خرج «مالكوم إكس» من السجن بعد عقوبة استمرت 7 أعوام بسجن «نورفولك»، بعدما أسلم بداخله وتعرف على تنظيم «أمة الإسلام» بعد تبادل الرسائل مع زعيمه «إلايجا محمد»، ومع خروجه من السجن ودخوله في التنظيم كعضو عامل نشط في الدعوة، كانت له صولات وجولات وخطب ودروس في أغلب مساجدها، حتى بلغ منصب المتحدث الرسمي لـ«أمة الإسلام» نظرًا لجهوده في توسيع القاعدة العددية للتنظيم، وفي عام 1958م عرض على سيدة تُدعى «بيتي شباز» الزواج، والتي كانت عضوًا في نفس التنظيم أيضًا، وتطرق مالكوم في سيرته الذاتية التي كتبها «أليكس هايلي» الكاتب الأمريكي إلى بعض التفاصيل الرائقة في علاقته مع زوجته، وإلى الحب وفلسفته، نستعرض أبرزها في مقالنا.


نظرة «مالكوم» للمرأة

كان لفترة الجريمة عند مالكوم أثر في تكوين تصور مُختلف عن العلاقة بين الرجل والمرأة والثقة بينهما، من كثرة ما رأى في حقبة انحرافه، فيروي:

كنت مقتنعًا بأنه يستحيل أن أقع في حب أي امرأة بعد ما رأيته من مكر النساء وخداعهن وخيانتهن وتدميرهن لحياة رجال أعرفهم، أو على الأقل زرعهن للفوضى والجمود فيها، وخلاصة القول أنني كنت رجلًا مجربًا فوق العادة أعلم من كثرة ما خالطت من خليلات أنهن يعرفن من أسرار الرجال ما لا تعرفه زوجاتهم، لأن الرجل يلجأ إلى الخليلة ليفضي لها همومه لأنها تهتم به وتصغي إليه.

ورغم عقائد تنظيم «أمة الإسلام» العنصرية المُحرفة البعيدة عن الإسلام، كان هناك التزام بتعاليم الإسلام الأصلية داخل التنظيم، حيث كان تبادل المشاعر أو إقامة علاقة غير شرعية شيئًا محرمًا، فكان مالكوم شديدًا في خطبه حين يوضح الفرق بين مسئوليات الرجل والمرأة، وحين يقوم بتوجيه النساء بتعاليم الإسلام التي تعتبر ثقيلة داخل مجتمع أمريكا الغربي، فكان دائمًا يُرمى بتهمة التشديد والتضييق على المرأة داخل «أمة الإسلام». ويوضح مالكوم وجهة نظره في هذا الباب قائلًا:

إن للإسلام أحكامًا صارمة تتعلق بالمرأة، مضمونها أن الرجل مجبول على القوة والمرأة على الضعف، وأن الرجل مطالب باحترام المرأة، وأن عليه أن يحكمها ليضمن احترامها.

قرار الزواج

ظل مالكوم منهمكًا في توسيع نشاط «أمة الإسلام» إلى أن لفتت نظره بيتي شباز، التي كانت منضمة حديثًا لمسجد رقم 7 في نيويورك، وظل معجبًا بها لمدة عام كامل، ويروي مالكوم تلك اللحظات فيقول:

وفي ذلك الوقت انضمت إلى مسجدنا السابع أخت جديدة لفتت نظري، كانت طويلة القامة، سمراء بدرجة أشد مني وعسلية العينين، وبقى الأمر لا يتعدى لفت النظر مدة السنة دون أن يخطر ببالي أن أعرف حتى اسمها.

وبعد ذلك بدأ مالكوم يجمع المعلومات عنها؛ فعرف أنها من ديترويت، وأنها تخرجت في قسم التربية وتدرس التمريض في مدرسة تابعة لأحد مستشفيات نيويورك الكبرى، وكانت تعطي دروسًا في العناية الصحية للأخوات داخل تنظيم الأمة، كما أنها كانت تعيش مع زوجين تبنياها في الصغر، وتبرآ منها وقطعا عنها المصاريف لما اعتنقت الإسلام.

كان مالكوم يفتعل المواقف لكي يتقابل مع بيتي ويعرف طريقة تفكيرها، فيروي قائلًا:

فكنت أقوم أحيانًا بزيارة فصول الرجال والنساء، بما فيها فصل الأخت بيتي، فكنت أسألها كيف يسير درسها؟ وكانت تقول لي: على ما يرام أيها الأخ، ثم بدأت أدخل معها في أحاديث ودية قصيرة، وسألتها جملة أسئلة لأعرف طريقة تفكيرها؛ فبدأت تغزوني بذكائها وثقافتها.

كان من مقومات شخصية مالكوم الصراحة والمواجهة، فتأثر بتلك الصفة حتى في طريقة عرضه للزواج من بيتي، فيقول:

وبالفعل اتصل مالكوم بالأخت بيتي وعرض عليها الزواج دون أي مقدمات، فصدمت، ولكنها أبدت الموافقة في النهاية، واتفقا أن يذهبا إلى ولاية إنديانا لعقد القران هناك، حيث كانت قوانين الولاية غير معقدة في الزواج، وتزوجا عام 1958م.

المضحك في زواج مالكوم هو ردة فعل النساء والرجال داخل تنظيم «أمة الإسلام» على زواجه، فيروي مالكوم أن النساء انهالت على بيتي بالعناق وبالقبل، بينما كان ينظر إليه الرجال بخذلان وكأنه خانهم، وسمع إحدى الأخوات تقول لبيتي شباز: لقد أوقعته بالفخ!


فلسفة الحب عند «مالكوم»

ولم أكن أدخل معها في الرومانسيات التي تملأ بها هوليود رءوس النساء، حتى وإن فاتحتها في الموضوع، بل إنني كنت سأصل إلى بيت القصيد مباشرة بطريقتي.

يشرح مالكوم فلسفة الحب بين الأزواج المسلمين من خلال وصف علاقته مع زوجته بيتي شباز، فيقول:

أظن أنه يمكنني الآن أن أقول إنني أحب بيتي، إنها أول امرأة خطر لي أن أحبها، وواحدة من أربع نساء وضعتُ فيهن ثقتي، ومثال للمسلمة الصالحة، إن للحب في الإسلام مفهومًا شاملًا داخل مؤسسة الزواج، بينما هو في المفهوم الغربي شبق، الحب في المفهوم الإسلامي نزعة وسلوك وموقف وأفكار وميل، وكل هذه الأشياء تتعدى الماديات وتعتبر ركائز للجمال الحقيقي، الجمال الأبدي. إن الزوجة في الحضارة الغربية تفقد جاذبيتها بمجرد فقد جمالها المادي، أما الإسلام فيحثنا على رؤية جمال المرأة الباطني، ولقد استطاعت بيتي أن تنفذ إلى البواطن فاستطاعت أن تفهمني، أنا أعرف أن أية امرأة أخرى لم تكن لتتقبل أن أعطي وقتي كله مهمتي التي تقتضي مني إيقاظ السود من سباتهم يقصد الأمريكان من ذوي الأصل الأفريقي وقت الفصل العنصري في أمريكا
إنني نادرًا ما أقضي بعض الوقت في البيت، وعندما أفعل أقضيه في العمل، فتوفر لي بيتي الهدوء اللازم، على أنني لا أكاد أبقى في البيت أكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع، ولن أنسى عبارتها الجميلة عندما طلبتها ذات مرة بالتليفون من مكان بعيد: «إنك حاضر وأنت غائب».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.