنفاق والصواريخ، يقول خبراء ومسؤولون عسكريون إسرائيليون إن هناك تهديدًا غامضًا آخر أقل نقاشًا: دخول قوات كوماندوز بحرية سرية إلى إسرائيل أو ضربها عن طريق البحر، وشن هجمات محتملة على منشآت الطاقة أو المستوطنات المأهولة.

وربما مضطرة

يضاف إلى ذلك أن غزة، التي كانت تعاني بالفعل من وطأة حصار غير محدود من قبل إسرائيل حتى قبل اندلاع الصراع الأخير، باتت في أزمة إنسانية مدمرة ومضاعفة بعد الجولة الأخيرة، التي دمرت أنظمة الصرف الصحي، وأضرت محطة تحلية المياه التي توفر المياه العذبة لربع مليون شخص، كما تضررت عشرات المدارس أو أغلقت، مما أجبر نحو 600 ألف طالب على التغيب عن الدراسة، وفر نحو 72,000 من سكان غزة من منازلهم.

في هذه الظروف، نقلت شبكة الميادين اللبنانية عن مصادر قولها، إن تصريح حماس يعتبر إنذارًا نهائيًا لتلبية مطالبهم بحلول نهاية 2021.

وبحسب المصادر، من المقرر أن يبدأ نشطاء غزة الضغط تدريجيًا على إسرائيل ابتداء من الأسبوع المقبل، بعدما لم ترد مصر على تقييم وضع حماس الذي قدمته إليها قيادة الحركة مؤخرًا.