السر وقانون الجذب

ماذا إذا أخبرتك أن بإمكانك أن تجد الشريك المثالي، وأضمن لك أن تعيش معه حياة سعيدة، ليس هذا فقط، فتلك الترقية التي تنام تحلم بها، وتخشى أن تذهب من بين يديك إلى زميلك الذي استلم وظيفته للتو، والذي يبدو أنه تعلَّم كيف يُضحِك المدير بشكل أسرع منك؛ لا تقلق ستكون تلك الترقية من نصيبك.

ولكن ما رأيك أن تذهب الترقية إلى الجحيم، يمكنني أن أوفر لك عملك الخاص الذي سيُدر عليك ملايين الجنيهات، في فترة أقصر بكثير من تلك الفترة التي قضيتها تفكر كيف ستطلب من مديرك زيادة المرتب، والتي وعدك بها منذ أن تم تعيينك من خمس سنوات.

جني المصباح لم تفرغ جعبته من الأماني بعد؛ أعلم أن مصاريف الأدوية وتكاليف زيارات الأطباء قد زادتك مرضًا، وإن كنت صاحب تأمين صحي فأنصحك بأن تلغيه وتُوفِّر تلك الفلوس لأشياء أخرى أهم، أعلم يا عزيزي القارئ أنه لا يوجد أهم من الصحة، ولكن من قال إنني سأتركك مريضًا، بل أنا أضمن لك الشفاء من أي مرض دون الحاجة إلى أطباء، أو حتى أولياء الله الصالحين ومقاماتهم.

في واقع الأمر أنا لا أعدك بأي مما ذكرت، ولو كان الأمر بتلك البساطة لما كنت أكتب لك الآن، بل ربما كنت سأجلس على أحد شواطئ اليونان أتابع «البزنس» الخاص الذي يُدر الملايين، ولكن لا تبتئس أرجوك، فأنا لم أخذلك تمامًا، هناك من يُقدِّم كل تلك الوعود وأكثر، ولا تظن أن مقدمتي بها شيء من المبالغة التي عادةً ما يُقدِّمها الكتاب لجذب انتباه القُرَّاء، إنما هذا تمامًا ما يقدمه لك «قانون الجذب»، الذي تولى كتاب «السر» The Secret، شرح تشريعاته وشروطه وتفاصيله.

لعقود طويلة، حظي كتاب The Secret بنجاح غير مسبوق، وذاع صيته حول العالم. كتاب يحاول عرض فكرة واحدة ويسعى إلى إثباتها وإثبات فعاليتها بكل الطرق، تدور الفكرة حول قانون كوني تستطيع من خلاله تحويل حياتك إلى نعيم، قانون من تمكَّن منه، فقد مَلَك الدنيا وما عليها، ألا وهو «قانون الجذب»، كل ما يريد إخبارك به قانون الجذب أن كل ما عليك فعله في الحياة هو الإيمان بما تريد، الاقتناع والتصديق التام بحدوثه، أحيانًا يصل الأمر إلى وجوب تعاملك في الحياة أن مرادك قد تم بالفعل، وسيتولى الكون تحقيق أمانيك، مهما بدت مستحيلة أو غير منطقية، لأنك ببساطة تجذب إليك ما تفكر وتؤمن وتصدق به.

لا تستخف بكلامي أرجوك، فحتى وإن لم تجده منطقيًّا، فإنه قانون موجود، وهناك من يؤمنون به، وهناك من نجحوا في تحقيق كل ما سبق ذكره، وباعتراف منهم أن ما ساعدهم هو قانون الجذب، فهناك أزواج ينسبون الفضل في لقائهم والحياة السعيدة التي هم في أحضانها الآن إلى قانون الجذب، ورجال أعمال يؤكدون أن كل ما هم فيه بدأ فقط من خلال قانون الجذب.

ويأتي على رأس كل هؤلاء المؤمنين الرجل المعجزة -كما وصفه الكتاب- «موريس جودمان»، الذي نجا من حادث اصطدام طائرة بأعجوبة، أو بمعنًى أدق نجا عقله من الحادث، بينما لم ينجح جسده، فأسفر هذا الحادث عن إصابته بشلل كلي، ولم يتبقَّ له سوى القدرة على شيئين فقط، تحريك رموشه والتفكير، ولم يحتَجْ لأكثر من هذين الفعلين ليعود إنسانًا طبيعيًّا -جسديًّا- ليس به أي إعاقة، يُغمِض عينيه ويفكر يوميًّا في صورته وهو يخرج من باب المستشفى في عشية عيد الميلاد على قدميه دون أي شكل من أشكال المساعدة.

ويأتي العيد، وتتحقَّق المعجزة، فها هو موريس على قدميه يمشي أمام باب المستشفى يودعها، فقط لأنه ناجى الكون بقانون الجذب.

ولك أن تعلم أن «أوبرا وينفري»، أشهر إعلامية في تاريخ أمريكا، إن لم تكن أشهر إعلامية في العالم كله، حتى إنني أخجل أن أُعرِّفك بها لأنها أغنى من أن تُعرَّف، ولكن على كلٍّ إن كنت لا تعرفها فلا بأس، يمكنك فقط البحث عنها بعد أن تنهي المقال، حيث إن ذكر ما وصلت له من إنجازات يحتاج لأكثر من مقال واحد.

وبالعودة إلى موضوعنا، اعترفت «وينفري» أن قانون الجذب لعب دورًا مهمًّا في بداية حياتها، وله فضل كبير فيما وصلت إليه، فلولا إيمانها الشديد بأنها تستحق كل ما حدث لها، وأحلام يقظتها وهي تتخيل نفسها في كل الأماكن التي وصلت لها، لما بدأت مشوارها من الأساس.

ولكن لتحري الدقة، قالت «وينفري» بأن قانون الجذب مهم وموجود، ولكنه ليس القانون الوحيد الذي يحكم هذا الكون، فالسؤال هنا ما هي تلك القوانين الأخرى؟

فن اللامبالاة

منذ خمس سنوات تقريبًا انتشرت صورة اللاعب العالمي «محمد صلاح» وهو يقرأ كتاب The subtle art of not giving a f*ck، أو «فن اللامبالاة»، وكانت تلك الصورة سببًا في انتشار الكتاب بشكل جبار، وغرَّد مؤلف الكتاب نفسه، «مارك مانسون»، بعد انتشار الصورة، مُتمنيًا له قراءة ممتعة.

ولا يمكننا أن نتحدث عن كتاب «فن اللامبالاة» كما تحدثنا عن كتاب «السر»، فهو كتاب لا يتناول فكرة واحدة يتمحور حولها، بل يناقش أكثر من فكرة، ويتشعَّب لأكثر من موضوع، ولكن الطابع السائد عليها كلها، والذي يمكن استشفافه من عنوان الكتاب هو أهمية اللامبالاة.

لا يدعو الكاتب بشكل صريح إلى عكس ما يؤمن كتاب «السر»، أو يدعوك إلى التخلي عن مرادك، ولكن يدعوك إلى العدول عن طريقة تفكيرك التي في الأغلب هي من تريد مرادك. لا تطلب المستحيل وتجلس تبكي لعدم حدوثه، بل اطلب الممكن وتمتع به، فلا تكن حالمًا فوق أرض الواقع، بل كن واقعيًّا في أرض الواقع، وكلامه هذا ليس بقصد تحطيم آمالك أو تحجيم طموحك، إنما لحمايتك من خيبات أمل ليس لها أي فائدة.

السر وقانون الجذب

بشكل أو بآخر نحن أمام قاعدتين عكس بعضهما تمامًا، طريقة التفكير التي تبنَّاها «موريس جودمان»، الرجل الذي مشى على قدميه بعد الخروج من حادثة طائرة أصابته بشلل، وهي طريقة تفكير تتعارض مع أفكار كتاب «فن اللامبالاة»، فربما كان على ذلك الرجل –وفق أفكار الكتاب- أن يحاول التفكير في كيفية تطويع حياته على حالته المرضية الجديدة.

فأي القاعدتين أصح؟

الإجابة على هذا السؤال متروكة لك عزيزي القارئ، فلك أن تؤمن بأي القانونين، وتذكر أن العالم لا ينحصر فيهما، ولكن لا يمكننا إنكار قوة فعاليتهما.

أمَّا إن كنت ما زلت منتظرًا رأيي الشخصي –والذي أتمنى ألا يؤثر على رأيك الشخصي– فأقول لك إن كلتا القاعدتين فعَّال، ولكن لكل قاعدة شروطًا حتى تتحقق.

حتى تُنفِّذ «قانون الجذب» وتنجح في استخدامه، عليك بالإيمان الأعمى بأن مرادك سيتحقق لا محالة، لا يوجد أي خيارات أخرى، لأنه ببساطة المعجزات لا تتحقق إلا لمن يؤمن بها. لكن إن تسرَّب لقلبك ذرة شك واحدة، وأحسست لوهلة باستحالة تحقق مرادك، فـ «فن اللامبالاة» هو الحل. ادرس وضعك بشكل منطقي، وانظر أي الفرص أقرب للتحقق، وتأقلم. كن سعيدًا مهما كانت النتائج، فأنت يا سيدي من تُقرِّر سعادتك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.