من الصعب أن تجد كلمات تصف أي شيء نسمعه عن برشلونة تلك الأيام سوى كلمات مثل: «تراجع، اضمحلال، هبوط، تخاذل»، وهو ما يسري بالتبعية على ما حدث بين ميسي وأبيدال. كانت ادعاءات أبيدال عن لاعبي برشلونة أنهم لم يكونوا سعداء رفقة فالفيردي؛ لذلك لم يعملوا معه بالقدر الكافي – واضحة وصريحة.

هناك أصابع اتهام تشار هنا بشكل جلي إلى لاعبي البلوجرانا مفادها أن اللاعبين كانوا هم السبب الرئيسي في المقام الأول لرحيل إرنستو فالفيردي عن الفريق، بجانب أنها كانت ترمي إلى ما هو أبعد من ذلك، كما لو أن اللاعبين أنفسهم لم يقوموا بما هو مطلوب منهم بحق القميص الذي يلعبون له.

طريق اللاعودة

صراحة، أنا لا أحب أن أقوم بتلك الأشياء لكن أنا أعتقد أن على الجميع أن يكونوا مسئولين عن أفعالهم وأن يتعاملوا مع عواقب قراراتهم الخاصة. كنا أول من نعترف عندما لم نكن جيدين، يجب على الناس في الإدارة الرياضة أن يتحملوا مسئوليتهم، وفوق كل ذلك أن يتحملوا نتائج قراراتهم التي يصنعونها
ليونيل ميسي ردًّا على أبيدال عبر إنستجرام

تصريحات أبيدال على الرغم من أنها كانت تتحدث بصيغة الجمع عن اللاعبين، فإنه كان بها ما جعل الليو يرد بذلك الرد الحانق في وجه رفيقه السابق. دعك من ميسي الآن، أنت لأول وهلة ستقرأ بها كلمات أبيدال ستشعر كما لو أن الرجل هبط فجأة على كوكب الأرض لحظة إقالة فالفيردي، ولم يكن معنا في فترة ثلاثة أعوام كان فيها برشلونة يقدم إفلاسًا كرويًّا أكثر من أي شيء آخر.

فترة لم نرَ فيها لاعبًا واحدًا لامعًا بنفس القدر الذي توهج به ميسي. فترة حمل فيها البرغوث الفريق على أعناقه كما لو كانت برشلونة هي ليونيل ولا شيء آخر، وعلى الرغم من ذلك لم نسمع اتهامًا واحدًا من الإدارة عن تقصير اللاعبين وكل تلك الأمور، لماذا؟ لأن ميسي لدينا فلا خوف علينا.

اكتسح الفريق في تلك الفترة كل لقب محلي ممكن، والسبب وراء ذلك ليست مدى جودة إدارة فالفيردي للملعب، وليست مبلغ المليار يورو الذي تم إنفاقه من الإدارة منذ لحظة رحيل نيمار وتولي الرجل المسئولية. كان السبب الوحيد لكل ذلك أن ميسي استطاع فعل ذلك، ميسي هو الفريق.

لذلك عندما يأتي في لحظة مثل تلك التي ألقى فيها أبيدال كلماته عن تخاذل اللاعبين وما إلى ذلك، أحس ميسي لأول مرة أن أصابع الاتهام وجهت نحوه. وعلى عكس كل الأوقات، فإن تلك المرة موجهة له من الداخل.

ميسي هو اللاعبون، وهو الذي حرك كل شيء في تلك الفترة. لذلك عندما تأتي بعد ثلاثة أعوام من تلك الحالة وتقول إن اللاعبين كانوا المشكلة، فذلك معناه إما أنك لم تكن متابعًا جيدًا بالفعل طوال كل تلك المدة، وإما أنك ببساطة تحيد نظر الجمهور عن شيء ما لا تريدهم أن يروه.

فشل وراء فشل

نستشف بسهولة من تصريحات ليونيل التي صنعت ضجة كبيرة، أن الرجل سئم -تمامًا مثل جماهير برشلونة- عدم دراية إداريي النادي بما يفعلونه. مليار يورو تم إنفاقها في الهواء، ثم مسلسل لا ينتهي عن عودة البرازيلي المنتظرة كل موسم انتقالات تقريبًا، ثم درب من الصفقات التي اختبأ وراءها سيل من عمليات غسل الأموال.

خط من العبث امتد على استقامته ووصل بنا إلى قضية ميسي وأبيدال تلك، ليضعنا أمام تساؤل جديد: «لماذا ذلك الوقت تحديدًا الذي قرر فيه أبيدال أن يخبرنا بتلك الكلمات؟».

في الحقيقة إجابة ذلك السؤال صعبة للغاية، نحن بالطبع لا ندري ما هو في نية الرجل، لكن هل نحن أمام محاولة تملص من المسئولية؟ لم لا وأبيدال أثبت فشلًا لا يضاهيه فشل في سوق الانتقالات الشتوية الماضي، والذي كلف فيه الفريق رحيل أبيل رويز وكارليس بيريز وألينيا عن النادي في سبيل التوقيع مع مهاجم لتعويض غياب سواريز، والنتيجة كانت إضعاف قوام الفريق، وعدم التوقيع مع الرجل المنشود.

ونعم هي النتائج التي جعلت الفريق يدخل مباراة أتليتك بلباو في الكأس بقائمة مكونة من 16 لاعبًا فقط، منهم أومتيتي الذي لحق بالفريق وحده بسبب وجوده صباح يوم المباراة بالمحكمة على خلفية قضية الأضرار التي لحقت بمنزله.

أي أن النتائج كانت لها امتدادات كلفت الفريق خسارة بطولة الكأس أيضًا وصعبت مأمورية كل من دوري الأبطال والليجا كون أن الشق الهجومي يعول بالكامل على أنطونيو جريزمان والناشئ أنسو فاتي ومعهما بالطبع ليونيل ميسي وهو يعيش واحدة من أقل مستوياته.

لذلك يبدو أن أبيدال يحاول أن يحافظ على ماء وجهه وإبعاد الأنظار عنه بعد تلك الكوارث التي قدمها في موسم انتقالات واحد، ولم يجد طريقة أنسب من تلك للقيام بها.

يرى جوناثان ويلسون أن تأثير ميسي السلبي على برشلونة حدث بسبب براعة الرجل غير المعقولة. براعة وقفت حاجزًا بين مشاركة ديبالا مع المنتخب الأرجنتيني مثلًا طالما ميسي في الملعب، لأن وجود لاعب بتلك الإمكانيات التي يمتلكها ميسي على أرض الملعب يرفع من إغراءات تمرير الكرة له من زملائه.

لماذا تلك المرة؟

وهو الأمر الذي يوقف بالتبعية أي هامش للابتكار من المدرب واللاعبين. وقتما يتأزم عليك الموقف، فقط مرر الكرة لميسي، هذا ما كان يحدث طوال الوقت أثناء تواجد فالفيردي مع الفريق، وما كان وما زال يحدث داخل المنتخب الأرجنتيني.

وما بالغ في المشكلة أنه إذا قرر النادي مثلًا التخلص من ميسي والاعتماد على باقي اللاعبين وإمكانيات مدربهم الفنية، بعيدًا عن أنه سيعرض الأشخاص الموجودين في الإدارة إلى عواقب وخيمة قد تكلفهم خسارة مقاعدهم، إلا أنه سيورط النادي في رجال لا يستطيعون ترك أي بصمات من أي نوع مع الفريق.

وفوق كل ذلك، من الصعب تخيل أن آخر مرة حصل فيها ليونيل على دوري الأبطال كانت قبل خمس سنوات من الآن، وآخر عامين منها خرج بسيناريوهات من الصعب التفكير في مدى قسوتها أمام كل من روما وليفربول، كل ذلك بالتزامن مع فترة كان ميسي فيها يعيش أعظم فتراته على الإطلاق.

أضف إلى كل ذلك أن مردود الرجل نفسه بدأ في الانحدار ولو قليلًا عن المعتاد مؤخرًا، عجلة الزمن التي لا تتوقف عن الدوران ربما بدأت تقوم بمفعولها معه، أي أن ميسي بدأ يشعر كما لو أن هناك بعض السنوات من عمره سرقت واحدة تلو الأخرى دون جدوى، سرقت دون أن يتم بناء الفريق الكتالوني القادر على الاستفادة مما يمتلكه البرغوث بشكل صحيح، وسرقت دون أن يحصل مع المنتخب على لقبه الدولي الأول.

لذلك عندما يخرج أبيدال ويقول إن اللاعبين لم يقدموا كل ما باستطاعتهم مع فالفيردي، في الوقت الذي كان ميسي ينقذ الفريق من سقوط أسوأ من الذي وصل إليه، هو شيء مؤلم، ليس في حق باقي اللاعبين بالطبع، بل في حق رجل بذل كل ما في وسعه لنادٍ اكتشفنا بعد كل تلك الأعوام أنه ربما لا يقدر إداريوه نجمهم الأول معنويًّا بالشكل المطلوب.