أسوأ نقاش ربما تخوضه هو نقاش تعرف نتيجته مسبقًا. لقد مرت السنوات وتبادلت الأدوار دون أن تشعر. كنت قديمًا تتهم والدك بالنوستالجيا الكروية عندما يبدأ التحدث عن بيليه ومارادونا والكرة التي تثقب الشباك واللاعب الذي يقف لثانية في الهواء وما إلى ذلك. والآن عندما تحاول أن توضح لشخص ما يصغرك بعشر أو خمس عشرة سنة ما هو ديربي ميلان تجد نفسك فجأة في موضع والدك، رجل حزين يدافع عن الماضي.

الأمر ليس كما تظن، أنا لن أحدثك عن تنين أسطوري، إنها مباريات تستطيع أن تشاهدها بسهولة عبر الإنترنت. فلنتجاوز أسماء مثل باجيو ووياه وبوبان وزامورانو وباليوكا. دعنا نتحدث عن روي كوستا وكاكا يا رجل. ماذا؟ متي زامل روي كوستا كاكا؟ حدث هذا عام 2003، منذ ستة عشر عامًا بالفعل! سحقًا لن يجدي الأمر نفعًا إذن.

حسنًا دعنا من هذا الحديث ولنتحدث عن مباراة تحمل من التاريخ ما هو أكبر من النكران. دعنا نتحدث كيف بدأ الأمر، عن ملعب المباراة وصوت الديربي وأناس كانت تلك المباريات جزءًا هامًا من حقيقتهم وصورة الديربي الكلاسيكية حديثة العهد.

دعنا نقص بعضًا من حكايات ديربي ميلان العظيم وكأننا دخلنا لتونا في الدهاليز الخاصة بذكريات من عاصروها، دعنا نقص حكايات الديربي دون حشو أو تضخيم.

يلعب الديربي على ملعب معروف لدى الجميع باسم سان سيرو إلا أنه يحمل رسميًا اسم العظيم جوزيبي مياتزا، ولا يجوز أن نبدأ الحديث عن الديربي دون الحديث عن مياتزا.

ملعب المباراة: جوزيبي مياتزا العظيم

ربما يبدو موقفي ضعيفًا الآن، فالحديث عن مياتزا حديث أسطوري بالفعل، إنه اللاعب الفذ والمدخن الشره ومدمن الخمر الذي يتأخر على مواقيت المباريات. لعب مياتزا حافي القدمين بكرة من القماش في شوارع الميلان، أعجب به مسئولو الميلان لكنهم قرروا عدم ضمه لنحافته الزائده ليذهب بيبي كما يعرف إلى الإنتر ويصنع التاريخ.

سجل بيبي 241 هدفًا في 348 مباراة خلال الفترة التي قضاها في إنتر وترك خلفه الكثير من الحكايات التي يؤكد حقيقة حدوثها العديد ممن عاصروا الرجل. كيف أنه نسي موعد مباراة ما ووصل قبل بداية المباراة بخمس دقائق. ثار عليه رئيس النادي لكنه كان يعرف أن اللعب بدون مياتزا سيخسره الكثير فقرر السماح له باللعب مع الكثير من الوعيد والمصير الأسود بعد المباراة. سجل مياتزا ثلاثة أهداف خلال المباراة ليصمت الجميع ويفلت مياتزا من العقاب كعادته.

لعب مياتزا للميلان أيضًا لمدة موسمين، لكن هذا ليس السبب الذي وافق من أجله مسئولي ميلان أن يتم تسمية ملعب الفريقان المشترك باسمه. الحقيقة أن مياتزا يبقى هو النجم الأبرز للمدينة دون منازع، سواء كان ينتمي للأفاعي أو الروسونيري.

الديربي الأول: كرة قدم للاستمتاع فقط

أقيمت أول مباراة للديربي في 18 أكتوبر/ تشرين الأول لعام 1908 في سويسرا. وصل لاعبو الفريقين بالقطار من إيطاليا. تقاسموا فيما بينهم الخبز والسلامي والنبيذ. لم يكن يعرف هؤلاء حينئذ أن ما بدأوه بسعادة بالغة سيطلق عليه ديربي الغضب فيما بعد.

نحن أمام متعة كرة القدم الخالصة. أبناء عمومة يسافرون معًا ويتقاسمون كل شيء ربما ألوان قمصان اللعب هي الشيء الوحيد الذي يفرق بين رجل وآخر.

نجم الميلان آنذاك هو اللاعب بيرينو لانا، وهو رجل صغير نحيف يجيد تسجيل الأهداف، ويبلغ من العمر 20 عامًا فقط. أما إنتر فهو يعتمد على اللاعب  أرمانو أيبي صاحب ال 17 عامًا فقط، والذي يدعوه الجميع بالصبية، لأن لديه وجهًا دقيقًا يشبه وجه راقصة الباليه.

صورة ديربي الغضب

إنها الصورة الكلاسيكية التي تحدثنا عنها، روي كوستا بقميص الميلان وبجواره ماركو ماتيرازي بقميص الإنتر يشاهدان الملعب الذي اكتسى الأحمر بفضل الألعاب النارية. يتم تصدير الصورة على أنها الصورة الكلاسيكية لديربي الغضب رغم أنها صورة حديثة العهد.

حدث ذلك عام 2005 خلال بطولة دوري أبطال أوروبا. فبعد أن هزم الميلان فريق مانشستر يونايتد ذهابًا إيابًا واستطاع الإنتر أن يزيح بورتو من طريقه، أوقعت القرعة الفريقان في مواجهة بعضهما البعض في الدور ربع النهائي.

استطاع ميلان أن يفوز في المباراة الأولى بهدفين دون مقابل. تعقد موقف الإنتر أكثر بعد أن أحرز شيفيشينكو هدفًا جديدًا في مباراة العودة. لم يكن الأمر يحتمل هزيمة جديدة، ولذا وبعد أن تم إلغاء هدف للاعب الإنتر كامبياسو بدأ مشجعو الإنتر في إلقاء الألعاب النارية على الملعب. ركض أحد الجماهير وتعرض لحارس مرمى الميلان البرازيلي ديدا وقرر الحكم إلغاء المباراة وحصلنا نحن على تلك الصورة التاريخية.

دعنا الآن نتحدث عن قصص لأناس كان الديربي جزءًا هامًا من حياتهم كما كان جزءًا هامًا من تاريخ كرة القدم.

ديربي الرهان على الزواج

نحن الآن بصحبة السيدة فرانكا والسيد مورينو، يعمل مورينو كمحاسب ويطمح للعمل بأحد البنوك بينما تدرس فرانكا القانون. يعيش الاثنان قصة حب جميلة إلا أن هناك فارقًا جوهريًا بينهما، هو مجنون بالميلان وهي لا تتخلى عن الإنتر أبدًا. قرر الاثنان أن قرار زواجهما سيحدده أقدام لاعبي الفريقين. إذا فاز الميلان ينتصر مورينو، وبالطبع هو لا يفضل الزواج الآن كما هي عادة الرجال بينما إذا فاز الإنتر فرهان فرانكا هو الفائز، وسيتم الزواج خلال أيام.

في 27 مارس/ آذار عام 1977 أقيمت مباراة الديربي وذهبت الاثنان إلى ملعب المباراة مصطحبين العائلة بالكامل، فالأمر أصبح أكبر من مباراة ديربي معتادة. ولكن النتيجة كانت مفاجئة للجميع: لقد تعادل الفريقان. أعرف أن الأمر مثير للفضول، لكن لا أحد يعلم ما إذا قد تزوج الاثنان أم لا.

جيوفاني مارسوتو: صوت السان سيرو لأكثر من ثلاثين عامًا

عام 1970 سأل مدير الوكالة الإعلانية المسئولة عن ملعب سان سيرو رجل متواجد في الملعب بحكم عمله كحارس للمنشآت الرياضية هل يستطيع أن يلقي بأسماء اللاعبين أثناء دخولهم المباراة.

منذ تلك اللحظة أصبح السيد جيوفاني مارسوتو هو صوت السان سيرو لأكثر من ثلاثين عامًا. إنه المذيع الداخلي للملعب وصاحب الصوت المعروف لكل أبناء المدينة. لا يلمع اسم لاعب ما قبل أن ينطقه مارسوتو بطريقته المميزة. والآن لعلك تسأل سؤالًا مثيرًا، هل مارسوتو يشجع الميلان أم الإنتر؟ الحقيقة أنه يميل إلى تشجيع اليوفنتوس!

هل تحب هذا الملعب؟ إنه منزلي يا رجل

دعني أخبرك عن رجل إنجليزي عاش في السان سيرو. إنه الإنجليزي هربرت بورغيس قائد الفريق الوطني الإنجليزي السابق، والذي أتى لتدريب الميلان عام 1927 مصطحبًا زوجته وثلاثة أطفال. لكن العثور على منزل في ميلانو كان صعبًا للغاية خلال تلك الفترة.

وجد المسئولون له شقة من أربع غرف. شقة أنيقة وواسعة وجميلة ومجهزة بجميع وسائل الراحة باستثناء النوافذ التي تسمح بدخول الضوء. لقد تم بناء شقة للرجل تحت ملعب السان سيرو تحديدًا في المكان الحالي لغرف تغيير الملابس. لم يخسر هربرت سوى مباراة ديربي واحدة من أربع مباريات خاضها، لقد كان يلعب في المنزل بالفعل.