من حق شباب اليوم، وربما من حق آبائهم الذين نشأوا وعاشوا في العهد الجمهوري، أن يعرفوا جانبًا من جوانب الحياة الثقافية والمعرفية لرجال الدولة وكبار المسؤولين الرسميين المصريين في العهد الملكي الذي وضعت نهايته ثورة يوليو 1952م، ومن حقهم أيضًا أن يلقوا نظرة على نوعية الكتب التي كان أولئك المسؤولون يقتنونها، ويقرأون فيها، ويحفظونها في مكتباتهم الخاصة المنزلية، ويقومون قبل نهاية حياتهم بوقفها وقفًا خيريًا على كبريات المكتبات مثل مكتبة الأزهر الشريف، ومكتبة الجامعة المصرية (القاهرة).

ثم إنه بعد الاطلاع على هذا الجانب من خلال النموذج الذي اخترته وهو: مكتبة محمد توفيق نسيم باشا، رئيس وزراء مصر في العهد الملكي، فإن مقارنة هذا الجانب عند نظراء نسيم باشا، تصبح ممكنة عندما تتوافر معلومات موثقة عن الكتب التي يقتنيها هؤلاء في منازلهم، أو يقرأون فيها، سواء كانت ورقية أو إلكترونية.

ومحمد توفيق نسيم باشا وُلد في الثلاثين من يونيو/ حزيران عام 1871م، وتوفي في الثامن من مارس/ آذار 1938م، وهو ابن محمد نسيم باشا رئيس المجلس العسكري العالي بمصر في عهد الخديوي عباس حلمي (من 1892 إلى عزله في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1914)، وحفيد حسن بك تحسين مفتش تفتيش وقف وادي الطميلات الذي وقفه الخديوي إسماعيل سنة 1304/ 1887م، وجده الأكبر هو لاظوغلي مدير الإدارة المالية في عهد محمد علي باشا. تولى رئاسة وزراء مصر للمرة الأولى في عهد السلطان فؤاد من سنة 1920 إلى 1921م، وتولاها مرة ثانية في عهد الملك فؤاد من سنة 1922 إلى سنة 1923م، ومرة ثالثة في عهد الملك فؤاد أيضًا من سنة 1934 إلى 1936م، كما شغل منصب وزير الأوقاف في وزارة محمد سعيد الثانية (20 مايو/ آيار 1919- 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1919)، ووزير الداخلية في وزارة يوسف باشا وهبة من نوفمبر 1919 إلى مايو 1920م، وأصبح رئيسًا لمجلس الشيوخ عامي 1924 و1925، ثم رئيسًا للديوان الملكي من سنة 1925 إلى سنة 1931م.

وقد حوَّل محمد توفيق نسيم باشا أملاكَه كلها إلى وقفيات خيرية في عامي 1934، و1935م، وجميع حجج وقفياته مسجلة بدفاتر وزارة الأوقاف، سجلات مصر، ومنها حجة مؤرخة بتاريخ 5 شعبان 1353هـ/ 13 نوفمبر 1934م، وصادرة من محكمة مصر الشرعية الكبرى، بمعرفة وموافقة رئيسها الشيخ محمد المغربي. وتتضمن هذه الحجة عناوين كتب مكتبة نسيم باشا المنزلية التي وقفها للجامعة المصرية (القاهرة)، والجامع الأزهر (جامعة الأزهر).

توضح حجة وقفيته أن إجمالي الكتب التي وقفها هو ستمائة وثمانية وسبعون كتابًا، قدر نسيم باشا ثمنها عندما وقفها سنة 1934م بـ500 جنيه مصري، منها 200 جنيه للكتب العربية، وعددها 426 كتابًا، والباقي 300 جنيه للكتب الإفرنكية وعددها 252 كتابًا. وقد اختص مكتبة الجامعة المصرية بالقسم الأكبر من المكتبة، وهو ستمائة وخمسة عشر كتابًا تشمل الكتب الإفرنكية كلها، واختص مكتبة الجامع الأزهر بـثلاثة وستين كتابًا باللغة العربية.

وتتنوع كتب القسم الذي خصصه لمكتبة الجامعة المصرية (615 كتابًا) بين مجالات معرفية وثقافية مختلفة تشمل: القانون: المدني، والتجاري، وقانون الملاحة، والقانون الجنائي، والمرافعات، وتحقيق الجنايات، وقانون البوليس، والقانون العسكري، والقانون الدستوري، متون وشروحات القوانين، ومراسيم وأوامر ودكريتات خديوية وملكية؛ والإدارة: العامة، والمدنية، والبلدية؛ والقضاء: الشرعي، والأهلي، والمختلط، والأخلاق، والفلسفة العامة، والفلسفة النصرانية، والتراجم، والسير؛ واللغات: العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والآداب والشعر والفنون: العربية، والفرنسية، والإنجليزية؛ والجغرافيا، والتاريخ: القديم، والوسيط، والحديث، وتاريخ مصر، والسودان، والدولة العثمانية، وبلدان أوروبية مثل فرنسا، وإنجلترا، وتشيكوسلوفاكيا، واليونان؛ والزراعة: الحيوانات، والنباتات، والمحاصيل، والآفات، والري، والتصنيع الزراعي، وتربية دودة القز؛ والآثار، والسياحة، والرحلات، وطوابع البريد، والذوق العام؛ والصناعة: المناجم، والمحاجر، والطيران، والاختراعات الحديثة؛ والطب، والصحة العامة، والكشف الطبي، والتحنيط، والإسعافات، وخواص العقاقير، وطب الركة؛ وعلوم الحساب، والهندسة، والرياضة؛ وعلوم السياسة الشرعية، والسياسة الدولية، ونظم الحكم، والمفاوضات والمعاهدات.

ومن عناوين كتب المكتبة في تلك المجالات من القسم العربي:

1. «المخصص في اللغة» سبعة عشر جزءًا في سبعة عشر مجلدًا

2. «حسن الصناعة في علم الزراعة»، وكتاب «مقدمة ابن خلدون» جزءان، أول وثانٍ.

3. «التاج في أخلاق الملوك».

4. «أبدع ما كان في صور سلاطين آل عثمان».

5. «قانون العقوبات عربي وفرنساوي وإنجليزي».

6. «التعاون الزراعي».

7. «أصول الشرائع»، في ثلاثة مجلدات.

8. «تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل»، الجزآن الأول والثاني في مجلدين.

9. «تاريخ الجبرتي»، أربعة أجزاء في أربعة مجلدات.

10. قاموس «لسان العرب»، عشرون جزءًا في عشرين مجلدًا.

11. «قانون القرعة العسكرية»، مجلدان.

12. «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم»، مجلدان.

13. معجم «أسماء النبات».

14. «إنجلترا في مصر».

15. «تاريخ الشيخ محمد عبده»، الجزآن الثاني والثالث في مجلدين.

16. «سر تقدم الإنكليز السكسونيين».

17. «شرح ديوان ابن الفارض»، الجزآن الأول والثاني في مجلدين.

18. «الخطط التوفيقية» عشرون جزءًا من 1 إلى 20 في أربعة مجلدات.

19. «تزيين الأسواق».

20. «الأصول الوافية في علم القوسموجرافية».

21. «الأحكام السلطانية».

22. «ألف ليلة وليلة».

23. «طوابع بريد الحجاز».

24. «مرآة الحرمين»، جزآن.

25. «مناهج الألباب».

26. «حياة الحيوان».

27. «زراعة الكتان».

28. «شركة الاقتصاد الإسلامية».

29. مجلة «التجارة والصناعة والزراعة»، أربعة مجلدات.

30. «ديوان عموم الأوقاف»، في مجلدين.

31. «علم الأخلاق لأرسطوطاليس» مجلدان.

32. «أساس البلاغة»، مجلدان.

33. «قناطر نجع حمادي».

34. «النشرة البيطرية».

35. «المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها»، مجلدان.

36. «في فضائل الأتراك».

37. «المحاصيل الشعرية والليفية والوبرية».

38. «الجامعة المصرية»، أربعة مجلدات.

39. «طب الركة».

40. «المرأة الجديدة».

41. «الطب والتحنيط».

42. «الصنائع».

ومن القسم الإفرنكي (الفرنساوي والإنجليزي):

1. كتاب «تماثيل لوكسمبرج- Les Statues du Luxemberg».

2. رواية «رودلف العجوز- Le Vieux Roddolphe».

3. «إنشاء البلديات- L’Institution Municipale».

4. «هنري الرابع- Henery TV».

5. رواية «غادة الكاميليا- La Dame Vux Camilias».

6. رواية «الفرسان الثلاثة- Les Trois Mousquetaires».

7. كتاب «فولتير: الخطابات المختارة- Voltaire: Letters Choices».

8. مسرحية «المهزلة البشرية- Le Comedie Hummaine».

9. كتاب «المسألة التركية- La Question Turque».

10. كتاب «تكوين تشيكوسلوفاكيا- Constitution of the Czechoslovak».

11. كتاب «المصريون القدماء- Les Anciens Egyptiens».

12. كتاب «القانون الجنائي- Droit Criminal».

13. كتاب «الاقتصاد السياسي- Economie Politique».

14. كتاب نمساوي عن «جلالة الملك فؤاد».

15. كتاب «سكان العالم- The World’s Inhabitants».

16. كتاب «اختراعات واكتشافات- Inventions et Decouvertes».

17. كتاب «صناعة الطيران البريطاني- British Aircraft».

18. كتاب «الفلسفة النصرانية- hilosophie Chretienne».

19. كتاب «عدم المرئيات- Dans L’Invivible».

20. كتاب «الخيالات- Les Hallucinations».

21. كتاب «موجز عن المخطوطات التركية في مصر- Summaira des Archives Turques du Caire».

22. كتاب «القانون المدني الحديث- Nouveau Code Civil».

23. كتاب «قانون تسجيل طوابع البريد- Code d Enrejistrement du Timbre».

24. كتاب «الزراعة الكبرى في العالم- Les Grands Culture du Monde».

25. كتاب «المدنيات الأولى- Les Premieres Civilisations».

26. كتاب «روح النباتات- L’Esprit des Plants».

27. كتاب «قسوة اليونان في تركيا- Atrocites Jreeques en Turquie».

28. كتاب «الشعوب الإسلامية- Peuples Islamie».

29. كتاب «دودة القز Vers A Soie».

30. كتاب «التشريع المقارن- Legislation Camporee».

31. رواية «رقصة الأموات- Danse Macabre La».

أما القسم الذي خصصه لمكتبة الجامع الأزهر، فكتُبُه أقل تنوعًا، وأقل عددًا من سابقه. ويشمل هذا القسم 63 كتابًا، تشمل: المصاحف الشريفة، وعلوم: التفسير، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الكلام والتوحيد، ومقاصد الشريعة، والفقه العام، وفقه الأحوال الشخصية، والمواريث، والأوقاف، والسياسة الشرعية، والتصوف.

وعناوين كتب هذا القسم هي:

1. المجلة (قوانين وأحكام شرعية).

2. «إعجاز القرآن».

3. «كتاب التوحيد».

4. «البحر الرائق»، ثمانية أجزاء من 1 إلى 8 في ثمانية مجلدات.

5. «روح المعاني»، تسعة أجزاء من 1 إلى 9 في تسعة مجلدات.

6. «صحيح البخاري»، تسعة أجزاء من 1 إلى 9 في ثلاثة مجلدات، ونسخة أخرى منه في تسعة مجلدات.

7. «تفسير الفخر الرازي»، ثمانية أجزاء من 1 إلى 8 في ثمانية مجلدات.

8. «شرح فتح القدير»، ثمانية أجزاء من 1 إلى 8 في ثمانية مجلدات.

9. «إحياء علوم الدين» للغزالي أربعة أجزاء من 1 إلى 4 في أربعة مجلدات.

10. «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية».

11. ثلاثون ربع مصحف شريف، كل منها مقسم إلى ثلاثين جزءًا.

12. «الهداية والكفاية»، أربعة أجزاء في أربعة مجلدات.

13. «الموافقات»، أربعة أجزاء في أربعة مجلدات.

14. «لائحة ترتيب المحاكم الشرعية».

15. «شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية».

16. «لائحة المحاكم الشرعية».

17. «بيت السادة الوفائية».

18. «الأنوار المحمدية».

19. «المواهب اللدنية».

20. «المجلس الأعلى للأزهر».

21. «رسالة في التفسير».

22. التقرير السابع لمشيخة علماء الإسكندرية.

23. «لائحة المحاكم الشرعية».

24. مجموع خطب عصرية.

25. التقرير العاشر لمشيخة علماء الإسكندرية.

26. «هداية الباري».

27. «نور الإسلام».

28. فهرست مجموعة محاضرات وقرارات الأزهر.

29. «مذكرات الفقه».

30. «إعجاز القرآن».

31. «رسالة التوحيد».

32. «رياسة مجلس الأزهر».

33. «تسهيل الوصول إلى علم الأصول».

وقد جعل محمد توفيق نسيم باشا أمر النظارة على وقف جميع الكتب الموقوفة لنفسه مدة حياته، ثم من بعده يكون النظر على وقف الكتب الموقوفة على مكتبة الجامعة المصرية المذكورة لكل من يكون ناظرًا على تلك المكتبة، أو قائمًا بإدارتها وتنظيم الانتفاع بها؛ وأما الكتب الموقوفة على مكتبة الجامع الأزهر الشريف فيكون النظر على وقفها لكل من يكون قائمًا بإدارة تلك المكتبة وتنظيم الانتفاع بها حسب المتبع في أمثالها.

ما يلفت النظر في هذا الموضوع ثلاثة أمور: أولها أن محمد توفيق نسيم يعتبر واحدًا من النخبة المثقفة ثقافة حديثة بكل معنى الكلمة، فقد تلقى تعليمه بمدرسة الفرير الفرنسية، ونال منها الابتدائية والثانوية، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وتخرج فيها عام 1894م، وقد تصرف في كل أملاكه من الأراضي والعقارات والكتب بصيغة الوقف الخيري.

وإذا وضعنا تصرفه هذا في سياقه التاريخي والاجتماعي، سيتبين أنه كان تصرفًا معتادًا من جانب النخبة المصرية الحديثة طوال العهد الملكي، رغم أن الوقف نظام شرعي موروث أو قديم، ولم يكن يلقَ ترحيبًا من جانب بعضهم ممن كانت لديهم ميول علمانية وتغريبية مثل علوبة باشا، وعبد الحميد عبد الحق أفندي، وسلامة موسى، ومنصور فهمي؛ أما ذوو الميول المحافظة من أمثال نسيم باشا فقد أقبلوا على الوقف، وحوَّل عدد كبير منهم أملاكهم إلى أوقاف خيرية وأهلية، وكان هؤلاء: سعد زغلول باشا، وعلي باشا شعراوي، وعبد العزيز فهمي باشا، وأحمد مظلوم باشا، وهدى هانم شعرواي؛ أي أن حالة توفيق نسيم باشا لها أشباه ونظائر كثيرة في أوساط النخبة المصرية الحديثة خلال ذلك العهد، ولم تكن حالة فريدة من نوعها.

والسؤال الذي يدعو للتفكير في هذا الموضوع هو: كيف اجتمعت الثقافة الحديثة مع الثقافة الموروثة وامتزجت بها عمليًا على النحو الذي ظهرت به في أوقاف أعضاء تلك النخبة؟ وهل هذا الامتزاج كان أمرًا إيجابيًا أم كان سلبيًا ولا يزال؟ وهل هو امتداد لحالة الازدواجية التي عرفت مصر بداياتها منذ عهد محمد علي، بين القديم والجديد، أو بين الموروث والوافد؟

تؤشر وقفية مكتبة نسيم باشا بأوصافها التي أوردناها بوضوح على أن حالة الازدواجية تلك كانت قد انتقلت نقلة نوعية عشية ثورة 1919، لتصبح ازدواجية في الوعي الفردي بدلًا من كونها ازدواجية مؤسسية تجمع القضاء المختلط والأهلي إلى جانب القضاء الشرعي، والمدارس الدينية والمعاهد الأزهرية إلى جانب المدارس المدنية الحديثة، والقوانين الوافدة إلى جانب الفقه والأحكام الشرعية الموروثة. وحالة محمد توفيق نسيم باشا من خلال محتويات مكتبته الوقفية ليست وحيدة، فهناك حالات كثيرة تحتاج لبحوث مستفيضة، منها مثلًا الكتب التي وقفها إسماعيل رمزي باشا على مكتبة جامعة القاهرة. وإسماعيل رمزي باشا شغل منصب وزير أوقاف مصر في الفترة من 11 نوفمبر/ تشرين الأول سنة 1950 إلى 27 يناير/ كانون الثاني 1952، وتضمنت مكتبته المنزلية التي وقفها بتاريخ 19 أبريل/ نيسان 1930م، عدد 816 كتابًا في مجالات تشبه مجالات كتب محمد توفيق نسيم باشا، وهي باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، وقد خصصها ومعها عدد 9 لوحات مكتوب بها آيات قرآنية، «لاطلاع أهل العلم والمستفيدين؛ للقراءة فيها، ونقل ما يريدون نقله منها، فإن تعذر وضعها في الجامعة المصرية تكون للجامعة الأزهرية».

وحالة وقفية مكتبة نسيم باشا تدل بوضوح على الازدواجية في صميم الوعي الذاتي، بين الانتماء للتراث والتمسك بأهدافه متمثلًا في مجموعة الكتب التراثية التي خصصها لمكتبة الجامع الأزهر وهو أكبر مؤسسات المحافظة على التراث والهوية الحضارية. والانفتاح من جهة أخرى على علوم العصر الحديث ومعارفه والسعي للاطلاع عليها والإفادة منها، متمثلًا في مجموعة الكتب الأجنبية والعربية أيضًا التي خصصها لمكتبة جامعة القاهرة، وهي أكبر المؤسسات التعليمية المنفتحة على علوم العصر وأفكار الحداثة.

لقد بدأت عمليات التغريب والازدواجية في صورة مؤسسات مزدوجة، ثم استمرت وأضيفت إليها ازدواجية الأفكار المطروحة للنقاش العام، واستمرت هذه الازدواجية أيضًا، وأضيفت إليها ازدواجية بيت تيارات فكرية بكاملها: بعضها حديث تغريبي متفرنج، وبعضها قديم أو رجعي متأخر (حسب تعبيرات ثقافة التنابذ بالألقاب)، واستمرت كل هذه الازدواجيات: المؤسسية، والفكرية، والسياسية، حتى دخلت عشية ثورة 1919 وما بعده في مرحلة هي الأعمق من سابقاتها، وهي ما سميناه «ازدواجية الوعي الذاتي» داخل كل فرد على حدة، بحيث أصبحت داخله مرجعيتان، ورؤيتان: إحداهما أصيلة موروثة، والثانية وافدة حديثة. والأرجح أن هذا الانقسام في الوعي الذاتي للفرد الواحد ظل يفعل فعله السلبي لعقود طويلة بعد انتهاء العصر الملكي، حتى تفتتت ما يسمى بـ«النخبة الحديثة» وتآكلت ذاتيًا، ولم يعد من أعضائها واحد يضاهي محمد توفيق نسيم أو أحدًا من أبناء عصره. وصنيع نسيم باشا وأقرانه يؤكد أن المعرفة هي أعظم فضائل الحرية في عصرهم، وأن الجهل هو أفدح رذائل الاستبداد في عصرنا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.