على حين غرة، أعلنت السلطة الفلسطينية ودون اتفاقٍ مُسبق مع حركة حماس عن عزمها إجراء الانتخابات المحلية، وحددت الثامن من أكتوبر/تشرين الثاني 2016، موعدًا لتنفيذها.ولا يُعرف إن كان الدافع من وراء إجرائها هو قرار سياسي بتعميق الفصام بين شطري الوطن الفلسطيني في قطاع غزة والضفة المحتلة، أم أنه أتى كنتيجة استحقاقية لانتهاء الفترة القانونية للمجالس المحلية في الضفة الغربية، التي أُجريت فيها الانتخابات عام 2012 بمعزل عن قطاع غزة، الذي خاض آخر انتخابات عام 2005؛ نتيجة رفض حماس القوة الحاكمة هناك الدخول إلى ذلك المعترك بسبب الانقسام وعدم التوصل إلى تحقيق الوحدة.ولعل الإعلان المنفرد من جانب السلطة أربك حماس في قطاع غزة التي طالما نادت بضرورة العودة إلى صندوق الاقتراع وخوض انتخابات شاملة على غرار التي حدثت في عام 2005 من أجل إنهاء حالة الشقاق وإحقاق الوحدة الوطنية لكامل التراب الفلسطيني.وما كان من حماس إلا أن أبدت استعدادها للمشاركة في الانتخابات أملًا في إعادة اللحمة الفلسطينية.


الانتخابات المحلية فقط لا تكفي

على الرغم من الموافقة والاستعداد الذي أبدته حركة حماس، الفصيل الأشرس في المنافسة مع حركة فتح، إلا أن ذلك لا يُخفف من واقع التحديات التي عليها مواجهتها على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية ولا سيما التحديات الإجرائية على أرض الواقع.ويُعد إجراء الانتخابات المحلية منفردة في الوقت الراهن دون استكمال العملية الانتخابية الشاملة (التشريعية، والرئاسية) خطرًا كبيرًا على الحالة السياسية في الأراضي الفلسطينية، التي عانت على مدار عشر سنواتٍ ماضية من تضارب الحالة التمثيلية الشاملة للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

يُعد إجراء الانتخابات المحلية منفردة في الوقت الراهن دون (التشريعية، والرئاسية) خطرًا كبيرًا على الحالة السياسية في فلسطين.

وبحسب الكاتب والإعلامي الفلسطيني «ساري عرابي» فإن الاحتلال الإسرائيلي يُمكنه أن يستغل هذه الحالة لتجاوز الممثل السياسي للفلسطينيين، والبدء بالتعامل مع الممثلين المحليين، مستبعدًا أن يتم ذلك في الضفة الغربية على المدى القريب، وقال: «قد يسعى الاحتلال إلى استخدام الانتخابات المحلية في غزة لسحب بساط الشرعية من حركة حماس وفقًا لشكل ونتائج الانتخابات»، وشدد أن إجراء الانتخابات منفردة بالتزامن مع الحالة النضالية في الأراضي الفلسطينية بالضفة المحتلة من شأنه أن يُقلل من وهج المقاومة الشعبية هناك، ويُحيل الفلسطينيين إلى حالة من المنافسة والصراع على السلطة بدلًا من مقارعة الاحتلال فينشغلوا بمصالحهم عن مصالح الوطن.من ناحية أخرى أشار إلى بعض التحديات الإجرائية التي تقف كحجر عثرة في وجه حماس نتيجة خوضها الانتخابات المحلية القادمة، أهمها أنها حاليًا تختلف كثيرًا عما كانت عليه خلال الانتخابات الأولى 2005، فبعد فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية والمحلية آنذاك بدت أكثر انكشافًا للاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية ما جعل قياداتها عُرضة للاعتقال والتنكيل، وهو الأمر الذي لا تُعاني منه كوادر حركة فتح.وأشار إلى أن استنزاف الحركة باعتقال وتعذيب كوادرها أدى بها إلى عدم القدرة على التجديد، وأثّرت بشكل كبير عليها لم تتخلص منه حتى الآن، فظلت عقول العناصر والكوادر الخاصة بحماس مشحونة، خاصة بعد أن تحولوا إلى ملفات مفتوحة أمام السلطة والاحتلال على حد سواء، حيث يُلاقون الكثير من الترهيب والترويع والملاحقة والتضييق.ويُعد تجفيف منابع التمويل الذي مُنيت به حماس خلال العشر سنوات الماضية تحديًا آخر كبيرًا لا يُمكن إغفاله، خاصة وأن الانتخابات المحلية قائمة على الأنشطة الخدمية والمجتمعية، وحماس في ظل ما تتعرض له من تضييق على سياساتها المالية مُطالبة بتكاليف باهظة على المستوى الأسري والشخصي.فمقاومة الاحتلال غالبًا ما تكون كلفتها معروفة سلفًا، على عكس المقاومة من أجل تقديم الخدمات المجتمعية والإنسانية فكلفتها مجهولة. خاصة أن المجالس التي فازت بالانتخابات الأخيرة عام 2005، عانت من ممارسات مُشابهة في منع التمويل، وكذلك الملاحقة والاعتقال. لذلك ستعمل الحركة على دعم قوائم مهنية بعيدة عن الانتساب الصريح لها؛ حتى لا يصعب عليها إداراتها في ظل الظروف الأمنية وتحمل التبعات السياسية لنتائج الانتخابات سواء بالنجاح أو الفشل.


416 هيئة محلية

تعددت مسميات الأحزاب الفلسطينية الناشطة في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي أبدت استعدادًا لخوض الانتخابات المحلية. فبالإضافة إلى حركتي فتح وحماس، كان هناك عدة قوى يسارية، أبرزها: حزب الشعب، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني «فدا»، والمبادرة الوطنية الفلسطينية. إضافةً إلى شخصيات مستقلة.وسيتم خوض الانتخابات ضمن قوائم موحدة؛ أملًا في تجديد شرعية القرار الفلسطيني، ورغبةً في تحقيق الوحدة، وبقيت حركة الجهاد الإسلامي رافضة لخوض التجربة رغم تأكيدها على أهميتها في الوقت الراهن.وبحسب «باسم أبو حدايدة»، مدير عام في وزارة الحكم المحلي، فسيتم التنافس في الانتخابات المُقبلة بالضفة المحتلة وقطاع غزة على حوالي 416 هيئة محلية ومجلس قروي، فيما سيكون عدد مراكز العضوية 4162 في كافة مجالس الهيئات المحلية، منهم 3848 في كافة مجالس الضفة المحتلة، و314 في كافة المجالس البلدية في قطاع غزة، وستنافس المرأة على 885 مركز عضوية في الضفة الغربية وقطاع غزة، منها 823 مركز عضوية في الضفة الغربية و62 آخرين في قطاع غزة.


كوتا المسيحيين تُثير الجدل

في إطار تأكيده على حق الفلسطيني المسيحي في المشاركة بأي عملية سياسية، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الحادي والثلاثين من يوليو/ تموز الماضي 2016، مرسومًا رئاسيًا حدد فيه عدد المجالس البلدية والقروية المُخصصة للمسيحيين بـ 9 مجالس هي: رام الله، وبيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا، وبيرزيت، والزبابدة. وقرى: عابود، وجفنا، وعين عوريك، وسيتنافس على عضويتها 67 مرشحًا.هذا المرسوم رغم أنه تقليد في كل انتخابات، إلا أنه قوبل بحالة من الصخب بين الأطراف الفلسطينية المختلفة، خاصة حركة حماس التي اعتبرته على لسان الناطق باسمها «سامي أبو زهري» صادمًا ومفاجئًا، بالإضافة إلى أنه يُعزّز البعد الطائفي، وقال: «إن القرار بتحديد كوتا للمسيحيين في الانتخابات المقبلة غير مبرر في ظل وجود قانون للانتخابات البلدية»، مؤكدًا أنه يُشكل انتهاكًا حقيقيًا ومحاولة للتحكم المسبق بالنتائج.وفي المقابل، رأى خبراء في الانتخابات أن اعتماد الكوتا المسيحية في هذه الانتخابات لم يكن الأول، إذ تم إقرارها في الانتخابات السابقة المحلية والعامة، وأنه في كل مرة كان الرئيس يُصدر مرسومًا يُخصص فيه مقاعد للمسيحيين والمسلمين معًا.واعتبر «جهاد مشاقي» مدير التشكيلات والانتخابات في وزارة الحكم المحلي، أن الكوتا المسيحية لم تُخالف القانون، وإنما تنفيذ ما ورد في المادة 5 من قانون رقم 12 لعام 2005، وأكد في منشور له على صفحته على موقع فيسبوك، أن الكوتا المسيحية تقليد فلسطيني معمول به في الهيئات المحلية منذ 153 عام، حين تم استحداث بلدية القدس بفرمان من الباب العالي بإسطنبول، وخُصصت وقتها مقاعد للمسلمين والمسحيين واليهود، وأضاف أن أكثر دول العالم ديمقراطية تنص قوانينها إلزامًا على تخصيص مقاعد للإثنيات والأقليات والمرأة.


قوائم كفاءات موحدة

جميع الفصائل التي أقرت بالمشاركة في الانتخابات المحلية أكدت أنها لن تخوض المعركة بشخصيات حزبية خالصة وإنما ستعمد إلى تشكيل مجالس كفاءات، وهو ما رآه الكاتب «محمد رمضان الأغا» دليلًا على اعترافهم بفشلهم السياسي الذي حال دون تحقيق التوافق وتشكيل حكومة وحدة، لافتًا إلى أن الفصائل وبخاصة (فتح وحماس) باتتا بحاجة لاستعادة رصيدهما الجماهيري الذي فقدوه جراء تمترسهم أمام حواجز سياسية متشددة، وتوقع أن يكون تشكيل الفصائل لمجالس الكفاءات المختلطة خطوة إيجابية وفقًا لما ستُثمره من نتائج، كما يُمكن أن تؤدي إلى حل الانقسام تدريجيًا.ورأى أنه على الرغم من صعوبة تحقيق التوافق بفعل سنوات الجفاء على مدار العشرة أعوام الماضية، إلا أنه ما زال مُمكنًا رأب الصدع وجسر الهوة بين الفرقاء والشعب، وقال: «إن إشراك الجميع في إدارة البلديات سيحملهم على إعادة النظر في المواقف السابقة، والعمل على عدم تكرارها بل والتخلي عن بعضها، بما يُؤدي تدريجيًا إلى توافق سياسي حقيقي».


سيناريوهات الرد الإسرائيلي

جميع الفصائل لن تخوض الانتخابات المحلية بشخصيات حزبية خالصة، وإنما ستعمد إلى تشكيل مجالس كفاءات.

على مدار سنوات الانقسام كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي مُطمئنة لاستمرار الفرقة بين ذراعي الشقاق الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، فلم ينجح أي نشاط سياسي في تقليص حدة الانقسام الذي ساد في صيف 2007 واستمر حتى اللحظة بسيطرة حماس على قطاع غزة.لكن قرار حركة حماس المُفاجئ بالمشاركة في الانتخابات المحلية أربك حسابات نتنياهو؛ كونه أول قرار متفق عليه وطنيًا؛ ما يُمكن أن يؤدي إلى إعادة اعتبار الوحدة السياسية لمناطق السلطة.

إسرائيل ستسمح بإجراء الانتخابات المحلية سعيًا للكشف عن تراجع شعبية فتح، وتوريط حماس مرة أخرى.

الخبير في الشأن الإسرائيلي د. صالح النعامي، تحدث عن اثنين من السيناريوهات المحتملة للرد الإسرائيلي على الانتخابات المحلية في الأراضي الفلسطينية، بدا السيناريو الأولمتشائمًا، وتوقع ألّا تُفوّت دولة الاحتلال الفرصة بإجهاض العملية الانتخابية وإفشالها في مهدها، مستندةً إلى جملة من الإجراءات الأمنية تقضي بعدم توفير الحد الأدنى من الظروف الطبيعية لإجراء الانتخابات، بالإضافة إلى تكثيف سياسة الاعتقال ضد القيادات الجماهيرية في الحركة وضد كافة ناشطيها.فقال: «إسرائيل تتبع هذه السياسة من منتصف عام 2014، ولا تألوا جهدًا في اجتثاث القيادات الوازنة في الحركة لإضعافها»، وبيَّن أن تلك السياسة تضاعفت خلال انتفاضة القدس التي اندلعت مطلع أكتوبر 2015، باعتبار أن قيادات حماس هي من تحمل لواء التحريض لعمليات المقاومة الفردية، لافتًا أن اعتقال القيادات والناشطين من حماس ومؤخرًا من اليسار الفلسطيني، من شأنه أن يخدم دولة الاحتلال بإفشال الانتخابات بسبب عدم وجود بيئة تنافسية بين المرشحين مما يُفقد الانتخابات قيمتها.وعلى العكس كان السيناريو الثاني متفائلًا بسماح دولة الاحتلال إجراء الانتخابات البلدية لاعتبارات مختلفة؛ أولها الخشية من أي رد فعل دولي غاضب إذا ما أقدمت على تعطيلها، وثانيها أن الانتخابات لن تحمل الكثير من الدلالات السياسية كونها ذات طابع محلي، ناهيك عن اليقين لدى الاحتلال بأن الانقسام أحدث شرخًا عميقًا في نفوس الفلسطينيين وليس من السهل معالجته بخطوة واحدة على طريق التوافق الفعلي – إن قُدر لها النجاح.إسرائيل تتوقع أن تُظهر نتائج الانتخابات تراجع جماهيرية فتح التي تقودها السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس في الضفة المحتلة، وهو ما يمكن أن تستغله للتشكيك بمصداقية عباس في تمثيل الفلسطينيين بما يؤدي إلى نزع الشرعية عن الخطوات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية. وفي حالة فوز حماس، ستتمكن إسرائيل من فرض قيود على المجالس البلدية التي ستُديرها الحركة، وستُعيد الكرة في التعامل مع قيادات ونُشطاء الحركة كما فعلت في عام 2005، إذ أوعزت إلى الدول المانحة بعدم تقديم أموالها إلى المجالس البلدية التي يترأسها «إرهابيون» وفق تصنيفها للحركة.السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحًا؛ لأن إسرائيل تُريد تغيير المزاج السياسي والاجتماعي السائد في الأراضي المحتلة بشكل يُقلّص من دافعية الفلسطينيين لمواصلة تنفيذ عمليات المقاومة الفردية، على اعتبار أن هذه الانتخابات قد تضطر الكثير من الحركات والتنظيمات والعائلات إلى تجنيد عناصرها وأبنائها للانخراط في هذه التجربة.

المراجع
  1. صالح النعامي، "إسرائيل والانتخابات البلدية الفلسطينية: تعطيل أم تسهيل؟"، موقع العربي الجديد، 27 يوليو2016.
  2. محمد رمضان الأغا، "الانتخابات المحلية: مجالس كفاءات تقود نحو المصالحة"، صحيفة فلسطين، 31 يوليو 2016.
  3. "فلسطين تنتظر 4162 أعضاء مجالس بلدية وقروية… بينهم 885 امرأة و67 مسيحي"، موقع دنيا الوطن، 28 يوليو 2016.
  4. ساري عرابي، "حماس والانتخابات المحلية.. القرار والتحديات"، المركز الفلسطيني للإعلام، 1 أغسطس 2016.
  5. أشرف الهور، "سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس يعلن رفض الحركة لمرسوم الرئيس الفلسطيني الخاص بـكوتة المسيحيين ويعتبره تعزيزاً للبعد الطائفي"، القدس العربي، 3 أغسطس 2016.