تناولنا صعود الصهيونية الدينية بالرصد والتحليل في مقالنا «الصهيونية الدينية تحكم إسرائيل»، أما هنا فنقدم خريطة موجزة لأحزاب الصهيونية الدينية الرئيسية في الكنيست الإسرائيلي لاستعراضها والتعرف عليها وعلى خصائصها الأساسية.

1. حركة شاس

هناك رافدان للانقسام داخل إسرائيل ضمن بنية تكوينها: اليهود الشرقيون (الشفارديم/ السفارديم) واليهود الغربيون (الأشكيناز). وتتمتع الفئة الثانية بأعلى الامتيازات السياسية والاقتصادية وأهمها، فضلاً عن أنهم يسيطرون على مفاصل الدولة. وغالباً ما يعيش هؤلاء حياتهم على النمط الغربي (المجافي للالتزامات الدينية من وجهة نظر المتدينين المتشددين).

كان ذلك أحد الأسباب التي جعلت اليهود الشرقيين الذين قدموا من بلدان عربية كالمغرب والعراق ومصر واليمن، والدول آسيوية مثل الأخرى مثل إيران، يبحثون عن تمثيل سياسي واجتماعي لهم، مع الالتزام بالقيم الدينية اليهودية وشريعة التوراة. وعلى هذا الأساس، قام الحاخام عوفيديا يوسف (مولود في بغداد العراق في 24 يوليو/أيلول 1920، وهاجر إلى فلسطين مع أسرته عام 1924) بتأسيس حركة شاس سنة 1984.

تُعَرِّف موسوعة المصلحات بمركز المدار الفلسطيني للشئون الإسرائيلية حركة شاس بأنها «حزب ديني متزمت من أبرز أهدافه بحسب ما ورد في برنامجه التأسيسي والانتخابي: الاهتمام بالتراث اليهودي في إسرائيل- متابعة الطريق الذي بدأه اليهود الشرقيون- الاهتمام بتعميق حب اليهود لإسرائيل – تربية أولاد إسرائيل بموجب التوراة مع المحافظة على قيم اليهود الشرقيين».

تلك أبرز الملامح العامة لحركة شاس التي هي جزء أساسي من التدين اليهودي الحريدمي. والسمة الأبرز لهذه الحركة/ الحزب: التغلغل داخل مؤسسات الدولة الإسرائيلية ونشر قيمها ورؤيتها لتكون دولة دينية يهودية بامتياز، وقد نجح منضوون في هذه الحركة في الحصول على حقائب وزارية داخل الحكومات الإسرائيلية، مثل وزير الداخلية الذي يظهر بالطاقية اليهودية المشهورة: آريه درعي، وهو الزعيم السياسي للحركة. بعد وفاة الحاخام عوفيديا يوسف 2013، تولى الزعامة الروحية للحركة الحاخام شالوم كوهين (توفي في أغسطس/آب 2022).

وقد حصلت شاس في الانتخابات الأخيرة (الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي) على 11 مقعداً، وستكون ضمن التحالف الحكومي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل بحسب رؤية بعض المحللين، بخاصة وأن الحركة كذلك تملك نفوذاً ليس بالهين من خلال مؤسساتها التعليمية المنتشرة في ربوع إسرائيل.

الأهم بالنسبة لهذه الحركة المتطرفة هو موقفها الرافض تماماً لوقف الاستيطان خلافاً لا تطالب به دول غربية وعربية والسلطة الفلسطينية نفسها وإن كانت مطالباتهم شكلية. كما ترفض الحركة حتى مجرد التفاوض حول مصير ووضع مدينة القدس (وكانت تلك النقطة مثار خلاف في ما يسمونه بمفاوضات «الحل النهائي»). فوق ذلك، تطرح الحركة مطالبة الدول العربية بتعويض اليهود الذين هاجروا منها إلى إسرائيل.

2. حركة كاخ

في الولايات المتحدة عام 1968، أسس الحاخام اليهودي المتطرف مائير كاهانا «رابطة الدفاع اليهودية» للدفاع عن الأحياء اليهودية في الولايات المتحدة. ونتيجة الرؤى والسلوكيات المتطرفة لكاهانا ورفاقه، تم اعتقاله من قبل السلطات الأمريكية. على إثر ذلك، قدم كاهانا إلى إسرائيل في صيف عام 1971 ليبدأ نشاطه على الفور بتأسيس حركة أخذت الأضواء في داخل إسرائيل وخارجها، ألا وهي حركة «كاخ» أو «رك كاخ» (هكذا).

ظهور هذه الحركة في السبعينيات جاء مشحوناً بسياق الصراع المحتدم مع العرب، وبعد حرب أكتوبر، وفي إطار نشاط الفدائيين الفلسطنيين، خصوصاً العمليات الخارجية التي كان ينفذها منتمون للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتدعو الحركة في أدبياتها وخطابها السياسي إلى قتل العرب والفسلطنيين، والرفض التام لعملية السلام، من أبرز ما جاء في بيانها التأسيسي: «إن اليهود شعب مقدس، وهو يختلف عن بقية الشعوب وحضاراتها، وهو الذي يتم اختياره للسير في طريق الله».

في 1984، استطاعت الحركة اجتياز نسبة الحسم في انتخابات الكنيست، وأصبح مؤسسها وزعيمها كاهانا عضواً في الكنيست في دورته الثانية عشرة، لكن تلك العضوية عانت من مشكلات كثيرة.

أفرزت حركة كاخ عديداً من الإرهابيين اليهود الذين قاموا بعمليات تصفية ومجاز بحق الفلسطينيين، مثل باروخ جولشتاين الذي أطلق النار على المصلين في الحرم الإبراهيمي عام 1994، واستشهد جراء ذلك ما لا يقل عن أربعين فلسطينياً. لم يسلم كذلك مسئولو دولة الاحتلال من شظايا تطرف هذه الحركة، حيث أقدم أحد أبنائها، وهو إيجال عامير على اغتيال رئيس الوزراء آنذاك اسحاق رابين عام 1995. كذلك، من أبرز سفاحي هذه الحركة (أو امتدادتها وإفرازاتها): «كاهانا حي- حركة لهبا، وهي الحركات التي قام منتسبوها بحرق عائلة الدوابشة، والطفل محمد أبو خضير من قبل كل من: مائير أتنغز وعميرام بن علوئيل.

ويعتمد الكاهانيون على كتاب كاهانا «يجب أن يرحلوا» (They Must Go) الذي يتحدث فيه عن العرب، وهو كتاب يتضمن المبادئ الرئيسية للحركة وأيديولوجيتها.

3. يهود هاتوارة

بعكس حركة شاس التي تعبر عن اليهود الحريديم السفارديم (الشرقيون)، يعبر يهود هاتوراة عن الحريديم الأشكيناز (الغربيون)، ترجع جذوره إلى عام 1988، وتشكل رسمياً عام 1992 من خلال ثلاثة روافد:

  • الأول: أغودات إسرائيل: (رابطة إسرائيل) التي تمثل اليهود الأشكيناز.
  • الثاني: ديغل توراة (راية التوراة) الذي يمثل اليهود من ليتوانيا.
  • الثالث: موريا (مريا) نسبة لجبل المريا الوراد ذكره في العهد القديم، وهو جبل معروف ومشهور في فلسطين.

من قواد ووجوه هذا الحزب: أليعاز شاخ، يعقوب ليتشمان، وأبراهام ليبتس.

ينطلق الحزب ككل تيارات الصهيونية الدينية من فكرة: أن تكون التوراة هي المرجع الرئيسي والوحيد لإسرائيل داخلياً وخارجياً، ويرفض كذلك أي تفاوض مع الفلسطينيين. وينطلق الحزب من ذات المنطلقات العنصرية المدعمة من الرؤية التوراتية. ويشكل هذا الحزب حالياً ركناً أساسياً من أركان تحالف قوى اليمين العلماني التقليدي المتطرف، واليمين في نسخته الصهيونية الدينية. وحصل الحزب على سبعة مقاعد في الانتخابات الماضية.

4. حزب القوة اليهودية

نال إيتمار بن عمير، زعيم حزب «القوة اليهودية» شهرةً إعلامية، فهو قائد الاقتحامات اليومية وشبه اليومية للمسجد الأقصى التي تنقلها لنا شاشات الفضائيات ومواقع التواصل. وبن عمير واحد من أولئك المتطرفين الذين نهلوا من الكاهانية (نسبةً لمائير كاهانا مؤسس حركة كاخ)، وهو كذلك من أبرز المتورطين في قضية تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس، واشتهرت صورته أثناء إمساكه بمسدسه والتلويح به أمام الفلسطينيين الغاضبين في الحي المقدسي القديم.

انتسب بن عمير، ذو الأصل الكردي، إلى حركة كاخ في سنة السادسة عشرة (مولود في عام 1976)، وعمل في مهنة المحاماة، وتكوينه الفكري والأيديولوجي كما ذكرنا جاء من حركة كاخ التي تحدثنا عنها قبل قليل.

وكان بن عمير من أبرز مؤسسي «عوتسما يهوديت» (القوة/ العظمة اليهودية) أحد الأحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة، وهو امتداد للكاهانية كما ذكرنا. تأسس هذا الحزب عام 2012، مع  آريه الداد ومايكل بن آري، وهو أصلاً انشقاق من حزب «الاتحاد القومي»، ويدعو هذا الحزب وقادته إلى طرد الفلسطينيين الذين يرفضون الولاء لدولة إسرائيل.

من العرض السريع لأبرز بعض مكونات الصهيونية الدينية نلاحظ التالي:

1. تتفق كلها في ضرورة تبني التوراة كمرجع أساسي وقد يكون أوحد في مسارات الحياة للمجتمع الإسرائيلي، بل وكذلك في السياسات الخارجية.

2. الرفض المطلق لأي تسويات سواء عادلة أو غير عادلة مع الفلسطنيين والعرب.

3. المطالبة بقتل وتصفية الفلسطينيين، أو تهجيرهم (الترانسفير) في أحسن الأحوال.

4. التوسع في الاستيطان ورفض أي دعوات لوقف الاستيطان من أي جهة.

ولذا تتمتع هذه الحركات والتيارات بنفوذٍ كبير، وبقاعدة جماهيرية كبيرة في أوساط المستوطنين الذين يمثلون خزاناً لا ينضب لهذه الحركات المتطرفة. وهو ما قد يحدث تغيرات نوعية في بنيتي الدولة والمجتمع الإسرائيلي الذاهب أكثر فأكثر إلى مزيدٍ من التطرف والعنصرية.