على هذه الصخرة سأبني كنيستي.

بعد شهرين من انتخاب «ترامب» كرئيس لأمريكا، كان اهتمام «الميديا» -سواء الإعلامية كمؤسسات أو أفراد بالسوشيال ميديا-، منصبًا على التنقيب حوله وحياته الخاصة وزيجاته وعياله الكثيرين.

واحدة من تلك الفرقعات هي ما قالته إحدى مُعدّات البرنامج الكوميدي الأمريكي الشهير «SNL» على حسابها على «تويتر» أن «ابن ترامب الأصغر سيكون أول طالب يقوم بـ«Mass Shooting» في مدرسة منزلية!» «بارون» -ابن ترامب الأصغر-، وكما هي عادة فاحشي الثراء لا يرتاد مدارس نظامية، بل يأتي إليه معلمون من مدرسة مرموقة في نيويورك يعلمونه بالمنزل، ويتم اختباره وفقًا لمنهاج محدد ليحصل على شهاداته وفقًا لتحصيله.

توفر مدفع رشاش في يد صبي لم يتجاوز الـ18 عامًا، لم يعد بالأمر المستنكر ولا المستحيل في أمريكا. الجميع هناك يمتلك سلاحًا ناريًا أو أكثر.

ورغم ما اعتقدته صاحبة التغريدة أنه سيكون مضحكًا كالـ«قفشات» التي تكتبها للبرنامج، هاجمها العديدون لما رأوا في ذلك من انتهاك لخصوصية طفل ليس ذنبه أنه يبدو متجهمًا طيلة الوقت، وأنه ابن أسمج مخلوق في العصر الحديث. أوقفت إدارة البرنامج عمل المُعدّة وقدموا اعتذارًا لـ«بارون» عما بدر من إساءة له.

حوادث الـ«Mass Shooting» معروفة ومنتشرة جدًا في أمريكا على وجه الخصوص، وفي المدارس كتحديد طوبولوجي دقيق، ربما لأن الحراسة على مداخل الجامعات أكثر صرامة من تلك الموجودة في المدارس.

القصة في الحقيقة معقدة من نواحٍ عدة. مثلًا حادث «فلوريدا» الأخير الذي راح ضحيته 17 شخصًا معظمهم من المعلمين الذين حاولوا التصدي للطالب المضطرب نفسيًا (وهذا التشخيص المفترض لأنه أبيض وليس مسلمًا)، الذي بدأ بإطلاق النيران من مدفع رشاش، ولمدة أقل من 5 دقائق، يُقال إن الـ«FBI» كان لديها استقراءات حوله قبل حدوثه! لكن لم يمنعوه، أو قُل لم يتأكدوا من مصادرهم، أو هكذا قيل.

ومهما كانت الأسباب، فتوفر مدفع رشاش في يد صبي لم يتجاوز الـ18 عامًا لم يعد بالأمر المستنكر ولا المستحيل في أمريكا. الجميع هناك يمتلك سلاحًا ناريًا أو أكثر ومن أجود الأنواع (أمريكا تأتي رقم 1 كمُصنع للأسلحة ومستورد ومُصدّر لها،بالإضافة إلى ما يدخلها ويخرج منها مُهربًا عبر الحدود من الأسلحة الممنوعة دوليًا) سواء كانت أسلحة مرخصة أم لا، للحماية أو للفتك بالآخرين.

الجميع على مسافة واحدة من الضغط على الزناد، جانٍ أو مجني عليه! وخاصة الولايات الجنوبية التي تتميز بمساحات شاسعة غير مأهولة بالسكان وبها مزارع شاسعة، ويمتلك أراضيها أباطرة النفط والزراعة والماشية والسياحة بالولايات والمدن الساحلية كفلوريدا.

هذا ليس الحادث الأول خلال عام 2018، و الأرقام غريبة ومفزعة، والحديث عن منع بيع الأسلحة في أمريكا قد يأتي بعد مليون سنة بكل بساطة و يُسر، أو بعدما يلج الجمل في سَمِ الخِيِاط! الاعتبارات والمصالح والأموال التي تضخ من تلك التجارة أقوى بمسافات كونية شاسعة عن 100 أو 200 أو حتى 1000 ضحية سنويًا، أو شهريًا، أو حتى يوميًا.

صار الجميع في الولايات المتحدة على مسافة واحدة من الضغط على الزناد، جانٍ أو مجني عليه!

في سلسلة الأفلام المعروفة «التطهير – Purge»، يميل النص الروائي إلى نُصرة الخير بالنهاية. نُصرة الطرف المضطر إلى سفك الكثير من الدماء ليوطن مبدءًا فلسفيًا معروفًا «It was either me or you»، فأصبحت المحافظة على سلامة الفرد الخَيّر تتطلب التمرغ في نفس الوحل الذي تمرغ به الآخرون، الذين تناسوا آدميتهم وتعاملهم الإنساني فانطلقوا وخلال ليلة واحدة فقط في قتل كل من لا يرغبون فيه ولا يحبونه، كجار يكرهونه، زوج ناقمة عليه، صديق خائن، أو حتى راعي البقالة السارق، وكله بموافقة القانون!

تلك الأفلام أنموذج جيد ومثالي في وصف الغابة الحقيقية المسماة بـ«المجتمع الأمريكي» إذا ما نزعنا عنه كل ظروف الحداثة و«حبشتكنات» التقدم. عنصريون متأهبون للضغط على الزناد، وكان مجيء «ترامب» هو المُــــــقيّح الرسمي لذلك الصديد القديم.

في الفيلم المصري الشهير «الناظر»، كان «صلاح» الذي قام بدوره الراحل «علاء ولي الدين» عاجزًا عن التصدي للطالب البلطجي الذي اعتاد ضرب الطلبة وهو يصرخ: ـ«محدش هيتعلم هنا»، ولم يكن هناك أية حلول إلا واحدًا بدا سرياليًا ومضحكًا في سياق الفيلم، ليتعلم «صلاح» الكاراتيه و«الشبحنة» ويواجه البلطجي.

وهو بالضبط ما اقترحه في لقاء تليفزيوني منذ يومين أحد السيناتورات الجمهوريين – المتصدين بقوة لأي قانون يُحد من تجارة وبيع السلاح- كحل للتصدي لأي بلطجي يُشهر سلاحًا في المدارس والمستشفيات والمرافق العامة. المزيد من العنف إذن، ولنطهر الغابة!

إن سفاحًا قتل أو سفك أو اغتصب أو شرد المئات من أجل الحصول على قطعة أرض مغتصبة بالأساس، يستطيع بعدها بناء كنيسته للرب عليها!

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.