نحن لسنا آلات نُدخل لها أكواد معينة فتُنتج أفعالاً بعينها، هذا ليس صحيحًا،نحن نُخطئ بشكل متكرر، نتخذ القرارات ونفشل في تطبيقها ونعود لاتخاذ القرارات مرة أخرى وقد نفشل ونستمر في المحاولة، لذلك في بداية هذا المقال إن كنت أبًا أو أمًا تُخطئ مع طفلك الصغير، فهذا لا يعني أي شيء سوى أنك إنسان طبيعي، الجميع هنا يُخطئون بلا استثناء وكل مَن صدّر لك المثالية في التربية يخدعك.

أنت لست سيئًا

كما أن علم التربية مُعَد بشكل سليم للتعامل مع الطفل، فهو مُعد كذلك كأي نظام منضبط للتعامل مع الأخطاء التي تنتج أثناء التطبيق، ولا يفترض علم النفس أنك لن ترتكب الأخطاء مع طفلك، لذلك الجميع بما فيهم كاتب هذا المقال يُخطئ أثناء تربية أطفاله، المهم أن تحاول إصلاح أخطائك فإن كنت كذلك فأنت على الطريق الصحيح. يتبقى لك فقط بعض الإرشادات حول كيف تسير في هذا الطريق.. وهذه الإرشادات ليس فيها الإحباط أو الخجل، فكلاهما يعرقل إنهاء المشكلة.

فيما يلي نحاول فهم أخطائنا كوالدين، والتعرف على طرق التعامل معها، بعيدًا عن المثالية والنصائح الجامدة غير العملية التي تليق بالبرامج الإلكترونية أكثر ما تليق بالبشر.

معرفة الخطأ

المقارنة بين الطفل وغيره خطأ، تعنيف الطفل الدائم خطأ،الصراخ في وجه الطفل خطأ، سب الطفل خطأ، الضرب خطأ.. علينا تحديد الأخطاء التي تؤرق حياتنا مع أطفالنا وأن نذكر الخطأ بصيغة واضحة في عقولنا، أنا أصرخ في وجه طفلي بشكل بشع كثيرًا من الوقت، أصيبه بالتوتر النفسي حتى أنه بات يفعل كذا وكذا ولم يكن يفعله من قبل، عليّ أن أوقف الصريخ في وجهه.

«أنا أضرب طفلي، أريد أن أتوقف عن ذلك» طبعًا الضرب خطأ لن نفصل كثيرًا في ذلك، على الأقل الطفل عندما يمتنع بسبب الضرب لا يمتنع لأنه أدرك أن الفعل خاطئ، هو فقط خائف من عقابك وبمجرد أن يختفي من أمام عينك سيكرر الخطأ مرارًا ، فما كان يخيفه لم يعد موجودًا، أو بشكل آخر سيعتاد جسده على قوة العقاب ويصبح لا مباليًا به، ويكرر الفعل، مما يضطرك لرفع سقف عقابك له بالضرب الأشد، ثم يعتاده هو، هكذا دواليك، فتتحول لأب بلا عقل، ويتحول طفلك لطفل مؤدب، لكنه يكرهك، سيثور عليك جدًا وبعنف ستراه وتلمسه بيدك في كل أركان حياته فور أن يمتلك زمام أمره أو استقراره المادي بعيدًا عنك.. طبعًا ليس من الجيد أن يكون ما يربطنا بأطفالنا أننا من يصرف عليهم! هذا نراه في ملايين الأسر حولنا ولا نريده أن يحدث عندنا.. لا نريد لكل هذه المتتالية أن تبدأ أصلاً وتشرع في التفرخ والإنتاج المتتالي، ولهذا نحاول حلها من البداية، وهذه أولى طرق الحل الصحيح: معرفة المشكلة وتحديدها والاعتراف الصريح بها أولى الخطوات في رحلة الحل.

رحلة الحل

أنت تتخذ القرار في لحظة هادئة، الخطأ يحدث في لحظات الغضب. بين هذا وذاك تكمن المشكلة ويكمن سبب عودتك لارتكاب نفس الخطأ رغم اعترافك به، وقرارك بالتوقف عنه. لذلك أول ما تفعله، توقع كسرك لكل ما ستتفق عليه مع نفسك وأنت هادئ، عند أول انفلات عصبي لك وأنت غاضب، بالضبط كما حدث من قبل معك، لذلك الحل ليس: «أنا أضرب طفلي، أنا سأتوقف عن ضربه»، لو كانت بهذه البساطة ما كرر بشري خطأه مرتين. لذا يكمن ثاني خطوات الحل في التعامل النفسي الناضج مع أنفسنا، نحن جيدون في اتخاذ القرارات وقت الهدوء، ممتازون في كسرها وقت المشاكل، لذلك ليس علينا حصر الخيارات في خيار واحد فقط (لن أضرب طفلي ثانية أبدًا) بل علينا احتمال عدم الالتزام به، لذلك علينا وضع خيارات متعددة بين هذا وذاك.

1. الخيارات المتدرجة في القوة

مجموعة من الخطط تتلو بعضها، تلجأ لكل واحدة تباعًا عند فشلك في السابقة.

– خطة أ: أنا سأتعامل بهدوء مع هذا الموقف، سأناقش طفلي باحتواء حول خطأ، وسأبين له الخيارات التي كان من الممكن أن يفعلها، سأنهيه بهدوء أو أتجاهل فعله تمامًا.

يمكنك الوقوف على طرق التعامل الخمسة الصحيحة مع الطفل في هذا المقال.

– خطة (ب): ماذا سيحدث إن لم تستطع التحكم وتنفيذ خطة (أ)؟ هل تعود مباشرة لارتكاب ما كنت تفعل من قبل، ثم لوم النفس؟ لا، هذه المرة سننتقل لخطة (ب):

اترك الغرفة نهائيًا واذهب بعيدًا عن طفلك، يمكنك أن تشغل نفسك بأمر آخر وتصحيح الخطأ لن يطير، يمكننا الوقوف عليه بعد ذلك بهدوء. اترك كل هذا واخرج، ما حدث حدث، يمكنك فعل ما ستفعله الآن بعد 5 دقائق بعد أن تهدأ، وليكن ثاني حلولك حين تنفلت أعصابك: اترك كل شيء واذهب.

لكن من قال إن هذا ينجح دائمًا؟

حتى خطة (ب) تفشل في كثير من الأحيان، فقط يكون الفعل ملحًا مما يجعلك تخرج من الغرفة لثانية واحدة ثم تجد نفسك مدفوعًا للعودة والصراخ في وجهه أو ضربه على ما فعله! لذلك علينا أن نستمر في فرض الاحتمالات والتدرج فيها.

– خطة (ج): لا يجب أن تكون كل الحلول مدعومة من أسس التربية، أنت في حاجة للتقويم والتهذيب مثلما هو طفلك، كأنك في برنامج علاجي مخصص لك، لذلك سنعتبر صراحة ما نقول الآن خطأً تربويًا، لكنه حل نفسي مؤقت يمكن اعتباره نقطة على مسار التحرك في طريق الحل، لن نتوقف لديها كثيرًا، لكنها خيارٌ سيمنع خطأً كارثيًا آخر لا مفر منه، سنسمح بهذا الفعل مؤقتًا في سبيل التدرج حتى الوصول للأسس التربوية في التعامل.

لذا عندما تفشل الخطة (ب) وتجد نفسك عائدًا للصراخ الهستيري في وجه طفلك فاقدًا للتحكم في غضبك، أو وجدت يدك تقترب رغمًا عنك من ناحية طفلك الذي تراه مستفزًا جدًا في هذه اللحظة، رغم خطأ ذلك أمام طفلك، إلا أنك تستطيع التنفيث عن غضبك -بطريقة ليس فيها تلامس جسدي مع الطفل، ولا الإساءة بأي نوع من أنواع الاشتباك اللفظي معه- كأن ترطم يديك ببعضهما مثلا تنفيثا عن الغضب. هذه القوة ستهدّئُك وتفرغ غضبك.

طبعًا هذا تصرف خاطئ وغير منصوح به، أقل سوء له أن طفلك سيقلدك في لحظات الغضب ويفعل مثلما تفعل، لكننا نحاول أن نصل للسيطرة على مشاعرنا، لسنا جميعنا هؤلاء الآباء الهادئين القادرين على التحكم وموازنة الأمور أثناء ثوراتهم، كل فرد له ظروف نشأته الخاصة وطباعه الخاطئة التي يحاول تقويمها وكثيرًا ما يفشل، الآن جاء وقت أن نحسب لهذا الفشل ونحتسب له قبل أن يقع ونتعامل مع حدوثه. وفي جميع الأحوال تحوّل: «أنا أضرب طفلي في لحظات الغضب»، إلى: «أنا أرطم يدي ببعضهما عند انفلات أعصابي»، خير بالتأكيد من (يدك وهي تضرب وجهه)، لكن لا تنسَ سرعة التحرك التنازلي للخيارات مرة أخرى حتى تصل للخيار (أ) وهو الخيار الوحيد السليم.

كل ما سبق أمثلة يمكنك تغييرها لما تصطلح عليه مع نفسك من (مفاتيح نفسية) لها فاعلية معك، المهم أنت لا تلمس طفلك نهائيًا، ولا تصرخ في وجهه ولا تهينه، ضع طريقتك المناسبة للتعامل في لحظات الانفلات فأنت أدرى، طبعًا ليس مطروحًا خيار الضرب كأحد الاحتمالات.

في النهاية أنت لا تعود لتكرار الفعل الخاطئ الذي يؤرقك، أنت الآن تلوم نفسك لأنك تنفث عن غضبك أمام طفلك، نصف الكوب الممتلئ أنك لم تعد تضرب طفلك والمشكلة تم حلها. وبعد ذلك، ستتعلم تلقائيًا التحكم في غضبك والنزول تدريجيًا حتى احتواء نفسك قبل احتواء أخطاء طفلك، ولو المُتعَمَّد منها. الآن تأتي مرحلة إصلاح ما أفسدته فيه.

2. محو الأثر النفسي لما حدث سابقًا

هل فعل طفلك شيئًا عمدًا بشكل مستفز لك؟ هل سبق وحاولت معه بكل أساليب التربية من تقويم واحتواء وتحذير؟ هل تطلب منه دائمًا أن يصحح خطأه بنفسه لكنه دائم التكرار؟

مشاكل ضخمة من تلك التي ترافق الإنسان طوال حياته تنشأ في الطفولة، لذلك ليس علينا فقط السعادة بالتوقف عن أذية أطفالنا، بل علينا إصلاح ما سبق وتسببنا فيه من مشاكل نفسية لهم، لذلك:

  1. خذ طفلك على محمل الجد، فالعلاقة بينكما علاقة بين شخصين، لا بين شخص سيد وآخر تابع عليه تلقي ما يفعله السيد دون أي نقاش.
  2. قل له أنك في حاجة للحديث معه في أمر جدي، أخبره أن يحدد هو الوقت المناسب لذلك.. والهدف أن يشعر الطفل باستثنائية الحدث والأهمية.
  3. اعترف لطفلك بخطئك، هذا أمر صحي لك وله، أخبره أنك تخطئ مثلما يخطئ كل البشر ومثلما يخطئ هو كذلك، اطلب منه أن يسامحك فنحن علينا أن نسامح بعضنا لأننا بشر كثيرو ارتكاب الأخطاء، حادثه كما لو أنك تحادث شريك حياتك الناضج، سيفهم طفلك وما لن يفهمه سيدركه بالمشاعر.
  4. اطلب منه التعبير عن مشاعره، عليك الإنصات له وتشجيعه على حكي كل شيء.
  5. اطلب منه أن يسامحك عمّا سبق، واعقد معه اتفاقًا بفتح صفحة جديدة ليس فيها ما سبق.
  6. الحديث ليس مثبّتًا أبدًا لأي من القرارات، الفعل فقط هو الحكم، سينصلح اضطراب طفلك النفسي وما أحدثته محاولاتك السابقة فيه من خدوش وجروح، فقط بتعاملك الطيب معه وعدم عودتك للفعل المكروه مرة ثانية.

وتذكر دائمًا كلما غضبت: كل شيء نعاني منه لوقت طويل بدايته لحظة واحدة، لذلك لا تجعل هذه اللحظة الآن.

بهذه الطريقة التي تليق بالبشر لا الآلات، تتوقف عن الإساءة لطفلك، وبهذه الطريقة تحاول أن تزيل الأثر النفسي السابق لما حدث.