مقاطعة البضائع الإسرائيلية هو الحل الوحيد.

تغريدةٌ دونها مُنتِج تليفزيوني معروف يُدعى «كريستيان جيران»، ولكنها لم تمر مرور الكرام.

فبعد أيام قليلة من وصوله إلى قصر الإليزيه، عمد الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون إلى إثارة غضب القاعدة المؤيدة للقضية الفلسطينية في فرنسا، وظهرت مؤشرات أنه يميل إلى إسرائيل، أو بالأحرى يقدم إليها أوراق اعتماده.

حيث قرر حزب الرئيس الفرنسي «إلى الأمام»، عقب ضغوط مارستها رابطة تعرف باسم «ضد العنصرية ومعاداة السامية»، تعليق ترشيح «جيران» في الانتخابات التشريعية يونيو/حزيران 2017؛ وذلك رفضًا لمواقفه المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي رحبت به الأوساط الإسرائيلية.

وجاء القرار التأديبي كأول توجه للإدارة الفرنسية الجديدة نحو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد وصولها للحكم، في ظل حالة من التوتر تعيشها باريس.


صحوة في العلاقات الفرنسية الإسرائيلية

مثّل فوز أصغر رئيس مُنتخب في البلاد إيمانويل ماكرون، تحولا جديداً في منحى الدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، وصحوة للعلاقات الفرنسية الإسرائيلية، التي شهدت كساداً ملحوظاً خلال فترة الرئيس السابق فرانسوا هولاند، والتي حاولت باريس أثناءها الانخراط في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية دون التنسيق المباشر مع تل أبيب.

ومن جهته، تعمّد الرئيس الفرنسي في حملته الانتخابية عدم الخوض في القضية الفلسطينية، تحسبًا لكسب المزيد من الأصوات باعتبار أن الجالية الإسلامية في باريس هي الأكبر في أوروبا، فبعدما ظل الصمت الإسرائيلي مستمرًّا تجاه الانتخابات الفرنسية، بدا واضحًا أن الشخصية المفضلة لإسرائيل هي إيمانويل ماكرون الذي فاز بالرئاسة الفرنسية بفارق أصوات كبير على منافسته مارين لوبان، والتي مثّلت اليمين المتطرف، الذي تميل مواقفه إلى الفكر النازي وكراهية اليهود.

وظهرت توجهات ماكرون الخاصة بالشأن الفلسطيني قبل إعلان ترشحه للرئاسة الفرنسية، حيث إنه في الفترة التي شغل فيها حقيبة الاقتصاد بين عامي (2014-2016) اتخذ موقفاً حاسماً من حركة المقاطعة الدولية «BDS» ودعا لفرض العقوبات عليها. ورغم تأييده لحل إقامة الدولتين، إلا أنه يرى أن الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية لن يفيد الطرفين، بل ربما يخلق حالة من عدم الاستقرار.


احتفاء إسرائيلي

احتفت الصحف الإسرائيلية بفوز ماكرون بالرئاسة الفرنسية، حيث علّق موقع «يديعوت أحرونوت» على تصعيد مُرشّح الوسط المستقل بأنه بشرى سارة لإسرائيل والجالية اليهودية في فرنسا، لافتةً إلى أن فوز ماكرون من شأنه أن يُحسّن العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، التي وصلت إلى أدنى مستوى لها في عهد هولاند.

وجاءت مباركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتكون مؤشرًا على توثيق العلاقة بينهما، حيث قال نتنياهو: «إنني أتطلع إلى العمل مع الرئيس ماكرون للتعامل مع التحديات التي تواجهها الديمقراطيتان».

كما وجّهت وزيرة الخارجية الإسرائيلية «تسيبي هوتوفيلي» تهنئة إلى ماكرون جاء فيها: «نتطلّع لمواصلة علاقات إسرائيل الوثيقة مع فرنسا». أما زعيمة حزب العمل والمعارضة في البرلمان «شيلي ياتشيموفيتش»، فاعتبرت فوز ماكرون انتصارًا للديمقراطية الفرنسية وهزيمة لمُعاداة السامية.

بينما أعرب نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي «أورين هازان»، الذي كان يدعم المرشحة الخاسرة لوبان، عن قلقه إزاء ما يعنيه ذلك للمعركة ضد الإرهاب والتطرف الإسلامي، وقال: «آمل أن يعرف الرئيس الجديد كيف يضرب التطرف الإسلامي بيدِ من حديد ويواجه الإرهاب العالمي المتنامي».

وسبق أن حل الرئيس الفرنسي الجديد ضيفاً على «أرييه درعي» وزير الاقتصاد الإسرائيلي، قبل عام ونصف، لقضاء إجازته في تل أبيب، كما أنه صديق مقرب وتربطه علاقة وطيدة حتى الآن بزعيم حزب «هناك مستقبل» ووزير المالية الأسبق «يائير لابيد»، الذى قال عنه فور الإعلان عن فوزه بالانتخابات «ماكرون مؤيد لنا بشكل كبير، وعلى إسرائيل أن تفرح هذه الليلة، فهو رجل عاقل ومتزن إلى حد بعيد».


سياسات محافظة، ولكن

الرئيس الفرنسي المنتخب ماكرون ابن الـ39 عامًا، نجح في خلق حركة شعبية هائلة قادته إلى الانتصار المثير في الانتخابات، حيث إنه المرشح الرئاسي الأول في السياسة الفرنسية الحديثة الذي خلق طريقًا ثالثًا بانتصاره على ممثلي الحزبين التقليديين الكبيرين الاشتراكي والجمهوري، متغلبًا على ظاهرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أيّد اليمين المتطرف الذي تمثله لوبان في فرنسا.

وقد مثّل فوز المرشح الفرنسي الشاب في انتخابات الرئاسة الفرنسية، بالنسبة لـ «أوري سفير»، دبلوماسي إسرائيلي سابق، دخول الساحة الدولية في انعطافة جديدة، كفيلة بأن تنهي مفهوم القطب الواحد في العالم، مع تكوين حلف سياسي اقتصادي قوي، بين ألمانيا وفرنسا. فالعديد من القواسم المشتركة تجمع ماكرون بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فكلاهما مؤيدان لذات السياسة المناهضة للقومية المتطرفة، وشريكان في انتقاد ترامب، ويوجدان في ذات قارب الكفاح ضد الإرهاب دون المس بالمهاجرين المسلمين.

ومن منطلق ما سبق، من المتوقع لميركل وماكرون، أن يُنسقا للدفع بحل الدولتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، فكلاهما يعارضان الاستيطان بشدة، كما أنهما سيمارسان الضغط للشروع في مفاوضات إقليمية، ربما تكون بقيادة أمريكية.

ويمكن القول إن هناك مؤشرات عدة تُرجّح تبني ماكرون للاتجاه المحافظ في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ولكن من الممكن أن تتأثر سياساته بمدى قدرته على تكرار نجاحه بالجمعية العمومية في الانتخابات النيابية الفرنسية يونيو/حزيران المقبل، في ظل عدم وجود حزب كبير يؤيده، مما يضطره إلى الاعتماد على الأحزاب التقليدية في البرلمان الفرنسي؛ ولذا فإن هامش مناوراته الخارجية سيبقى محدوداً، مما يجعله عرضة للابتزاز من قبل توجهات معينة، وموضع تجاذب من كل القوى.

ويجب عدم إغفال أن القسم الكبير من الفرنسيين الذين قاطعوا الانتخابات أو صوّتوا بورقة بيضاء – قُدّروا بحوالي 16 مليون صوت – سيكون لهم تأثير في رسم المشهد السياسي المقبل في فرنسا، من خلال الانتخابات النيابية.

ومن المتوقع أن تتشرذم مقاعد البرلمان بين القوى السياسية المختلفة (من بينها حزب ماكرون الجديد)، ومن هنا يُخشى من أن تُرجِّح باريس كفة مصالحها الكثيرة والمتنوعة مع إسرائيل أمام سُلّم قيمها المعلن، فتتراجع عن الضغط على تل أبيب للدفع بسير المفاوضات والتوصل لحل الدولتين.