جاءت النتائج النهائية للانتخابات النيابية اللبنانية التي أعلن وزير الداخلية «بسام المولوي» الدفعة الأخيرة منها الثلاثاء، لتكشف عن خسارة تحالف حزب الله الأغلبية التي تمتع بها في البرلمان السابق.

وصوت اللبنانيون الأحد، في الانتخابات التي تجرى كل 4 سنوات لاختيار 128 نائباً من بين 718 مرشحاً. وعلى الرغم من تنوع رؤى وانتماءات ومذاهب المرشحين، فإن المنافسة كانت تنحصر بشكل كبير بين فريق مؤيد لإيران والنظام السوري وحزب الله، والفريق المضاد له المقرب من المملكة العربية السعودية أو فرنسا والغرب.

هذا هو الاستحقاق الانتخابي الأول منذ اشتعال الاحتجاجات الشعبية ضد الطبقة السياسية عام 2019 والتي رفعت شعار «كلن يعني كلن» للتأكيد على رفضها لكامل مكونات تشكيلة السلطة وتركيبتها الطائفية المستمرة منذ مطلع التسعينيات، وتلا الاحتجاجات أحداث فاقمت النقمة على الطبقة السياسية مثل خسارة الليرة أكثر من 90% من قيمتها، وانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020 الذي دمر جزءاً كبيراً من العاصمة، وراح ضحيته الآلاف، ومر دون محاسبة حتى اليوم.

ونال حزب الله النصيب الأكبر من النقمة السياسية بصفته المهيمن على السلطة من خلال قيادته تحالفاً نيابياً من واحد وسبعين نائباً يمثلون أغلبية البرلمان، إلى جانب امتلاكه ترسانة عسكرية تفوق ما لدى الجيش النظامي، ورغم ذلك احتفظ الثنائي الشيعي الذي يضم الحزب وحركة أمل بكل المقاعد المخصّصة للطائفة البالغة 27، إذ فرض الحزب هيمنته في الدوائر الانتخابية المحسوبة تقليدياً له والمحسومة نتيجتها سلفاً مثل بعلبك الهرمل، وبذلك استطاع الحفاظ على احتكار التمثيل البرلماني الشيعي.

  لكن حلفاء الحزب من الطوائف الأخرى تعرضوا لهزائم كبيرة، إذ سقط كبار رموزهم على غرار القيادي الدرزي والوزير السابق، طلال أرسلان، رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، وإيلي فرزلي، نائب رئيس البرلمان، من الروم الأرثوذكس، ومرشح الحزب القومي السوري الاجتماعي، أسعد حردان، من المكون الأرثوذكسي، والقيادي الدرزي وئام وهاب، رئيس حزب التوحيد العربي، وفيصل عمر كرامي، زعيم تيار الكرامة السني.

وجاءت الضربة القوية من حزب «القوات» اللبنانية، الذي انتزع رئيسه سمير جعجع، الزعامة المسيحية من «التيار الوطني الحرّ»، بعدما فاز بعشرين مقعداً، وفاز مرشحه غياث يزبك بأصوات أكثر من زعيم التيار الوطني، جبران باسيل، في معقل الأخير بمنطقة البترون، مما حدا بخصومه للحديث عن نهاية «العهد القوي» وهو التعبير الذي كان أتباع التيار يصفون به عهد الرئيس الحالي ميشال عون، صهر باسيل، ويعبر عن هيمنة ونفوذ التيار الوطني الحر.

السنة: غياب «المستقبل»

شهدت الساحة السنية تفتتاً وتشرذماً واضحاً بسبب مقاطعة تيار المستقبل الذي ظل الممثل الرئيسي للطائفة لفترة طويلة، ونجح عدد من الرموز السنية الذين رفضوا الاستجابة لدعوات المقاطعة، وسجل الناخبون مشاركة فعالة في مناطق السنة، وإن جاءت النسب متدنية نوعاً ما تأثراً بموقف تيار المستقبل الذي كان يمتلك نحو 20 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته.

وكان رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، استقال من رئاسة الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ثم كرر الاستقالة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 على خلفية الاحتجاجات الشعبية، ثم أعلن في كانون الثاني/يناير الماضي عزوفه وتياره عن المشاركة السياسية، ودعا إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية نتيجة الإحباط من الواقع اللبناني، وتوترت علاقته بالمملكة العربية السعودية.

لكن فراغاً نشأ بسبب غياب تيار المستقبل حاولت زعامات سنية أخرى أن تملؤه، بخاصة في ظل تحذير دار الفتوى من مغبة ترك الساحة السنية بهذا الوضع ودعوتها للمشاركة في الانتخابات، ويبدو أن مقاطعة «المستقبل» ستؤدي إلى إضعاف نفوذه لحساب الرموز السنية الأخرى مثل اللواء أشرف ريفي، وزير العدل الأسبق، وكذلك السنة المتحالفون مع سمير جعجع.

وعلت أسهم رئيس التنظيم الشعبي الناصري، أسامة سعد، بعدما أشيع أن «المستقبل» طلب من مناصريه التصويت له، وهو ما نفاه التيار في بيان مجدِداً التزامه بقرار الحريري، وأنه لم يشارك في العملية الانتخابية لا اقتراعاً ولا تصويتاً ولا طلب التصويت لأحد، ومن المحتمل أن يتولى سعد رئاسة الوزراء – التي يشغلها السنة – لأنّه شخصيّة قريبة من شباب الثورة ومواقفه غير حادّة ضد حزب الله وله قبول إقليمي ودولي.

ما بعد الانتخابات

يخشى اللبنانيون من تكرار سيناريو الانسداد السياسي الذي حصل في العراق بعد خسارة أحزاب الميليشيات الولائية التابعة لطهران الانتخابات النيابية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث شهد العراق وقوع أعمال عنف وهجمات إرهابية غامضة طالت الكتل الفائزة، وجهوداً مكثفة للضغط عليهم لمنع تشكيل الحكومة من دون أحزاب الميليشيات التي تجمعت في ما يسمى ـ«الإطار التنسيقي» في إصرار شديد على المشاركة في السلطة ورفضاً لتولّي دور المعارضة، فإيران لن تقبل بسهولة أن تخسر نفوذها السياسي في لبنان.

وقد أشار رئيس حزب القوات سمير جعجع إلى الحالة العراقية في تعليقه على النتائج بأن التغيير المطلوب لن يكون سهلاً، قائلاً: «نشهد ما حدث في العراق بالرغم من انتصار المعارضة.. ولكن لا يمنع من أنه أفضل من أن يستمر فريق إيران بالسيطرة على مجلس النواب». وتعهد رئيس حزب «القوات اللبنانية» بأن «الأمور لن تعود وتسير كما كانت تسير في الـسبعة عشر عامًا الأخيرة، وعلى كل محطة سنكمل المواجهة بكل الطرق السلمية والديمقراطية».

وفي لهجة تهديدية صارمة، خاطب رئيس ​كتلة «الوفاء للمقاومة» التابعة لحزب الله،​ النائب ​محمد رعد، المنافسين قائلاً: «لا تكونوا وقوداً لحرب أهلية يقودكم إليها الإسرائيلي»، وأضاف في كلمة له خلال تجمع لمناصري ​حزب الله وحركة أمل​ في ​النبطية: «نرتضيكم خصوماً في ​المجلس النيابي​، ولكن لن نتقبّلكم دروعاً للإسرائيلي ولمن وراء ​الإسرائيلي .. الفريق الآخر سيقود لبنان إلى الهاوية إذا رفض تشكيل حكومة وطنية»، بينما قال جعجع، إنه يرفض تماماً فكرة حكومة الوحدة الوطنية.

وفي ظاهرة جديدة يشهدها البرلمان اللبناني، فازت لوائح منبثقة عن الحركة الاحتجاجية ضد الطبقة السياسية بثلاثة عشر مقعداً على الأقل مما سيجعلها ذات صوت مؤثر بخاصة مع عدم امتلاك أي طرف للأغلبية مما يزيد الحاجة إلى التوافق خلال الفترة المقبلة.

ويبقى الإصلاح الاقتصادي هو التحدي الأكبر أمام اللبنانيين الذين يأملون في تشكيل حكومة مقبولة عربياً ودولياً تنهض بالبلاد من كبوتها، في ظل تحذير الأمم المتحدة مؤخراً، في تقرير صادر عن المقرر المعني بمسألة الفقر وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، من ارتفاع عدد من يعيشون تحت خط الفقر إلى ثمانين في المائة، وارتفاع الأسعار بما يزيد عن مائتين في المائة، وأن تسعة من كل عشرة أشخاص يجدون صعوبة في الحصول على الدخل، وأكثر ستة أشخاص من كل عشرة سيغادرون البلد لو استطاعوا.