أرسنال لا يخشى على سلامة لاعبه، بل من تأثير لعبه أمام آلاف المشجعين الآذاريين.

هكذا كانت تصريحات مدرب فريق كاراباخ في أواخر شهر سبتمبر من العام الماضي عندما أعلن أرسنال غياب لاعبه الأرميني هنريك مخيتاريان عن رحلة الفريق اللندني لمواجهة فريقه في دور المجموعات من مسابقة الدوري الأوروبي لهذا الموسم، وبعد ثمانية أشهر من هذا التصريح، يجد أرسنال نفسه مرغماً على السفر إلى العاصمة الآذارية باكو من جديد ودون مخيتاريان، اللاعب الذي اختار سلامته الشخصية وعدم السفر إلى باكو مفوتاً فرصة تاريخية بأن يكون أحد الشواهد على تتويج أوروبي محتمل لأرسنال سيكون هو الأول في تاريخه الحديث إن تحقق.

من المؤلم أن ترى لاعباً مجبرًا على الغياب عن فريقه في مباراة نهائية، خاصة وإن كان هذا الغياب ليس بسبب إيقاف أو إصابة ولكن لأسباب سياسية بحتة في ظل العلاقات المتوترة بين موطن اللاعب أرمينيا ومسرح المباراة النهائية أذربيجان.تنص قوانين الدولة الآذارية على منع دخول أي مواطن أرميني إلى أراضيها.

ورغم تأكيدات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على سلامة اللاعبين في أي مكان تقام خلاله المباريات تحت مظلته فإن اللاعب وأسرته رفضوا الأمر وسط تقدير كامل من أرسنال لموقف اللاعب حفاظًا على سلامته. موقف تكرر أيضًا مع فريق دورتموند عام 2015 عندما ذهب الفريق الألماني لمقابلة جابالا في نفس البطولة.


ما سبب النزاع؟

بالعودة إلى أصل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، نجد أنه بدأ بين البلدين عام 1987 بسبب إقليم ناجورنو كاراباخ، وهي منطقة جبلية تزيد مساحتها على 10000 كيلومتر مربع وتضم جالية كبيرة من الأرمن في أراضي أذربيجان. اندلعت في تلك السنة حربًا طاحنة راح ضحيتها أكثر من 20 ألف شخص، قبل أن يوقع الطرفان هدنة في عام 1994، ولكنها لم تكن اتفاقية سلام كاملة حيث بقيت الصراعات الدبلوماسية بين البلدين.

في عام 2016 تم كسر هذا الاتفاق فيما يعرف بـ «حرب الأربعة أيام»، حيث قتل جنود من الطرفين في الأول من أبريل، وفي الليلة الثانية، قاد الجيش الأذربيجاني هجمات على منطقة كاراباخ، وتبادل الطرفان الهجمات إلى يوم الخامس من أبريل عندما تم وقف إطلاق النار.

أفادت وزارة الدفاع الآذارية حينها أن أرمينيا قد قصفت أراضي أذربيجان، وهو الأمر الذي أنكره الطرف الأرميني، وهذه الفترة من النزاعات قد أسفرت عن وفيات من الجانبين، ومنذ ذلك الوقت والأزمات الدبلوماسية بين البلدين مستمرة إلى يومنا هذا.


مخيتاريان والنزاع

نزاع لم يسلم منه مخيتاريان شخصياً، حيث وصل الأمر إلى اتهامه من قبل بعض الجماهير الآذارية بأنه ينتحل صفة لاعب كرة قدم في نادي أرسنال فقط من أجل التسلل إلى بلادهم، خاصةً وأن اللاعب تواجد في إقليم ناجورنو-كارباخ «محل النزاع» في عام 2012 من أجل مساعدة أهالي الجنود الآرمنيين الذين سقطوا في الحرب، أمر دعا بلاده إلى تكريمه ومنحه وسام رئيس الوزراء.

وعلى الرغم من تأكيدات وزيرة الخارجية الآذارية على مشاركة اللاعب دون أي مشاكل وأن الرياضة منفصلة تماماً عن السياسة مستشهدة باستضافة البلد المعروف بأرض النار لدورة الألعاب الأوروبية أو الأولمبياد الأوروبي في عام 2015 وسط مشاركة من البعثة الأرمينية دون أي مشاكل، فإن اللاعب يخشى استهدافه بشكل شخصي بسبب موقفه هذا.

مما زاد من مخاوف اللاعب أن اليويفا خصص 12 ألف مقعد فقط لمشجعي تشيلسي وأرسنال من أصل 70 ألف مقعد وهي سعة الملعب الأولمبي بباكو، مما يعني أن الغالبية العظمى من مشاهدي اللقاء ستكون من الجمهور الآذاري.


لماذا باكو؟

مشكلة مخيتاريان وإن تم حلها بعدم مشاركة اللاعب ولكنها لم تكن الأولى على طاولة اليويفا بسبب الاختيار الغريب لعاصمة أذربيجان باكو لاستضافة نهائي الدوري الأوروبي. احتج أنصار طرفي النهائي تشيلسي وأرسنال حول صعوبة التنقل إلى أذربيجان أو قلة التذاكر المخصصة لجمهور الفريقين بـ12 ألف تذكرة مقسمة على الناديين.

ويبقى السؤال هل سيغامر اليويفا من جديد مستقبلاً ويختار دولًا تشوبها الصراعات السياسية مثل أذربيجان وأرمينيا وألبانيا لاستضافة نهائيات بطولاته؟ فتطور كرة القدم يحتم إقامة تظاهرات كبيرة في كل الدول والمدن. أم أن ما حدث مع مخيتاريان سيكون بمثابة جرس الإنذار الذي سيجعل الاتحاد الأوروبي يعيد التفكير قبل اختيار أي دولة لاستضافة تظاهراته تجنباً لطفو أي صراع سياسي على سطح الأحداث مجدداً؟

من المرجح أن اليويفا سيقبل بقواعد اللعبة الجديدة. خاصةً وأن المشاكل السياسية ليست بجديدة على الكرة العالمية والأوروبية تحديداً. فقبل خمس سنوات حدث موقف مشابه قبل مباراة بازل السويسري لمقابلة فريق مكابي تل أبيب حين كان الثنائي المصري محمد صلاح ومحمد النني ينشطان في صفوف الفريق السويسري ورفضا السفر لخوض اللقاء في باديء الأمر قبل أن يسافرا في النهاية دون أي مشاكل، أما في آسيا فبعد النزاعات بين السعودية وإيران قرر الاتحاد الآسيوي أن تخوض الأندية والمنتخبات السعودية والإيرانية المباريات التي تجمعهم في دول ومدن محايدة.

يكمن تعقد الأمر في أن كيانًا كرويًا كبيرًا كاليويفا لا يمكنه تقييد اختياراته للمدن التي تستضيف تظاهراته من أجل لاعب واحد فقط، خاصةً وأن تجنيب الدول المذكورة سيصنف كعنصرية. وهو الأمر الذي ينادي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بالحد منه دائماً، وسيعيق تطور كرة القدم وهو الشيء الذي ينادي به أي مرشح يطلب الجلوس على كرسي رئاسة اليويفا ويكون على رأس أولوياته وإلا لما رأينا دولًا كألبانيا وأيسلندا تتطوران وتصنعان الحدث في بطولة أمم أوروبا الأخيرة في فرنسا.

نتائج كهذه ستجعل اليويفا أكثر حرصاً على توسيع أفق اختياراته لزيادة انتشار اللعبة وتطويرها في جميع أرجاء القارة مع تقديم الضمانات الكافية لسلامة أي لاعب أو فريق، أما مخيتاريان أو غيره فسيتم التعامل مع قراره كقرار شخصي له مطلق الحرية في اتخاذه بالتشاور مع ناديه، حتى وإن وصفه بعض الناس بالفضيحة مثل بيرند لينو حارس مرمى فريق أرسنال الإنجليزي.