في مكتبه القابع بالدور العلوي من ملعب «سانتياجو برنابيو»، يجلس «فلورنتينو بيريز» في صمت وتأمل. تتزاحم عشرات السيناريوهات في عقله، فيما يحلق الضغط فوق رأسه للمرة الأولى منذ خمس سنوات.

يدرك صاحب ال ـ72 عامًا في أعماق نفسه أنه المسئول الأول عن كل ما جرى من فشل هذا الموسم، ويعزي نفسه بنجاحه في إقناع «زين الدين زيدان» بتحمل المسئولية ثانية برغم كل التنازلات التي سيقدمها بيريز. أول تلك التنازلات هو ملف إدارة التعاقدات، وهذا الملف كان من أسباب الخلاف التي أدت لرحيل زيزو في ولايته الأولى، وقد تمكن من انتزاعه من فلورنتينو قبل أن يبدأ الثانية كما أكدت صحيفة سبورت.

الميرنجي في حاجة للتدعيم في كل الصفوف تقريبًا، لكن أي مشجع للريال يعرف أن النادي سيستقدم اسمًا كبيرًا في الخط الهجومي هذا الصيف، خصوصًا بعد الفشل في تعويض «كرستيانو رونالدو»، سواء من داخل قائمة الفريق أو بإجراء تعديل تكتيكي. ولهذا فإن كل الصحف تتبارى بشكل يومي في نشر أخبار عن اللاعب الذي سيتعاقد معه الملكي.

هل يكون «هازارد»، أم أنه «مبابي»؟ أو ربما تصح الأنباء بشأن «ساديو ماني»؟ بصراحة نحن لا نعرف بشكل دقيق ما يدور داخل أروقة النادي الإسباني، لذلك لن نستطيع الإجابة على هذا السؤال، لكننا سنحاول الإجابة على سؤال آخر؛ ما هي أولوية الريال؟ ومن هو اللاعب الأكثر إفادة للفريق في ظروفه الحالية؟ وإجابة هذا السؤال ينبغي أن تقودنا لإجابة السؤال الأول، خصوصًا وأن بيريز لم يعد المتحكم.


خبطتان في الرأس

في البداية، ينبغي الإقرار بأن هناك مشكلة في خط هجوم ريال مدريد، هذا الفريق اعتمد على لاعب واحد كعامل حسم هجومي عبر سنوات طويلة، كما هندس أسلوب اللعب بحيث يكون في خدمته، وبالتالي عندما يرحل فلا تتوقع أن يؤدي مهمته من تضاؤل دوره أمام المرمى عبر تلك السنوات.

الحديث هنا عن «كريم بنزيما». دعك من أنه يحتل صدارة هدّافي الفريق برصيد 13 هدفًا فقط، دعك أيضًا من أنه يحتاج 173 دقيقة كاملة لتسجيل هدف واحد، فقط تأمل تلك الإحصائية القادمة. يمتلك كريم معدل تسديدات يتجاوز 2.7 تسديدة في المباراة الواحدة، وهذا رقم رائع، لكن في الوقت ذاته فإن نسبة الأهداف المتوقعة للفرنسي تصل بالكاد لـ 0.13 هدفًا لكل تسديدة، وهذا رقم مزرٍ لرأس حربة.

لا يختلف الأمر كثيرًا مع «جاريث بيل». لقد سجل 8 أهداف في 22 مباراة، لكن المثير للانتباه هو دقة تصويبات الجناح الويلزي، حيث تبلغ 51% فقط. هذه نسبة لا تكون أبدًا للاعب يحمل طموحات ناديه في حصد البطولات. هذا طبعًا دون التعرض لسجل جاريث الطويل مع الإصابات، والذي لا يسمح له بالمشاركة غالبًا في بطولة كاملة. تخيل أنه غاب لـ 30 يومًا كاملة منذ بدأت 2019 فقط.

الشاهد أن خط هجوم بتلك المواصفات لا يمكن أن ينافس بجدية على الليجا والتشامبيونزليج. الريال في حاجة للاعب ذي جودة أكبر أمام المرمى، لكن هل بذلك يتحمل كريم وجاريث المسئولية كاملة؟ الإجابة هي لا.

فعلى الجانب الآخر، هناك هبوط في نسبة الأهداف المتوقع تسجيلها خلال المباراة نسبة للموسم الماضي، وهذه يتحملها صناع لعب الفريق، خصوصًا عندما تنخفض النسبة من 1.9 هدفًا متوقعًا في المباراة لـ 1.3 فقط، وهذا أيضًا ليس مفاجئًا في ظل انخفاض مستوى «مودريتش» بسبب عاملي الإرهاق والسن، وغياب «ايسكو» أغلب الموسم.

المشكلة إذن في ريال مدريد مركبة، من ناحية الفريق يحتاج لمهاجم قوي وشرس، ومن ناحية أخرى يحتاج لرفع كفاءة صناعة الفرص، لكن الأولوية ينبغي أن تكون للمهاجم الهداف، ببساطة لأن الفريق فشل في تعويضه.

ريال مدريد, كرستيانو رونالدو, كريم بنزيما, ايدين هازارد, جاريث بيل, مودريتش, زين الدين زيدان, ريال مدريد
إحصائيات ريال مدريد خلال هذا الموسم (اللون الأزرق) مقارنة بالموسم الماضي (اللون الأحمر). أشرنا بالمقال للأهداف المتوقع تسجيلها xG/Game

مبابي: كامل الأوصاف

علمتنا السنوات الأخيرة أن إدارة باريس سان جيرمان لا تسمح للأندية الأخرى بالاقتراب من لاعبيها. هكذا عاقبت برشلونة عندما أبدى رغبة في ضم «فيراتي»، وعاقبوا «رابيو» لأنه أبدى رغبة في خوض تجربة جديدة. من الوارد أن يكون «ناصر الخليفي» قد اتخذ احتياطاته في حال فكر أحدهم في «كيليان مبابي».

مشكلة مبابي هي أنه كامل الأوصاف؛ فهو لاعب صغير جدًا، ويمكن أن يلعب بهذا المستوى لما يزيد عن عشر سنوات قادمة. كما أنه شامل، لعب كجناح ومهاجم ثانٍ ومؤخرًا رأس حربة. فعّال للغاية، يستلم الكرة ثم ينطلق مباشرة نحو المرمى، يمكنه أن يدخل سباق سرعة مع أي مدافع بالعالم. وأخيرًا جائع جدًا لتحقيق المجد.

كيليان من اللاعبين المعدودين الذين لا يمتلك أي نادٍ في العالم رفاهية أن يرفضهم. فكر في أي فريق بأي دوري، واسأل نفسك: هل لو انتقل مبابي لصفوفه غدًا سيحجز مركزًا أساسيًا؟ستكون الإجابة بنعم، إلا إذا كنت قد فكرت بريال مدريد وعندها الإجابة هي بكل تأكيد نعم.

السبب ليس لأنه هدّاف الدوري الفرنسي وبفارق عن أقرب ملاحقيه، ولكن لمدى فاعليته أمام المرمى. إذ يمتلك دقة تصويب جاوزت الـ70%، وهذا يعني أن أكثر من ثلثي تسديداته تهدد الخصوم، رقم مذهل. الأغرب هو نسبة الأهداف المتوقع لمبابي أن يسجلها وتبلغ 1.14 هدفًا بالمباراة، فيما هو يسجل 1.26 هدفًا؛ أي أنه يسجل أكثر من اللازم!

هذا يعني أنه مبتكر ويسجل من فرص صعبة، أو شرس ويستخلص كرات خطيرة من المدافعين، أو كليهما. في كل الحالات، فإن صاحب ال20 عامًا هو اللاعب الذي يحتاجه الملكي الآن أكثر من غيره، بمن فيهم هازارد وماني، وسيوفر عليهم التعاقد مع مهاجم لسنوات. العائق الوحيد سيكون رفض إدارة باريس، أو الرقم الخرافي الذي قد يطلبونه في أفضل حال.

مبابي, الدوري الفرنسي, فرنسا
خريطة تكشف تمركز كيليان مبابي خلال تسجيله الأهداف هذا الموسم، يسجل من كل مكان داخل منظقة الجزاء.

هازارد: نصف الحل

لم يكُف «إيدين هازارد» عبر السنوات الماضية عن مغازلة إدارة ريال مدريد؛ تارة يكشف عن رغبته في اللعب بإسبانيا، وتارة أخرى يؤكد أن الميرنجي هو حلم الطفولة، وتارة أخيرة يرفض التجديد لتشيلسي على أمل إغراء فلورنتينو ببدء المفاوضات لاستقدامه.

واليوم يبدو إيدين أقرب للريال أكثر من أي وقت مضى، لكن ثمة مشكلتان أساسيتان ينبغي الالتفات لهما؛ الأولى إجرائية تخص الإيقاف الذي تعرض له تشيلسي في سوق الانتقالات، وقد تدفع البلوز لمحاولة إقناعه بالبقاء. أما الثانية فهي فنية تتعلق بمركز وأدوار البلجيكي.

هازارد صانع ألعاب فذ، ويمتلك هذا الموسم معدل تمريرات مفتاحية Key-passes يصل لـ2.6 تمريرة/المباراة، وهي أرقام لاعب يمنح أفضلية كبيرة لفريقه في الثلث الهجومي. أرقام أعلى من معدلات مودريتش أو إيسكو أو فينيسيوس جونيور، لكن هل تكفي لحل مشكلة الفريق الهجومية؟

تخبرنا الخرائط الحرارية لهازارد عن حرية الحركة التي يتمتع بها بعرض الملعب. يتسلم الكرة ثم يبدأ بالتوغل دون قيود، يساعده في ذلك مراوغاته الناجحة وقدرته على جذب زملائه قريبًا منه. بعد ذلك يقوم بتوزيع التمريرات لصاحب أفضل تمركز من المهاجمين والأجنحة.

الخريطة الحرارية لهازارد خلال مباراة فريقه أمام نيوكاسل

إيدين ليس رأس حربة، بل إنه دومًا يحتاج لمهاجم جيد حتى يترجم جهوده لأهداف مؤثرة، ولهذا فإن أفضل فتراته كانت عندما زامل «دييجو كوستا» في هجوم تشيلسي، ومهاجم بسمات كوستا لا يتوفر حاليًا في الميرنجي، لذا فإن تحقيق أفضل فائدة من هازارد لا ينبغي الاعتماد عليه وحده لتحقيق مهمتين: صناعة الفرص، وتحويلها لأهداف. هو سيتكفل بالأولى، أما الثانية فيتكفل بها لاعب آخر كـ«ماورو إيكاردي» مثلًا.


ماني: بطل في الفوضى

ريال مدريد، تشيلسي، هازارد، زيدان.
ريال مدريد، تشيلسي، هازارد، زيدان.

سُئل «يورجن كلوب» ذات مرة عن أكبر خطأ ارتكبه في مسيرته المهنية؛ هل كان رفض بايرن ميونخ، أم ريال مدريد؟ لكن إجابته جاءت غير متوقعة، وهي: عدم التعاقد مع ساديو ماني مبكرًا. أسباب هذه الإجابة هي ما يتمتع به اللاعب السنغالي من قدرات فنية وبدنية تجعله مناسبًا للغاية لأسلوب لعب كلوب، بالإضافة لحجم التطور الذي أحرزه منذ انتقاله لليفربول حتى أصبح أحد أفضل الأجنحة الهجومية في العالم. لذا لا يمكن تصوّر كيف استقبل الألماني الأخبار التي نقلتها صحيفة الماركا عن رغبة زيدان في استقدام ماني.

في الواقع يعيش ساديو أفضل فترات مسيرته على الإطلاق هذا الموسم، إذ تحسنت دقة تصويباته أمام المرمى بحيث جاوزت الـ60%، وكانت السر خلف تصدره قائمة هدافي الفريق مناصفة مع «محمد صلاح»برصيد 17 هدفًا، وظهوره بشكل رائع أمام بايرن ميونخ بدور ال16، لكن يبدو أن المدرب الفرنسي معجب بأدائه منذ نهائي دوري الأبطال السابق.

يمتلك السنغالي كل سمات الجناح المتميز؛ قوي، سريع، رائع في الارتداد. كانت تعيبه فقط مشكلتان؛ الأولى هي دقة التسديدات، ويبدو أن الأمر تحسن كثيرًا الآن. والثانية هي احتفاظه بالكرة بشكل زائد عن اللازم وأنانيته في استغلال بعض الفرص. والحق أن أسلوب كلوب قد عزز من تلك المشكلة، إذ يقوم أساسًا على سيولة الحركة والانتشار بين لاعبي الخط الهجومي، وهو ما يترك مساحة غير قليلة من الارتجال لساديو خاصة بعد رحيل «فيليب كوتينيو».

وهذه المشكلة تقودنا للتساؤل عن الهدف من التعاقد مع ماني؛ هل يسعى زيدان لانتدابه بهدف زيادة الحصيلة التهديفية للفريق، أم للاستفادة من جهوده في خلق الفرص؟ الشيء الأكيد هو أن ساديو لا يمتلك قدرة كبيرة على صناعة الأهداف، وقد صنع هذا الموسم هدفين لا غير، أما في أفضل حالاته لم يصنع سوى 7 فقط، وحتى معدل تمريراته المفتاحية Key-passes لا يتجاوز 1.1 تمريرة/المباراة، وهذه النسبة لن تشكل فارقًا كبيرًا للميرنجي كما سيفعل هازارد مثلًا. إذن الاحتمال الأقرب هو الاستفادة من قدراته البدنية، وإمكانياته في التوغل نحو منطقة الجزاء وتسجيل الأهداف.

المسألة هنا أين سيلعب ماني؟ فقد ظهر خلال الأغلبية الكاسحة من مسيرته في مركز الجناح سواء الأيمن أو الأيسر، ولم يشارك أبدًا كمهاجم سوي في ثلاثة لقاءات فقط كما يؤكد موقع Whoscored، وهو ما يعني أنه لم يعتد اللعب كمهاجم يتمركز داخل منطقة ال18 ويستقبل تمريرات زملائه، بل اعتاد على الانطلاق بعفوية على امتداد خط الملعب وفي أنصاف المساحات، وهذا قد لا يلائم لاعبي وسط الريال كمودريتش وايسكو وهازارد إن قدم.

لذا التعاقد مع ماني سيكون مغامرة، وسيكون على زيدان إجراء تعديلات إما على دور وطريقة ساديو، أو على ديناميكية وشكل ريال مدريد عمومًا.. دعنا نرى.