بعد 15 عامًا من تنحيه عن منصبه، يعود رئيس الوزراء الماليزي السابق «مهاتير محمد» من جديد إلى صدارة المشهد السياسي، حيث أعلن رئيس المفوضية الخاصة بالانتخابات الماليزية «محمد هاشم عبدالله» أن مهاتير محمد استطاع أن يحصد 113 مقعدًا في البرلمان من أصل 222، وكان يلزمه للفوز 112 مقعدًا فقط. ويأتي فوز مهاتير بعد أن لحقت الكثير من الاتهامات رئيس الوزارء الحالي «نجيب عبد الرزاق» على خلفية اتهامه بقضايا فساد متعلقة بتلقي رشاوى مالية وإهدار للمال العام.

لم يكن يتخيل الشارع الماليزي أن العجوز ابن الـ92 عامًا سيعود إلى سُدة الحكم مرة أخرى من خلال اختيار تحالف المعارضة له كمرشح وحيد لمنصب رئيس الوزراء، لكن طبيعة النظام العالمي اليوم ومتغيراته وقواعده وقضاياه تختلف كثيرًا عما كانت عليه إبان فترة حكمه الأولى خلال يوليو 1981، فمهاتير تنتظره اليوم العديد من القضايا والأزمات الشائكة التي يجب عليه أن يتعامل معها وفق محددات السياسة الخارجية الماليزية والذي كان من أبرز مؤسسيها ومحددي اتجاهاتها المختلفة.


ملفات منتظرة

موقف «مهاتير» من التحالف العربي بشأن اليمن

في صباح الـ18 من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، بعث مهاتير برسالة مكتوبة بُثت عبر وسائل الإعلام المختلفة ناشد فيها القائمين على الأمر في التحالف العربي ضد الحوثيين باليمن التوقف عن إزهاق الأرواح وقتل الأبرياء، حيث وصف العمليات الدائرة هناك بـ«الوحشية».

بطبيعة الحال فإن مهاتير على علم بأن بلاده تشترك بصفة رسمية في ذلك التحالف الساعي إلى إعادة الشرعية في اليمن حسبما تم الإعلان عن ذلك في بداية تشكيل التحالف، وتعتبر السعودية من أبرز الدول المشاركة فيه، وتربطها بماليزيا علاقات تاريخية تتمثل في إبرام العديد من الاتفاقيات في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والصناعية، فعلى الصعيد العسكري نجد أن ماليزيا بجانب تزويد التحالف العربي بالقوات اللازمة لاستكمال العمليات الدائرة في اليمن، فإنها تشارك بصفة دائمة في التدريبات الدولية المشتركة التي تنظمها وتقيمها المملكة العربية السعودية، وكان آخرها الاشتراك مع 34 دولة إسلامية أخرى في تنفيذ مناورات رعد الشمال.

أما في المجال الاقتصادي، فإن السعودية ترتبط بعلاقات اقتصادية متينة مع ماليزيا، إلى حد أن جعلها من أكبر الشركاء التجاريين للملكة على مستوى العالم، فقد وقع الطرفان على مذكرة لإنشاء «مجلس الأعمال السعودي الماليزي»، حيث يهدف إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتحقيق قدر من الربح في الميزان التجاري لكليهما، حيث كان الفائض لصالح المملكة بما يُقدر بحوالي 4.3 مليار ريال عام2013.

وتبلغ قيمة صادرات المملكة إلى ماليزيا بما يربو على قيمة صادراتها إلى العالم أجمع، ففي عام 2013 بلغت قيمة صادراتها إلى ماليزيا أكثر من 8243 مليون ريال، وتكمن تلك القيمة في تصدير العديد من السلع والمنتجات المتعلقة بالنفط والبترول ومشتقاته، ومن جانب آخر فإن المملكة تستورد سنويًا من ماليزيا ما يُقدّر بـ4832 مليون ريال، وتتعدد السلع والمنتجات الماليزية المُصدّرة ما بين الأجهزة الكهربائية وزيوت النخيل وآلات إرسال واستقبال الصوت والصورة، حيث إن ماليزيا تُعد من أكبر البلدان المصدرة لأشباه الموصّلات في العالم من فضة ونحاس وسيليكون وغيرها من المواد الشبيهة.

فهل بعد ما سبق ذكره من طبيعة العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين سيظل مهاتير من أبرز المدافعين عن مبدأ الإنسانية من خلال مناداته بالتعامل وفق النظريات المثالية في العلاقات الدولية، من حيث العمل على منع إراقة الدماء وتحجيم دور الجماعات المسلحة؟ أم أنه ومع بداية عهد جديد سيعمل قدر الاستطاعة على استمرار الأوضاع الحالية دون الإقدام على تغيير توجهات السياسة الخارجية الماليزية؟ هذا ما ستبينه مجريات الأحداث..

الحرب على الإرهاب

قبل أن يتنحى مهاتير محمد عن منصبه بحوالى عامين وبالتحديد فى سبتمبر 2001، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية هجمات على برجيّ التجارة العالميين، بالإضافة إلى مقر وزارة الدفاع «البنتاجون»، حيث تم تحويل مسار 4 طائرات نقل مدنية ليرتطم بالمنشآت سالفة الذكر؛ ومن هنا كانت الشرارة التي اتخذتها القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة للتدخل في شئون الدول المجاورة تحت ذريعة محاربة الإرهاب ومناصريه، حيث سعت إلى تشكيل التحالفات الرامية لتجفيف منابع الإرهاب في العالم.

ومن نافلة القول أنه وخلال مرحلة الحرب الباردة والتي عاصر مهاتير جزءًا كبيرًا منها خلال فترة حكمه الأولى، كان من اليسير على حكومات الدول المختلفة أن تعطي تفسيرًا واضحًا للإرهاب ومنابعه، حيث كانت تنظر إليه دول جنوب وشرق القارة الآسيوية على أنه الإرهاب المُتمثل في الخطر الشيوعي، والتي كانت تقاومه بشتى السُبل من خلال اعتمادها على الدول الغربية، إلا أنه الآن قد تغيرت معظم المعادلات والمتغيرات العالمية التي كانت سائدة حينذاك.

الإرهاب الآن يتم تسويقه على أنه المرادف للدين الإسلامي، والذي يُعتبر الديانة الرسمية للعديد من دول جنوب وشرق القارة الآسيوية، وبالرغم من انتفاء الصلة بين الإرهاب كسلوك وبين أي أيديولوجية قديمة أو معاصرة، فقد ساهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تغيير تلك الثوابت والحقائق، فأصبح يتم الربط ما بين الإرهاب كظاهرة من الظواهر العالمية التي يجب مقاومتها من جهة والديانة الإسلامية ومناطق نفوذها والأماكن الفاعلة بها من جهة أخرى، وعلى إثر ذلك بات الساسة الغربيون ينظرون إلى مسلمي شرق وجنوب آسيا باعتبارهم منطقة من المناطق الحاضنة للإرهاب.

وقد تولد هذا الشعور نتيجة مجموعة من الحوادث المتلاحقة وعلى بقاع مختلفة من العالم، كان آخرها هجومًا على أحد المنتجعات السياحية بالعاصمة الفلبينية مانيلا، حيث أسفر عن جرح وإصابة ما لا يقل عن 25 شخصًا، وتبنى ذلك الهجوم وقتها «تنظيم الدولة الإسلامية» المعروف إعلاميًا بـ«داعش»؛ كل ذلك أدى إلى وضع الدولة الماليزية في مأزق حرج، حيث أن «التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب» والتي تدخل ماليزيا ودول شرق القارة وجنوبها كأحد الأركان الأساسية المُشكلة له في إطار تلك المنطقة، بما يحمل من أفكار ورؤى تراها دول الغالبية المسلمة في القارة الآسيوية لها تأثير كبير على مصالحها الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.

وقد انقسمت دول جنوب وشرق القارة الآسيوية من حيث علاقتها بمفهوم الإرهاب العالمي الشائع إلى عدة فئات، فهناك دولٌ ذات أغلبية غير شيوعية وتربطها علاقات قوية بالولايات المتحدة مثل الفلبين وتايلاند، وهي تتبنى وجهات نظر الدول الغربية للإرهاب على أن مصدره هو الدين الإسلامي والمسلمين، ويتلقون من واشنطن منحًا ومساعدات جرّاء سياساتهم المقبولة من جانبها. كما أن هناك دولًا ذات أغلبية مسلمة مثل ماليزيا وإندونيسيا، وترفض تلك الدول طرح فكرة الإرهاب وعلاقته بالدين الإسلامي، وبناءً عليه؛ فقد لجأت الفلبين إلى قمع الاحتجاجات والثورات الداخلية للمسلمين بناء على نظرتها إليهم والقائمة على أنهم من رعاة الإرهاب ومصادره في البلاد ، بينما لجأت ماليزيا إلى التعاون مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، لكن بشروط واعتبارات محددة، وأمام كل هذا فإن مهاتير مُطالب بأن يوجِد السبل الحكيمة واللازمة لإدارة الملفات السياسية الطارئة،حيث إن أجندة القضايا الخارجية الماليزية مليئة بالتفاعلات والأحداث في ظل منطقة تزخر بقوى اقتصادية عملاقة مثل الصين واليابان وسنغافورة.


هل يُجري «مهاتير» تغييرات متعلقة بمهام رئيس الوزراء؟

حظي مهاتير بشعبية جماهيرية جارفة خلال تجربته النيابية الأولى عام 1964، فقد ساهم من خلال عمله عضوًا بالبرلمان في الدفاع عن وحدة الدولة الماليزية من خلال مطالبته بعدم السماح لدولة سنغافورة بالانفصال، ونادى وقتها بفرض الحكم الذاتي عليها، وأثناء انعقاد الدورة الانتخابية التالية لعام 1969، مُنيَ مهاتير بالهزيمة أمام مرشح الحزب المنافس له في الانتخابات، وكانت لتلك الخسارة أسباب كثيرة، من أبرزها مدافعته الدائمة عن حقوق المالاي أمام استحواذ الصينين والهنود على مقدرات الدولة، أيضًا هجومه اللاذع على رئيس الوزراء حينها «تونكو عبد الرحمن» والذي طالبه بإجراء تغييرات في طبيعة النظام الاقتصادي للمجتمع، وعلى خلفية ذلك طُرد مهاتير من حزب «الآمنو» وهو الحزب الحاكم وقتها، كما خسر مقعده في الانتخابات.

وفي عام 1974 عاد مرة أخرى للعمل السياسي بعد سعي رئيس الوزراء الجديد إلى ضمه مرة أخرى للحزب، وفور ذلك انتقل من العمل النيابي إلى منصب وزير التعليم بالدولة، ومن نائب لرئيس الحزب الحاكم إلى نائب لرئيس الوزراء، ثم تعيينه رئيسًا للوزراء خلفًا لعبد الرزاق حسين.

فور تعيينه بالمنصب الجديد، سعى إلى إجراء تغييرات متعلقة بالاختصاصات المكفولة لرئيس الوزراء، حيث بدأ بإثارة النقاشات حول المادة 66 والمادة 150 من الدستور الماليزي، فبحسب المادة الأولى، فإن للملك حق الموافقة على جميع مشروعات القوانين التى تعرض عليه، بينما تكفل المادة الأخرى للملك حصريًا حق إعلان حالة الطوارئ بالبلاد، فظهرت التوترات بين علاقة مهاتير بالسلطة الملكية، إذ إن الملك رفض تنفيذ تلك الاقتراحات خشية أن تُقلص من الامتيازات الممنوحة للسلاطين، وانتقل ذلك الشعور إلى الشارع الماليزي والذي بات مُنقسمًا حول المادتين، وتدارك المسئولون الأمر وتم التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، فقد تم تغيير المادة 66 لتكون مشروعات القوانين التي تعرض على الملك في عداد الموافق عليها في حال مرور 15 يومًا من عرضها عليه دون موافقته أو إبداء تعليقات عليها لتعود مرة أخرى للمناقشة، بينما ظلت المادة الخاصة بإعلان الطوارئ يستأثر بها الملك دون غيره من المسئولين.

اليوم وعقب رجوع مهاتير محمد للحياة السياسية مرة أخرى فإنه سيكون على موعد مع نظام سياسي جديد، تكونت فيه على مدار العقود السابقة العديد من طبقات المصالح والنفوذ، وكلٌ منها يسعى إلى بسط السيطرة للحفاظ على مكانته داخل الحياة السياسية، فهل سيضطر مهاتير إلى إجراء تغييرات جديدة تيسّر من مهمته للقيام بمهامه ودوره؟

إن مهاتير محمد بكل ما يعنيه من ثِقل وحنكة سياسية اكتسبها من تجارب الماضي، يبقى أمام تحدٍ صعب خلال الفترات الأولى لحكمه، من خلال محاولاته فرض أفكاره ومبادئه والتي قد تتعارض مع قرارات وتوجهات اتخذتها الحكومات السابقة، فهل سينجح السياسي العجوز في أن يخطف الأضواء من جديد.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.