منذ ظهور فيروس كورونا العام الماضي (2020)، واضطرار معظم الأفراد في العالم للجلوس في المنزل، وتحول كثير من الأعمال والوظائف للعالم الرقمي، عملت العديد من كبرى الشركات التقنية على تطوير برمجيات وتطبيقات تُحوِّل المنازل لمكاتب افتراضية، وتُوفِّر بيئة عمل عن بعد لا تختلف كثيراً عن طبيعة العمل داخل الشركات والمكاتب.

وعلى الرغم من أن شركة مايكروسوفت أسهمت بشكل فعّال في هذه البرمجيات من خلال تطبيق Microsoft Teams، فإنها لم تكتفِ بذلك، وأخذت الفكرة لمنحى أكثر مستقبلية وجنوناً وإبداعاً.

تخيّل أن تسافر لأي مكان في العالم دون التحرك من مكانك، أو التجول مع أصدقائك دون مغادرة منزلك، أو التواجد في مكان عملك دون أن تغادر فراشك، أو الالتقاء بمن تشاء والتحدث مع أي شخص دون أن تقابله.

باختصار تخيّل أن تكون حاضراً ولديك القدرة على التواجد في أي مكان برغم الحواجز الزمانية والمكانية، ولديك الشعور الجسدي نفسه للوجود في مكان آخر، والإحساس بوجود الآخر رغم عدم وجوده. تخيّل أنك تستطيع أن تفعل ذلك وأكثر من خلال تقنية Microsoft Mesh التي أعلنت عنها مايكروسوفت في مارس الماضي (2021).

ما تقنية Microsoft Mesh؟

معظم متابعي التكنولوجيا يعرفون تقنيات مثل الواقع الافتراضي والواقع المُعزَّز، لكن الأغلبية لا تعرف ما الواقع المختلط أو Mixed Reality الذي يعتبر تقنية حديثة إلى حد ما، تعمل على خلق بيئة هجينة يتم فيها إضافة عناصر ومجسمات افتراضية إلى الواقع الحقيقي، بحيث يخلط بين البيئة الواقعية والافتراضية، ويمكن للمستخدم أن يتفاعل مع هذه البيئة الافتراضية، بحيث يمكنه المشي فيها وتغيير حجم ومكان الأشياء والتحكم فيها.

يُوصف الواقع المختلط بأنه الموجة الرابعة في ثورة الحوسبة بعد الحواسيب المركزية وأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وحالياً هناك كثير من الشركات العملاقة تستخدم حلول الواقع المختلط مثل HoloLens. ومع ذلك لا تزال الخيارات في تطبيقات وتجارب الواقع المختلط ضئيلة، حيث ما تزال تواجه كثيراً من العقبات، مثل ضيق الوقت والموارد لتمثيل الأشخاص، واستقرار الصور المجسمة، وبناء نماذج عالية الدقة.

تقنية Microsoft Mesh تعمل من خلال الواقع المختلط، بحيث يمكنها جمع الأشخاص من مواقع مختلفة في مكان واحد، وجعلهم يشعرون كما لو كانوا يجلسون في نفس الغرفة، كما تعمل على تحويل العمليات والأوامر من الواقع الحقيقي إلى الواقع المختلط الذي يتم من خلاله تكوين الزمان والمكان المراد الوجود به.

وبحسب شركة مايكروسوفت، فإن المستخدمين سيمكنهم الالتقاء والتعبير عن أنفسهم بشكل «أفاتار» أو صور ثلاثية الأبعاد في الغرفة نفسها، ولكن مع مرور الوقت سوف يستخدمون تقنية التصوير الشامل ليظهر الشخص بشكله الحقيقي، كما يمكن الاستفادة من الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للخرائط المكانية والعرض المجسم والمزامنة متعددة المستخدمين.

تمكن تقنية Microsoft Mesh المستخدمين من التفاعل مع المستخدمين الآخرين والوجود داخل المحتوى الثلاثي الأبعاد، بحيث يمكنهم التجاوب مع جميع التركيبات الفنية الصعبة لمشاركة الخبرات المكانية عبر الويب، وتمكين المستخدم من المشاركة في الاجتماعات الداعمة لمنصة Microsoft Mesh من خلال أي جهاز، سواء أكان جهاز كمبيوتر أو جهازاً لوحياً أو هاتفاً ذكياً، وكذلك من خلال نظارات الواقع الافتراضي مثل HoloLens، حيث صمّمت مايكروسوفت تطبيقاً يعمل من خلال نظارات HoloLens، فبعد ارتداء النظارة وفتح التطبيق يمكن للمستخدم تصميم صورة رمزية لنفسه والانضمام لاجتماع معين مع مستخدمين آخرين.

ويمكن للمستخدم تحريك رأسه وجسده ويديه والتحدث مع الجميع بفضل المعلومات التي تلتقطها النظارة، كما يمكنه أيضاً عرض واستيراد ومعالجة الصور والمجسمات الثلاثية الأبعاد، حيث ستكون أدوات الرسم الثلاثية الأبعاد متوفرة أيضاً.

استخدامات تقنية Microsoft Mesh

كما ذكرنا سابقاً، فإن جائحة كورونا دفعت الشركات التقنية لإيجاد حول للعمل المنزلي، وطوّرت لهذا الغرض العديد من التطبيقات التي نجحت في تسهيل هذه المهمة، وتقنية Microsoft Mesh أتت أيضاً لمثل هذه الأغراض، فهي تعمل على جمع الأشخاص الموجودين في أماكن كثيرة حول العالم في مكان واحد، وهذا سوف يُسهِّل العديد من المهمات، مثل التعليم عن بعد، وعقد الاجتماعات بين فرق العمل دون الاضطرار للتواجد في نفس المكان.

كما أن لتقنية Microsoft Mesh أهمية كبيرة في مجال الطب، حيث يمكنها أن تُوفِّر تجربة استثنائية في هذا المجال، فيمكن للأطباء أو طلاب الطب الذين يتعلّمون علم التشريح- على سبيل المثال- أن يتجمعوا حول مجسم ثلاثي الأبعاد لتشريح عضو معين، ومعرفة أجزائه الداخلية.

يمكن الاستفادة منها أيضاً في عالم الخرائط، بحيث يمكننا إنشاء خرائط العالم الحقيقي بدقة أكبر وأخطاء أقل، بحيث يمكنها استبدال نظام تحديد المواقع GPS الأقل دقة، والوصول والعمل في المناطق التي يصعب الوصول إليها ولا يتوفر بها نظام تحديد المواقع.

ولمجال الهندسة والعمارة نصيب أيضاً من هذه التقنية، حيث يمكنها أن تُوفِّر كثيراً من الوقت والجهد والأموال، ويمكن للعاملين في هذا المجال رسم مجسمات ثلاثية الأبعاد للمباني والطرق والجسور وتجربتها قبل الشروع في إنشائها في العالم الحقيقي.

يمكننا أيضاً من خلال هذه التقنية إجراء عرض مُحسَّن للأجهزة الحساسة للطاقة والحرارة، ومشاركة المحتوى الهولوغرافي وعمل المهرجانات والحفلات الموسيقية والمؤتمرات عن بعد.

الأجهزة والتطبيقات التي يمكنها تشغيل Microsoft Mesh

في الوقت الحالي ما تزال التقنية في بدايتها، ولا يمكن لأي جهاز ذكي تشغيلها سوى نظارة HoloLens 2، ولكن- وبحسب مايكروسوفت- فإنها فتحت النظام الأساسي للتقنية للمطورين حتى يتمكنوا من إنشاء تطبيقات وتجارب تدعم التقنية، وتكون متاحة للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية وسماعات الواقع الافتراضي.

وكذلك لا يوجد حالياً أي تطبيق يدعم هذه التقنية سوى تطبيق المعاينة Microsoft Mesh for HoloLens، وتطبيق AltspaceVR، والذي يمكن استخدامه لعقد الاجتماعات. لكن الخطط المستقبلية لمايكروسوفت تتضمن دمج التقنية في منتجات أخرى مثل Microsoft Teams وDynamics 365.

مع الظروف التي يمر بها العالم حالياً بسبب جائحة كورونا، واضطرار كثيرين للعمل من المنزل والتباعد الاجتماعي يمكن أن تكون تقنية Microsoft Mesh بديلاً جيداً للكثير من التطبيقات الأخرى، فإضافة لتميزها بتوفير بيئة ثلاثية الأبعاد، فإن خطة مايكروسوفت بدمجها مع منصاتها الأخرى سيجعلها أكثر كفاءة من أي منصة أخرى.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.