ما هو أسوأ أخطائك؟.ربما الفشل في التخطيط لليوم الذي تلا تدخلنا في ليبيا، والذي أعتقد أنه كان القرار الصحيح.كان هذا هو حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن أسوأ الأخطاء التي قام بها في رئاسته حين فشل الناتو في التخطيط لمرحلة ما بعد القذافي لتسقط ليبيا من بعدها في حرب أهلية طاحنة وانشقاق سياسي بين الشرق والغرب.لسنا هنا في معرض الحديث عن التاريخ الذي تلا الثورة ولكن لإجابة سؤال واضح: هل يخطط الغرب للتدخل مرة أخرى في ليبيا بهدف تصحيح خطئه السابق؟، وهل يمكن أن يكون ذلك التدخل ناجحًا؟.


1- ما هي تطورات الأحداث في ليبيا؟

في 8 من أكتوبر/تشرين الأول أعلن برناردينو ليون عن تشكيلة مقترحة لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج. أثارت هذه الحكومة القادمة كنتاج لاتفاق الصخيرات الكثير من الجدل ولا تزال خصوصًا في شرق ليبيا، حيث تتيح المادة الثامنة من الاتفاق لحكومة فايز السراج عزل أو تعيين مسئولين بارزين قد عينهم مجلس النواب سابقًا.يسود الاعتقاد أن هذه المادة تستهدف عزل الفريق خليفة حفتر من منصبه، حيث يشكل تهديدًا لعملية التوافق الليبي-الليبي.ما تزال حكومة الوفاق تحاول فرض سيطرتها على طرابلس حيث تم تمكينها من 7 وزارات منهم وزارة سيادية واحدة فقط وهي وزارة الخارجية، وما تزال بعض الفصائل المسلحة في طرابلس ترفض السماح بتمكين الحكومة الجديدة من المقار الوزارية.كما أن برلمان طبرق وحفتر قد أبديا اعتراضهما على الفقرة الثامنة من اتفاق الصخيرات ومن الواضح أنهم غير مستعدين للتنازل عن النفوذ الذي حصلوا عليه مؤخرًا وخصوصًا بعد نجاح حفتر في استقدام الدعم الإماراتي و المصري وتقديم نفسه كقائد للجيش ومحارب للإرهاب.تواجه إذن الحكومة الجديدة ميليشيات مسلحة في الغرب وبرلمانًا في طبرق وجيشًا لن يتخلى بسهولة عن نفوذه.

http://gty.im/491983795

لا يمكن لأي حكومة في طرابلس أن تنجو بدون أن تنزع أسلحة الفصائل و الميليشيات، ولا يمكن حدوث هذا بدون دعم قوات دولية تتطلب التزامًا دوليًا طويل المدى بالحفاظ على حكومة الوفاق الوطنية. كما أن ليبيا الغنية والمفلسة في آن واحد تحتاج إلى معونات هائلة من أجل إعادة الإعمار وعودة منشآت النفط.وإذا لم يتم نزع أسلحة الميليشيات فإننا أمام منعطف خطير ستنقسم فيه ليبيا إلى دويلتين واحدة في الشرق وأخرى في الغرب؛ يعني هذا المزيد من الحروب الأهلية وانعدام السيطرة على الساحل الليبي؛ ما يعني المزيد من اللاجئين الذين سيعبرون من ليبيا إلى أوروبا.


2- ما حقيقة الوضع العسكري على الأرض؟

1- داعش:

بينما يتزايد ضغط التحالف الدولي على داعش في العراق و الشام، تتنامى التوقعات بأن تعمل داعش على تطوير ولايتها في ليبيا كخط رجعة وخيار إستراتيجي في حال تطورت الأمور إلى الأسوأ في العراق أو الشام؛ يعني هذا تزايد الخطر الذي تشكله داعش على دول شمال أفريقيا وعبر البحر الأبيض المتوسط.

في عدد سبتمبر/أيلول 2015 من مجلة دابق تحدث أبو المغيرة القحطاني أمير ولاية ليبيا عن أهمية الولاية بالنسبة لداعش وتحدث عن حاجتهم للمزيد من المقاتلين والأفراد بهدف سد نقص في موارده البشرية، بما يَشي برغبة داعش في مزيد من التوسع في الإقليم.

سيطرت داعش بشكل نهائي على مدينة سرت بكاملها وعلى الشريط الساحلي الممتد حولها بطول 140 كيلومترًا وأصبحت تدير مرافقها و آخرها محطة سرت البخارية التي تعتبر أكبر محطة لتوليد الطاقة بكل ليبيا، كما أن مناطق النوفلية والتسعين وهرواة شرق سرت، والمتاخمة لميناء السدرة أكبر موانئ ليبيا النفطية هي الأخرى سقطت بيد التنظيم، وفي غرب سرت أصبحت أيضًا مناطق الثلاثين والستين القريبة من مصراتة تحت سيطرة التنظيم.

http://gty.im/466521962

2-قوات خليفة حفتر وبرلمان طبرق

بينما يستمر القتال في بنغازي بين قوات حفتر والقوات الموالية للمؤتمر الوطني العام، يتحدث الفريق خليفة حفتر عن قرب حسم هذه المعركة في شرق ليبيا كلها والسيطرة على مدينة بنغازي.ورغم قرار مجلس الأمن بمنع تصدير الأسلحة إلى ليبيا في مارس/آذار من عام 2011، فقد ذكر موقع “libya observer” أن كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة والعربات العسكرية وصلت إلى ميليشيا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر مؤخرًا على متن سفينة شحن سعودية.

3-الوجود العسكري الغربي وحكومة الوفاق:

«قوات خاصة فرنسية تشن حربًا سرية في ليبيا»، كان هذا عنوانًا لتقرير نشرته جريدة رويترز في 24 فبراير/شباط 2016 نقلًا عن جريدة اللوموند الفرنسية. تحدث التقرير عن موافقة فرنسية على عمليات خاصة غير رسمية تضم قوات النخبة و المخابرات بالتعاون مع قوات خاصة أمريكية وبريطانية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، شملت هذه العمليات هجومًا خاطفًا على قادة بارزين في التنظيم ما أودى بحياة بعضهم، وقد رفضت وزارة الدفاع الفرنسية التعليق على الأمر.ومنذ ذلك التاريخ فقد كثرت التسريبات التي تتحدث عن وجود عسكري غربي على أرض ليبيا منها تقارير نشرتها جريدة الإندبندت البريطانية عن وثيقة مسربة حوت 5 عمليات عسكرية موجهة ضد تنظيم الدولة. كما ازداد الوجود الغربي مؤخرًا على السواحل الليبية في إطار العملية «صوفيا» والتي تستهدف عمليات الاتجار بالبشر والهجرات غير الشرعية من جنوب المتوسط.


3- ما هي احتماليات التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا؟

http://gty.im/503997624

أظهر المجتمع الدولي حرصه الشديد على دعم حكومة الوفاق الليبية، فلأول مرة منذ عامين وصل سفراء فرنسا وبريطانيا وإسبانيا الذين كانوا غادروا طرابلس عام 2014 إلى العاصمة الليبية الخميس 14 إبريل/نيسان 2016، في بادرة دعم من دولهم لحكومة الوفاق الوطني الليبية الجديدة، وذلك بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الإيطالي إلى طرابلس.وتحدث وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أثناء زيارته لطرابلس عن أمله في أن تبدأ بريطانيا تدريبًا أمنيًا للقوات الليبية في ليبيا أو في إحدى الدول المجاورة.ولكن لن يتوقف الدعم لحكومة السراج عند التدريب العسكري وفقط، فقد نشرت جريدة السانداي تايمز تقريرًا يتحدث عن تدخل المخابرات البريطانية بالمال لشراء رؤساء القبائل الليبية وحشد الدعم لحكومة الوفاق، كما تحدثت الجريدة عن 100 جندي بريطاني من قوات النخبة (SAS) يتولّون مهمة حماية فايز السراج ويشكلون خط دعم استخباراتي لجهود مكافحة داعش. كما تعلو في الآونة الأخيرة الدعوات الإقليمية المطالبة بالتدخل في ليبيا تارة من مصر والخليج ومرة أخرى من الباجي قائد السبسي الرئيس التونسي.يبدو إذن أن التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا أصبح في طور الأمر الواقع، لا المنتظر أو المحتمل، وربما نشهد في القريب وجودًا مصريًا أو تونسيًا في الداخل الليبي لدعم جهود القضاء على تنظيم الدولة وإيقاف تمدده، لكن ذلك بالطبع سيكون تحت مظلة جهد أممي أو دولي يحفظ لشمال أفريقيا استقرارها ويوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا ويمنع تمدد العمليات العسكرية إلى مصر أو تونس.