في مباراة البرازيل وسويسرا، بمونديال 2022، حدثُ هرجٌ ومرجٌ مبالغ فيه بالمدرجات البرازيلية. والسبب؟ النجم الأول للمنتخب البرازيلي «نيمار دا سيلفا»، يتنزّلُ على جماهير السامبا ويقف بينهم بأقراطه وأوشامه المعروفة ونظارته الشمسية.

يتدافع الجمهور لأخذ صورة تذكارية معه، وأمن المدرجات يراقب المشهد، على استعدادٍ للتدخل عند اللزوم. لحظة سكون عابرة، وسؤال بديهيٌّ يقفز للأذهان: «ألم يخرج نيمار مصابًا في المباراة الماضية؟ ولن يشارك في تلك المباراة؟ إذن، من هذا الشخص؟»

إنه «إيغون أوليفيرا» شبيه النجم نيمار.

من منّا لم تنطلِ عليه مثل تلك الحيلة؟ ألا تتذكر أنك رأيت صورة لاعب ما، وبعد التدقيق لأجزاء من الثانية تجد أنه ليس اللاعب ذاته، وإنما شبيه له؟

لعلك عجبت أول الأمر من هذا الشبه الساخر، ثم ضحكت من الطريقة التي يحاكي بها هذا الشبيه طريقة لعب واحتفالات اللاعبين الأصليين، ثم ضجّت رأسك بأسئلة من قبيل: كيف يمكن لشخصين أن يتشابها لتلك الدرجة؟ وهذا الشبيه، ما عمله الأصلي؟ وكيف يؤثر ذلك الشبه على حياته وشخصه؟ ولماذا انتشرت الأشباه في مصر تحديدًا في الآونة الأخيرة؟

الفرصة رقم 135

يقول المثل الشعبي المصري: يخلق من الشبه أربعين. وهي مقولة صحيحة نوعًا ما، مع مراعاة الاختلاف بين الشبه والتطابق، بالطبع.

في عام 2015، كانت «تيجان لوكاس» عالمة التشريح البيولوجي والمقارن بكلية الطب جامعة أديلايد، مهتمةً بهذا الشأن، وتأثيره الجنائيّ تحديدًا: ماذا لو ادّعى متهمٌ في جريمة قتل أن شبيهًا له ضغط الزناد وليس هو؟ أيمكن أن تكون تلك ثغرةَ إفلاته من العقاب؟

وعليه، فقد قامت بتحليل وجوه أربعة آلاف شخص تقريبًا، بإخضاعهم لنظام تحليل يضم 8 معايير، تعتمد بشكل أساسي على قياسات المسافات بين الأذن والعين وغيرها من ملامح الوجه، لتصل في النهاية إلى استنتاج مُفاده أنّ احتمالية وجود «تطابق» بين شخصين أقل من واحد في التريليون، أي أن فرصة أن يلتقي الإنسان بشبيهه، واحدة من أصل 135 فرصة.

ولكن الدراسة لم تكن دقيقةً لهذا الحدّ، أو إنها كانت دقيقةً أكثر من اللازم. فمثلًا لو كان طول أذن الشخص ٥٩ مللي وطول أذن شخص آخر 60 مللي؛ فإن الشبه بينهما ينتفي حسب نموذج «تيجان»، ولكن الواقع مختلف تمامًا.

فنحن لا نحمل مسطرة وآلة حاسبة في الشارع، حتى إذا رأينا شخصًا نعرفه أو من يشبهه، أدرنا الحسابات وعقدنا المقارنات، وأخبرنا الشخص الذي أمامنا أنه يشبه أحد معارفنا بنسبة 87.4%! بالطبع سيتهمنا بالجنون.

الرأي نفسه ذهب إليه البروفيسور «وينريش فريوالد» المتخصص في إدراك الوجه في جامعة روكفلير، إذ يرى أن الشخص ذو الوجه العادي من السهل نسبيًا أن يجد أشباهًا له، وهي الحالة المتحققة في لاعبي كرة القدم. فهم ليسوا عارضي أزياء أو نجوم فنّ ولم يتم تنقيتُهم «ع الفرّازة»، وإنما هم حفنة من أصحاب الوجوه العادية في المعظم.

مبابي مثالًا: البشرة السوداء، الأنف الأفطس، الشعر القصير المجعد، الجبهة البارزة بعض الشيء، لا بد أن ذاكرتك استدعت عددًا من الأشباه بالفعل. هناك نظرية أزعم أنني مؤلفها تقول إن محمد صلاح له شبيه في كل محافظة مصريّة.

المالتي-فيرس على أرض المرج

من ثقب كوني فوق المرج، أحد أحياء القاهرة الشعبية، انبثق «علاء الدين أحمد»، الذي وجد مصباحه السحري في الشبه الكبير بينه وبين نجم الكرة العالمية كليان مبابي. وبتعديل بسيط في قصة شعره، مع الزي الكامل لنادي باريس سان جيرمان وأحيانًا المنتخب الفرنسي، تغيرت حياته للأبد!

من سائق تاكسي بسيط، إلى تريند عالمي، يحصد حسابه على التيكتوك ملايين المشاهدات والمتابعات، حتى صار نجمًا مدعوًا في الفعاليات الكروية في المنطقة العربية وأبرزها المبارة النهائية لكأس العالم.

لكن الثقب الكوني لم يفرز شبيهًا لمبابي فحسب، ولكن الأمر أشبه بهجوم الفضائيين على كوكب المرج، عذرًا، كوكب الأرض، في سلسلة أفلام الـمنتقمون: شبيه أليسون، شبيه فان دايك، شبيه ناثان آكي، شبيه أرنولد، شبيه فينيسوس جونيور، شبيه ساديو ماني، حتى إن هناك أشباهًا لبيدري ورافينا ظهرت بالفعل.

يا للهول! أيعقل أن الأكوان الموازية حقيقة علمية على أرض مصرية؟ 

على مقياس دكتورة «تيجان» آنف الذكر، فهؤلاء ليسوا أشباهًا ولا يحزنون، لكن بالعودة لأصل الأشياء، وللطريقة التي يتعامل بها المخ مع الوجوه المألوفة، نجد أن المخ يحتفظ بصورة الأشخاص كخريطة أقرب منها لصورة ثابتة، فعندما ترى شخصًا أسود البشرة، منحسر الشعر، وَخطَهُ خط أصفر داكن، وفم غليظ يفضي إلى أسنان بيضاء تلمع، فإنك ترجّح لأول وهلة أن هذا الشخص يشبه ساديو ماني، ثم هنالك منطقة مخيّة هي المسئولة عن التأكد من تطابق الملامح وتأكيد الصورة.

بالطبع لم تقتنع بنظرية الأكوان الموازية، وما زال يدور في رأسك سؤال أستشفّه من وراء الشاشة: لماذا؟ ما الدافع؟ وما الفائدة؟ حسنًا، أنا أيضًا لم أقتنع. دعني أحاول الإجابة عن سؤالك في الفقرة القادمة.

عبادة المشاهير أم استرزاق؟

لقد غيّر نيمار حياتي بشكل ضخم، لقد أعطاني ملايين الفرص والإمكانات، لقد أتاح لي الذهاب لأمكنة لم أحلم أن تطأها قدمي، وعرّفني بأُناسٍ، لم أحلم أن ألتقيهم.
إيغون أوليفيرا

يميل بعض المتخصصين النفسيين إلى وصف «متلازمة عبادة المشاهير»، بأنها إحدى اضطرابات الوسواس الإدماني، القائمة على علاقة طفيلية أحادية الجانب، بين النجم والمهووس به.

يحاول هؤلاء المرضى -هل نتجاوز حين نصفهم بالمرض النفسي؟ بعبادة المشاهير، أن يقلدوا كل حركات نجمهم المفضل، ويحاكوا طريقة كلامه وانفعالاته وقصّة شعره، بل هناك من يتمادى ويجري عملية جراحية ليبدو أقرب لهيئة نجمه المفضل.

هنالك فيلم هندي، صدر عام 2016، اسمه «مُعجب-Fan» عن شاب صغير اكتشف شبهًا بينه وبين نجم سينمائي معروف، فطوّر ذلك الشبه وعزم على لقاء معبوده، ولو لمدة خمس دقائق. الأمر الذي لم يتحقق؛ لأن النجم –للدهشة- لم يكن يعرف بوجوده على قيد الحياة. فتحولت حياة ذلك المعجب وعزم على استغلال ذلك الشبه في تدمير حياة نجمه المفضل.

من هذا المنطلق: هل يمكن اعتبار هؤلاء الأشباه، من المرج، مصابين بعبادة المشاهير؟ قطعًا لا. لو سألتهم سيستغفرون الله، ويتلفظون بالشهادة تجديدًا لدينهم واستبراءً من لفظ العبودية لغير الله.

وتلك حقيقة سهلة الإدراك، جرّب أن تتابع تحديات الأشباه على تطبيق الـتيك توك، أو شاهد أحد الحوارات مع أبيهم الذي علّمهم الشّبه «علاء الدين شبيه مبابي»، سينكشف لك أول ما ينكشف أنهم مجموعة من الشباب السذّج الذين لا يعرفون شيئًا عن الكرة العالمية، ناهيك عن جهلهم بأبسط أساسيات الكرة ومهاراتهم المحدودة، فكـيف يخرج من بينهم من يصيبه الهوس بفينيسيوس جونيور أو ناثان آكي؟

إنهم يتقمصون الدور أحيانًا، فيتنادون بينهم بأسماء من يشبهونهم، حتى إنهم يجيبون عن الأسئلة من منظورهم، فشبيه مبابي يعتبر كرستيانو مثله الأعلى؛ لأنه المثل الأعلى لشبيهه. أمرٌ محيّر.

ليس الهوس إذن، فماذا يكون؟

هل تتذكرون «إيغون أوليفيرا»، شبيه نيمار؟ قصته تشبه تمامًا قصة علاء الدين أحمد. نادل بسيط، أخبره الناس بالشبه الصارخ بينه وبين نيمار. لم يكذّب خبرًا، وتقمّص الشخصية بكل حذافيرها، حتى صارت مهنته أنه شبيه نجم كرة القدم، وعلى إثرها طاف البلدان والقارات، وتجول في أرضية ملعب كأس العالم بحرية تامة.

يرى البعض الأمر تافهًا غير جديرٍ بتسليط الضوء عليه. البعض الآخر يظن بأولئك الأشباه ظنون الشهرة وحب الظهور، أو يتمادى فينسج نظرية مؤامرة عن أشباهٍ يتم تجنيدهم لغزو الفضاء الإلكتروني وتكوين شبكات تسويقية فيما بعد. لكن هؤلاء الشباب يرون في هذا الشبه طوقَ نجاة في وضع اقتصادي ألقى بظلاله المخيفة على الكل، لقمةَ عيش ومصدر رزق، حتى وإن لم يقربهم هذا الشبه يومًا من النجوم الأصليين؛ فإنه على الأقل سيضمن لهم مقعدًا على المائدة الكبيرة لقصر الكبابجي.