سنصير شعبًا حين ننسى ما تقول لنا القبيلة.

هكذا رأى الشاعر محمود درويش أننا لم نرتق لدرجة الشعوب، ويشترط التجرد من القبلية حتى نحقق ذلك، مستخدما في بداية كلماته «سين» التسويف، ولكن ربما التسويف هنا له دلالة مأساوية أخرى تفيد الاستحالة.

ففي ظل ما يشهده العالم من تطور وتقدم، إلى جانب الحديث المستمر في العقود الماضية عن مواجهة التطرف، يظل الحديث في الداخل السعودي عن وضع المرأة المهضومة حقوقها، ما بين منع من القيادة تارة وبين عودة الحديث عن «نظام ولاية الرجل على المرأة» في المملكة المتحدثة باسم الإسلام تارة أخرى.

منذ أيام، فُجرت قضية «الولاية» مجددًا إثر الظلم الذي تعرضت له مريم العتيبي التي بدأت قصتها بتعرضها – مثلها مثل حالات عدة، كما يدل على هذا تلقي المركز الذي أنشأته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالعام 2016م لاستلام شكاوى العنف الأسرى، ويقوم عليه موظفات إناث، 1800 اتصال في ثلاثة أيام، أي بمعدل 600 حالة يومية – للضرب من قبل أحد أشقائها، فاتجهت صوب السلطات ورفعت قضية تعنيف ضده، ولكن على ما يبدو أن الشكوى في مثل هذه الحالات لغير الله لا تجدي، فما كان سوى التجاهل، فغردت قائلة: «عندما تقدمين بلاغًا لدى الشرطة ضد شخص قام بقذفك أو تهديدك، ثم يقوم بالضغط عليك حتى تتنازلي، هذه تعتبر جريمة أخرى».

لم ينتهِ الأمر هنا؛ فالمرأة التي تريد حياة كريمة ليس إلا، وكأنها تقول «ونحن لم نحلم بأكثر من حياة كالحياة» أبت التنازل عن القضية، فجاء الرد من الأب – الذي ينتمي إلى مجتمع ذكوري يتيح له ممارسة سلطات قمعية ضد المرأة – برفع قضية عقوق على الابنة؛ الأمر الذي أدى إلى اعتقالها، مع التجاهل لأفعال شقيقها، فتحول المجني عليه لجاني.

هذه القضية تفتح الحديث مجددًا حول مدى شرعية ومشروعية ولاية الرجل على المرأة، خاصة في دولة كثيرًا ما توصف بكونها الممثلة للإسلام، وعليه سنناقش تلك القضية من خلال التعرض لنقطة الولاية في الإسلام وواقع القوانين السعودية.


مملكة الرجال والمرأة المظلومة

واقع الأمر داخل المملكة العربية السعودية هناك العديد من القيود التي تحد من حرية المرأة، وتزيد من تسلط الذكور، فلا يحق للمرأة فعل أي شيء دون موافقة ولي الأمر، وعلى سبيل المثال لا يحق للمرأة استخراج جواز سفر دون ولي الأمر، ولا السفر للخارج أو العمل بالداخل وهذا وفقا للقانون، ووفقا للقانون أيضا يأتي برنامج المنح الدراسية للمرأة للتعلم في الخارج ليزيد من تسلط الرجال، فالمرأة التي تتقدم لأي منحة لابد لها وأن تحصل على موافقة ولي الأمر إلى جانب اشتراط وجود محرم للسفر معها مكان الدراسة وتتحمل الدولة تكاليف دراسته، ناهيك عن قضية قيادة المرأة للسيارة وفتاوى «ابن باز».

هذا النظام بصفة عامة، وقد اتخذت السعودية بعض الإجراءات للحد من التسلط ولكنها إجراءات غير منطقية وغير فعالة، فمن ناحية التصاريح بالسفر بداية التطور بها كانت بإنشاء المملكة موقع «ابشر» والذي من شأنها إعطاء ولي الأمر تصريح مفتوح للسفر مع وجود رسالة إلكترونية دائمة لولي الأمر تفيد توقيتات وأماكن خروج المرأة من المملكة ودخولها إليها ولكن هذا النظام ألغي في العام 2014م مع استمرار شرط موافقة ولي الأمر، من ناحية التنقل في الداخل فإن كان القانون لا يشترط موافقة ولي الأمر على ذلك، إلا أن تسلط نظام القضاء -القائم على الذكور فقط- يضفي على الأمر الصبغة الرسمية، حيث ذكرت العديد من التقارير الدولية حالات تفيد أمر القضاة للنساء بالالتزام بالحصول على موافقة من زوجها قبل الخروج من المنزل عملا بفتوى «المرأة لا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها» الصادرة عن الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء.

إلى جانب ذلك يأتي شرط حصول المرأة المسجونة على موافقه من ولي أمرها للخروج من السجن كشكل آخر من أشكال التسلط داخل مملكة الراجل، فيشترط القانون توقيع ولي الأمر على تصريح لخروج المسئولة منه من السجن حتى وإن كان هو السبب في سجنها وإلا تذهب المرأة إلى ملجأ أو تظل مسجونة، فلك أن تتخيل حال رفع دعوى قضائية كدعوى العقوق المرفوعة من قبل والد مريم فإن من يستطيع إخراجها مرة أخرى هو السبب في سجنها.

رجال الشرطة أيضا في المملكة تسيطر عليهم الذكورية فيفضلون بداية المصالحة على إجراءات الحماية حال وجود دعوى قضائية من امرأة حال تعرضها للعنف، الأمر الذي يدفع العديد من النساء إلى الوقف عن تقديم شكاوى عنف أسري، ويرتبط هذا التصرف أيضا بمواد قانونية مثل المادة 10 من قانون 52 م للعام 2013م والتي تنص على «يجب إعطاء الأولوية للإجراءات الإرشادية والوقائية في التعامل مع الحالة، ما لم يقتض الحال خلاف ذلك».


هل يؤسس الإسلام لمملكة الرجال؟

واقع الأمر داخل المملكة العربية السعودية هناك العديد من القيود التي تحد من حرية المرأة، وتزيد من تسلط الذكور، فلا يحق للمرأة فعل أي شيء دون موافقة ولي الأمر.

كما يستخدم العقل الإرهابي المتطرف الإسلام كغطاء لكافة أفعاله، تأتي كل القوانين والانتهاكات هنا تأتي باسم الإسلام، ولكن هل حقا يؤسس الإسلام ويشرع لمملكة الرجال؟ الإجابة على هذا السؤال تدفعنا إلى تناول الموضوع من زاوية أكبر وأكثر شمولا وهي الحديث عن مدى مواكبة الإسلام لما يحدث من تطورات في الواقع المعاصر.

فبنظرة سريعة عابرة ووفقا للعقلية الوهابية يمكن القول بصحة تلك الافتراضية وأن الإسلام يؤسس بشكل أو بأخر لـ «مملكة الرجال» ولك في ذلك العديد من الآيات والأحاديث والفتاوى وخيرها والأكثر تداولا على لسان الرجال المتسلطون قوله تعالى «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ»، والحديث النبوي «لا يحل لامرأة مسلمة، تسافر مسيرة ليلة، إلا ومعها رجل ذو حرمة منها» إلخ.

وبعيدا عن الرأي المتشدد الذي يتخذه العديد من الرجال حيال تلك المسائل، تأتي آراء النساء على المواقع الإسلامية في تفسيرها لنقطة قوامة الرجل على المرأة مشابهة إلى حد كبير مع النظرة الذكورية ومرتضيه بذلك ضاربة في العموم مثال بكون الزوج كالرئيس في العمل فكيف نطيع الرئيس ولا نطيع الزوج! ومن ناحية أخرى يأتي المناهضون لتلك الأفكار للقول بأن الإسلام هو المقيد الفعلي لحقوق المرأة ولابد وأن تتحرر المرأة وأن النصوص كانت في زمان ومكان غير ما نعيش فيه بأوقاتنا تلك، وكلاهما رأيه به صواب ومرتكز على نص وأدلة.

نقطة وضع المرأة ومدى سلطة الرجل عليها، هي أحد الخلافات الدائرة في الوسط الإسلامي والمختلف عليها إلى يومنا هذا

واقع الأمر أن نقطة وضع المرأة ومدى سلطة الرجل عليها، هي أحد الخلافات الدائرة في الوسط الإسلامي والمختلف عليها إلى يومنا هذا، ودائما ما تأخذ آراء بعضها مؤيد وبعضها معارض وما بين تلك الآراء التي مازالت وستستمر تناقش في الفقه المعاصر، يظل السؤال الدائم وماذا بعد؟ أي الفريقين على صواب؟ وأي منهم يتبع؟

بمجرد ما يتحدثون عن الإسلام يتحدثون عن دين ودنيا، يتحدثون عن مسئولية فردية لا خطيئة لأدم يتحمله الفرد كما في المسيحية لا حاجة للخلاص في الإسلام، يتحدثون عن مفهوم مغاير لمفهوم الدين في الفكر الغربي، حيث أن الإسلام ليس علاقة فرد بربه فقط، بل سلوكيات وأخلاقيات وقواعد دنيوية، شرعت في الكتاب المرسل من الله سبحانه وتعالي، تتحدث فيها عن فقيه مفسر ومبين لا مكمل، دور رجل الدين في الإسلام التفسير وعليه يقوم الفقيه الإسلامي برد ما يطرأ في الواقع إلى الوحي والقياس عليه، وعليه جاءت الإشكالية التي نعاني منها إلى الآن هي محدودية وعدم محدودية الأحكام في القرآن الكريم فالبعض رأى أن هناك معضلة نتجت من جراء كون آيات الأحكام في القران محدودة في الوقت الذي يواجه واقع متغير، الأمر الذي نتج عنه توسيع دائرة النص لتشمل الأحاديث بجوار النص القرآني ونذكر هنا قول الأوزاعي «السنة قاضية على الكتاب ولم يجئ الكتاب قاضيا على السنة» ويقصد بذلك أن السنة وظيفتها تفسير ما أجمل في القرآن أو تقيد ما أطلق فيه.

بوضع الحديث «السنة» جزء من الوحي ومصدرا للتشريع نشأت معضلة أخرى جراء اتساع المصدر تتمثل في توظيف الحديث ووضعه، فلم يعد الحديث مصدرا فقط للتشريع بل أصبح وسيلة للتخديم على مصالح واضعي الأحاديث «الموضوعة» وعليه تظهر مشكلة أخرى تتعلق بـ باب الاجتهاد في الإسلام، تظهر تلك المشكلة في النبرة المتعالية في إغلاق باب الاجتهاد أو الإبقاء عليه، في الاحتمال عليه نكون مقرين بأن الإسلام فشل في مواكبة تطورات وتغيرات الواقع، والبقاء عليه على معضلاته الحالية نكون أمام حالة من الظلم البين للإسلام.

ملاءمة الإسلام بنصوصه لجميع العصور تقترن بالبحث في داخل النص ذاته بعقلانية دون الأخذ مباشرة بالمعنى الظاهر وهذا ما دفع للاختلاف حول عدد آيات الأحكام في القران فمنهم من رأى أنها محدودة ومنهم من رأى ما أنها غير محدودة واستند الفريق الثاني في ذلك إلى إحكام العقل والاستنباط ومن ثم فإنه لابد من إعمال العقل، ولكن هذا يجرنا إلى معضلة أخرى تتمثل في البدعة.

ثمة فتوى جديدة تخرج عن ما هو مسنود ومستقى من السلف الصالح «ظاهريا»، تضعنا في دائرة ما يسمى بالبدعة في الإسلام، بداية لفظ بدعة يعنى به لغة «إحداث شيء لم يكن موجود من قبل» والإسلام نهى عن البدع وحرمها وهذا ما جعل أبو بكر الصديق يقول «إنما أنا متبع ولست بمبتدع»، وإعمال العقل ووضع أحكام تتلاءم مع الواقع بما لا يتعارض مع النص -وإن كان غير مذكور فيه ظاهريا- يخرج عن إطار البدع، تلك البدع التي لولا إعمال العقل ما عرفنا أحكامها ما بين حكم التحليل وحكم التحريم وحكم الوقف، وعليه تظهر الأهمية في التأكيد على ضرورة إعمال العقل وإعطاءه المزيد من التحرر في البحث بمعنى النص الباطن لاستنباط الأحكام التي تحترم العقل وتتلاءم مع واقعه.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.