تعرضت بلاد المغرب العربي لزلازل عديدة في مختلف العصور الإسلامية، ورغم تباين تفسيراتها بين علمية وغيبية، فإنها خلَّفت كوارث بشرية ومادية، ألقت بظلالها على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية آنذاك.

ويذكر الدكتور عبد الهادي البياض، في كتابه «الكوارث الطبيعية وأثرها في سلوك وذهنيات الإنسان في المغرب والأندلس ق 6-8هـ/ 12-14م»، أن الزلازل ليست من صنف الكوارث التي كانت تحدث باستمرار في المغرب، نظرًا لبعد مجاله الجغرافي نسبيًّا عن خط الزلازل، وهذا ما ذكره أحمد بن يحيى بن فضل العمري في كتابه «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» من أن المغرب «قليل الصواعق والزلازل».

كوارث بشرية ومادية

ومع ذلك، شهد المغرب خلال العصر الوسيط بعض الهزات التي خلَّفت خسائر مادية وبشرية فادحة، كما أعقبتها الأمراض والأوبئة، مما زاد الأوضاع تفاقمًا، بحسب البياض.

ومن أمثلة ذلك، تلك الزلزلة التي هزت أرض المغرب عام 472هـ/ 1097م، والتي ذكرها ابن علي بن أبي زرع في كتابه «روض القرطاس»، قائلًا بشأنها «وفي ربيع منها كانت الزلزلة العظيمة التي لم يرَ الناس بالمغرب مثلها، هدت البنيان، ومات فيها خلق كثير تحت الردم، ووقعت الصوامع والمنارات، ولم تزل الزلزلة تتعاقب وتتكرر في كل يوم وليلة من أول يوم من ربيع الآخر إلى آخر يوم من جمادى الآخرة من السنة المذكورة».

وفي ظل ضعف وسائل الإنقاذ والإسعاف في ذلك العصر، ترتب على الزلازل خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، مثلما حصل في زلزلة 504هـ/ 1110م التي هزت سطح المغرب.

وينقل البياض، عن جلال الدين السيوطي في كتابه «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة»، أن زلزلة أخرى هزت بلاد المشرق سنة 600هـ/ 1204م «بلغت إلى سبتة ببلاد المغرب»، وكانت سببًا في تخريب العمران وحصد الأرواح البشرية، ما يكشف وحدة الكارثة مشرقًا ومغربًا.

تفسيرات غيبية

ويذكر بلقاسم الطبابي في دراسته «الموت بمصر والشام في العهد المملوكي»، أن السيوطي تبنى في كتابه المذكور تفسيرًا غيبيًّا لأسباب حدوث الزلازل، واتفقت رؤيته مع تكوينه الفقهي، حيث هدف من وراء ذلك إلى الرد على أولئك الذين يقدمون «تفسيرًا علميًّا» أو على الأقل «عقلانيًّا»، معتبرًا أن الزلزال عقاب إلهي، أو مجرد امتحان للبشر.

وبحسب الطبابي، استند السيوطي إلى رواية منسوبة إلى ابن عباس، مفادها أن «جبل قاف محيط بالدنيا، وقد أنبت الله عليه الجبال، ويشبك بعضها ببعض بعروقه كالشجرة في الأوتاد، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل أرضًا أوحى إلى قاف فحرك ذلك العرق».

وتهتز الأرض امتحانًا وعقابًا لبني البشر لما يُرتكب من معاصٍ وآثام، فالأرض كما يقول السيوطي «تُزلزل إذا عمل فيها المعاصي، فترعد فرَقًا من الرب جل جلاله أن يطلع عليها».

ومن التفسيرات الغيبية الأخرى ما ذكره أبو الحسن علي بن الجزار في كتابه «رسالة تحصين المنازل من هول الزلازل»، أن «الثور الحامل للدنيا حوَّلها من قرن إلى القرن الثاني، كما هو مشهور على لسان العامة والداني»، حسبما نقل الطبابي.

تفسيرات علمية

وتتعارض هذه التفسيرات مع ما طرحه أصحاب النزعة العقلية من الفلاسفة والعلماء المسلمين. وبحسب البياض في كتابه المذكور آنفًا، تباينت ردود فعل المجتمع المغربي تجاه هذه الزلازل، فإذا كان العوام عاجزين عن إدراك العوامل الكامنة وراء الهزات الباطنية مختصرين المسافة بإحالتها إلى جنس من العقاب الإلهي، فإن أبا الوليد ابن رشد في كتابه «تلخيص الآثار العلوية» أورد رأيًا علميًّا في هذا الموضوع، فذكر: «سبب الزلزلة أن البخار من شأنه أن يتولد من الجسم الذي فيه رطوبة ويبوسة، إذا فعلت فيه الحرارة، والأرض يابسة بطبيعتها، فإذا ترطبت من الأمطار، وعملت فيها حرارة الشمس، صعد منها بخاران، أحدهما رطب والآخر يابس».

ويضيف: «هذا البخار اليابس الذي هو أصل الريح مكون من الأرض من حرارة الشمس الواصلة إليها على وجهين: أحدهما قريب من وجه الأرض المتخلخل، وهو الذي تخلص منها في علو صاعد، ثم يهبط إذا برد، فيكون منه الريح. والبخار الثاني كائن في باطنها العميق، وهذا البخار عندما لا يجد مخلصًا إلى الخروج، يضطرب في باطن الأرض ويتحرك في منافذ ضيقة، فتكون عنه حركة ذلك الجزء من الأرض الذي تولدت فيه هذه الريح».

وبناءً على ذلك يذكر ابن رشد أن «الزلزلة تكون شديدة في المواضع التي تشتد فيها مجاري ماء البحر، وفي المواضع كثيرة المغارات الرخوة في باطن الأرض، وذلك لاحتقان الريح في هذه المواضع أكثر مما في غيرها، ولهذا السبب بعينه تكون الزلازل في الربيع والخريف، وفي الأوقات كثيرة الأمطار، وفي الأزمنة اليابسة (الجفاف)».

ويذكر البياض أن هذه المواصفات تنطبق على مجال المغرب والأندلس، والذي اتخذه ابن رشد مجالًا لدراسته بهذا الشأن، حيث لاحظ أن معظم الزلازل تزامنت مع كوارث الجفاف والمجاعة، كما أن مجال المغرب والأندلس ينفتح بحكم الموقع الجغرافي على واجهتين بحريتين، مما يضفي على ملاحظات ابن رشد طابعًا علميًّا، في وقت لم تكن فيه وسائل الرصد والمعاينة متوفرة. بل إن بعض تخريجات ابن رشد أكدها العلم الحديث، منها رصده لمركز إحدى الهزات الباطنية في الجزر الغربية التي تتحرك «بتحريك البحر إياها» في موقع يسمى «كنيسة الغراب» عند البحر المحيط.

ويقترب تفسير ابن رشد من تفسير أبي الريحان البيروني في كتابه «تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن»، والذي تعرض إلى نشأة الأرض وحركتها وتأثير الزلازل فيها.

كما يقترب أيضًا من تفسير ابن سينا، والذي ذكر في كتابه «المعادن والآثار العلوية»، أن الزلازل هي حركة جزء من أجزاء الأرض بسبب ما تحته، وشرح: «لا محالة أن ذلك السبب عندما يتحرك يحرك ما فوقه، والجسم الذي يمكن له أن يتحرك تحت الأرض إما جسم بخاري دخاني قوي الاندفاع  كالريح، وإما جسم مائي سيال، وإما جسم هوائي نارين وإما جسم أرضي»، حسبما نقل عنه الطبابي في دراسته.

السياق نفسه ذكره جابر بن حيان في كتابه «مختار رسائل جابر بن حيان»، حيث أشار إلى أن «الزلازل إنما تحدث بسبب من استبطان رياح في باطن الأرض وانحصارها وقلة وجود المنافذ لخروجها، فإذا ترادفت وكثرت طلبت المخرج، فزاحم بعضها بعضًا، فانزعج لها ذلك المكان، وبكثرة مادتها وتواصلها تكون زيادتها وعظم حركتها ودوامها»، حسبما نقل عنه محمد حمزة في دراسته «الكوارث الطبيعية في بلاد الشام ومصر 491-923هـ/ 1097-1517م».

زوال 13 قرية

أيًّا كانت التفسيرات، فقد كان للزلازل تداعيات اجتماعية كثيرة. ويذكر الدكتور عامر حميد السامرائي، في دراسته «الزلازل وأثرها على بلاد المغرب في العصور الإسلامية»، أن المصادر العربية والإسلامية أشارت إلى خمسة عشر زلزالًا تعرضت لها بلاد المغرب، وقد تفاوتت قوة هذه الزلازل بين واحدة وأخرى، وعدد مرات ترددها، وشدتها، والأضرار الناجمة عنها.

وكان أبرز هذه الهزات ما وقع سنة 94هـ/ 713م، حيث دامت الزلازل 40 يومًا، فهُدمت الأبنية الشاهقة، وقيل إن أثرها وصل إلى بلاد الشام فهُدم معظم أنطاكيا، وذكر علي بن محمد بن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ»، أن زلازل قوية وقعت سنة 98هـ/ 716م ودامت لستة أشهر.

كما تعرضت بلاد المغرب إلى زلزال شديد سنة 323هـ/ 846م، وهُدمت فيه البنايات، ووصل بقوته إلى دمشق وحمص، فوقعت حيطانها، وكان أشدها بأنطاكيا وخربت بلاد الجزيرة والموصل ودامت أيامًا. حسبما نقل السامرائي عن السيوطي في كتابه المذكور آنفًا.

وتعرض كثير من مدن المغرب العربي إلى الدمار بفعل حدوث الزلازل، إذ ورد في سنة 240هـ/ 854م أن ثلاث عشرة قرية من القيروان قد خسف بها، ولم ينجُ من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلًا سود الوجوه، فأتوا القيروان، فأخرجهم أهلها، فقالوا أنتم مسخوط عليكم، فبنى لهم العامل موضعًا خارج المدينة فنزلوها، حسبما روى ابن العماد الحنبلي في كتابه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب».

دفن مائة قتيل في أخدود واحد

وكان للزلازل في المغرب العربي آثار في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لما تخلفه من دمار للمنشآت من الأسواق والزروع ومنازل السكان، وخلق حالة من التوتر النفسي عند الناس نتيجة للهلع الذي يصيبهم جراء وقوعها، فتوقفت الأسواق عن مزاولة نشاطها التجاري لانعدام المواد، مما خلَّف انعكاسًا سيئًا على الحياة الاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بحصول المجاعة التي تؤدي إلى وقوع الأمراض وحصول الأوبئة نتيجة لهلاك الأعداد الكبيرة من الناس.

ففي سنة 395هـ، ونتيجة لزلزال ضرب المغرب العربي، جلى الناس عن أوطانهم إلى البادية وخلت أكثر المنازل، وعم وباء الطاعون، وهلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج، وكان الموتى من الضعفاء يُجمعون فتُحفر لهم أخاديد ويُدفن المائة والأكثر في الأخدود الواحد، فمات من طبقات الناس وأهل العلم والتجار والنساء والصبيان ما لا يُحصى عددهم، وقلت المساجد بمدينة القيروان وتعطلت الأفران والحمامات، حسب ما نقل السامرائي عن كتاب «البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب» لابن عذاري المراكشي.

وذكرت الروايات أن أغلب ضحايا الزلازل في مدن المغرب كانوا من العبيد، لا سيما في عصوره الإسلامية المتأخرة. ويبدو أن ذلك يعود إلى كثرة استخدامهم واستقدامهم إلى بلاد المغرب العربي، إذ تركز الاعتماد عليهم في كثير من المجالات، حيث استخدموهم كمقاتلين في الجيش أو حرس للسلطان والأمير.

ويعتقد الباحث أن طبيعة سكنى هؤلاء العبيد تكون في مناطق بناياتها غير محكمة، فتتعرض إلى التصدع والدمار بأي زلزلة أو رجة أو هزة، فقيل إنه هلك من العبيد في حدوث زلزال واحد نحو خمسة آلاف، والذي هدم فيه جل مدينة مكناسة ومساكن جبل زرهون.