هذه الأيام، يعيش جمهور أرسنال أجواءً من الرضا والسعادة. رحل «فينجر»، وأتى «إيمري»، وحقق الفريق اللندني الفوز في آخر تسعة لقاءات هذا الموسم، سبعة انتصارات منها بالبريمرليج دفعته للمركز الرابع وبفارق نقطتين فقط عن متصدر الترتيب.

عاد الحماس من جديد لملعب الإمارات؛ في المدرج تبدو الجماهير واثقة في إمكانيات لاعبيها، وعلى المستطيل الأخضر يبدو هؤلاء اللاعبون أكثر رغبة في تقديم موسم جيد بعد الإخفاق المهول مع فينجر خلال الموسمين الماضيين.

رغبة اللاعبين والجدية في الملعب لم تلفت فقط أنظار جمهور الجانرز، بل علّق عليها المحللون واللاعبون السابقون، من بينهم كان أسطورة أرسنال «إيان رايت» الذي عبّر عن سعادته بحالة الفريق.

لكن رايت اختص في تصريحه الذي نشره موقع التلجراف لاعبًا معينًا بالمديح حتى وصفه بالبطل، لم يكن ذلك اللاعب سوى «ماثيو جندوزي». الملفت أن إيان لم يكن الأول الذي استفزته إمكانيات ماثيو، بل سبقه قائد منتخب الأسود السابق «مارتن كيون» عندما تحدث عن شجاعة ونضج لاعب أرسنال الجديد، بالإضافة إلى المدرب إيمري الذي اعترف أن أداء جندوزي فاق حتى توقعاته. كل تلك الإشادات التي نالها صاحب الـ 19 عامًا واكبت فوزه بجائزة لاعب شهر أغسطس في أرسنال.

هذا الزخم الذي أحدثه اسم ماثيو جندوزي في مدة زمنية قصيرة جدًا، خصوصًا بعد اكتشاف أصوله العربية، دفعنا للتساؤل: من هو ماثيو؟ وما هي أبرز مميزاته التي أضافت حيوية لوسط ملعب المدفعجية؟ وأي منتخب سيختار تمثيله على المستوى الدولي؟


15 سنة و400 كيلومتر

ولِد ماثيو عام 1999 في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية لأب يحمل الجنسية المغربية. وبدأ مشواره مع كرة القدم عام 2005 في أكاديمية باريس سان جيرمان، وظل يتدرج بالفئات العمرية حتى أتم عامه الخامس عشر في 2014. حينها طلب جندوزي الرحيل بعد أن تأخر انضمامه رسميًا من الأكاديمية لناشئي النادي، ليوافق المسئولون في باريس على رحيله قبل أن يحاولوا بعد أربع سنوات فقط استعادته مجددًا دون جدوى!

كان الصغير مصممًا على إثبات ذاته، لذلك لم يجد أي عائق في أن يترك أسرته ومحل إقامته، ويقطع مسافة تزيد عن 400 كم نحو الساحل باحثًا عن فرصة جديدة حيث فتحت له أكاديمية نادي لوريان أبوابها.


سابق سنه

منذ أن ظهر «سيسك فابريجاس» للمرة الأولى بقميص أرسنال، ولا يوجد سوى لاعبين فقط تحت العشرين عام تمكنا من حجز مقعد أساسي بتشكيل الفريق اللندني بالمباريات الأربعة الأولى من البريمرليج، أحدهما هو ماثيو جندوزي.

الأمر ليس بسيطًا على الإطلاق، فإيمري لم يشرك ماثيو أساسيًا وحسب، بل أشركه دون أن تكون له خبرة مع دوريات الدرجة الأولى، وفي مواجهة من؟ في مواجهة مان سيتي وتشيلسي؛ أي أمام نجولو كانتي، وجورجينيو من جهة، وفيرناندينيو، وجندوجان من جهة أخرى.

هذا التحدي الذي لا يحسد عليه ماثيو يؤكد أمرًا واحدًا فقط؛ وهو أن إيمري يثق في شخصية لاعبه الصغير وقدرته على التعامل مع المباريات الصعبة. والحقيقة أن شخصية جندوزي كانت دومًا محط اهتمام الكشافين والمدربين في فئات الناشئين.

إذ يحكي «لوك فيري» رئيس نادي لوريان كم كان معجبًا بثقة ماثيو وبشخصيته القيادية، وهو الأمر الذي جعل مدربي الأكاديمية يعتمدون عليه في قيادة زملائه داخل الملعب والتحكم في أسلوب اللعب. فكلما تم تصعيده لفئة عمرية أكبر برزت إمكانية الصغير بين أقرانه ونجح في فرض شخصيته، لذلك قام النادي لأول مرة في تاريخه بانتداب لاعب من الأكاديمية ليلعب مباشرة في الفريق الأول تحت ولاية المدرب «سلفيان ريبول».

تصريح سلفيان ريبول.

انضم ماثيو لفريق لوريان قبل بدء موسم 2016/2017، و يتذكره مدربه ريبول بثلاثة أمور؛ أولًا هو الهوس بكرة القدم حيث لا يكف جندوزي أبدًا عن اللعب والتدريب، وثانيًا التأكيد على شخصيته الكبيرة التي تمثلت في ميوله نحو القرارات الصعبة المؤثرة وتوجيهه لزملائه وهو لا يزال ابن السابعة عشر، وثالثًا هو طباعه العنيدة.

وقد ظهرت تلك الطباع مرتين؛ الأولى مع المدرب «بيرنارد كاسوني» الذي خلف ريبول في نفس الموسم عندما قام باستبدال جندوزي بسبب تدخلاته المتهورة وخوفًا من حصوله على الطرد، فما كان من ماثيو سوى أن خرج غاضبًا ورفض أن يمد يده لتحية مدربه. والثانية في الموسم التالي عندما تكرر الأمر ذاته لكن مع مدرب مختلف هو «ميكائيل لاندرو» لينال هذه المرة جندوزي عقابًا أغلظ.

لكن ريبول يعود لتذكيرنا بقلة خبرة الصغير، وبالتالي يسهل تقويم سلوكياته في المستقبل، فكل ما يحتاجه ماثيو هو أن ينال الثقة من المدرب ويتم إلقاؤه إلى التحديات، ولذلك فعندما وجد تلك الثقة والإيمان بقدراته من مدربي منتخبات فرنسا للناشئين والشباب لم يسبب أي مشكلات.

بعد أن ظهر ماثيو خلال ثماني مباريات مع لوريان بموسمه الأول، وخلال ثماني عشرة مباراة بموسمه الثاني، قرر الرحيل ورفض التجديد. تقول صحيفة الاندبندنت إن أندية بورسيا دورتموند، باريس، توتنهام، بالإضافة إلى يوفنتوس كانت جميعًا مهتمة بالحصول على خدمات جندوزي، لكن الأرسنال حسم الصفقة في النهاية بسبب رغبة ماثيو في الانضمام للنادي الذي يشجعه منذ طفولته، بالإضافة إلى جهود الثنائي الرائع «سفين ميسلنتات» و«راؤول سانهيلي» المسئولين عن متابعة اللاعبين والتعاقد مع الأندية.


على المستطيل الأخضر

كثيرًا ما ضربت الإصابات صفوف أرسنال، حتى بات جمهوره يسخر ويقول إن النادي تحول إلى مستشفى. وقد كان لخط الوسط النصيب الأكبر من ضرر تلك الإصابات، يكفي أنك لا تستطيع تحديد من هو قوام الخط الأساسي والاحتياطي للفريق اللندني خلال المواسم السابقة.

ما زاد الطين بلة هو تذبذب مستويات أغلب لاعبيه، ولحل تلك المشكلة المعقدة تم الاستغناء عن جاك ويلشر واستبعاد محمد النني من الحسابات بالإضافة للتخلي عن فكرة التجديد لأرون رامسي، وفي المقابل تم التعاقد مع الثنائي ماثيو جندوزي ولوكاس توريرا لسد تلك الثغرة.

يلعب جندوزي في مركز صانع الألعاب المتأخر في رسم 4/2/3/1، ويمتلك كل ما قد يحتاجه اللاعب لتأدية ذلك الدور من دقة التمرير، والرؤية الجيدة للملعب، والقدرة على التصرف السريع والسليم بالكرة، بالإضافة إلى سرعة البديهة والتحكم برتم الهجمات.

يهبط ماثيو إلى وسط ملعب فريقه ليتمكن من استلام الكرة بأقل قدر ممكن من الضغوط، ثم يتحول سريعًا لوسط ملعب الخصم ليكشف أماكن تمركز زملائه ليبدأ حينها بالتوزيع لأفضل لاعب سواء بالعمق أو على الأطراف.

لا يسارع جندوزي بالتمرير لأقرب زميل من أجل التخلص من الكرة وحسب، ولكن على النقيض تمامًا هو يوزع فقط للاعب الذي يمتلك أفضل تمركز وقد ساعده في ذلك قدرته الكبيرة على إرسال تمريرات طولية أو صعبة لضرب خطوط الخصوم.

لا تنتهي مهمته عند تلك اللحظة، بل ينطلق بعد التمرير لتقديم المساندة لزملائه وفتح زوايا لتخفف الضغط. كان ماثيو يمتلك دقة تمرير 91% إبان فترته مع لوريان، وبالرغم من الفارق الشاسع في الأجواء التنافسية بين البريمرليج ودوري الدرجة الثانية الفرنسي، إلا أنه حافظ تقريبًا على تلك النسبة محققًا مع أرسنال 90.4%.

على مستوى الأدوار الدفاعية، يجيد جندوزي استخلاص الكرة وعرقلة تقدم الخصوم. إذ يشير الموقع الجماهيري paininthearsenal أن ماثيو نجح خلال مباراتي السيتي وتشيلسي في استخلاص الكرة 16 مرة بنجاح، وهو يعد رقمًا كبيرًا خصوصًا عند النظر لإمكانيات الخصوم. الملفت أيضًا أن ماثيو يضغط بقوة على حامل الكرة الذي يتحرك في محيطه، ولا يتوارى خلف زملائه أو يتكاسل عن الخروج من مناطقه.

لكن في المقابل يعيبه في بعض الأحيان سوء التمركز والتوقع الذي قد يتسبب في فتح ثغرة يتمكن خلالها الخصم من ضرب أرسنال، وهذا ما حدث تحديدًا في هدف رحيم ستيرلنج الأخير على ملعب الإمارات.

الخلاصة أن أرسنال يمتلك موهبة كبيرة يمكن الاعتماد عليها، فإلى جانب الطاقة والدوافع التي يمتلكها جندوزي وتجعله يلعب بروح وحماس، فهو لاعب صاحب إمكانيات مبهرة تؤهله لأن يكون أحد أفضل لاعبي وسط الملعب في المستقبل.

https://www.youtube.com/watch?v=aIZQt2BgLLM


بين المغرب وفرنسا

ماثيو يعشق كرة القدم، يأكل وهو يلعب، يشرب وهو يلعب، ينام ليصحو كي يلعب. لطالما شعر بالغيظ عند نهاية التدريبات، كان يود دومًا التدريب لساعة إضافية.

خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت كثير من الأسماء العربية في ملاعب فرنسا وبلجيكا وهولندا لأبناء مهاجرين عرب.

من نبيل فقير وفوزي غلام لحسام عوار ونبيل بن طالب؛ بدأ الجدل يثار حول وجهة هؤلاء اللاعبين الدولية، هل سيفضلون تمثيل منتخب البلد الأوروبي الذي نشأوا وتربوا فيه، أم البلد العربي الذي تعود إليه أصولهم؟

واليوم ينضم إلى تلك القائمة الطويلة اسم ماثيو جندوزي، صحيح أن اسمه لا يدل على أصوله العربية، لكن المؤكد أن والده مهاجر مغربي. والحقيقة أن ماثيو برز في منتخبات فرنسا تحت 18 و19 و20 عام، لكن لم يتم استدعاؤه بعد من المنتخب الفرنسي الأول، وهو ما يعني أن لديه فرصة لتمثيل منتخب آخر إن أراد.

وقد أكدت صحيفة الميرور و موقع ديلي كانون على رغبة مدرب منتخب المغرب «هيرفي رينارد» باستقطاب جندوزي لأسود أطلس.

رينارد، الذي يمتلك خبرة كبيرة بالتعامل مع اللاعبين الشبان، كان قد نجح العام الماضي بإقناع جناح نادي شالكة «أمين حارث» بالعدول عن قراره بتمثيل فرنسا و أصبح لاعبًا في صفوف المغرب. ولا بد أنه سيحاول إقناع ماثيو بأن فرصه في المشاركة مع أسود أطلس أكبر خصوصًا في ظل وجود وسط ملعب فرنسي يضم «بوجبا، كانتي، ماتويدي، توليسو»، وهو ما دفع لاعب وسط فالنسيا «جيوفري كوندوبيا» لاختيار تمثيل منتخب أفريقيا الوسطى بعد أن يئس من عدم استدعاء المدرب الفرنسي «ديديه ديشان» له.

في هذا الإطار، سعى المسئولون المغربيون للتواصل مع والده، وانتشرت أخبار عن دعوته لزيارة الرباط ومشاهدة إحدى مباريات المنتخب الوطني، لكن الوالد لا يريد التدخل في قرار ابنه.

بحسب الموقع المغربي «MoroccoWorldNews» فإن قرار ماثيو حتى كتابة تلك السطور هو تمثيل المنتخب الفرنسي، وانتظار أن يصله استدعاء في أقرب فرصة من ديشان، لكن كما ذكرنا فإن هذا القرار مُعرض للتغير إذا تأخر استدعاء منتخب الديوك.

والحق أن لكل لاعب انحيازاته وظروفه التي يبني عليها قراره، ومن الواجب احترام وتفهم تلك الظروف، خصوصًا في حالة المهاجرين من أبناء الجيل الأول أو الثاني الذين عاشوا ونشأوا في بيئة لا نعرفها نحن المحليين.