بالتأكيد قرأت أو شاهدت الأخبار أعلاه طيلة الأسبوع الماضي. فميسي والسعودية هما كل ما يشغل الشارع الرياضي العالمي الآن.

بدأت الحكاية بزيارة مفاجئة من النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي لأراضي المملكة السعودية رفقة أسرته؛ ليخرج على إثرها فريقه باريس سان جيرمان الفرنسي ويوقع عقوبة عليه لتغيبه عن التدريبات، وتضمنت العقوبة منعه من دخول ملعب التدريبات أو المشاركة مع الفريق لمدة أسبوعين.

خرج ميسي بعدها ليعتذر لزملائه ولفريقه عن تغيبه عن التدريبات، ليعلن فريق باريس سان جيرمان بعدها إلغاء العقوبة، وعودة ليونيل للتدرب رفقة زملائه.

نعلم أنك الآن بين فريقين لا ثالث لهما. الفريق الأول هو مشجع لليونيل، ومن ينتظر عودته لبرشلونة، متابعًا في الوقت ذاته التكهنات التي تربطه بالانضمام لنادي الهلال السعودي. بينما الفريق الثاني ينتظر إتمام تلك الصفقة الأخيرة، على أحر من الجمر، للانتقام مما فعله فيه جمهور ليونيل وقت انتقال رونالدو لنادي النصر السعودي.

وما بين هذا وذاك تكمن قصة طويلة تمتد أبعادها لما هو أبعد من وجهتي نظركما سويًا، لذا دعنا نسلط الضوء عليها.

الأرجنتين قبل الجميع

عند الحديث عن علاقة ميسي بالسعودية، فإن كلمة السر التي أُفشيت للجميع، هي «كأس العالم 2030». لكن ما المشكلة في ذلك؟

حتى هذه اللحظة لا يوجد سوى عرضٍ وحيد لطلب استضافة كأس العالم 2030، وهو ملف مشترك بين كل من إسبانيا والبرتغال والمغرب، ما يعني أنه لا غضاضة في ترويج ميسي لأي ملفٍ كان.

العرض الآخر الذي يلوح في الأفق ويتردد صداه بشدة، هو نية السعودية ومصر واليونان لتقديم ملف مشترك لطلب استضافة مونديال 2030.

لكن المشكلة تكمن في الملف الثالث الذي تنوي الأورغواي والأرجنتين والباراغوي وتشيلي تقديمه لاستضافة المونديال مرة أخرى في أمريكا الجنوبية، وفي الحقيقة أنه كان أول الملفات التي أُعلن عن نية تقديمها مبكرًا في عام 2017، وتم الترويج لهذا الملف عن طريق نجمي الأرجنتين الأوروغواي، ليونيل مسيي، ولويس سواريز، حيث ارتدى أحدهما قميص يحمل رقم 20 وآخر يحمل رقم 30 كدعم للملف في إحدى المباريات التي جمعت المنتخبين معًا.

يتحدث «فيرناندو مارين» منسق ملف أمريكا الجنوبية لصحيفة «The Athletic» عن وجهة نظره في ملف أمريكا الجنوبية قائلاً:

عرض أمريكا الجنوبية لعام 2030 قوي للغاية، المنطقة هي منشأ المواهب التي تعبر عن نفسها في جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك سيقام المونديال في الذكرى المئوية الأولى لكأس العالم في أوروغواي في عام 1930، وهو ما يجعل بلادنا مكانًا مناسبًا.

يبدو في كلام مارين شيء من المنطق بأحقية هذا الملف بالتحديد دون غيره بالفوز بحق الاستضافة. أضف إلى ذلك الزخم الذي تحظى به الأرجنتين بعد تتويجها بمونديال قطر 2022، ودعم نجم بقيمة ميسي لهذا الملف، بخاصة بعد تتويجه باللقب الذي ينقصه.

ومع اقتراب اختيار ملف من أحد هذه الملفات للفوز بحق الاستضافة مطلع عام 2024، يتضح أن ملف أمريكا الجنوبية مثالي للفوز. إذاً لا يزال سؤالك حاضرًا أين تكمن المشكلة؟

السعودية تعرف من أين تُأكل الكتف

تعرف المملكة السعودية من أين تأُكل كتف الفوز بمثل هكذا مناسبات. في مايو الماضي، وقع ليونيل ميسي اتفاقية للترويج للمملكة العربية السعودية، وتهدف هذه الاتفاقية للترويج لما تُطلق عليه المملكة «رؤية 2030»، وهي وفقًا لتعريف المملكة لها، مخطط إصلاح اقتصادي واجتماعي يفتح المملكة السعودية على العالم.

لا تتوانى المملكة السعودية في بذل كل المجهودات لدعم هذا المخطط، ولا شك أن الرياضة بمختلف أشكالها هي خير مروج لها.

والأمثلة أمامنا كثيرة، لعلَّ أهمها هو استحواذ صندوق الثروة السيادي السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، إضافة إلى استضافة جولات «Live Golf»، وأيضًا صفقة خيالية لاستضافة صفقات الفورميلا 1 لمدة 10 سنوات بقيمة 650 مليون دولار.

يتحدث «دينيس هوراك»، السفير الكندي في السعودية بين عامي 2015 و2018، لـ«The Athletic»، قائلاً:

يُعد الافتتاح الكامل لمجال الترفيه والرياضة جزءًا كبيرًا من رؤية 2030. مع وجود رياضي بقيمة ميسي، فالسعودية تحاول نقلها إلى مستوى آخر وجعلها أكثر عالمية.

لم يتم الإعلان عن مدة وشروط اتفاقية السعودية مع ميسي، لكن صحيفة «ديلي تلغراف» في وقت سابق ذكرت أن كريستيانو رونالدو كان قد رفض عرضًا بقيمة تزيد على 5 ملايين جنيه إسترليني سنويًا للترويج للسياحة السعودية، قبل انتقاله لنادي النصر السعودي، وذكرت أيضًا أن صفقة ميسي قد تصل قيمتها إلى خمسة أضعاف المبلغ الذي عُرض على رونالدو (25 مليون جنيه إسترليني).

كما أن ميسي أصبح يظهر بين الحين والآخر للترويج للسياحة السعودية أو ما يتعلق بها، مثلما حدث في زيارته الأخيرة، ومثلما فعل وقت كأس العالم في قطر 2022، حينها خرج وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب في تغريدة أظهرت ترحيبه بميسي في مطار الملك عبد العزيز الدولي قائلاً:

هذه ليست زيارته الأولى للمملكة ولن تكون الأخيرة.

طُعم تركي آل الشيخ المعتاد

بالنظر إلى كل الأنشطة التي تُقام في السعودية في الآونة الأخيرة، ستجد أن الاسم الذي يتكرر مهما اختلف الحدث، هو اسم رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ.

يبدو أن عملية جذب ميسي للسعودية، سارت على نفس الدرب. في عام 2012، زار ميسي المملكة السعودية للمرة الأولى، لم تكن حينها المملكة بصدد أي مشروع مستقبلي ينوي لانفتاح المملكة على العالم، وبالتالي تم التعامل مع ميسي حينها وكأنه شخصية دبلوماسية يجب تحصينها بعيدًا عن العامة.

لكن ومع تغير الرؤى والخطط، كان لا بد من وجود شخص جديد يدين بالولاء إلى الأسرة الحاكمة ليلعب دور في اجتذاب النجوم، بشرط أن يتحلى ببعض الصفات التي تُضفي على شخصيته بعض من العشوائية، لتُسهل تلك المهمة.

تم اجتذاب ميسي في البداية من جانب آل الشيخ في بعض الحملات التي كانت تهدف بجمع الأموال للمحتاجين في السعودية، بجانب عدد من النجوم مثل دييغو مارادونا، ونجوم البرازيل السابق كافو، وروبرتو كارلوس ورونالدينيو، والمدافع الإيطالي ليوناردو بونوتشي، واللاعب الهولندي الدولي السابق باتريك كلويفرت.

ومع مرور الوقت، وبتوطد علاقة تركي آل الشيخ بالنجوم في كل الرياضات وليس كرة القدم فقط، تعمدت المملكة أن تروج إلى شكل جديد من العلاقة أكثر صداقة، وأقل رسمية، يجمعها بميسي.

بدا ذلك جليًا في المباراة التي جمعت بين البرازيل والأرجنتين في السعودية في عام 2019، عندما نشر نادي ألميريا الإسابني، الذي يمتلكه تركي آل الشيخ، مقطعًا على وسائل التواصل الاجتماعي لميسي والشيخ وهما يتعانقان في النفق قبل المباراة.

وبمناسبة عيد ميلاده الأربعين، تمنى ميسي علناً عيد ميلاد سعيدا لتركي. وقد سبق له أن زار منزل السياسي في الرياض مع لاعبين أرجنتينيين آخرين.

كجزء من دوره كرئيس للهيئة العامة للترفيه، قام آل الشيخ أيضًا بجعل ميسي واجهة للإعلان عن موسم الرياض لعام 2022، كما ظهر مقطع فيديو آخر لميسي يروج لموسم الرياض بقميص باريس سان جيرمان.

لكن السؤال الآن ومع توغل العلاقة بين ميسي والسعودية، هل سيستطيع ميسي دعم ملف أمريكا الجنوبية كما فعل منذ أكثر من 5 سنوات؟

حتى الآن هناك شكوك حول ما إذا كانت السعودية ستتابع بالفعل استكمال ملفها، وتقديمه بشكل رسمي، بسبب المخاوف من أن مشاركة المغرب مع إسبانيا، والبرتغال قد تؤدي إلى سحب عدد كبير من أصوات التصويت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. على هذا النحو، هناك الآن بعض الاقتراحات بأن السعودية قد تنتظر حتى عام 2034، لكن حملة ميسي لتجميل صورة المملكة تظل هي نواة هذا التنظيم.

هدف ميسي سيحسم الفائز

على جانب آخر، ارتفعت الآمال السعودية في توثيق العلاقات مع الفيفا مرة أخرى عندما جلس ولي العهد محمد بن سلمان إلى جانب إنفانتينو في المباراة الأولى لكأس العالم ، بينما شوهد الثنائي أيضًا يتواصلان معًا في بالي في قمة مجموعة العشرين.

وهو ما يؤدي إلى تزايد الثقة في أن ملف السعودية لتنظيم كأس العالم 2030 سيكون الخيار المفضل، كما قدم السعوديون عرضًا لاستضافة معرض إكسبو العالمي 2030، مما يؤكد رغبتهم في جعل رؤية 2030 تتويجًا لخطتهم الكبرى.

على الجانب الآخر، يرى فرناندو مارين، منسق العرض المشترك لأمريكا الجنوبية الذي يشمل الأرجنتين، أن ميسي لديه قوة خارقة داخل وخارج الملعب. وأنه أصبح علامة تجارية قوية للغاية. وأن دعمه لملف ما على حساب آخر سيحسم تتويج هذا الملف بتنظيم مونديال 2030.

يأمل مارين أن يكون ميسي كما كان دومًا في صف منتخب بلاده -الأرجنتين- لكن السعودية لن تستكين لهذا الأمل بسهولة، كما يبدو أنهم على وشك إحراز هدف مهم للغاية بشأن هذا الملف.