الكثير من العلامات الرياضية يمكنك أن تراها الآن في حرب غزة، حيث أبدع مقاتلو كتائب الشهيد عز الدين القسام بقصد ودون قصد في تأطير لقطات لن تُنسى في التاريخ، ارتبطت بأكثر من مجال وسياق، والرياضة من بينها.

من سينسى الأحذية الخفيفة المعدة للعب كرة القدم، «الشباشب البيتي» أو حتى الأقدام العارية؟ من سينسى علامة «أديداس» التي ربما ترى لأول مرة في حرب بهذا الحجم على بنطال مقاتل؟! من سينسى رياضة ركوب الدراجات من أجل شحن البطاريات الجافة؟

لكن ما لن ينساه التاريخ، وسيظل محفورًا بخلود بطولة أصحابه، هو هويات أولئك الذين خططوا لاقتحام حدود الكيان الصهيوني في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر، خصوصًا الصف الأول من قيادات حماس.

بينما يبحث الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك التوقيت عن صورة نصر، قرر بنفسه أن يجعلها اغتيالًا جسديًّا ليحيى السنوار، قائد حركة حماس في قطاع غزة، فإن الأخطر على الإطلاق ربما ليس السنوار، ولا حتى محمد الضيف الذي خطط للعملية برمتها منذ أعوام عديدة، وإنما من تخشاه عقول الإسرائيليين حقًّا هو مدير العملية على الأرض، مروان عيسى.

عيسى هو نائب رئيس الجناح العسكري لحركة حماس، يستمد قوته الحالية من كونه أحد أهم مسؤولي التخطيط الاستراتيجي في الحركة عسكريًّا، وتتنامى أهميته لدى علمك بأنه بمثابة متحدث إعلامي وقت السلم، وحلقة وصل بين الذراعين العسكري والسياسي.

لقد نشأ الرجل نشأة من رأى أهله يهجَّرون من ديارهم في عسقلان قبيل نكسة 1967، حيث ولِد قبلها بعامين، استوطن قطاع غزة رفقة أهله، ومن يومها وهو عزيز على القطاع، مشاغب على الاحتلال.

لكن المسار الرياضي لعيسى هو ما يمكن أن يكون أغرب ما تعرفه عنه، الرجل الطويل القامة القوي البنية هو أحد أشهر من لعبوا كرة السلة احترافيًّا في تاريخ فلسطين، رغم أنه أجبر قسريًّا على ترك اللعبة بعمر 22 عامًا إثر اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ابن المخيم وسليل العائلة الرياضية

في غزة، هناك 3 انتماءات، أحدها لفلسطين الواقع والحلم، وثانيها للقطاع نفسه، وثالثها للمخيم!

ومروان عيسى ابن مخيم البريج، الذي أنجب العديد من النجوم الرياضيين الأفذاذ في التاريخ الفلسطيني، كما سطر العديد من ملاحم البطولة أمام الاحتلال.

لعب لنادي خدمات البريج، وقدَّم مستوى مبهرًا جعله واحدًا من أفضل نجوم الكرة البرتقالية في التاريخ الفلسطيني من حيث الإمكانيات، كان يظهر دائمًا في مباريات «الديربي» أمام خدمات المغازي، المتاخم جنوبًا للبريج.

طيلة السنوات التي أعقبت اعتزاله بسبب اعتقاله مرتين على يد الاحتلال ثم السلطة الفلسطينية، وعودته للنور في 1997، كان دائم الدعم ماديًّا ومعنويًّا ورياضيًّا لنادي المخيم الذي ترعرع فيه.

عائلة «عيسى» بشكل عام من أشهر عائلات كرة السلة في غزة وفلسطين، بدءًا من علي وناجي ورمضان أشقائه، وابن عمه عماد، وابن أخيه ثائر الذي يلقب بـ«ملك الثلاثيات» في غزة، وهو من أهم لاعبي خدمات البريج.

الكوماندوز: اسم له ما بعده!

طريقة لعب مروان عيسى كانت شبيهة للغاية بما هو عليه الآن، يمكنك أن تسمع حكايات ذلك الشاب خفيف الحركة رغم قوة بنيته، قوي التدخلات شديد الحماسة قوي القيادة، ألا يذكرك هذا بشيء؟

إنه بلاء كل مقاتل من المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى، يقود عيسى الميدان الآن كما كان يقود الصالة في مباريات خدمات البريج.

لكن إطلاق لقب «كوماندوز فلسطين» عليه أثناء مزاولته كرة السلة، يملك شبهًا استثنائيًّا مع حقيقة كونه «كوماندوز القسام» الحالي، تسمية تليق بعمليات الإنزال الجوي التي هزت العالم يوم 7 أكتوبر.

السابع من أكتوبر وحلقة جديدة

ينشط عيسى في مقاومة الاحتلال منذ شبابه، وفي 1997 حين انتهت تجربة الاعتقال الثانية له، بدأ مرحلة جديدة مع المقاومة، تم إعلانها في 2005 حين أميط اللثام عما أسمته «حماس» آنذاك بـ«قادة الصف الأول»، والذين كان عيسى من بينهم.

منذ ذلك التوقيت نشطت العمليات النوعية التي أشرف عليها عيسى، حتى إن دولة الاحتلال اعتبرته قبل أن تخرج من قطاع غزة في 2007 واحدًا من أخطر الشخصيات المطلوبة، وحاولت اغتياله في 3 مناسبات.

لكن طوفان الأقصى، بالأخص الحراك الميداني في مواجهة الغزو البري الذي أعقب به الاحتلال واحدة من أكثر حملات القصف الجوي دموية في التاريخ، هو المعركة الحقيقية التي يقودها عيسى ضد الكيان الصهيوني.

يصف د.سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، مروان عيسى بأنه «القائد الحقيقي للقسام»، وهي تسمية لا تنتقص من حيثية محمد الضيف، لكنها تراعي البعد الميداني الذي يعتبر عيسى قائده بامتياز.

من ميدان لعب كرة السلة إلى ميادين أكبر للعب بأعصاب الإسرائيليين، ومن رمي الثلاثيات إلى «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى»، ومن «المسافة صفر» في الرقابة اللصيقة للخصم، إلى «المسافة صفر» في زراعة عبوات الفدائي على أسطح دبابات الميركافا والنمر، لن ينسى العالم مروان عيسى أبدًا!