تتحسن جودة كرة القدم في بطولة كأس الأمم الأفريقية في غضون أسبوع أو أسبوعين على أقصى تقدير. 
الفرنسي «كلود لوروا»، المدير الفني الأسبق للعديد من المنتخبات الأفريقية. 

شهدت انطلاقة البطولة الأفريقية لعام 2022 تراجعًا ملحوظًا في أداء المنتخبات المرشحة للظفر باللقب، إضافة إلى تراجع كبير في أداء معظم المنتخبات بشكل عام، الأمر الذي انعكس إحصائيًّا في تسجيل عدد قليل جدًّا من الأهداف. 

يعتقد «لوروا»، الذي سبق له أن أشرف على عدَّة منتخبات أفريقية أنَّ هذا التراجع يبدو منطقيًّا، نظرًا للظروف التي تسبق انطلاق تلك البطولة تحديدًا. حيث تسمح الأندية الأوروبية للاعبيها بالمغادرة قبل ستة أيامٍ فقط من ضربة البداية.

بالتالي ربما تتحوَّل أول جولتين من البطولة إلى حصص تدريبية رسمية، يكتسب من خلالها اللاعبون الانسجام المطلوب لمواصلة المشوار. 

وعلى الرغم من منطقية هذا الطرح، خاصةً في حالة كأس الأمم الأفريقية 2022، لا يُمكن أن نتجاهل السردية الشائعة التي تؤكد أن البطولات المُجمَّعة تعد بمثابة مسابقات التدرُّج في المستوى، حيث يبدأ حامل اللقب طريقه بشكل سيئ، قبل أن ينهيه بأفضل شكلٍ مُمكن. والسؤال: أين الحقيقة؟ 

صراع قائم 

في الواقع، لدينا قصة توضِّح مدى تعقيد هذه القضية. خلال بطولة كأس العالم 2018، وبعد انتهاء مباراة منتخبي إنجلترا وتونس الافتتاحية ضمن الجولة الأولى من المجموعة السابعة بفوز إنجليزي باهت بهدفين مقابل هدف، اختلف كل من النجمين الدوليين الإنجليزيين «آلان شيرار» و«جاري لينكر» حول حقيقة مردود منتخب الأسود في تلك المباراة.

زعم «شيرار»، نجم نيوكاسل السابق، أنَّ الأداء الذي أظهره منتخب إنجلترا أمام منافسٍ أقل جودة مثل تونس لا يُمكن أن يُبَرر، واستند إلى حقيقة واضحة؛ وهي لعبه لمثل هذه المباريات، بالتالي لا يُمكن إرجاع سوء المستوى إلى ما يعرف بُحمى البدايات. 

في حين امتلك «لينكر» وجهة نظر مغايرة، حيث شدَّد على صعوبة كل المواجهات أمام كل المنتخبات في بطولة مثل كأس العالم، متهكمًا على كل من انتقد أداء منتخب بلاده. وفي ظل هذه الحرب الرقمية على تويتر، لم يصل المتابعون لأي إجابة حول ما إذا كانت حمى البدايات ستزول مع تقدُّم المنتخب في البطولة؟ أم أن المنتخب سيئ بالفعل ولا يستحق المساندة؟ 

حقيقة، لا يمكن أن نغفل الضغط الذي تمثله مثل هذه البطولات على نجوم ومدربي المنتخبات، خاصة الكبرى، وانعكاسه على الأداء المتوقَّع منهُم أحيانًا؛ فتحت ضغط تمثيل المنتخب الوطني في أي رياضة، يمكن أن يظهر المحترف صاحب الجودة المرتفعة بشكل عام كهاوٍ.

وبما أن الأدوار الأولى من البطولات المُجمَّعة تتطلب مواجهة نظراء أقل جودة في الغالب، علينا أن نُلقي نظرة على هذه المنتخبات الأقل حظوظًا على الورق، لكن الأكثر شراسة داخل الملعب.

الكرة في الملعب  

في حالة أردنا أن نفسِّر تراجع أداء بعض المنتخبات الكبيرة بكرة القدم في مواجهاتها الأولى بالبطولات المجمعة، فبالإضافة للضغط الواقع على كاهل عناصر هذه المنتخبات، يظهر عاملًا مؤرقًا جديدًا؛ يتمثَّل في منافس أقل خبرة وجودة، لكنه على أتم استعداد لتقديم أضعاف مردوده الطبيعي وفقًا لإمكانياته، لأن فرصة التواجُد بهذه المحافل لا تتكرر في العُمر كثيرًا. 

ولتفسير ظاهرة إزعاج الـ«Underdogs» لمنافسيهم الأفضل على الورق، طبقًا لورقة بحثية أعدَّها باحثون من جامعة «ميريلاند الأمريكية»، فالفارق بين النجاح والفشل في تقديم أداء جيد بالمنافسات الرياضية ليس مرهونًا بالقدرة المادية، خاصةً إن كانت هذه المنافسات قصيرة المدى. 

ففي المنافسات عالية المستوى تقل المقاييس المطلقة للمهارة، ما يجعل العوامل النفسية تلعب دورًا أكبر في تحديد شكل المنافسة، وكلما زاد الشحن الذي تعرَّض له الطرف الأضعف، كلما زادت المنافسة تعقيدًا على الطرف الأفضل. 

لذلك، أحيانًا يظهر الـ «Underdogs» خلال الـ 90 دقيقة ندًّا لمنافس أكثر جودة، بسبب دوافع نفسية تم خلقها جرَّاء التواجد في هذه المنافسة عالية المستوى، وليس بسبب صعود مفاجئ في الإمكانيات. 

من هنا يمكننا أن نُمسك بطرف الخيط، وهو أن البطولات المجمعة في كرة القدم ليست مكانًا لإبراز الأفضل بشكل مُطلق، لسبب بسيط؛ وهو أن كرة القدم الدولية تختلف شكلًا وموضوعًا عن كرة القدم التي نعرفها. 

«الدولي غير الدوري» 

خلال تصفيات كأس العالم 2018 طلب أحد المدراء الفنيين لمنتخب أوروبي كبير من أحد لاعبيه أن يضغط بشكلٍ مُعيَّن، لكنَّه وجد أن اللاعب لم يتمكَّن من فعل ذلك لأكثر من 20 دقيقة. 
ميغيل ديلاني، صحفي إندبندنت

مثل هذه الشكاوى تعد صميم الاختلاف ما بين كرة القدم الدولية وتلك الخاصة بالأندية. لا يمتلك مدربو المنتخبات رفاهية تطبيق أفكارهم، نظرًا لضيق الوقت، واحتمالية اختلاف ما يتم تلقينه للاعبين في أنديتهم، مع ما يريد المدير الفني للمنتخب تطبيقه.

لهذا، يظهر الفارق بين منتخبات القمة والقاع في بعض الأحيان ضئيلًا، لأن تأثير التكتيك يتراجع نسبيًّا، ويتعاظم بدلًا منه تأثير ما يُعرف بـ «الإدارة الجيدة للمجموعة»، وهو ما يستطيع الجميع فعله بدرجات متفاوتة. 

كرة القدم الدولية مختلفة إنها مسألة وقت. مع النادي، يمتلك اللاعب المزيد من أيام التدريب والتأقلم مع الزملاء ومع أفكار المدير الفني. أما مع المنتخب، فهناك أوقات محددة جدًّا للتدريب ولعب المباريات، وفترات قصيرة للاستعداد، ثم ينتهي الأمر. 
تياجو ألكانتارا، لاعب منتخب إسبانيا وليفربول الإنجليزي. 

ومع ذلك

مع كل ما سبق، وبالعودة لقضية التدرُّج في المستوى، يخبرنا التاريخ أنَّه في حالات نادرة فقط؛ مثل البرتغال في يورو 2016، وإسبانيا في كأس العالم 2010، استطاعت المنتخبات التي تعثرت في مباراتها الافتتاحية ببطولة مجمعة في التدرج فعلًا حتى وصلت لحصد اللقب في النهاية، ما يعني أن تلك استثناءات لا يمكن القياس عليها.

بهذا الصدد، وبالعودة مرة أخيرة للقارة الأفريقية، خلال بحث أجراه «إرنست يبواه أتشيمبونغ»، الباحث بجامعة «أكرا» الغانية، الذي تتبع تاريخ كأس الأمم الأفريقية من 1990 وحتى 2017، محاولًا الوصول لعلاقة ما بين تكوين فريق جيد وتقديم أداء جيد خلال المنافسات، مراعيًا عدة عوامل أبرزها الوقت القصير المتاح للمديرين الفنيين لإعداد فرقهم. 

استنتج «أتشيمبونغ» بعد دراسة تاريخ 38 منتخبًا أفريقيًّا أنَّ هناك أربعة عوامل رئيسية تلعب دورًا في تقديم هذه المنتخبات لأداء جيد وهي: تكوين فريق متماسك يجمع بين عناصر الشباب والخبرة، تواجد لاعبين ينشطون بدوريات كبرى، إضافة عناصر سبق لها الاحتكاك على المستوى الأفريقي تجنبًا لإضاعة الوقت في التأقلم، وأخيرًا دور المدرب في اتخاذ القرارات الفنية وأحيانًا التاديبية حفاظًا على روح المجموعة. 

أما بالنسبة إلى قصة التدرُّج في المستوى، فيمكن اعتبارها تطبيقًا لحيلة رحلة البطل السينمائية، التي يلجأ إليها المؤلفون عادةً لجذب انتباه المشاهد، لكن على أرض الواقع، «على الأغلب» لا تتطوَّر مستويات المنتخبات خلال أيام، لكنها الحبكة الدرامية لا أكثر.