الجيل الثالث من عائلة منصور يتولى إدارة إمبراطورية أموال الأسرة، مع مجموعة استثمارية تتجاوز 60 ألف موظف، وإيرادات تتخطى 6 مليارات دولار. عددهم أربعة، ظلوا حريصين عن الابتعاد عن دائرة الضوء، حتى وضعهم في قلبها لطفي منصور، الشاب الثلاثيني، حين ربطته تقارير بمحاولة لشراء نادي تشيلسي الإنجليزي، المقدر بنحو 3 مليارات دولار.

بناء الإمبراطورية

جزء من أن تكون مصريًا هو أن تكون من أسرة متماسكة

يقول لطفي منصور الحفيد، في مقابلة نادرة، أجراها مع «فايننشال تايمز» في 2016، وهي النافذة الأهم في التعرف على شخصية الرجل، شبه معدوم الظهور في وسائل الإعلام العربية والأجنبية.

منصور المولود، في القاهرة، هو الرئيس التنفيذي لمجموعة منصور الاستثمارية، «مان كابيتال»، وواحد من أربعة أفراد من الجيل الثالث من العائلة يعملون في المجموعة، التي نشأت مع تجارة القطن، بتأسيسها في عام 1952، من قبل جد منصور، المعروف أيضًا باسم لطفي، والذي كان من أوائل المصريين الذين تخرجوا في جامعة كامبريدج.

ازدهرت أعمال المجموعة التجارية، حتى أممها الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، مما أجبر لطفي الجد على الانتقال إلى السودان للعمل في نفس المجال، ثم تعرضت أعماله للتأميم مجددًا، فطار إلى سويسرا للعمل كسمسار قطن، بينما عاش أبناؤه في الولايات المتحدة حينها، إلى أن تجمع شمل الأسرة في مصر مجددًا، مع انتقال السلطة إلى الرئيس التالي، محمد أنور السادات، والذي كان أكثر ميلًا إلى اقتصاد السوق، وتبني سياسة الانفتاح.

نقطة انطلاق آل منصور الكبرى حدثت عبر وكالة «جنرال موتورز»، حيث كانت الشركة تتباحث مع بنوك مصرية حول شركاء محتملين في السوق المصرية، فرشحت لهم البنوك ثلاثة أشقاء في الإسكندرية، تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة.

يقول لطفي منصور الحفيد: سر النجاح كان فهم والدي وأعمامي للعقلية الأمريكية، التي تميل للشفافية دائمًا. أن تكون واضحًا تمامًا في توضيح ما إذا كان بإمكانك فعل شيء أم لا، والأهم من ذلك هو بناء الشراكة على المدى الطويل.

والآن، تعتبر مجموعة منصور أكبر وكلاء «جنرال موتورز» في العالم، حيث تبيع 76,000 سيارة سنويًا. كما يمتلك منصور أيضًا وكالة «كاتربيلر» لمصر وست دول أفريقية أخرى، وتصنيع وتوزيع منتجات «إمبريال توباكو»، وامتياز «ماكدونالدز» في مصر، وتشغيل العديد من سلاسل البيع بالتجزئة، من بين أشياء أخرى.

ابن الوز

ثمانون في المائة من الشركات العائلية تسقط مع انتقال الإدارة إلى الجيل الثالث. لم أكن أريد أن أكون بطل تلك القصة البائسة

كان هذا تصور لطفي منصور الحديث. ولهذا، بدا منذ صغره منغمسًا في الأعمال التجارية.

يقول عن نفسه: «عندما كنت طفلًا، كنت أذهب إلى المكتب. أتذكر المرة الأولى التي رأيت فيها شخصًا يبيع سيارة. أتذكر ما قاله للسيدة وهي تتجول في صالة العرض. ثم أنتقل إلى قسم المحاسبة وأراهم بآلاتهم الحاسبة. كنت مسحورًا بما أرى».

بالتبعية، كانت مسألة التعلم عن طريق الملاحظة أسهل الطرق أمام الرجل لاختراق عالم الأعمال. يقول: «استمعت إلى والدي يتحدث على الهاتف، وشاهدت كيف يجرى اجتماعًا، وذهبت معه إلى العروض التقديمية. كان يسألني: ماذا تعلمت، ما الذي وجدته ممتعًا، ما رأيك في هذا؟ ببطء تعلمت».

للبناء على ما تعلمه، تلقى منصور تعليمه في جامعة جورج تاون، ثم عمل في بنك جولدمان ساكس لمدة عامين، حتى طلب منه أعمامه الانضمام إلى مجموعة «مانتراك»، شركة توزيع «كاتربيلر»، عندما أصبح والد منصور محمد وزيرًا للنقل في مصر.

يقول: «ذهبت إلى عدة أقسام، مثل المبيعات والتسويق، وتعلمت إدارة الأعمال. تعلمت أن الطريقة التي تخلق بها قيمة شركة ما هي من خلال موظفيها، لذلك كان عليّ التعرف على الأشخاص على عدة مستويات، والعمل في طريقي للحصول على المصداقية مع العائلة وزملائي.

عاد منصور من تلك الرحلة في 2006. ثم قرر في 2009 أن ينوع المخاطر عبر بناء قطاعات جديدة، ليؤسس في 2010 شركة «مان كابيتال» الاستثمارية، لتتوسع النظرة العالمية ببناء فريق إدارة من 10 أشخاص يضم جنسيات متعددة، من بريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا وفرنسا والصين والهند، والذي ساعد «مان كابيتال» على إتمام 10 صفقات ضخمة في 6 سنوات، بينها ميلينينيوم أوف شور سيرفيسيس، التي تقدم خدمات لصناعة النفط والغاز البحرية، وإيديوكاس، التي تستثمر في المدارس الخاصة، بجانب مزود البنية التحتية للاتصالات النيجيرية «آي إتش إس تاورز».

عندما بدأت جنرال موتوزر عملياتها في مصر، كان الهدف بيع 40 سيارة في اليوم الواحد. لم يكن المهم زيادة الرقم بقدر تثبيته. وبنفس الفلسفة سار لطفي منصور في «مان كابيتال»: «لسنا مدمني صفقات، ولا نريد أن نكون. هدفنا إجراء عملية أو عمليتي استحواذ فقط في السنة».

لكن ما أضافه الحفيد إلى إمبراطورية الجد كان لغة الأرقام: «في حياة جدي، أنجزنا الكثير من الأمور على أساس الحدث. كان هذا عظيمًا لأننا كنا نملك الكثير منه. لكن العالم الآن بات مهووسًا بلغة الأرقام. بالتالي، باتت التحليلات أساسية في أعمال المجموعة».

أضاف التكنولوجيا كذلك، باعتباره أحد أوائل الأشخاص في مصر الذين استخدموا الإنترنت في التسعينيات. يعتمد عليها كثيرًا. لكنه يقول إنه حريص على ألا تطغى كليًا؛ باعتبار أن الإفراط في التواصل قد يؤثر على سرعة اتخاذ القرارات: «أنت بحاجة إلى عدسة لتتمكن من تكبير ما هو مهم».

الآن، الخطة هي تنمية العلامة التجارية عالميًا. لا تزال الولايات المتحدة سوقًا جذابة بالنسبة للمجموعة، التي يقول لطفي منصور إنها تملك الكثير من الصلات التي تجعل العالم الغربي شديد القرب منها؛ إذ بدأت المجموعة البحث عن فرص في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والأغذية والمشروبات منذ 2016.

ثورة يناير

يقول لطفي منصور: «الاسم هو في الأساس العلامة التجارية، ويجب أن يظل نظيفًا للغاية. قال والدي كثيرًا إنه ليس حريصًا أن يترك لي أكبر الشركات أو أكبر قدر من المال. بل أفضل اسم».

لكن هذا الاسم ترك ثقلًا على المجموعة بعد 2011؛ فمثل العديد من العائلات الناجحة، طورت عائلة منصور روابط سياسية على مر العقود، حتى شغل محمد لطفي منصور، والد لطفي منصور، منصب وزير النقل في نظام الرئيس السابق حسني مبارك.

وعلى الرغم من أن فترة ولايته كانت قصيرة، وأنه ترك منصبه قبل أن تطيح مظاهرات ميدان التحرير في عام 2011 بالحكومة، فإن الحدث كان مهمًا بالنسبة للأسرة، التي ربطت نفسها بالنظام في الوقت الضائع. لكن لطفي منصور يقلل من التأثير- وإن حدث فعلًا- معتبرًا أن المجموعة دخلت في العديد من دورات الصعود والهبوط على مر السنين: «دعونا لا ننسى أن مصر يبلغ عدد سكانها أكثر من 80 مليون نسمة ، مع قاعدة استهلاكية ضخمة. سيظل المصريون بحاجة إلى السيارات والخدمات وما إلى ذلك».

ويضيف: «لدينا حضور في أكثر من 100 دولة، لذلك عندما تنخفض دولة ما، ترتفع دولة أخرى؛ فهذا كله جزء من إستراتيجية التنويع لدينا ونهجنا طويل الأجل، مما يسمح لنا بالتخفيف من الأزمات قصيرة المدى. هذا يعني أننا لا نفكر في الخروج. نحن نستثمر في مصر منذ عقود».

الطريق إلى تشيلسي

يقيم بعض أفراد العائلة في لندن منذ 2011. يقول لطفي منصور: «مكتب العائلة جزء لا يتجزأ من استراتيجية مجموعة منصور للنمو المستقبلي. ولندن هي أفضل مكان للتوسع دوليًا». يضيف: «كان القدوم إلى لندن خطوة إستراتيجية».

هذه الخطوة ستربط اسم المجموعة بنادي تشيلسي الإنجليزي في 2022، عندما اضطر مالك النادي، الأوليجاركي الروسي رومان أبراموفيتش، لعرض النادي للبيع، بعدما وضعته اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية على قوائم الملاحقة الاقتصادية، ليظهر اسم لطفي منصور كمشترٍ محتمل.

الصحافة الإنجليزية ربطت الخطوة المحتملة بالهوس الشخصي؛ باعتبار لطفي منصور حاملًا للبطاقة الموسمية في ستامفورد بريدج، وباعتبار قدرة المجموعة المالية تتحمل صفقة مماثلة.

نفى الحفيد نيته اتخاذ الخطوة. وتعقدت صفقة بيع تشيلسي عمومًا بعدما أضيف أبراموفيتش لقوائم العقوبات فعلًا. لكن، لا أحد يعلم إن كانت صفقة مماثلة قد تجرى مستقبلًا، ثم خطط «التوسع الاستراتيجي» للمجموعة التي يديرها لطفي منصور من قلب لندن.