عزيزي «أحمد السقا»،

قرأت رسالتك إلى الجماهير العريضة، والتي قمت بنشرها على حسابك بموقع التواصل الاجتماعي Facebook، وذلك بعدما أذاقك الجماهير – ومعك آخرين – الأمرين من مجرد «كلمات»، أو «شتائم»، أو «سُخرية»، أو سمها ما شِئت، على صفحاتهم، وذلك بعد انتشار صور كواليس فيلمكم الجديد «سري للغاية».

واسمح لي بالرد على رسالتك، حتى وإن لم أكُن من جمهورك العريض، فأعتقد أن رسالتك معني بها أكثر جمهورك الذي يحبك ويجري وراء أعمالك، وهو شيء لم أسعَ إليه، ليس لأن هناك شيئًا شخصيًا بيني وبينك، فلم يكُن هناك سابق معرفة للأسف، لكن – وللحقيقة – لستَ من نجومي المُفضلين.

لا يعني هذا التقليل منك أو من مجهودك أو من مكانتك التي وصلت إليها – وهو شيء تتحدث عنه إيرادات شباك التذاكر بعيدًا عن القيمة الفنية لما تُقدمه – وحتى إن كان موقفي العكس فلن يُعلي هذا من شأنك لا سمح الله، لكن يعني – وكما أشرت – احترامي لمجهودك، والأمر ببساطة أنك لست ذوقي المُفضل، أو كما يقول الإنجليز: You’re not my type. لكني في النهاية أُصنف من ضمن الجماهير، حتى وإن كنت أمارس فعل الكتابة أو «الصحافة»، لهذا من واجبي – كما أرى – أن أرد على رسالتك.

حتى أقول لك ما أود قوله، دعنا نعد بالذاكرة للوراء، تحديدًا لفترة ما بعد الحرب العالمية، وتحديدًا أكثر لألمانيا النازية، فقد كان للسينما الألمانية الفضل الكبير على جميع تيارات السينما في العالم، فحينما نذكُر السينما الألمانية لا بُد أن نذكُر عُنصري الإضاءة والتصوير – أي التكنيك – وهو شيء برع فيه الألمان بِشدة، وقاموا بتصديره بعدها للعالم كُله، كعادة أغلب التطورات التي حدثت في صناعة السينما.

في فترة ما بعد الحرب العالمية حاولت ألمانيا استغلال السينما وصُناعها، وذلك بتسجيل أعمالها التي كانت تراها عظيمة، وذلك في سبيل الدعاية، ولتبييض وجهها، وكان لمؤسسة «نوفا» دور كبير في ذلك، رغم أنه كان لنفس المؤسسة دور في ظهور صناعة «السينما الألمانية» حتى في فترة ما قبل الحرب، وقد قامت مؤسسة «نوفا» – في فترة ما بعد الحرب – بإنتاج عدد من الأفلام، منها فيلم «حب فرعون» لـ«أرنست لوبتش»، والذي كان ينتمي لتيار «الواقعية التاريخية»، وهي أفلام مَعنية بأن تحكي التاريخ على مزاجها الشخصي، وهو شيء أثار الكثير من الانتقادات في حينها.

لكن حينما تذكر تاريخ وعظمة السينما الألمانية في تلك الفترة، فستجد أن التاريخ ومُعظم الكتب والمراجع تعنى أكثر بأفلام مثل «مقصورة دكتور كاليجوري» لـ«روبرت فينيه»، وهو الذي يُعتبر بداية تيار «التعبيرية الألمانية»، أو فيلم «نوسفيراتو» لـ«مورناو» عام 1922 ، والذي يُعتبر أول فيلم رعب في تاريخ السينما، أو حتى فيلم «متروبوليس» لـ«فريد سلانك» عام 1924، وهو أول فيلم خيال علمي في تاريخ السينما.

وحتى بعد الحرب العالمية وتوقيع عقوبات اقتصادية على ألمانيا، وهجرة الكثير من المخرجين الألمان إلى هوليوود، فقد ظهرت مُجددًا أفلام تنتمي لتيار «الواقعية التاريخية»، التي سبق أن أشرنا إلى أنها تحكي التاريخ على مزاجها، وكانت هناك أفلام دعائية لألمانيا بشكلٍ جديد، لكنك أيضًا ستجد أن التاريخ والكتب والمراجع تعنى أكثر بمخرج مثل «بابست»، الذي ثار على تيار «الواقعية التاريخية» باتخاذه تيار «الواقعية الاجتماعية»، وقام بعمل أفلام تُعبر عن مآسي الناس الحقيقية في فترة ما بعد الحرب، بل إنه اتخذ من كلمة «الشارع» عناوين لأفلامه، مثل «مأساة شارع» أو «الأسفلت»، وكان مُتأثرًا بمخرج كبير آخر – روسي هذه المرة – وهو «سيرجي إيزنشتين» في المونتاج، بل إنه قام بتجارب في التصوير مثل «تصوير الأمورس» أو Over Shoulder ، وهو شيء أظن أن الصُناع الذين عملت معهم يا أستاذ أحمد قد استخدموه كثيرًا في أعمالك.

إذن التاريخ – وليست الكُتب والمراجع وحدها – تنتصر لمن ينتصر للجمهور وللشارع، أو لمن ينتصر للصناعة التي ينتمي إليها، وأقول قولي هذا لك، ولجميع من يقف وراء فيلم «سري للغاية»، سواء ممثلين أو منتجين أو غيره؛ التاريخ فقط هو من سيحكم على العمل، وليست الدعاية، أو محاولة تلميع أو تبييض الوجوه أو غيره.

في انتظار فيلم «سري للغاية» لمشاهدته ولتحليله – كعادة أي فيلمٍ آخر – وإن كان التاريخ أظنه قد حكم في المسألة من قبل حتى عرض الفيلم.

تحياتي ومودتي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.