تشكل قصة «طريق» إحدى قصص كتاب «الأطفال العائدون من الليل» Los niños volvieron de noche، وتُسلِّط الضوء على جرائم العنف ضد المرأة، وما تتعرض له من قتل وعنف واغتصاب، لا لشيء إلا لكونها امرأة. والتفتيش عن ملاذ في العالم الافتراضي للهروب من وطأة الواقع.

والكتاب هو من تأليف الكاتب المكسيكي الشاب «إدواردو سيردان»، الذي وُلد عام 1995، ونشر مجموعتين قصصيتين، ويكتب حاليًّا في أهم الصحف والمجلات المكسيكية، بالإضافة إلى تدريس مادة الأدب بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة، والتي تُصنَّف كواحدة من أعرق وأكبر جامعات أمريكا اللاتينية.

ترجمة قصة «طريق»

تتجه ماريانا بحقيبة ظهر زرقاء نحو تقاطع شارع «سيرو ديل أجوا» مع شارع «إيخي ديس». لم تبالِ بحَمل أمتعتها عبر أروقة الكلية؛ لأن العودة إلى البنسيون الذي تقيم فيه -بعد انتهاء المحاضرات- كان سيؤخرها كثيرًا. بالكاد تحدثت مع أحدٍ طوال اليوم، بالإضافة إلى أنها غير مهتمة بتكوين صداقات جديدة. تؤمن ماريانا بأن طَبْع سكان مدينة مكسيكو لا يتوافق وطبيعتها. تتذكر أمها بينما تمشي، حسبما قالت لها عندما هاتفتها ليلة أمس، بأن أكلة التاماليس [1] ستكون في استقبالها عند عودتها إلى ولاية بويبلا [2].

– لا يهم موعد وصولك يا عزيزتي -قالت لها- سأنتظرك مستيقظة.

كانت ماريانا أيضًا مبتهجة لما ستظفر به من خبز الموتى [3] والتاماليس اللذين يُقدمان في إجازة الاحتفال بيوم الموتى [4]: «سأغدو ككرة متدحرجة من التخمة». يوشك شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام 2015 على الانتهاء.

تنبعج رائحة كريهة عفنة من شاحنة القمامة أفسدت الهواء لحظة الغروب. عند وصولها للتقاطع، تلوِّح الفتاة بسبابتها لتشير لسيارة أجرة بحالة جيدة. لم يكن استخدام مترو الأنفاق الذي يفزعها خيارًا لها؛ لأنه غير آمن في هذه الساعة، أو في أي ساعة. كذلك سمعت أن مواقف سيارات الأجرة، بالإضافة إلى أنها باهظة الثمن، فإن سائقيها مثل المافيا، لديهم اتفاقات مع المجرمين؛ لذا تم استبعادها أيضًا.

رغم التخوُّفات، ترغب في تجربة تطبيق المواصلات العصري، لكنها لا تستطيع التسجيل حتى تتلقى بطاقتها البنكية التي وعدتها موظفة البنك بأنها ستتلقاها قريبًا.

تتوقف سيارة أجرة، تداعب أضواؤها حدقتي عينيها، من ماركة سنترا ليست بالقديمة. تتحقق ماريانا من بيانات السائق في بطاقة الترخيص المعلقة بزجاج مقعد الراكب [5] ومن تطابق وجهه مع تلك الصورة الموجودة في الترخيص. وأرقام اللوحات؟ كل شيء على ما يرام.

تفتح الباب الخلفي الأيمن للسيارة، وتصعد في شيء من التعثر، وتخبر السائق بوجهتها: لا تابو.

– موقف الحافلات؟

– نعم، تلك التي بمنطقة «سان لازارو».

تجيب وهي تحاول أن تبدو واثقة، على الرغم من أنها تجهل كيفية الوصول إلى هناك. فقط لديها شهران، أو ما يقرب من الثلاثة في براثِن العاصمة، ولكن هذه المعلومة يجب ألا يعلمها السائق.

بيـــــــــــــــب: تعريفة فتح عداد سيارة الأجرة 8.74 بيسوس.

سرعان ما تُصاب ماريانا بالذهول من نهر الأبواق ومن استخدام مكابح السيارة، لذا قررت إخراج هاتفها المحمول. رائحة السائق الكريهة -المليئة بالعرق الحامض- لا تساعدها على الشعور بالطمأنينة. تتصفح كل ما هو جديد بالفيسبوك.

بيب: هل عليها أن تراسل أمها الآن؟ «سأقوم بمراسلتها فور وصولي إلى موقف الحافلات» شوارع المدينة مختنقة، ولن يكون من السهل الحصول على تذكرة، ولا داعي لأن تنغص أمها وتسبق الأحداث.

تتخيل ماريانا نفسها في سريرها وهي محاطة بالأمن الذي تغدقه عليها والدتها التي تُدلِّلها وترعاها؛ شتان بين ولاية بويبلا وهذه المدينة التي تنفث الخوف ليلًا.

تبتسم ماريانا. «أكاد أصل».

بيب.

– انتبه لطريقك أيها اللعين -يصرخ السائق من النافذة خلف عجلة القيادة- ولا ترفع ماريانا عينيها عن هاتفها الآيفون، بينما تمضي سيارة الأجرة في الطريق الذي يبدو بلا نهاية.

بيب، بيب، بيب.

عندما يشير العداد إلى 103.97 بيسوس، تحاول رؤية شيء يدلها على مكانها، لكن لا تستطيع رؤية أي شيء وتفقد صبرها: الشوارع التي يسيرون فيها بلا إضاءة.

بيب.

تقضم أظافرها، والسائق الذي يراقبها عبر مرآة السيارة الداخلية، يقول لها:

– اهدئي يا آنسة، كثيرًا ما تتعطل إضاءة الشوارع في هذه المنطقة.

تشعر ماريانا بتقلصات في المعدة. تفتح الواتساب كي…

عند النظر للأمام مباشرة من بعيد، تبدى طريق يعج بحركة السيارات. تعتقد بأنهم سيسلكون هذا الطريق، لكن سيارة الأجرة لم تستمر في التقدم إلى الأمام، بل انحرفت جهة اليسار.

بيب.

وفي هذا الشارع الذي لا توجد به أعمدة إنارة مضاءة. يُبطِئ السائق من سرعته، ويُطفئ الأنوار [6]، ويتوقف جانبًا. كانت ماريانا في هذه اللحظة تكتب رسالة عندما قام هو بتفعيل الأقفال، ويلف بدنه نحوها، ويقفز إلى الجزء الخلفي من السيارة في مرونة القرد.

بيب.

يُلقي السائق بالحقيبة الزرقاء باتجاه المقعد الأمامي الذي بجوار مقعد السائق، وبصفعة يلقي بالآيفون على الأرض. يُفرِط في التنفس ويفشى في أذن ماريانا بجملة واحدة تتسبب في رعب ما بعده رعب.

تُسمَع أصوات ضحكات في الشارع.

بيب.

صوت ضربة خفيفة بزجاج النافذة.

يسود صمت رطب داخل سيارة الأجرة.

تنبثق نظرة برَّاقة من الظلام بالخارج.

إنه رجل مُشرَّد.

كان لا بد أن يظل ملقًى على الرصيف، والآن يقوم بضرب وجهه على الزجاج ويُبدي ابتسامة بلا أسنان. برؤية ضبابية ترى الفتاة بأن السائق يغمز بعينه لشريكه الجديد.

يهتز الآيفون على أرضية سيارة الأجرة، بيب، يظهر على الشاشة التي سطعت لبضع ثوانٍ رسالة التقطت منها ماريانا بضع كلمات: أخبريني… الطريق… عزيزتي.

المراجع
  1. طبق تقليدي يتم تحضيره للاحتفال ببعض المناسبات ويرجع تاريخه لحقبة ما قبل الإسبان، ويتكون من: عجينة دقيق الذرة المحشوة باللحم أو الدجاج أو الفلفل الحار، وتغطى العجينة في أوراق الذرة أو أوراق الموز، وتطبخ على البخار.
  2. إحدى ولايات المكسيك وتبعد عن مدينة مكسيكو ما يقرب من 136 كيلو متر.
  3. خبز تقليدي حلو المزاق يزين أعلاه بقطع من العجين تمثل العظام.
  4. يعد هذا الاحتفال ذو أهمية شعبية كبيرة ويحتفل به في اليوم الأول والثاني من شهر نوفمبر، ويرجع تاريخ هذا الاحتفال أيضًا لحقبة ما قبل الإسبان، حيث يعتقد بأن أرواح الموتى تعود بشكل مؤقت إلى الأرض لزيارة أقاربهم.
  5. بموجب قانون مدينة مكسيكو، يضع سائقي سيارات الأجرة ملصق بطاقة الترخيص في نافذة الباب الخلفي على الجانب الأيمن، ليتمكن الركاب من التعرف على صورة وبيانات السائق والسيارة.
  6. تنص لوائح المرور على إشعال ضوء صالون سيارات الأجرة مع غروب الشمس وحتى الشروق.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.