لأن «روبرت ليفاندوفسكي» سيئ الحظ، حدثت جائحة كورونا وتم إلغاء جائزة الكرة الذهبية لعام 2020 في أحد أفضل مواسمه على الإطلاق. لكن الأكيد أن المهاجم الدولي البولندي لن يلوم حظه كثيرًا، وستمر فترة حزنه أسرع من المتوقع، لأن بداية مسيرته شهدت حظًّا غير مسبوق.

في عام 2010، كان «ليفا» قريبًا من الانتقال من الدوري البولندي إلى البريميرليج، وتحديدًا نادي «بلاكبيرن روفرز» الذي كان يقوده المدرب المخضرم «سام ألاردايس». كان «البيج سام» معجبًا بإمكانيات اللاعب، وسافر بنفسه إلى بولندا لإقناعه، وفي المقابل أعجب «ليفاندوفسكي» بشخصية «سام»، وأصبح إتمام الصفقة مسألة وقت.

تدخل القدر أو الحظ، سمه ما شئت، لإفشال الصفقة، بعدما توقفت جميع رحلات الطيران من بولندا إلى إنجلترا، بسبب سُحب الرماد التي خلفها بركان في أيسلندا. وتحول «ليفا» في صيف نفس العام إلى بروسيا دورتموند، وكما نقول «The rest is history».

ذلك التاريخ الذي صنعه نجم بايرن ميونخ وأفضل لاعب بالعالم في عام 2020، كان أكثر تميزًا بفضل قدرته على تحويل لحظة الحظ السابقة، إلى مستوى غير مسبوق من الاحترافية، والأهم أنه أصبح واحدًا من المؤكدين لمقولة «وراء كل رجل عظيم امرأة».

ساقان كالعصا

كان «ليفاندوفسكي» محظوظًا بنشأته في عائلة رياضية، حيث كان والده «كريستوف» بطلاً في لعبة الجودو، ووالدته «إيفونا» لاعبة كرة طائرة، وتبعتها الابنة «ميلينا» ومثلت منتخب بولندا لكرة الطائرة تحت 21 عامًا. ومن هذه الخلفية الرياضية، أتت نصيحة الأب للابن بممارسة أكثر من رياضة، وعدم التخصص مبكرًا بكرة القدم.

بشكل عام، يُفضَّل أن يمارس الرياضي أكثر من رياضة في سن صغيرة، حتى يتسنى له اكتساب العديد من المهارات البدنية والذهنية، إضافةً إلى منحه الوقت الكافي ليكتشف الرياضة التي تناسب إمكانياته. ظل «ليفا» متعلقًا بكرة القدم، لكن لعبة الجمباز ساهمت في تحسين مرونته، عدا ذلك كانت بنيته الجسدية ضعيفة.

فكان طويلًا نحيفًا، لدرجة جعلت أحد مدربيه الأوائل «كرزيستوف سيكورسكي» يصف ساقيه بالعصا، التي كان يخشى أن يكسرها اللاعبون الآخرون. دفع ذلك الأمر نادي «ليجا وارسو» البولندي لعدم الصبر عليه، فتم الاستغناء عنه بعد موسم واحد.

ليتجه صاحب الـ 18 عامًا إلى الدرجة الثالثة مع نادي «زنيتشز بروسزكوف»، بعد تدخل والدته واتصالها بأحد مدربيه السابقين ليمهد له تلك الخطوة. تمكن «ليفا» من تصدر قائمة هدافي الدوري، ثم ارتقى مع فريقه للدرجة الثانية، وأصبح هدافها أيضًا، لينتقل إلى فريق «ليخ بوزنان»، ومنه إلى صيف 2010 وبركان أيسلندا.

امرأة تعرف ما تطبخ

استقر «ليفا» أخيرًا في بايرن ميونخ، وهناك قابل «بيب جوارديولا»، الذي قرر مدح المهاجم البولندي عبر التصريح التالي:

إنه أكثر لاعب محترف قابلته على الإطلاق. في عقله، هو يفكر فقط في الطعام المناسب والنوم والتدريب على مدار الـ24 ساعة. يدرك روبرت أهمية التواجد في أفضل حالة، وهو متاح دائمًا وبعيد عن الإصابات لأنه يركز على تلك الأشياء. لقد سعدت بالعمل معه منذ اللحظة الأولى.
بيب جوارديولا عن روبرت ليفاندوفسكي

 ما لم يخبرنا به مدرب برشلونة الأسبق هو أن احترافية «ليفاندوفسكي» المبهرة، كان وراءها زوجته «آنا Anna». ليس فقط بالتشجيع أو الاهتمام بالمنزل أو ما شابه من الأفكار التي قفزت إلى ذهنك، ولكن لأن «آنا» هي التي تخطط و«روبرت» ينفذ.

تزوج «ليفاندوفسكي من «آنا ستاشورسكا» في عام 2013، وهي بطلة عالم سابقة في لعبة الكاراتيه، وخبيرة تغذية رياضية. لتبدأ «آنا» برسم روتين زوجها اليومي، بداية من الطعام، مرورًا بالتدريبات الإضافية، وانتهاءً بالنوم.

أهم شيء هو التدريب والتغذية. نحاول الامتناع عن اللاكتوز ودقيق القمح، لأن الأمر يتعلق دائمًا بجودة الطعام. الفطائر، البراونيز، السباغيتي النباتية، العصيدة أو الدخن، نحب أيضًا تناول أسماك عالية الجودة. أحيانًا بعد التمرين نشرب عصير الشمندر مع القرفة أو الفلفل الحار.
آنا ليفاندوفسكي عن النظام الغذائي لزوجها

بجانب تحسين الغذاء والنوم، كانت «آنا» هي المدربة الخاصة لزوجها عندما يرغب في القيام بتدريبات إضافية في صالة الجيم بالمنزل. ومع التزام «ليفاندوفسكي» بذلك النظام لسنوات، كانت بنيته الجسدية قوية وملفتة، قبل أن يتحول الأمر إلى موضة في بايرن ميونخ في موسم 2019/2020.

عائلة بيكهام البولندية

تطور الأمر فيما بعد، ولم يعد مهاجم دورتموند السابق الوحيد المستفيد من مهارات زوجته، بعد أن أصبحت تمتلك 1.6 مليون متابع على الإنستجرام، وموقع إلكتروني، وعدة كتب عن الأنظمة الغذائية، والفضل يعود لزميل زوجها السابق «باستيان شفاينشتايجر».

في إحدى المرات، صنعت «آنا» لزوجها كعكة، قرر «باستيان» سرقتها وتناولها بمفرده، فبعث «ليفاندوفسكي» لها برسالة يطالبها بصنع المزيد في المرات القادمة، وحسب ما صرحت به في مقابلة صحفية سابقة، كان ذلك الطلب بداية لانطلاقتها في عالم البيزنس.

وفقًا لتقرير قناة «Athletic Interest»، تمتلك آنا 6 شركات، أصغرها تمتلك 100 موظف على الأقل. تبيع هذه الشركات منتجاتها الخاصة بالطعام، إلى جانب منتجات أخرى، جعلت «آنا» تتحول من لاعبة كاراتيه إلى سيدة أعمال.

على الجانب الآخر، كان «ليفاندوفسكي» يقطع خطوات كبيرة في عالم البزنس والتسويق، كي يصبح الثنائي نسخة بولندية من عائلة بيكهام.

كانت وكالة «STOR9» من أوائل المشروعات التي أطلقها المهاجم البولندي، والتي تمثل عددًا من الرياضيين والمشاهير، كما تتعاون مع عدد من العلامات التجارية لوضع استراتيجيات للتواصل والانتشار.

ولأن غالبية الشعب البولندي يعرفه، فعلى الأغلب لن تفتح التلفزيون البولندي إلا وستجده يحاول أن يقنعك بأحد المنتجات، سيارة، هاتف محمول، شامبو، ملابس، أغذية صحية، إلى آخره.

شملت استثمارات «ليفاندوفسكي» العديد من الشركات والمواقع الإلكترونية، بفضل تعاونه مع شركة «PROTOS VC»، والتي وفقًا للتقديرات، ضاعفت المبلغ الذي استثمره فيها في غضون 3 سنوات أو أقل. أضف إلى ذلك، حصوله على 10 ملايين يورو سنويًّا من الإعلانات، وراتب ضخم يقدر بـ 19.5 مليون يورو سنويًّا من بايرن ميونخ، بفضل وكيله بيني زاهافي (العقل المدبر لصفقة نيمار مع باريس سان جيرمان).

ما يقدمه «ليفاندوفسكي» وزوجته في عالم الاستثمار والرياضة جعلهما الثنائي الأشهر في بولندا، وهما بالتبعية سعيا لأن يكونا خير سفير لبلدهما، عبر النجاح أولًا والترويج لنظام حياتي صحي ثانيًا. الأمر الذي يجعل المهاجم البولندي واحدًا من هؤلاء الذين سيضرب بهم المثل للاعبين الصغار، ليس فقط بسبب إنجازاته وعدد أهدافه، لكن لأنه نموذج متكامل للرياضي المحترف.