لا يكل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من إطلاق تصريحات جدلية في معظم خطاباته أو حتى لقاءاته الصحفية، فتارة يصف المقاومة بالعبثية وتارة يقدس التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وتارة يهاجم حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

رئيس السلطة لم يكتفِ بالهجوم على المقاومة المُسلحة، بل تعدى الأمر للتحريض بالقتل والاعتقال على من يتبنى خيار المقاومة المُسلحة، حيث طلب في عام 2005 خلال لقاء مع قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة إطلاق النار على من يحاول إطلاق صاروخ على مستعمرات الاحتلال قائلًا:

وأقول للمخابرات أي واحد بشوف أي واحد حامل صاروخ يضربه يقتله يطخه.. منيح هيك، آه منيح.

وحتى في آخر لقاء يوم الأحد 9 ديسمبر/ كانون أول خلال لقاء اللجنة الاستشارية لحركة فتح، عاد من جديد عباس إعلانه رفض مقاومة الاحتلال الإسرائيلي قائلًا:

«نحن لا نؤمن بالسلاح ولا نؤمن بالصواريخ ولا نؤمن بالطائرات واللي بنشتغله أهم بكثير من كل هذا»، كاشفًا أنه قدم التعازي لرئيس حكومة الاحتلال في عملية القدس التي نفذها ثلاثة مقاومين قبل أكثر من عام في المسجد الأقصى قتل خلالها ثلاثة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، مردفًا بالقول إن نتنياهو وعده حينها أنه لن يقوم بعمل أي إجراءات في المسجد الأقصى، لكن ما حدث على الأرض غير ذلك، حيث قام بتركيب الكاميرات وتغيير أقفال الأبواب.

تصريحات أبو مازن المتكررة عن رفضه مقاومة الاحتلال بالسلاح ليست وليدة اليوم بل هي متجذرة منذ سبعينات القرن الماضي، فاعترف الرجل سابقًا أنه أول من طالب في ذلك الوقت من لقاء الإسرائيليين و«سبّ حتى شبع» من قيادات حركة فتح في تلك الفترة.

ورئيس السلطة الذي التحق بحركة فتح في ستينات القرن الماضي، وتدرج في مناصب عديدة في تلك الفترة وصولًا لرئاسة اللجنة الاقتصادية في منظمة التحرير عام 1981، لاحقًا وعقب استشهاد القيادي في حركة فتح أبو جهاد خليل، تولى عباس رئاسة ملف الأرض المُحتلة بدلًا عن الشهيد، عملية الاغتيال هذه وُجِّه خلالها أصابع الاتهام لعباس نفسه حين تخاذل عن أمر حراسه الشخصيين من التدخل لحماية أبو جهاد حين تسللت القوات الخاصة الإسرائيلية لبيت أبو جهاد الملاصق لبيت عباس – حسب إقرار حارسه الشخصي- قال إن عباس حينها أمر حراسه الشخصيين بإطفاء الأنوار وعدم التدخل.

لاحقًا وفي عام 1989 بدأ المحادثات السرية مع الإسرائيليين من خلال وسطاء هولنديين عام 1989 ونسق المفاوضات أثناء مؤتمر مدريد. حيث يعتبر عباس مهندس المفاوضات التي أدت إلى اتفاقات أوسلو، كما قاد المفاوضات التي جرت في القاهرة وأصبحت ما يعرف باسم اتفاق غزة- أريحا.

وبعد نشأة السلطة، عُيِّن أمين سر منظمة التحرير، وخفتت الأضواء حوله حتى عاد للمشهد كرئيس للحكومة الفلسطينية وبصلاحيات واسعة بطلب وضغط أمريكي إبان حصار الرئيس الفلسطيني السابق الشهيد ياسر عرفات. هاجمه الشهيد عرفات، وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط في تلك الفترة، قال في معرض رده على سؤال إن كان يقبل بمنصب رئيس فخري كما يقترح الإسرائيليون والأميركيون: «إن الشعب الفلسطيني وحده هو الذي يقرر ما يريده». وشدد القول على أنه «ليس هناك كرزاي فلسطيني ولن يكون».

تولى رئاسة السُلطة الفلسطينية عام 2005 متمترسًا خلف قناعاته بعدم نجاعة المقاومة المُسلحة وأنها عبء على الشعب الفلسطيني، وكوَّن حوله جوقة من المؤيدين لخياره السلمي، ونحّى كل من عارضه بما في ذلك أبو اللطف فاروق القدومي الذي كان بينهم خلاف تاريخي بسبب النهج السياسي لعباس.

وما إن اختتم رئيس السلطة محمود عباس كلماته المهاجمة للمقاومة حتى انطلقت مركبة بيضاء وفي نفس المدينة التي ألقى فيها عباس تصريحاته نحو مستعمرة عوفرا التي تتضمن أحد أكبر السجون الإسرائيلية، تجمع ما يقارب ألف مستوطن يحملون المشاعل، كانوا يحيكون نصبًا لأحد قتلى العمليات الفدائية التي نُفذت على شارع 60 الاستيطاني، تحديدًا مقابل مستوطنة عوفرا، ودوي رصاص المقاومة معلنًا استمرار المراسم لقتلى جدد، واستمرار نهج المقاومة المُسلح، وألا صوت يعلو فوق صوت البندقية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.