التقشف بالمعنى العام يُقصد به صعوبة العيش وخشونته، بسبب عدم كفاية حاجيات الإنسان وهو، في الاصطلاح السياسي: برنامج حكومي ذو طابع اقتصادي، يستهدف الحد من الإسراف من زيادة الإنفاق على السلع الاستهلاكية؛ وتشجيع الادخار.

قامت الحكومة بالعديد من السياسات التقشفية كإقرار قانوني الخدمة المدنية وضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم جزئيا عن فواتير المياه والكهرباء

والتقشف يشير في علم الاقتصاد إلى السياسة الحكومية الرامية إلى خفض الإنفاق وغالبًا ما يكون ذلك من خلال تقليص الخدمات العامة. في كثير من الأحيان، تلجأ الحكومات إلى الإجراءات التقشفية بهدف خفض العجز في الموازنة، وغالبًا ما تترافق خطط التقشف مع زيادة الضرائب، والعمل على مضاعفة الإنتاج؛ علاجاً لأزمة اقتصادية، تمر بها البلاد.

وهذا ما فعلناه نحن سواء كان تقشفنا معلنًا أم يتم على استحياء تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على القرض البالغ 12 مليار دولار فقامت الحكومة بالعديد من السياسات التقشفية كإقرار قانون الخدمة المدنية وقانون ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم جزئيا عن فواتير المياه والكهرباء تمهيدا لإلغائه وغيرها من الإجراءات.

وسيرا على خطى المتحذلقين الموالين للحكومة والذين عادة ما يبررون سوء الأمور انطلاقا من مبدأ لسنا وحدنا من نعاني فهناك آخرون قد سبقونا وبالفعل قد سبقتنا بريطانيا وفرنسا إلى إعلان التقشف والاثنتان من كبريات الاقتصادات العالمية فنحن إذن لاحقين ولسنا سابقين على أية حال وقد لجأتا لإعلان التقشف إنقاذا لعجز الموازنة التي عانتا منه هاتان الدولتان وإن كانت لغة الأرقام هي خير معبر عن الواقع الذي لا يلتفت المتحذلقين إلا للسيّئ منه وحسب فالجانب الآخر من الحقيقة هو أن ميزانية بريطانيا للعام 2016 -2017م مثلا تبلغ حوالي 772 مليار استرليني ويذهب منها حوالي 3% للتعليم وحوالي 3 % للصحة أما نحن فميزانيتنا البالغة 936 مليار جنيه لنفس العام ذهب منها 3.2 % للتعليم ( انخفضت نحو3.% عن العام الماضي) و 1.5 % للصحة (انخفضت نحو 08.% عن العام الماضي بما يخالف المواد 18 و19 للدستور واللتان تنصان على نسبة 3% للصحة و 4% للتعليم مع وجوب تصاعد النسبة لتصل للمستويات العالمية تدريجيا.

وكما تمت الإشارة إلي أننا لاحقين ولسنا سابقين إلى التقشف فلم الاعتراض إذن على التقشف؟

السبب الأول للاعتراض هو أن الدول الكبرى نفسها بميزانياتها الضخمة لم تسلم من الاعتراض بل والاضطرابات السياسية بسبب سياساتها التقشفية فانطلقت المظاهرات في بريطانيا وفرنسا العام الماضي تنديدا بسياسات تلك الحكومات كما اتهم زعيم حزب العمال في بريطانيا حزب المحافظين الحاكم بسرقة فقراء بريطانيا لصالح أغنيائها كما انتقد وزير الاقتصاد الفرنسي السياسة التقشفية لبلاده مادفع بـ «فرانسوا هولاند» إلى إقالة الحكومة.

التقشف في حد ذاته ليس غاية تبتغي فلا يعقل أن يطلب منا تحمل ارتفاع الأسعار فقط من أجل خفض عجز الموازنة

ربما يكمن اعتراض تلك الشعوب على السياسات التقشفية من الدافع الأصلي وراء التقشف فخفض الإنفاق وزيادة الضرائب يتم إما بسبب إنفاق في غير محله سوء «إدارة موارد الدولة» أو فساد يأكل موارد الدول أو كلاهما معا وفي كل الأحوال فكل ذلك ناتج عن أخطاء حكومية بحتة لا صلة للمواطن العادي بها فمن الذي سيقبل أن تخبره حكومته أنها اقترفت كل الذنوب ولكن عليه هو أن يذهب للجحيم بدلا منها؟!

كما أن الحكومات لابد ألا تلجأ للتقشف إلا بعد أن تستنفذ كل السبل فمثلا قانون ضريبة القيمة المضافة (والتي ينتظر أن تكون حصيلتها 30 مليار حنيه سنويا و تبلغ 13 % العام الحالي وسيتم رفعها إلي 14% العام القادم على كل مراحل إنتاج السلعة ) كان الأجدر من فرضها هو تحصيل الضرائب من المتهربين والتي قدرها بعض خبراء الاقتصاد بما يقرب من 250 مليار جنيه سنويا.

السبب الثاني وراء الاعتراض على التقشف هو أن التقشف في حد ذاته ليس غاية تبتغي فلا يعقل أن يطلب منا تحمل ارتفاع الأسعار فقط من أجل خفض عجز الموازنة البالغ 11.2 %، و التي لم نشارك كمواطنين عاديين في وضعها ولا تحديد أوجه الإنفاق فيها.

وعادة ما تتحمل الشعوب سياسات الحرمان لهدف أسمى من ذلك فمثلا حين أعلن عبد الناصر عن تأميم القناة وما تبعه ذلك من ثمن باهظ دفعه الشعب ليس من قوته فقط بل من دماء أبنائه كان الهدف المعلن هو توفير الأموال لبناء السد العالي وتوليد الكهرباء وما يتبعه ذلك من تحويلنا لدولة منتجة وسواءا اتفقنا أم اختلفنا مع ذلك إلا أننا بالتأكيد سنجمع على منطقية وعقلانية الاصطفاف وراء هدف كهذا.

ومع إعلان حكومتنا عن خطط التقشف تدريجيا وعلى استحياء إذعانا لشروط صندوق النقد الدولي فلم تطلعنا الحكومة على خطة زمنية شاملة واضحة المعالم والبنود لتحقيق نهضة كبري بالبلاد تحولها إلى دولة قادرة على النهوض على قدميها ومبشرة بغد أفضل نسير إليه بخطى ثابتة فكيف علينا أن نقتنع بالسير في نفق مظلم طويل دون وعد – ولو كان كاذبا – بنهاية مضيئة؟!

كذلك فإن الإجراءات التقشفية عادة ما تكون محددة بسقف زمني ما ،وفي حالتنا فإن التقشف سيتم على مراحل ، كما أعلنت الحكومة عن رفع الدعم بشكل جزئي عن فواتير المياه والكهرباء تمهيدا لإلغائه وليس عودته مرة أخري .

وأخيرا وليس آخرا فمن الذي عليه التقشف ومن الذي سيتم إعفائه من تلك الإجراءات التقشفية القاسية؟ فمثلا كيف يعقل أن يصوت برلمان في دولة على قانون لضريبة القيمة المضافة والتي من المتوقع أن تشعل الأسعار المشتعلة أصلا وفي نفس الوقت يعدل ذلك البرلمان لائحته الداخلية فيعفي أعضائه من دفع ضريبة كسب العمل؟!

كما أن حكومتنا التقشفية نفسها ضمت وزيرا سابقا أقام حوالي 31 شهر في فندق فاخر بتكلفة 7 ملايين جنيه بما يتخطى كثيرا راتبه الشهري كله ولم تكن تلك من أسباب إقالة أو استقالة ذلك الوزير بل اتهامات بالفساد.

كذلك اقترح بعض أعضاء البرلمان فرض 10 جنيهات كدمغة على كل ورقة تصدر من المحاكم أو القضاء وتوجيه تلك الأموال لصندوق الرعاية الصحية للقضاة وتم اقتراح مماثل للشرطة!

إذا كان هناك أكثر من وجه للتقشف لدى الحكومة فالبعض يأخذ والبعض عليه فقط أن يدفع؛ فقياسا ما الذي يمنع باقي موظفي الدولة من فرض رسوم مثلا على المواطنين لإنهاء التعاملات الحكومية -قانونية كانت أم تفرض كإتاوة ؟ ولم لا يفرض الأطباء مثلا رسوما على كل ورقة يتم استصدارها من المشافي والوحدات الصحية ؟ وبنفس الطريقة لم لا يتم توجيه تلك الأموال إلى صندوق للرعاية الصحية لتلك الفئات؟

لم لا نتقشف جميعا بنفس الطريقة بدلا من تقسيم الشعب إلى فئتين فئة هايصة وفئة عليها دوما أن تكون لايصة؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.