كثيرون هم من ولدوا في ظل عائلة كبيرة، أو اسم شهير للوالد أو للجد يُحملك أكبر من طاقتك أحيانًا ويمحو كل مجهوداتك في أحيان أخرى. في حالة «أليساندرو لوكاريللي»، فإنه ولد كأخٍ أصغر للاعب الإيطالي المعروف «كريستيانو لوكاريللي». ذات مرة أحرز الأخ الأصغر هدفًا من مقصية رائعة، الجميع اعتقد أن «كريستيانو» الذي سجلها، وتعاملوا مع هذا الأساس لمدة طويلة.


حين تولد شقيًا وتألف ذلك

ولد الشقيق الأصغر «أليساندرو» في الـ 22 من تموز/يوليو في عام 1977، بعد 20 شهرًا تقريبًا من ولادة أخيه الأكبر «كريستيانو». النشأة كانت في مدينة «ليفورنو» الواقعة في إقليم «توسكانا» الساحلي، تحديدًا في حي كان يُعرف محليًا باسم «شنغهاي»، وهو حي تم بناؤه في ظل حكومة «موسوليني» الفاشية. حياة كليهما في الصغر كانت صعبة، لكنها لم تخلُ أبدًا من التعلق بكرة القدم الإيطالية وفرقها، كانا يلعبان في الشارع طيلة اليوم تقريبًا، حتى يعودا في آخره بلا نفس وبملابس ممزقة وأحذية قد أصابها الضرر حتى تآكلت.

مع التقدم في العمر، بدأ الصغيران يميلان أكثر لفريق مدينتهما المحلي؛ «إي سي ليفورنو»، لكن كليهما فشل في اللعب له في مراحل الشباب أو الصغر، وشاءت الأقدار أن يبدأ «لوكاريللي» الصغير حياته المهنية في مدينة «بياتشينزا». النادي المحلي لهذه المدينة لم يكن يملك الكثير من النجوم، لكن يبدو أنه منذ الصغر كان هناك شيءٌ ما -خفي- يربط ذلك المدافع «أليساندرو» بالأندية الموجودة في وسط الجدول. وبعد رحلات لم تدم في باليرمو وفيرونتينا، جمعته المقادير بشقيقه الأكبر مرة أخرى داخل حبهما الأول وعشق طفولتهما، «إي سي ليفورنو»، كان ذلك تحديدًا في عام 2004.

كنت على استعداد للتضحية بمليار يورو للعب إلى ليفورنو، كنت أحبه مثل كريستيانو تمامًا، لقد قدمت تحضيات كثيرة خلال رحلتي من أجل أن أرتدي ذلك القميص.
«أليساندرو لوكاريلي» معبرًا عن حبه لفريق «إي سي ليفورنو».

تلك الرحلة داخل فريق الطفولة لم تدم لكليهما، فقط 3 سنوات عند الكبير و2 عند شقيقه الأصغر، ومن ثم ذهب كلٌ منهما إلى مسعاه خارجًا، وهذه المرة كانت فرصة ليذهب الأخير إلى جنوب إيطاليا نحو مدينة «ريدجو كالابريا» بإقليم «قلورية» للتوقيع لفريق «ريجينا».

قبل موسمه الثاني في فريقه الجديد، صدر قرار بخصم 11 نقطة من الفريق، على إثر الفضيحة الإيطالية الشهيرة «كالشيوبولي»، لكنها كانت البداية الحقيقية لـ«أليساندرو» في تحوله من مجرد مدافع في فرق منتصف الجدول إلى أحد الأبطال بالنسبة للجماهير، بعدما تمكن وزملاؤه من الإبقاء على «ريجينا» داخل أندية الدرجة الأولى بعد عناء كبير.

اقرأ أيضًا: «كالشيوبولي»: القصة الكاملة لأشهر تلاعب في تاريخ كرة القدم.

كان مقدرًا لكلا الأخين أن يجتمعا مرة أخرى، هذه المرة كانت في الحب الأخير لكل منهما، في مدينة «بارما»، والتي بدأت معها قصة جديدة في حياتهما، خاصة الأصغر من بينهما.


رحلة قُدّر لها العناء

في عام 2008، كان «كريستيانو» قد قرر أن يسبق أخاه «أليساندرو» في التنقل إلى مدينة بارما. الأخ الأصغر لم يكن غريبًا على أجواء المدينة، حيث سبق له اللعب في مدينة «بياتشينزا» عند الصغر، وهي تبعد حوالي ساعة واحدة فقط عن مدينة بارما. في ذلك العام تحديدًا، كان الفريق الملقب بـ«حاملي الصلبان» قد هبط لتوه للدرجة الثانية من الدوري الإيطالي، بعدما حافظ على مسيرة وصلت إلى 18 دون هبوط. الشقيق الأكبر لعب مسيرته بالكامل في مركز المهاجم، وانتقاله إلى الفريق في هذ الوقت كان محفزًا جدًا للجماهير وألقوا على عاتقه العديد من الآمال، لكنه لم يكن عند ثقتهم.

بعد موسم لم يكن كالمتوقع، عاد إلى حب طفولته ليفورنو في العام التالي مباشرة، تاركًا رحلة بارما ومعاناتها إلى «أليساندرو» الذي كان قد ترقى إلى مكانة القائد الثاني في الفريق خلال موسم 2011/12. الأغلبية من الجماهير كانت تعتبر «لوكاريللي» هو القائد الحقيقي للفريق حتى من قبل أن يرتدي الشارة، لقد كان يملك روحًا كبيرة في قلب الميدان، روحًا تجسد كل فرد من جماهير الـ«جيالبلو». بدأت الجماهير تطالب بتواجده في تشكيلة المنتخب الإيطالي بعدما أثبت جودته الفنية وكذلك روحه العالية لصالح الفريق.

بعدما تمكن من الصعود إلى الدرجة الأولى مرة أخرى وظهر الوضع مستقرًا لفترات بعيدًا عن تهديدات الإفلاس مرة أخرى، بدأ ناقوس الخطر في دق أجراسه من جديد، بعدما سُحبت رخصة المشاركة الأوروبية من بارما، بعد فشلهم في دفع فاتورة ضريبية تبلغ حوالي 200,000 جنيه إسترليني في الوقت المناسب. منذ ذلك الحين، تكشفت العديد من الخبايا حول الوضع المالي للنادي الذي قد ضربه فساد وتلاعب وصلا به إلى إفلاس محكم لا مفر منه. ما ظهر للجميع أن النادي والعاملين فيه يفقدون كل الأمل في الحالة التي قد وصل إليها، إلا أن هناك فردًا واحدًا لم يفقد الإيمان يومًا بالنادي الذي عاش فيه، إنه «أليساندرو لوكاريللي».

بدأت تحركاته من أجل إنقاذ الوضع، حيث دعا الاتحاد للتدخل ووضع خطط حقيقية وملائمة لظروف الأندية التي أوشكت على السقوط في نفس الهاوية التي بها بارما، مثل بريشيا وأفرسا نورمانا وغيرها الكثير. حيث أكد أن الأمر يتخطى كون هناك لاعبين لم يتحصلوا على أجورهم بعد، بل إنه شأن 200 أسرة داخل النادي سيعانون إفلاسًا وظروفًا أشد قسوة إن أعلن ذلك الكيان إفلاسه.

هتاف جماهير بارما الشهير مدحًا في أليساندرو لوكاريللي.

لكن كل نداءاته باءت بالفشل؛ في شباط/فبراير 2015 استدعت السلطات الإيطالية مالك النادي واعتقلته بسبب الاختلاس، ثم استولت على سيارات النادي وفواتير غير مدفوعة الأجر، مما يعني أن بارما تُرك بدون ماء أو كهرباء حتى. لوكاريللي كان قد أعلن قبل كل تلك الأحداث أنه على استعداد للعب في الدرجات الدُنيا من الدوري الإيطالي رفقة بارما إذا تطلب الأمر ذلك، وسرعان ما تطلب الأمر، ولم يستطع أحد منع كارثة بارما من الحدوث، وتقرر هبوط النادي فعليًا إلى الدرجة الرابعة مع اسمٍ جديد هو «بارما كالتشيو 1913».


القصة الهوليودية ببارما

هناك قائد واحد فقط.

غادر أغلبية اللاعبين النادي، وقرر مجموعة من رجال الأعمال المخلصين أن يتكفلوا بالتكاليف المبدئية لبداية العودة مرة أخرى للدرجة الأولى. منذ ذلك الحين تحول دور لوكاريللي من مجرد لاعب وقائد في أرض الميدان إلى القائد الأول في غرفة الملابس والمسئول الأول والأخير عن تحفيز اللاعبين قبل النزول إلى أرض الملعب. خلال الرحلة المنشودة والتي خُتمت بأفضل ختامٍ ممكن بالصعود إلى الدرجة الأولى بعد 3 سنوات فقط من قرار الهبوط الإجباري، ألقى أليساندرو خطابات يمكن أن تؤخذ كأمثلة في بدايات الحروب.

LA FESTA SOTTO LA CURVA AL FISCHIO FINALE: IL DERBY È DEL PARMA!

LA FESTA SOTTO LA CURVA AL FISCHIO FINALE: IL DERBY È DEL PARMA!

Gepostet von Parmafanzine.it am Montag, 19. Dezember 2016

تمكن الفريق من الصعود إلى الدرجة الثالثة دون هزيمة واحدة، لكن الأمور في الموسم التالي أكثر تعقيدًا، احتل بارما المركز الثاني ودخل في مباريات التصفيات المؤهلة، المباراة النهائية كانت ضد ألساندريا.

قبل المباراة، التقطت كاميرات التلفزيون مشهد لوكاريللي وهو يلقي خطابًا حادًا على زملائه: «لقد قمت بطباعة هذه الصورة، إنها تمثل كل شيء نحن عليه الآن؛ المعاناة، الخوف، العرق، التضحية، كل شيء أخذنا للعب هذه المباراة في الوقت الحالي. أمامنا الآن فرصة للصعود للدرجة الثانية، فقط 90 دقيقة تفصلنا سنقدم فيها كل ما لدينا، كل الطاقة، كل القوة. كل ما لن نستطيع تقديمه بأقدامنا سنقدمه بقلوبنا، لن نترك شيئًا واحدًا لا يقدم. الشيء الأخير الذي أود إخباركم به، أنني لا أعتقد أنني أملك فرصة أخرى، سأطلب منكم فقط أن تقوموا بذلك لأجلي، الكل لواحد والواحد للكل. نحن نستحق ذلك، نحن مجموعة قوية، يجب علينا الآن أن نغير كل الذي اعتقدوه عنا».

أنهى الفريق المباراة بنتيجة 2-0 لصالحه، وتمكنوا من الصعود إلى الدرجة الثانية فعلًا. هناك، كانوا على موعد مع ظروف صعبة استثنائية أخرى، الكاميرات فشلت في رصد ما قاله لوكاريللي لزملائه قبل الموقعة الحاسمة ضد سبيزيا، لكنه شيء يمكن توقعه بسهولة. القدر ساعد الفريق في تعادل فروسينوني وفوجيا، حيث كان ضروريًا أن تخدمهم نتيجة هذا اللقاء للابتعاد عن دورة جديدة من مباريات التصفيات المؤهلة.

وبعد التعادل المنشود تمكن بارما من البقاء في المركز الثاني بفضل المواجهات المباشرة، وها هو الآن في الدرجة الأولى، وقد تحقق وعد لوكاريللي للجماهير.

لقد فكرت في هذه الأيام لوقت طويل، لقد كنت أنا وبارما سويًا لـ 10 سنوات طوال، أعطيتها نفسي وربما أكثر. نحن الآن في الدرجة الأولى.حققنا هدفنا. إنها تلك القصة التي كتبت معكم، قضيت ذلك الوعد الذي قطعته على نفسي أمامكم، لن يعوضني شيء عن هذا الإحساس في المستقبل. لن أكون فخورًا أكثر من هذه اللحظة

«أليساندرو لوكاريللي» في خطابه الأخير للجماهير في احتفاله بصعود بارما إلى الدرجة الأولى.