نعيش الآن حقبة المبالغات في كل شيء بكرة القدم. المبالغة في الأسعار والمبالغة في التغطيات الإعلامية والمبالغة في النزول بأعمار المدربين. حقبة مثيرة!
الصحفي الإنجليزي بارني روني

كان هذا تعليق المحرر الإنجليزي بصحيفة الجارديان بارني روني على تعيين الإسباني مايكل أرتيتا مديرًا فنيًا لنادي أرسنال الإنجليزي. مدير فني بعمر صغير، فقط 37 عامًا، يقود أحد أكبر الأندية اللندنية في تجربته التدريبية الأولى. يبدو أن بارني روني محقًا.

لكن جمهور أرسنال لا يعبأ بكل تلك التفاصيل، فقط سؤال واحد هو ما يريد جمهور ملعب الإمارات الإجابة عليه: «هل سيجلب لنا أرتيتا الكرة الجميلة التي يلعبها بيب مع السيتي؟»

السؤال وإن كان جارحًا لكبرياء أحد كبار لندن إلا أنه الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد الآن. فذلك الصخب والاهتمام المصاحب لانتقال أرتيتا إلى الجانرز سببه الأبرز هو كونه الرجل الثاني خلف بيب جوارديولا لثلاث سنوات كاملة.

ولكي نستطيع تقييم مدى قدرة أرتيتا على نقل فلسفة بيب إلى النادي اللندني يجب علينا أن نجيب على ثلاثة أسئلة هامة. أولها هو: لماذا اختاره جوارديولا من الأساس؟ أما الثاني فهو: هل يستطيع بالفعل الرجل الثاني نقل فلسفة مدربه لمكان آخر؟ هل يحدث ذلك في كرة القدم؟ أما ثالث هذه الأسئلة فسيكون عن التحديات التي تنتظر مايكل في ملعب الإمارات.

لماذا اختاره بيب؟

لديه موهبة نادرة ونادرة جدًا في تحليل المباريات وتوقع تحركات لاعبي الخصم وإيجاد الحلول. لقد ساعدني كثيرًا في عامي الأول في إنجلترا. عندما كنت أعجز في المباريات أمام فرق منتصف الجدول كنت أجد لديه الحل المبتكر دائمًا لأننا نملك رؤية متشابهة للغاية لكرة القدم.
بيب جواردويولا عن مايكل أرتيتا

قد ترى هذا التصريح هو أحد كليشيهات الوداع بين المدربين ومساعديهم في الدوريات الأوروبية، مجرد مجاملة من جوارديولا إلى مساعده الإسباني. لكن دعنا نعود فقط أربع سنوات للوراء قبيل إعلان أرتيتا اعتزاله كرة القدم وماحدث بعد ذلك الإعلان أيضًا بأيام، ستغير رأيك غالبًا وستدرك أن ثمة شيئًا مختلفًا في ذلك الرجل.

يقول «تشارلز واتس» مراسل موقع جول بنادي أرسنال الإنجليزي، إن أيام أرتيتا الأخيرة بأرسنال كلاعب شهدت قيادته للتدريب عدة مرات بطلب من أرسين فينجر بسبب إعجاب المدير الفني الفرنسي بأفكار لاعبه الإسباني.

يؤيد «نيك إيمز» المحرر بجريدة الجارديان تصريح تشارلز، حيث يذكر في إحدى مقالاته أن بعضًا من لاعبي الجانرز أخبروه أن أرتيتا في أيامه الأخيرة كان يقف على الخط يوجه اللاعبين ببعض التعديلات في تمركزهم أثناء التدريبات لدرجة أن بعض اللاعبين كانوا ينادونه بال «Coach». هذا ما حدث قبل إعلان أرتيتا لاعتزاله كرة القدم، فماذا حدث بعد اعتزاله مباشرة؟

بعد الاعتزال مباشرة تنافس اثنان من كبار مدربي العالم بيب جواردويولا وماوريسيو بوتشيتينو منافسة شرسة للظفر بخدمات أرتيتا.

لست مندهشًا من ذلك التنافس. أرتيتا لديه رؤية مختلفة وساحرة في تحليل المباريات وابتكار تكتيكات جديدة بالكرة، هو يملك شيئًا خاصًا جدًا.
أرسين فينجر عن صراع بيب وماوريسيو للظفر بخدمات أرتيتا

جاهز أكثر من اللازم

أرتيتا يفهم كرة القدم بشكل عميق للغاية. سيكون واحدًا من أفضل مدربي كرة القدم خلال سنوات قليلة. نعم قيادة أرسنال في تلك السن الصغيرة ليست شيئًا عاديًا، لكن أي لاعب تدرب مع أرتيتا سيعرف أنه جاهز أكثر من اللازم على المستوى التكتيكي.
فيرناندينهو لاعب مانشستر سيتي إلى شبكة سكاي سبورت

يقول فيرناندينهو إن جزءًا كبيرًا من تطور رحيم ستيرلينج وليروي ساني في السنوات الأخيرة كان بفضل ساعات التدريب الإضافية الكثيرة التي كان يخصصها لهما مايكل أرتيتا بعد كل تمرين. حركات عمياء «Blind movements» بشكل مكثف للغاية كما وصفها فيرناندينهو صارا ينفذانها في المباريات بشكل لا إرادي ساعدت على ظهورهما بهذا الشكل الذي نال استحسان الجميع.

حسنًا، يبدو الآن أن تقييم المدربين واللاعبين لأرتيتا متشابه إلى حد كبير على الجانب التكتيكي. فلننتقل الآن إلى السؤال الثاني: هل يستطيع أرتيتا نقل فلسفة جوارديولا إلى مكان آخر؟ هل يحدث ذلك في كرة القدم؟ تجربة «ستيف هولاند» مع «جاريث ساوثجيت» في قيادة منتخب إنجلترا تخبرنا بإجابة هذا السؤال.

فلنجرب فكرة أنطونيو كونتي

لقد قضيت عامًا كاملًا مع أنطونيو كونتي في تشيلسي لعبنا خلاله بطريقة 3-4-3 بثلاثة لاعبين فقط في خط الظهر. فزنا بتلك الطريقة بالدوري الإنجليزي الممتاز. قبل انطلاقة كأس العالم بعام كامل أو ما يزيد وأثناء تناولنا العشاء في ليلة خطرت ببالي تلك الفكرة واقترحتها على ساوثجيت.
ستيف هولاند الرجل الثاني بالجهاز الفني للمنتخب الإنجليزي

في تقرير عنوانه: «كيف تغير شكل إنجلترا: ثورة ساوثجيت التكتيكية» بصحيفة التليجراف البريطانية، أفرد ستيف هولاند المدرب المساعد لجاريث ساوثجيت مساحة كبيرة ليشرح خلالها كيف تأثر تفكيره بالفترة التي قضاها مع المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي.

يقول هولاند إن اقتراحه لطريقة 3-4-3 يعود الفضل فيها بالأساس إلى معايشته مع كونتي. تم تطبيق الطريقة لأول مرة في مباراة منتخب الأسود الثلاثة في وديته أمام منتخب ألمانيا في مارس/آذار عام 2017. خسرت إنجلترا هذا اللقاء إلا أن الأداء كان جيدًا.

يستطرد هولاند في حديثه ويقول إن تطور الفريق بعد ذلك في تطبيق الطريقة كان مشابهًا تمامًا لتطور فريق تشيلسي بالطريقة ذاتها. ثم توسع مع ساوثجيت في البحث عن تفاصيل الطريقة لكي تناسب طبيعة اللاعب الإنجليزي.

شاهدنا مباريات للفريق الإنجليزي الذي شارك في بطولة أوروبا 1996، وكان ساوثجيت جزءًا منه ثم شاهدنا مباريات لمنتخب بلادنا في مونديال 1990. لعب «بوبي روبسون» مباراة واحدة برباعي دفاعي قبل أن يخوض باقي المواجهات بثلاثي في خط الدفاع. تلك التفاصيل واختيار مهام اللاعبين لم تكن الجزء الأصعب، لكن خلق ديناميكية الطريقة بين اللاعبين وتطبيقها بانسيابية كانت الجزء الأهم.
ستيف هولاند

الشاهد في الأمر أن أرتيتا قادر على أن ينقل فلسفة بيب إلى ملعب الإمارات. فالرجل الثاني حينما يكون على دراية وفهم عميق بتفاصيل كرة القدم يستطيع أن ينقل فلسفة الرجل الأول الذي عمل معه بسهولة، بل أن يقدم إضافات عظيمة قد تتجاوز إضافات المدير الفني ذاته الذي يعمل معه.

انتبه

لكن هل يقتصر الأمر على الجانب التكتيكي فقط حتى ينجح أرتيتا في أرسنال؟ الإجابة بكل تأكيد: لا. فأرتيتا يواجه عدة تحديات غير سهلة خارج أرض الملعب في مهمته الجديدة.

أول هذه التحديات هي الانتقادات التي تعرض لها قبل أن تطأ قدمه ملعب الإمارات من بعض الصحفيين بوصفه بالرجل القادم ليقول: نعم، «Yes man»، في إشارة إلى عدم قدرته على مناطحة إدارة فريق أرسنال أو فرض كلمته عليهم.

ثاني هذه التحديات هي غرفة الملابس في ملعب الإمارات. فالفريق الحالي يوجد به عدة لاعبين ممن زاملوا أرتيتا على أرض الملعب في أرسنال مثل: مسعود أوزيل وهيكتور بيرلين وكذلك كالوم تشامبيرس. تخلق مثل هذه الحالات أحيانًا حالة من التحفز ضد المدرب الصغير الجديد، مثل تلك التي خلقها شقيق «بيير إيميريك أوباميانج» بما كتبه على موقع الإنستجرام تعليقًا على خبر إسناد المهمة لأرتيتا: «نفس الشيء، لا خبرة!».

 

تحدٍ ثالث قد يواجه أرتيتا في مهمته وهي اللكنة الإنجليزية التي سيتحدث بها للصحافة والإعلام. قد يبدو الأمر تافهًا بالنسبة لك إلا أن الكاتب الإنجليزي «ديفيد هيتنر» قد أفرد له مقالًا كاملًا متحدثًا عن السخرية التي نالها يوناي إيمري بسبب لكنته الإنجليزية الضعيفة. يقول هيتنر إن مثل تلك الأمور لا تظهر على السطح إلا عند تعثر الأمور للفريق وهو ما يجب على أرتيتا أن يحسبه جيدًا.

أما الأمر الأخير والذي يتعرض له كافة مدربي البريمييرليج هو قسوة الصحافة الإنجليزية على كافة عناصر الدوري الأقوى في العالم. الترقب المصاحب لتجربة أرتيتا ستجعله أكثر تعرضًا للضغط من غيره بالطبع. ترقب سببه الأول هو المدح الذي ناله أرتيتا قبل أن يتولى مسؤولية الفريق من قِبل العديد من عناصر اللعبة، وسببه الثاني والأهم هو عنوان هذا المقال: هل ستظهر نسخة أخرى من جوارديولا في ملعب الإمارات؟ دعنا نرى.