عاش ومات ساحرًا، غول الفن وقبطان الشاشة الوسيم بكاريزما رجل مخابرات، الفنان العظيم محمود عبد العزيز الذي انتقل لربه يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لكن الأيام لن تنسينا ذكره الخالد «حتى آخر العمر»، وهو عنوان فيلمه الذي اختار أن يعبر من خلاله عن مشاركته بنصر أكتوبر 1973 (الفيلم من إنتاج عام 1975).

لكن ذلك لم يمنعه من فضح الفساد اللاحق الذي اجتاح مصر مع سياسة الانفتاح الاقتصادي المتخبطة بفيلم «السادة المرتشون» عام 1983، في دور ضابط الشرطة الغيور على حبيبته نجوى إبراهيم، فيعمد إلى الاتفاق مع المهرب الكبير (الممثل سعيد صالح) لتلفيق قضية رشوة لغريمه (محمود ياسين)، ليكتشف أن التهريب حقيقي وأن الفساد سائد فعلاً وببعض المال يمكنك إدخال أطنان من الطعام الفاسد المسموم!

وفيما بعد سوف يقدم دوره الشهير، الشيخ حسني الضرير، بطل فيلم «الكيت كات» المأخوذ عن رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان. هذا الشيخ الأعمى الذي يرى كل شيء لكنه سجين العمى والظروف الاجتماعية والاقتصادية القاهرة، يغني في سهرات الحشيش لمجموعة من الطرشان لا يفقهون لحكمته معنى. حائر بين ذكريات الأيام الحالمة وبين عجزه أمام أحلام ابنه الشاب (شريف منير) الذي لا يجد بدًا من السفر للخارج بعد أن باع الأب البيت لتسديد ديون المزاج.

ظهر محمود عبد العزيز في الأفلام الثلاثة المميزة للمخرج علي عبد الخالق والكاتب محمود أبو زيد؛ الطبيب النزيه الذي تضطره الظروف وسطوة الأخ الأكبر كمال (الفنان نور الشريف) للمشاركة في تجارة المخدرات كتركة ثقيلة على ضميره وجيبه تركها الوالد العطار في فيلم (العار)، المنجد رقيق الحال الذي لا يجد مناصًا من بيع جزء عزيز من غدته النخامية ضمن تجربة عجيبة للجرّاح حسين فهمي لعلاج الجواهرجي الثري نور الشريف تساعد الأخير على الإنجاب، فتفشل التجربة ولا ينجب الموسر ويُجن الفقير السعيد في فيلم «جري الوحوش».

الأخ الشقي المشاكس صاحب المزاج، حتى أن اسم شهرته هو «مزاجانجي»، الذي يغرر بشقيقه الكيميائي الأمين (يحيى الفخراني) في لعبة بدأت بفكرة طريفة: لماذا لا نصنع عجينة مخدرات نبيعها للمساطيل، فنربح بعض المال ولا نضرهم في شيء؟، بل إنه يدافع عن منطقه المغلوط باستماتة طالب حقوق قضى في الكلية سنوات وسنوات ضمن سلسلة من الديالوجات غاية في الإمتاع والإقناع لسجالات جدلية بين منطق الشر ومنطق الخير دارت بينه وبين شقيقه قبل أن يسقط كلاهما فريسة لتاجر المخدرات الوحش (البهظ بيه، وقام بدوره الفنان جميل راتب)، في نهاية أحداث فيلم «الكيف».

وجدير بالذكر أن محمود عبد العزيز قد تردد كثيرًا قبل الموافقة على التمثيل في هذا الفيلم؛ لأنه بعد قراءته الأولى للسيناريو تحمّس لأداء دور الأخ الكيميائي الشريف الذي لعب دوره يحيى الفخراني، كما خاف أن يؤثر دوره سلبًا على تاريخه عندما يخرج على الناس في دور تاجر مخدرات وعابث، لكن المخرج الكبير علي عبد الخالق لجأ إلى حيلة ماكرة عندما بدأ محمود عبد العزيز في المماطلة والتمنُّع؛ إذ زعم في اتصال هاتفي معه بأن عليه أن يحسم قراره لأن عادل إمام على وشك أن يقبل الدور، وهنا انتهى تردد محمود عبد العزيز في الحال!

نال محمود عبد العزيز شهادة البكالوريوس ثم درجة الماجستير من كلية الزراعة، وبدأت حياته الفنية من خلال مسلسل «الدوامة» في بداية السبعينيات عندما أسند له المخرج نور الدمرداش دورًا في المسلسل مع محمود ياسين ونيللي، ومع السينما من خلال فيلم «الحفيد» أحد أهم كلاسيكيات السينما المصرية (1974)، وبدأت رحلته مع البطولة منذ عام 1975 عندما قام ببطولة فيلم «حتى آخر العمر».

في خلال السنوات الست التالية، قام ببطولة أكثر من عشرين فيلمًا سينمائيًا، وخلال تلك الفترة، ظل يقدم الأدوار المرتبطة بالشباب والرومانسية والحب والمغامرات. منذ عام 1982، بدأ التنويع في أدواره، فقدم فيلم «الشقة من حق الزوجة»، ورسخ محمود عبد العزيز نجوميته بعد فيلمي «الكيف» و«العار»، ونوّع أكثر في أدواره، فقدم دور الأب في «العذراء والشعر الأبيض» و«أبناء وقتلة»، وفي فيلم «تزوير في أوراق رسمية»، ثم دور عميل المخابرات المصرية والجاسوس في فيلم «إعدام ميت»، وقدم شخصيات جديدة في أفلام: «الصعاليك»، و«الكيف» الذي حظي بنجاح جماهيري كبير، فضلًا عن مجموعة الأفلام الفانتازية مع رأفت الميهي: «سيداتي آنساتي»، «السادة الرجال»، و«سمك لبن تمر هندي».

وفي عام 1987 قدم دورًا من أهم أدواره، وهو الضابط المنحرف المتوحش في «البريء» أمام أحمد زكي وممدوح عبد العليم وصلاح قبيل، وقصة وحيد حامد. وفي منتصف الثمانينيات تقريبًا، قدّم أعظم دور تلفزيوني في حياته الفنية، وهو دور الجاسوس المصري رأفت الهجان في المسلسل التليفزيوني الذي يحمل نفس الاسم، عن رواية حقيقية بقلم صالح مرسي، وبعنوان: «كنت جاسوسًا في إسرائيل»، وهي من ملفات المخابرات المصرية.

بلغ عدد أفلامه نحو 85 فيلمًا، قام فيها بدور البطولة، بينما أخرج فيلمًا واحدًا، هو «البنت الحلوة الكدابة». وقد تنوعت هذه الأفلام ما بين الرومانسية، الكوميديا، والواقعية. وفي عام 2004، قدم محمود عبد العزيز للشاشة الصغيرة المسلسل التلفزيوني «محمود المصري» الذي جسد فيه شخصية واحد من كبار رجال الأعمال الذين بدأوا رحلتهم مع النجاح من الإسكندرية في السبعينيات.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.