تعلن حكومة الإنقاذ استرداد مقرات الحكومة بـطرابلس، وأن حكومة الإنقاذ تدعو الليبيين جميعًا وترحب بالحوار بين الليبيين جميعًا، وستعمل على عودة جميع المهجرين في الخارج إلى مدنهم.

بهذا البيان أعلن خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ الوطني – غير المعترف بها دوليًا – يوم 12 يناير/كانون الثاني الجاري، ما اعتُبر انقلابًا جديدًا على العملية السياسية في إطار انجراف الأزمة الليبية إلى مسار أكثر تعقيدًا، ودخول روسيا على الخط، وسط ترقب أوروبي أمريكي، واستعداد للمواجهة في ساحة جديدة.


اختلافات الداخل تسمح بتدخل الخارج

من اليمين: فايز السراج، خليفة الغويل، خليفة حفتر

لم تُفلح كل المحاولات لحل الصراع الدائر في ليبيا، فكلما حُلت أزمة نشأت أزمات، إذ لم تنجح جهود الوساطة الداخلية أو الخارجية في إنهاء الانقسام الليبي. فالبلاد الآن يوجد فيها ثلاث حكومات؛ حكومة الإنقاذ الوطني وتسيطر على طرابلس العاصمة، وأخرى في الشرق، في طبرق، شرعية ولكن انتهت ولايتها، وثالثة وهي حكومة الوفاق الوطني، وتحظى باعتراف دولي، على الرغم من عدم موافقة البرلمان الشرعي عليها حتى الآن.

فحكومة الوفاق الوطني، التي نتجت عن اتفاق الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015، لم تستطع حتى الآن الحصول على موافقة الأطراف الفاعلة في الداخل وأهمها موافقة برلمان طبرق الشرعي عليها، إلى جانب إصرار حكومة الإنقاذ على موقفها وكذلك حكومة الشرق التي يهيمن عليها المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي.

وبسبب إصرار حفتر على دخول طرابلس وسيطرته على الهلال النفطي وسعيه لدخول العاصمة طرابلس، وسط رفض من حكومة الإنقاذ، انزلقت الأمور إلى الأصعب، إذ بعدما قبلت الإنقاذ بحكومة الوفاق، وسمحت لها بالعمل من طرابلس، جاء الانقلاب الأخير لخليفة الغويل، ليصعب الأمور.

وأعلن خليفة الغويل سيطرته على بعض المقار التابعة لحكومة الوفاق الوطني (وزارات الدفاع والعمل والجرحى والعدل والاقتصاد)، واعتبر اتفاق الصخيرات في حكم الملغى، وردًا على ذلك،كلّف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وحدات من الجيش الليبي بالتصدي لقوات الغويل وضبط الأمن.

وعلى الجانب الآخر لجأ المشير خليفة حفتر إلى الروس، حيث جاءت حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنيتسوف» إلى المياه الإقليمية الليبية يوم 11 يناير/كانون الثاني الجاري في رسالة للجميع، وناقش حفتر مسألة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط مع المسئولين الروس على متن الحاملة قبل انسحابها.

وإلى جانب ذلك،وقّع حفتر اتفاقية عسكرية مع روسيا على إنزال قوات برية روسية على الأراضي اللبيبة في أسرع وقت ممكن، وإنشاء قاعدتين بحريتين، الأولى في طبرق والثانية في بنغازي، لتسهيل إرسال الأسلحة والقنابل الروسية.

واعتبر البعض أن انقلاب الغويل جاء بالاتفاق مع حكومة «الثني» للإطاحة بحكومة الوفاق، والتي بدأت استعادة بعض مقراتها التي سيطرت عليها حكومة الغويل، لكن هذا الاتفاق لن يتم بالشكل المطلوب لأنه يعني استبعاد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من ليبيا، وهو المستحيل حدوثه، فهم لم يتدخلوا لإسقاط القذافي ليرجعوا بخفّي حُنين.


روسيا على الخط

لم تتأخر روسيا كثيرًا في استغلال التطورات الدولية، إذ تسعى لكسب نفوذ جديد لها في ليبيا، كما فعلت في سوريا، إضافة إلى توجيهها رسالة إلى أوروبا والولايات المتحدة بأنها قوة كبرى لا يمكن تجاهلها في هذه المواقف، حيث أدركت أنها خُدعت عندما وافقت على تدخل حلف الناتو في ليبيا، الذي ألغى مصالحها تمامًا هناك ومشاريع بمليارات الدولارات.

وقد استغلت موسكو التراجع الأمريكي بشكل عام، وانشغالها بالداخل، فهي ما زالت تعيش في حالة صدمة بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة. والأكثر من ذلك أن يبدي رغبته في التقارب مع روسيا والتساهل معها، وهو ما ستستغله روسيا في البحث عن دور جديد لها في ليبيا.

وتعتبر الدول الأوروبية، وخاصة الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، أكثر الدول التي لها مصالح في الأراضي الليبية، بدءًا من استثماراتها الضخمة وسيطرتها على النفط الليبي، ووصولًا إلى منع تدفق اللاجئين إلى شواطئها، والذين ينطلقون من ليبيا إلى بلادهم، ما يخلق معضلات أمنية وسياسية كبيرة للقارة الأوروبية بأكملها.

اقرأ أيضًا:فلاديمير بوتين: ما الذي تريده روسيا من الشرق الأوسط؟

واستغلت موسكو الضعف الأوروبي مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانشغالها بترتيبات أمنية جديدة، وخاصة مع تهديدات ترامب بتقليص الالتزام الأمريكي بأمن حلفائها وتخفيض شراكتها في حلف الناتو، وهو ما دعا المستشارة الألمانية إلى مطالبتها دول أوروبا بتعزيز تحالفاتها العسكرية لأنه لا يمكن التعويل على حماية أمن أوروبا في ظل وجود ترامب في السلطة.

ومما يؤكد دخول روسيا بقوة في ليبيا واستعدادها لخوض مواجهة صعبة هناك، أوضح حفتر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شدد على التزامه برفع حظر السلاح المفروض على ليبيا، وستساعد روسيا في ذلك مصر، التي تدعم سيطرة خليفة حفتر على ليبيا، وهو ما يتوافق مع مصالح البلدين.


أوروبا تنتفض

لم تتأخر إيطاليا كثيرًا في الانتفاض ضد الإشارة الروسية، وأرسلت قوات عسكرية إلى العاصمة طرابلس، وقد اعترضت الحكومة الليبية المؤقتة شرقي البلاد على هذا التحرك، واعتبرته احتلالًا صريحًا وتدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي الليبي، وسيواجه بالرفض والمقاومة. وليس هذا وفقط، بل اكتشفت وجود أكثر من ألف جندي أمريكي دخلوا خلسة، ومتمركزين في إحدى ضواحي العاصمة.

ولم تغب أوروبا عن انقلاب الغويل، حيث أوضح المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي: «نتابع ما يحدث في طرابلس، نكرر دعوتنا إلى جميع الأطراف في ليبيا بالالتزام بطريقةٍ بناءة وبروح من التوافق والمصالحة، لضمان تنفيذ الاتفاق السياسي ومنع الصراعات».

وتُعد ليبيا بوابة أساسية لأمن أوروبا، وبالتالي فلن تسمح بوجود روسيا وإن كلفها الأمر كثيرًا، وهو ما تبدّى في سرعة إرسال القوات الإيطالية إلى جانب الوجود الأمريكي، خلاف فرنسا التي تحتفظ بوجود عسكري غرب ليبيا. وقد قادت دول أوروبا التدخل الدولي في ليبيا عام 2011 من أجل إسقاط القذافي، والحفاظ على مصالحها ومن أجل السيطرة على النفط الليبي.

وأكد رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي، في أبريل/نيسان الماضي، أن بلاده على استعداد لإرسال قواتها إلى ليبيا، وذلك إذا طلبت حكومة الوفاق مساعدة دولية، وهذه المرة لم تنظر روما دعوة من أحد، بل سارعت لإرسال قواتها معتبرة أن ليبيا محمية وحديقة خلفية لها لن تتساهل في أي دخول يتنافى مع مصالحها.


مصر تستعين بالروس لتثبيت حليفها

http://gty.im/586211872

وتقود مصر جهودًا مكثفة من أجل ترتيب الأوضاع في ليبيا، وإيجاد دور قيادي لخليفة حفتر في مستقبل ليبيا إن لم يقدها، فهي بمثابة أمن قومي لمصر، وقد استضافت ديسمبر/كانون الأول الماضي اجتماعًا للفرقاء الليبيين أملًا في توحيدهم وراء حفتر، ودعم تعديل اتفاق الصخيرات، إلى جانب قيادة تحالف إقليمي يضم الجزائر وتونس من أجل إنهاء الأزمة.

وأثير الكثير من الاتهامات لمصر بدعمها لحفتر بالسلاح بالمخالفة لقرارات حظر السلاح المفروضة على ليبيا، وآخرها تصريحات المبعوث الأمريكي إلى ليبيا، التي أكد فيها إثبات تقرير لخبراء الأمم المتحدة حول عمليات تهريب أسلحة من مصر.

وتعتبر مصر هي التي سهلت ورعت التواصل بين حفتر والروس، من أجل موازنة النفوذ الغربي الأمريكي في ليبيا. فهو الذي تصدى لها من قبل حينما وجهت ضربة جوية لإحدى الجماعات هناك عقب قتل مصريين على أيدى جماعات متطرفة، ولهذا جاءت مصر بروسيا إلى لييبا في مناورة منها لإيجاد حليف لها قد يدعمها في مواجهة الحلف الغربي.


مستقبل مليء بالانقسامات وتدخلات الخارج

فايز السراج، خليفة الغويل، خليفة حفتر
فايز السراج، خليفة الغويل، خليفة حفتر

في ظل استمرار الصراعات الداخلية في ليبيا وعدم التوافق، فإنه من المرجح أن يكون الكثير من الإضرابات، والتي ستصل لحد الاقتتال، وهو ما بدا واضحًا في تصريحات حكومة الوفاق بالتصدي لانقلاب الغويل، والذي لاقى ترحيبًا من الموالين لحكومة الإنقاذ إضافة إلى الحديث عن قبول حكومة طبرق بهذا الانقلاب من أجل السيطرة على العاصمة ثم توزيع النفوذ فيما بينهم، وهو ما سيثير المزيد من التوترات.

وبالإضافة إلى ذلك ستحاول روسيا توظيف الورقة الليبية من أجل تهديد أوروبا، والمساومة معها في ملفات أخرى، فهي لن تستطيع البقاء في ليبيا، وإن توافقت معها مصر فلن تقدر على إغضاب الحليف الأمريكي الأوروبي، لكن القاهرة قد توظف قربها من الطرفين من أجل إيجاد حل يتلاءم مع مصالحها.

ولهذا يظل الفرقاء الليبيون مجرد أوراق في يد داعميهم، وقد ينتهي المطاف بهم كما فُعل بالمعارضة السورية، حيث كل طرف له مصالح معينة، وحينما حدثت المواءمات بين الداعمين تم التضحية بهم، بل الضغط عليهم من قبل حلفائهم للقبول بهذه التسويات التي جاءت على حساب أصحاب الأرض.