تخيل أننا في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، حيث لعب مانشستر يونايتد 8 جولات في الدوري، ويا للمفاجأة، ما زال يفوز خارج أرضه أكثر من داخلها. ورغم عودة الجماهير بعد تجاوز محنتي كوفيد-19 ثم 32، ما زال مستوى الفريق غير مفهوم، ولا يمكن تمثيله بمنحنيات الرسم البياني.

وكي يكتمل المشهد التخيلي، تمكنت إدارة الفريق بطريقة ما من تجديد عقد الفرنسي بول بوجبا، وما زال استوديو شبكة «سكاي سبورتس» يشهد الجدال بين كاراجر وجاري نيفيل، للبحث عن مركز بوجبا المفضل، ومناقشة أحقيته بوصف لاعب كبير.

كل هذا وأسوأ منه ليس ببعيد عن خيال المشجع الحالي للشياطين الحمر، فالفريق الذي كان نموذجًا للمنظومة والاستمرارية بالنجاح، تحول إلى النقيض، وصار لغزًا في تباين الأداء.

وبينما وجد مشجعو اليونايتد أنفسهم على الطريق نحو لوم السير أليكس فيرجسون، كما لام مشجعو أرسنال هنري وبيركامب، كان لا بد أن يفكروا في أكثر الحلول تطرفًا لانتشال فريقهم من هذه الدوامة، ومن هنا ظهر اقتراح بيع النادي لمالك جديد غير عائلة «جليزر».

هل من مشترٍ؟

تلك العائلة التي لن تجد مشجعًا متعصبًا لليونايتد، إلا ويذكرها بكل سوء مع كل مباراة. لكن لتتصور الموقف كاملًا، علينا الإمساك بأول الخيط، حيث عام 2005 عندما استحوذ «مالكوم جليزر» على حصة الأغلبية في النادي من خلال شركة «ريد فوتبول» الاستثمارية، في صفقة قياسية بلغت 790 مليون جنيه استرليني. وعندما توفي مالكوم في مايو 2014، تم تقسيم حصته بين أبنائه الستة.

لم يظهر عوار إدارة العائلة في وجود السير أليكس فيرجسون، لكن بعد رحيله، انقلبت الأمور رأسًا على عقب، حتى باتت الجماهير تحلم بمشترٍ جديد. وفي عام 2018، ظهر فارس أحلامهم متجسدًا في ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أراد الاستحواذ على مانشستر يونايتد، ليكرر تجربة مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان.

وفقًا لصحيفة «ميرور» البريطانية، تراوح المبلغ المعروض لإتمام الصفقة بين 3.5 و4 مليارات جنيه استرليني، وهو ما رفضته عائلة «جليزر». ليحول المستثمر السعودي وجهته في صيف 2020 إلى نادي نيوكاسل يونايتد، لكن من سوء حظه، فشلت محاولته أيضًا.

بالعودة إلى اليونايتد، وعلى الرغم من ضخامة المبلغ، فإنه يتفق مع القيمة المرتفعة للنادي، كونه أحد أكبر العلامات التجارية على مستوى الأندية في مختلف الرياضات. الأمر الذي دفع موقع «The Athletic» لطرح الأرقام التالية لعملية البيع: 3 مليارات باوند مرفوضة، 4 مليارات باوند جيدة لبدء المحادثات، 5 مليارات تكفي لنبارك للمالك الجديد.

كان عنوان التقرير واضحًا لا يحتاج إلى تفصيل؛ «هل مانشستر يونايتد أكبر من أن يباع؟» فإنفاق كل هذا المبلغ سيكون مجرد بداية، وسيتبعه إنفاق المزيد لتجديد البنية التحتية، وتطوير الاستاد لبدء محاولات زيادة المداخيل، ناهيك بالطبع عن سوق انتقالات الفريق الأول، وخلافه من النفقات.

أضف إلى ما سبق تجارب مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، المتفوقين حاليًّا داخل الملعب محليًّا وأوروبيًّا على اليونايتد. حيث خضع الأول للاستحواذ الإماراتي في 2008 بـ 150 مليون باوند، وخضع الثاني للاستحواذ القطري في 2011 بـ 100 مليون دولار، استحواذ بمبلغ أقل، تبعه إنفاق ببذخ، وكانت النتائج مرضية.

الفرصة الوحيدة

وبناءً على ذلك فإن حسابات المخاطرة تجعل عملية بيع النادي حلًّا متطرفًا، وهنا سيحرك اليأس مشجع اليونايتد لفكرة أخرى في نفس الإطار، وهي: ما دام البيع غير متاح، فلا حل أمامنا سوى أن يتعطل النادي أو بالأحرى ماكينة جلب الأرباح، تحت تأثير تراجع الأداء، وعندما يشعر المالك بالخطر، سيحسن إدارته مضطرًا، وأثناء تخيل المشجع ذلك، سيصطدم بالتصريح التالي.

لا يؤثر أداء الفريق المتراجع تأثيرًا ملحوظًا على ما يمكننا فعله من الناحية التجارية والتسويقية.
إد وودوارد، نائب الرئيس التنفيذي لنادي مانشستر يونايتد، في 2018

يبدو تصريح العدو الأول للجماهير، «إد وودوارد» منطقيًّا على المدى القصير، حيث ما زال مانشستر يونايتد مرتكزًا على النجاح الذي حققه مع السير أليكس داخل الملعب وخارجه، على مدى 20 عامًا تقريبًا، كان فيها اليونايتد هو الثابت، والمنافسون متغيرون، لكن كلما طال التدهور، سيظهر التأثير رغمًا عن أنف «وودوارد».

مصادر دخل مانشستر يونايتد كغيره، ما يأتي من التذاكر غير مرشح للزيادة، في ظل ثبات سعر التذكرة وسعة الاستاد. أما عن عقود الرعاية فقد شهدت قفزة من 2016 حتى الآن مع عقود أديداس وشيفروليه الضخمة، بمتوسط 273.5 مليون باوند سنويًّا.

في المقابل، ارتفعت عوائد البث التلفزيوني في 2019، لتصل إلى 241 مليون باوند سنويًّا بزيادة 37 مليون كاملة عن العام السابق، بسبب توقيع عقود جديدة لبث دوري أبطال أوروبا.

وهنا تظهر أول مشكلة، عند مقارنة الـ 38 مليون باوند التي تحصَّل عليها اليونايتد جراء فوزه بالدوري الأوروبي 2016/17 مع مورينيو، بالـ 83 مليون يورو التي نالها عند التأهل لدور الستة عشر في دوري الأبطال، فارق كبير يوضح أن أداء الفريق يؤثر بشدة.

ثم تأتي المدفوعات لتنذر بمزيد من الخطر، حيث ارتفعت مرتبات الفريق منذ 2016، لتصل في 2019 إلى 332 مليون باوند سنويًّا، بزيادة 83% عن آخر مواسم فيرجسون. بالإضافة إلى إنفاق 40 مليون باوند لتعويض المدربين المقالين، وأكثر من مليار باوند لشراء اللاعبين منذ اعتزال السير، والنتيجة كانت الحاجة لشراء المزيد.

تراجع النتائج سيعني اتفاقات جديدة على عقود الرعاية مستقبلاً، ناهيك عن تقليص الخصوم تدريجيًّا للفجوة بينهم وبين مانشستر يونايتد، في 2017 كان الفارق بين عوائد ليفربول واليونايتد 217 مليون باوند لصالح الأخير، تقلصت إلى 135 مليون باوند في 2018. مزيد من النجاح لمانشستر سيتي وليفربول أوروبيًّا سيعني تهديد أفضلية اليونايتد، مع ظهور توتنهام في الصورة بفضل ملعبه الجديد.

استنتساخ فيرجسون!

تراجع مانشستر يونايتد عن القمة من حيث العوائد والمكانة الاقتصادية، عاجلاً أم آجلاً، هو الأمر الوحيد الذي سيحرك عائلة جيلزر وإد وودوارد، طالما رآوا حدوثه متاحًا. والعمل بكل بساطة، هو أن يفعل اليونايتد ما كان بارعًا في فعله لكن بشكل مختلف.

كان اليونايتد يمتلك رؤية واضحة للمستقبل، لكننا اكتشفنا فيما بعد أنها كانت رؤية السير أليكس فيرجسون وليس النادي. المهم، أن المدرب الفائز بـ 13 لقبًا للبريميرليج كان يقدم نموذجًا إداريًّا مشابهًا للنموذج الذي تحاول الأندية بناءه الآن، عبر مدير رياضي يكون حلقة الوصل بين المدرب والإدارة، ويتولى تحديد فلسفة النادي وسياسته في سوق الانتقالات، بجانب هيكلة النادي وتعيين المحللين والمدربين وخلافه.

تولى فيرجسون القيام بكل تلك المهام تقريبًا، وبعد رحيله تحول اليونايتد إلى النقيض تمامًا. في عام 2019، كتب صحفي الجارديان جيمي جاكسون عن غموض في إدارة الشياطين الحمر، بوجود عدد لا بأس به من غير المتخصصين بكرة القدم يتخذون قرارات متعلقة بكرة القدم، مع تهميش عدد كبير من المدربين والكوادر التي تعمل بالنادي منذ أكثر من 25 عامًا.

في 2016 اكتشف النادي حاجتهم لتطوير قسم الكشافة Scouting، عبر التعاون مع شركة Nolan partners لتعيين عدد أكبر من الكشافة. وتم الاستعانة بهنري ديرجيت أحد كبار الكشافة في أياكس لتطوير القسم، ثم في 2019، تم الاستعانة برومان بويرو كشاف مانشستر سيتي السابق لقنص مواهب فرنسا على وجه الخصوص.

عمليات الإصلاح التي اكتشفتها الإدارة فجأة طالت إلى قسم البيانات والتحليل أيضًا، حيث كان يأمل اليونايتد في تعيين ثمانية محللين جدد قبل بداية موسم 2020/2021، وفقًا لتقرير قناة Tifo Football.

استنساخ السير أليكس فيرجسون ليس عملية مستحيلة، لكنها تتطلب إدارة أكثر ذكاءً، وأقل عاندًا، لتدرك أن اليونايتد كان الأكثر نجاحًا لأنه الأكثر استقرارًا ووضوحًا من حيث التخطيط. والبدء بتطوير قسم الكشافة والبيانات سيكون أكثر نفعًا إن تم تحت أنظار مدير رياضي، يضع فلسفة واضحة للنادي. وإن حدث ذلك، فعندما يأتي عام 2023، لن تكون جماهير اليونايتد تضيع وقتها في مناقشة كيف سيلعب فان دي بيك وبوجبا وبرونو فيرنانديز في تشكيلة واحدة؟