ارتكابه جرائم سلوكية وأخلاقية

أهي حقًا جرائم شنعاء يستحق المرء أن يفقد حياته من أجلها، أم أنها مجرد ذرائع واهية تشهرها حماس في وجه من يتساءل لماذا تم إعدام “محمود اشتيوي” القيادي في كتائبها؟ فبين عشية وضحاها وبدون أي سابق إنذار استيقظت غزة على صوت أنين عائلة القائد القسامي اشتيوي، وهم يتجرعون مرارة فقد ولدهم الذي فقد حياته مُتهّمًا بارتكاب جرائم سلوكية وأخلاقية لا تُحمد عقباها.


أفضل قائد كتيبة في القسام

ينحدر محمود اشتيوي من عائلة عريقة في قطاع غزة، معروف عنها انضمامها وولاءها الكامل لحركة حماس، ولم يكن اشتيوي شخصًا عاديًا داخل الحركة، فهو مسئول في كتيبة الزيتون الغربية التابعة لكتائب عز الدين القسام في غزة، وعلى اتصال مباشر بقيادة كتائب القسام. وقد اشتهر اشتيوي بصلابته وإخلاصه الشديد لحركة حماس، كما أن له أخًا استُشهد على يد الاحتلال الإسرائيلي. وقد انتمى اشتيوي للقسام قبل عشرين عامًا منذ أن كان شابًا في الثانوية العامة، وتدرج في صفوف القسام إلى أن أصبح مسئول في كتيبة الزيتون، وقد تم تكريمه كأفضل قائد كتيبة على مستوى الجهاز العسكري في حركة حماس.

ينحدر محمود اشتيوي، قائد كتيبة الزيتون في غزة، من عائلة عريقة معروف عنها انضمامها وولاءها الكامل لحركة حماس.

وقد بدأت القصة منذ يناير من عام 2015، حين اعتقله جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لكتائب القسام، بدون إبداء أسباب، ولكن ظهرت بعض التقارير التي لم تؤكدها الحركة أو تنفيها، حول أن اشتيوي متهم بالتخابر مع إسرائيل، وتسبب في استهداف القائد العسكري لكتائب القسام محمد الضيف، أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة 2014، عندما نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي محاولة اغتيال فاشلة، حيث تبيّن عدم وجود الضيف في المنزل المستهدف لحظة تنفيذ عملية الاغتيال التي أدت إلى استشهاد زوجته وطفليه، ونجا محمد الضيف من الحادث. كما أشارت التقارير أن اشتيوي تم اتهامه باختلاس أموال من الحركة قُدرت بـ 6 ملايين دولار.

وفي 7 فبراير 2016، أعلنت كتائب القسام في بيان رسمي مقتضب إعدام محمود اشتيوي، وأوجزت سبب الإعدام في أن اشتيوي ارتكب جرائم سلوكية وأخلاقية.


إعدامات سابقة

لم يكن إعدام اشتيوي هو الإعدام الأول بتهمة التخابر مع إسرائيل، ففي 22 أغسطس 2014، قام مسلحون في غزة بإعدام 18 رجلًا متهمين بالتخابر مع إسرائيل في مدينة غزة على دفعتين، هذا ما أكدته قناة “الأقصى” التابعة لحركة حماس، حيث أعلنت القناة أن المقاومة أعدمت 18 عميلًا مع الاحتلال الإسرائيلي.ونقلت وكالة فرانس برس عن شهود أن مجموعة من المسلحين المُلثَّمين كان بعضهم يضع على رأسه عصبة “كتائب القسام”، قاموا بقتل 7 أشخاص أمام مئات المصلين أثناء خروجهم من المسجد العمري الكبير وسط غزة عقب صلاة الجمعة. وتابعت الوكالة أن مصادر أمنية فصائلية وشهودًا أعلنوا عن إعدام 11 شخصًا بالقرب من مقر قيادة الشرطة وسط مدينة غزة بالتهمة نفسها. ولم يصدر أي بيان رسمي من وزارة الداخلية أو حركة حماس للتعليق على عملية الإعدام.كما يعتبر “أيمن طه”، القيادي السابق في حركة حماس، هو الأشهر من بين من تم إعدامهم بعد الحرب الأخيرة على غزة في 2014، وأشارت التقارير إلى أن حركة حماس هي من قامت باغتياله، بتهمة إقامة علاقات مع أجهزة مخابرات عربية، وإقامة مشاريع استثمارية خاصة به تحت اسم الحركة، واستغلال منصبه في اختلاس أموال أدت لتضخم ثروته دون مبرر. ونقلت المواقع الإخبارية عن شهود عيان أنهم شاهدوا مجهولين يلقون بجثة أيمن طه، أمام مستشفى الشفاء في قطاع غزة بعد نحو 7 أشهر من احتجازه من قِبل كتائب القسام. وذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية التي نقلت عن مصادر أمنية أنه قد “تم إعدام طه بعدة رصاصات في الرأس والصدر، وتم إلقاؤه أمام مستشفى الشفاء قبل أن يعود مسلحون ويسحبوا الجثة مجددًا، ثم يلقونها مرة ثانية”.


خشية الانتقام

منذ أن تم اعتقال اشتيوي من عام تقريبًا، وعائلته لم تدّخر جهدًا لإطلاق سراحه، فقد قامت عائلته بعدة احتجاجات أمام منزل القيادي في حماس إسماعيل هنية، حتى أنها تعرضت لهجوم من قِبل قوات الأمن التابعة لحماس.

اتهمت عائلة اشتيوي كتائب القسام، بتصفية ابنها المنتمي إلى الكتائب، بسبب خلافات داخلية.

ولكنها لم تيأس واجتمعت مع قيادات عسكرية من كتائب القسام، من أجل الوصول إلى حل للقضية، وقد وعدتهم بعض القيادات بإخلاء سبيله، بيد أن بعد هذا الاجتماع بأيام قليلة، أعلنت كتائب القسام عن تنفيذ حكم الإعدام بحق محمود اشتيوي.فاتهمت عائلة اشتيوي، كتائب القسام بتصفية ابنها المنتمي إلى الكتائب، بسبب خلافات داخلية. وقالت “بثينة اشتيوي” شقيقة محمود إن شقيقها تم اعتقاله من قِبل القسام قبل نحو العام، بعد العدوان الأخير على غزة في 2014، بسبب خلاف مع مسئوله المباشر في الكتائب، وأضافت “منذ عام لا نعرف عنه أي معلومة ولم نره منذ ذلك الوقت”. كما أوضحت أن القسام كانت تخشى إطلاق سراح شقيقها نظرًا للمعلومات الحساسة التي يعرفها عن الكتائب “وحشية الانتقام”، أي انتقام شقيقها محمود ممن قاموا باعتقاله إذا تم له الخروج.وقد نشبت خلافات عدة بين اشتيوي وقائده “يحيى السنوار”، على خلفية اعتراض اشتيوي على بعض الأساليب التي يتبعها سنوار داخل الحركة.


أسباب واهية

أصبح إعدام اشتيوي قضية رأي عام، نظرًا لأنه كان من القيادات المرموقة داخل القسام إلى جانب الغموض الذي أحاط بالأسباب التي دفعت القسام لإعدامه.فحسبما أعلنت حماس في بيانها المقتضب أن سبب الإعدام كان لارتكاب محمود تجاوزات سلوكية وأخلاقية، دون الخوض في تفاصيل عن هذه السلوكيات، ما أثار جدلًا واسعًا للرأي العام الفلسطيني واعتبروها أسبابًا واهية، لا ترقى للعقل أن يقبل بها.وإذا عدنا للسبب الأساسي الذي أشاعته التقارير حول سبب اعتقال اشتيوي، وهو أنه متخابر مع إسرائيل ضد حماس، فهنا لا مفرّ لحماس أن تجيب عن تساؤلات باتت تجول في نفوس الكثيرين غير المقتنعين بهذه التهمة، فحماس لم تبرز أدلة قاطعة تدين بها اشتيوي، وتثبت عليه تهمة التخابر، هذا إلى جانب أنه تربى بين عائلة تدين لحماس بالولاء والإخلاص، وقام الاحتلال باستهداف ثلاثةَ عشر منزلًا لتلك العائلة دُمرت بشكل كامل خلال الحرب الأخيرة صيف عام 2014، في معركة العصف المأكول، وأخوه استشهد على يد الاحتلال. فكيف يمد يده لمن قتلوا أخاه بدلًا من أن ينتقم منهم؟

أشارت العديد من التقارير إلى وجود حالة غضب داخل كتائب القسام على إثر إعدام اشتيوي، وطالب بعض عناصرها بفتح تحقيق محايد لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الإعدام

ووفقاً لما نشرته بعض التقارير الإخبارية، أن الإشراف على الأنفاق التي كانت تُستخدم في تخزين الأسلحة، كان أحد مسئوليات اشتيوي، وبالتالي، فقد كان بإمكانه مدّ إسرائيل بمعلومات دقيقة عن الأنفاق التي عمل بها، بدلًا من تخبطها في تحديد مواقع الأنفاق، حتى أنها دمرت مناطق وشردت عائلات بأكملها نتيجة عدم معرفتها الدقيقة بأماكن الأنفاق.كما كان بإمكانه أن يقوم بتسريب مكان إقامة معظم القيادات القريبة منه أثناء الحرب، فهو بدلًا من ذلك قام بتنفيذ هجمات ضد إسرائيل كان من بينها الهجوم على مستوطنة “ناحل عوز” الذي قُتل خلاله عشرة جنود إسرائيليين عام 2014.


انقسام داخل حماس

خرجت العديد من التقارير التي تحدثت عن غضباً كبيراً أثاره إعدام اشتيوي داخل كتائب القسام، وطالب بعض عناصرها بفتح تحقيق محايد لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الإعدام، مع تأكيد الفريق المعترض على إعدام اشتيوي، أن كل جريمته كانت تواصله مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، على غير رغبة قيادات محمود في الداخل.وقد تطور الأمر ليظهر بيان باسم “لواء القساميين الأحرار”، وأشاعت التقارير أنهم مجموعة من العناصر الغاضبة داخل حماس، والذين طالبوا بالكشف عن ملابسات إعداد اشتيوي، وأكدوا أنه إذا كان التواصل مع قيادات الخارج يعتبر جريمة، فهم في لواء “القساميين الأحرار” جنود خلف القائد العام خالد مشعل.ولا شك أن إعدام أحد القادة العسكريين داخل القسام بهذه الطريقة ولأسباب غير واضحة، والبيان الصادر عن لواء انشق عن كتائب القسام أي “القساميين الأحرار” – إن كان ما أُشيع عن هذا اللواء المنشق صحيحاً – لا يدل إلا على مزيد من الانقسامات والخلافات داخل الجناح العسكري لحماس، ويؤكد أن الخلافات بشأن الولاء لرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل مازالت محلّ جدل، وأن الخلافات بين الداخل والخارج ما زالت قائمة.بالإضافة لذلك، فقد أكدت بعض التقارير أن هناك عصيانًا لدى بعض مقاتلي القسام من أبناء عائلة اشتيوي داخل صفوف القسام نتيجة تنفيذ حكم الإعدام بحقه.وبعد، فأيًا كانت أسباب إعدام محمود اشتيوي، والتي ما زال يكتنفها الغموض، فقد كان من واجب حماس أن تعطي اشتيوي حقه في استدعاء محامٍ يدافع عنه، ومحاكمته محاكمة عادلة. ولعل خطورة تجاهل هذا الأمر في المستقبل تكمن في تطور مثل هذه الحوادث التي تعد قليلة حتى الآن، لكنها قد تتطور إلى تمكين الأجهزة الأمنية من إجراء محاكمات يُقال أنها فوق القانون، ما يمهّد الطريق نحو ديكتاتورية جديدة، تحيد خلالها الفصائل عن مسار المقاومة.

المراجع
  1. سهيلة عمر، "تساؤلات في قضية اعدام محمود شتيوي"، موقع مجلة الحرية، 13 فبراير 2016.
  2. محمد الميرغني، "سر الاختفاء القسري لقائد في كتائب القسام"، موقع التقرير، 5 يوليو 2015.
  3. إيمان اشتيوي، "القسام وفضيحة أمنية وأخلاقية!"، موقع سهم الإخبارية، 13 فبراير 2016.
  4. "ما هو السر الذي اكتشفه القسامي محمود اشتيوي فأعدمته حماس؟"، موقع مباشر، 8 فبراير 2016.
  5. جيهان فوزي، "الإعدام وسيلة دفن الأدلة"، موقع المصري اليوم، 14 فبراير 2016.
  6. كفاح زبون، "جدل بعد إعدام القسام أحد قادتها لأخطاء سلوكية وأخلاقية"، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 9 فبراير 2016.
  7. ربيع أحمد، "من محمود اشتيوي وحتى أيمن طه.. ملف إعدامات حماس لقياداتها بتهمة التخابر مع إسرائيل عرض مستمر"، موقع صدى البلد، 9 فبراير 2016.