في عامي 1936 و1940 تزوج الأمير عبد الإله بن علي الهاشمي، والذي تولى الوصاية على عرش العراق عام 1939، من مصريتين هما، ملك فيضي وفائزة الطرابلسي، وكان وراء ذلك رغبته في الارتباط بمصرية، إلا أن الزيجتين لم يُكتب لهما الاستمرار لأسباب عديدة.

والشريف عبد الإله وُلد في مدينة الطائف بالحجاز عام 1913، وتوفي عام 1958، وهو الابن البكر للملك علي بن الحسين ملك الحجاز، وحفيد الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى عام 1936.

واختير عبد الإله وصيًّا على عرش العراق عام 1939 بعد مقتل الملك غازي الأول في حادث سيارة، إذ كان الأمير فيصل الثاني ابن الملك غازي الوريث للعرش لم يبلغ بعد سن السادسة من عمره، وكان عبد الإله هو خال فيصل الثاني كونه شقيق الملكة عالية (والدة فيصل)، وبعد انتهاء الوصاية في 2 مايو 1953 وتتويج فيصل الثاني ملكًا على العراق نودي بالأمير عبد الإله وليًّا للعهد.

محاولات زواج سابقة للأمير

تروي الأميرة بديعة، شقيقة الأمير عبد الإله، قصة زواجه من المصرية ملك فيضي، وذلك في مذكراتها المعنونة بـ «مذكرات وريثة العروش»، والتي كتبها على لسانها فائق الشيخ علي.

وتذكر أن أخاها لم يتزوج أي شريفة من الأشراف، ربما لأنه لم يجد من بينهن من تناسبه؛ إذ كان يفضل السمراء على الشقراء، وتقول: «بهذا لم تتحقق أي من رغبات أبي وأعمامي، إذ رشحوا الأميرة مقبولة ابنة عمي الملك عبد الله للأمير عبد الإله، ولم تحصل القسمة، ربما لأنها شقراء وبدينة بعض الشيء، وهو لا يحبذ هذا النوع من السيدات».

وفيما بعد رأى الأمير عبد الإله نسرين ابنة علي كمال، وهو أحد الأكراد الذين شغلوا منصب مدير الشرطة العام في العراق، في مصيف «سرسنك» في إقليم كردستان العراق، فأُعجب بها وأراد أن يتزوجها، لكن لم يحصل نصيب، وتزوجت فيما بعد من شخص آخر.

وكانت «بديعة» موضع اتهام دائم من قبل زوجات أخيها، أو من ينوي الاقتران بهن، لأنه يحبها جدًّا، فيتصورن في خيالهن أن الأمر والمشورة بيدها، بينما الحقيقة على العكس تمامًا، إذ كان هو الذي يأمرها، وليس عليها إلا الطاعة.

وأشاعت السيدات أن «بديعة» أقنعت عبد الإله بعدم زواجه من «نسرين»، والحقيقة أن أحمد مختار بابان، أحد المقربين من الأمير، هو الذي أقنعه بأن لا يتقدم إليها، لسر ظل خافيًا بينهما ولم يعلمه أحد، ووقتها غضب أهلها من بديعة، وهم لا يدرون أنهم ظلموها ولا علاقة لها بالموضوع، إذ كانت يومها في الإسكندرية ولا تعرف شيئًا عن هذا الموضوع، حسب ما تروي.

زواج عبد الإله من ملك فيضي

على كلٍّ، تزوج الأمير عبد الإله من مصرية تدعى ملك فيضي، وكان وراء هذه الزيجة قصة روتها «بديعة» في مذكراتها، فبينما كانت أسرة عبد الإله في الإسكندرية عام 1936، بادر أحد أصدقائه منذ أيام الدراسة في جامعة فيكتوريا بالإسكندرية إلى تعريفه على ملك، وكان الأمير قد أعرب من قبل عن نيته للاقتران بسيدة مصرية.

وتذكر: «خطبناها له، وأتينا بها مع أختها في الباخرة إلى العراق عن طريق الأردن، بعد أن أجرينا العقد الشرعي، فاستقبلنا الملك غازي والملكة عالية قرب الفلوجة استقبالًا تكريميًّا لهما، وبعد أيام تبعنا أبوها وأمها إلى بغداد لحضور حفل الزواج، وأقمنا حفلة العرس في قصر الزهور للنساء فقط».

وقضت ملك أربع سنوات من عمر زواجها بالأمير في علاقات محدودة جدًّا، تمثلت في ثلاث سيدات فقط، هن سيدة عراقية، وابنة السفير التركي، ومُدرِّسة اللغة الإنجليزية. وبحسب مذكرات الأميرة «ضجرت ملك فيضي من رتابة الحياة في بغداد، فهي تختلف تمامًا عنها في مصر، إذ ليس باستطاعتها أن تصحب زوجها إلى صالة سينما مثلًا، فإن خرجت كنا النسوة معها، وهي ترتدي العباءة العراقية مثلنا، وإن لم تتعود على تغطية وجهها بالبوشية (حجاب أسود كامل للوجه دون أي فتحات للعيون)».

وتروي: «لم توجد أماكن لهو أو ترفيه في العراق وقتذاك، فمتعتنا تنحصر في الجلوس بالشرفة لقراءة المجلات أو الذهاب إلى السينما، أو زيارتنا من قبل بعض المعارف والأصدقاء، لذا كان من الصعب على سيدة مصرية أن تعيش مثلنا في ضيق، أو تتكيف معنا للعيش في حياة شبيهة بالسجن، ولهذا حصلت المشاكل بينهما، ما أدى إلى انفصالهما عام 1940.. لقد كانت ملك سيدة طيبة وجيدة تتمنى السفر دائمًا إلى مصر، بينما الأمير كان سريع الضجر».

صدمة الطلاق على ملك فيضي

تفاصيل طلاق ملك فيضي من الأمير عبد الإله تناولها السياسي العراقي رءوف البحراني في كتابه «مذكرات رءوف البحراني: لمحات عن وضع العراق منذ تأسيس الحكم الوطني عام 1920م ولغاية عام 1963»، فذكر أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق رشيد عالي الكيلاني قال لبعض معارفه: «في أيام رئاستي للوزارة كلفنا نوري باشا وزير الخارجية بمهمة السفر إلى القاهرة، وعرض الأمير عبد الإله على زوجته مرافقة نوري باشا وزيارة أهلها وتمضية بعض الوقت هناك، فأبدت الموافقة».

وبعد أيام سافر نوري إلى القاهرة ومعه زوجة الأمير عبد الإله، وحضر الأمير إلى المطار لتوديع زوجته حسب الأصول.

ووصلت «ملك» القاهرة، ورافقها نوري باشا إلى دار أسرتها، وسلَّم لوالدها رسالة تضمنت طلاق ابنته من الأمير عبد الإله، بحجة عدم إنجابها وأن الأمير يتوق إلى الذرية، فصُدمت «ملك» وأخذت بخناق «نوري» وقالت له: «إنك تعرف هذه النية في بغداد ولم تخبرني حتى أجمع أغراضي وأشيائي، ولماذا كل هذا الكتمان؟» وأخذت تبكي، بحسب رواية البحراني على لسان الكيلاني.

وبحسب الكيلاني، أن الأمير عبد الإله كان منغمسًا إلى الآذان مع صديقة عراقية، وكانت ترافقه حتى في بعض المناسبات العامة كسباق الخيل وبعض الاستعراضات، ولم يكن يتحرج من اصطحابها معه.

ويذكر الكيلاني: «اتضح لي أنه لما أراد أن يظفر بما يريد من هذه الآنسة امتنعت ولوَّحت له بالزواج الذي لا بد أن يكون بعد تطليقه لزوجته السيدة ملك فيضي، ولم أعلم بطلاق السيدة ملك إلا بعد عودة نوري باشا. وهذه النقطة أثرت في نفسي، لأنني كنت رئيسًا للوزراء ومستشاره الخاص في كل شيء، وكان يستمع مني بكل ترحاب، لكنه مع ذلك كتم عني نيته في تطليق زوجته».

ويضيف الكيلاني في روايته التي أوردها البحراني في مذكراته، أنه لما أعلن الأمير رغبته في الزواج من هذه العراقية أبدى رفضه لهذا التوجه، باعتباره – أي عبد الإله – على رأس الأسرة المالكة في العراق وحاميًا لعرشها، وللأسرة تقاليدها وقواعدها التي لا يمكن الخروج عنها.

ويروي الكيلاني: «من حسن الحظ أيدني بعض الزملاء في هذا الموقف، إلا نوري السعيد الذي تهرب من هذا الموضوع. وأصبح الأمير من شدة حنقه عليَّ لا ينظر إليَّ، حتى عندما أدخل مُسلِّما عليه، حيث كان يجيبني وهو معرض عني».

مقترح زواج الأمير من أخت الملك فاروق

ويذكر عبد الهادي الخماسي في كتابه «الأمير عبد الإله 1939-1958. دراسة تاريخية سياسية»، أن أسبابًا كثيرة وقفت وراء هذا الانفصال، منها عدم انسجام زوجة الأمير مع والدته الملكة نفيسة، بسبب تفتح «ملك» وانطلاقها، مما كان لا يتناسب وحشمة البيت الهاشمي، على حد وصفه.

في حين تشير وثيقة أمريكية إلى أن سبب الطلاق يعود إلى «مزاج الأمير العصبي». لكن على ما يبدو أن السبب الأهم كان طلب العائلة الملح من «ملك» الإنجاب، دون أن تعلم أن عبد الإله كان عقيمًا. وبحسب الخماسي، تزوجت ملك بعد ذلك من ضابط مصري وأنجبت منه أطفالًا.

ولم يُكتب النجاح بعد ذلك لمقترح زواج جديد بين الأمير عبد الإله وإحدى شقيقات الملك فاروق، والذي طرحته الملكة نازلي والدة الملك، على الدكتور هاري سندرسن، طبيب العائلة المالكة العراقية آنذاك، وكان برفقة الأمير في فندق الملك داود أثناء زيارته إلى القدس، بعد مدة قصيرة من انفصاله عن زوجته الأولى، إلا أن الأمير لم يكترث للأمر، ولم يولِه ما يستحق من اهتمام، بل لم يكلف نفسه لقاء الملكة نازلي لمعرفة المزيد من التفاصيل.

في حين يذكر السياسي العراقي طه الهاشمي في مذكراته المعنونة بـ «مذكرات طه الهاشمي 1942-1955. العراق – سوريا – القضية الفلسطينية»، أن الدكتور سامي شوكت، والذي تولى مناصب وزارية في تلك الفترة، هو الذي عرض هذا المقترح على عبد الإله في بغداد، فرفضه الأمير لأسباب تتعلق بالعائلة المالكة في مصر.

زواج الأمير من فائزة طرابلسي

بقي الأمير عبد الإله مطلقًا من عام 1940 إلى 1948، حيث تمت خطبة الآنسة فائزة الطرابلسي في القاهرة، وأُعلنت التشريفات في 3 أكتوبر 1948. وبحسب الخماسي، جيء بالخطيبة إلى العراق، وتم زفافها في 28 من نفس الشهر، فأنعم عليها الوصي على العرش بلقب صاحبة السمو الملكي، وأصدر قرارًا بخفض نسبة معينة من مدد بعض المحكوم عليهم بالسجن، وانهالت الهدايا عليه من العراق وخارجه لهذه المناسبة السعيدة، حتى قيل إنها تجاوزت ربع مليون جنيه إسترليني.

ويروي غزوان محمود غناوي في كتابه «الأمير عبد الإله بن علي الهاشمي الوصي على عرش العراق.. حياته ودوره السياسي» تفاصيل هذه الزيجة، فيذكر أن الأمير زار مصر في شهر سبتمبر، وفي الفندق الفخم الذي ينزل فيه الأغنياء والباشوات في الإسكندرية عرَّفته المطربة أم كلثوم، والذي كان يرتبط معها بعلاقة صداقة، على فائزة الطرابلسي، التي كان لها أخت اسمها «اعتماد» متزوجة من أحد ضباط الجيش المصري.

ولما عاد الأمير إلى العراق أخبر الأسرة بعزمه على الزواج من «فائزة»، وطلب من أختيه «بديعة» و«عبدية» السفر إلى مصر للقائها والتعرف عليها كي تعطياه رأيهما فيها.

وعلى الفور، طارت الأختان بطائرة الأمير الخاصة إلى مصر، ورأتا فائزة جميلة الوجه، باسمة الثغر، حلوة المعاني، ونقلتا رأيهما إلى عبد الإله، فركب طائرته وعاد إلى القاهرة، وأجرى مراسم العقد الشرعي في السفارة العراقية، ثم حملها مع أختها وأمها إلى بغداد.

وفي كتابه «على هامش سلالة الطين»، يروي عطا عبد الوهاب، والذي كان يعمل في السلك الدبلوماسي وقتها، أن الخارجية العراقية أرسلت إلى القاهرة برقية من الأمير إلى زوجته المصرية فائزة الطرابلسي، يطلب منها أن ترتدي العباءة عند هبوط الطائرة التي تقلها إلى بغداد، عند هبوطها في دمشق، إذ كانت الرحلات المتجهة إلى القاهرة تهبط في دمشق في الذهاب والإياب.

ويبدو أن الأمير لم يكن يريد أن يتهمه السوريون، والذين كانت نساؤهم آنذاك ترتدي حجابًا أسود، بأنه يتساهل في هذا الأمر بالنسبة لزوجته. وبحسب «عبد الوهاب»، أبلغت السفارة البرقية إلى شقيق العروس، ويدعى حمادة الطرابلسي، وقد كان نائبًا في البرلمان المصري.

طلاق فائزة من الأمير

تروي بديعة في مذكراتها المشار إليها آنفًا: «أقمنا لفائزة حفلًا كبيرًا، وعرَّفناها فيها على النساء العراقيات، إلا إنها كانت كغيرها كثيرة التبرم والشكوى من عدم تمكنها من الاختلاء بزوجها، حيث كانت تريد أن يكون معها دائمًا، بينما هو دائم الشغل والاهتمام بمشاكل الدولة ومسئولياتها.. وكثيرًا ما رددت أنها تتمنى أن تجلس وتتعشى معه لليلة واحدة على انفراد، لكن هذا لم يحصل لأننا كنا دائمًا ما نأكل ونشرب ونتحدث معه على طاولة واحدة، وأينما يذهبان فثمة مرافقون وأتباع وضيوف معهما». ولهذا لم يستمر زواجهما طويلًا، ففي عام 1950 كانت فائزة عند أهلها في مصر، فبعث إليها الأمير ورقة الطلاق من بغداد.

وفي كتابه «مذكرات بغداد.. مراجعة في تاريخ الصراع الطائفي والعنصري» يذكر جميل أبو طبيخ، أن فائزة كانت مثل سابقتها تكثر الإقامة في القاهرة، لأنها لا تطيق جو بغداد الحار، إلا أن علاقتها بالأمير تأزمت، إثر اكتشافها له متلبسًا بخلوة مع أحد مدربي خيوله، فغادرت مصر مزمعة عدم الرجوع.

ولما طالت إقامة فائزة، سافر نوري السعيد إلى القاهرة في رحلة عمل واستطاع إقناعها بالعودة، لكن إقامتها في بغداد لم تطل، إذ ما لبثت أن تكرر المشهد السابق لزوجها، فخرجت غاضبة وعادت إلى بيت والدها مصممة على عدم الرجوع إلى بغداد، وانتهت هذه الزيجة بالطلاق في 26 نوفمبر 1950، بحسب رواية أبو طبيخ.

ويذكر ناصر النشاشيبي في كتابيه «قصة الصحافة والحكام والثوار في الشرق الأوسط»، و«قصتي مع الصحافة» : أن أم كلثوم اختارت فائزة الطرابلسي من القاهرة لتكون زوجة وممرضة و«خادمة»، فإذا بفائزة بعد الزواج تسعى لتكون ملكة على العراق.

وبحسب النشاشيبي، أرادت فائزة أن تتصرف كالملكات، وتجعل زوجها يعيش حياة الملوك، لا حياة الأوصياء على العرش، إذ كانت طموحة وذكية ونشيطة ومحبة للمال، وكانت تريد أن تحمل من زوجها الأمير ولدًا، وعندما فشل ذلك حدث الطلاق.