يستطيع الأطفال دائمًا أن يعلموا الكبار ثلاثة أشياء: السعادة بلا سبب، الانشغال بشيء ما، ومعرفة كيف يطلبون بكل قوة ما يرغبون فيه.
باولو كويلو، رواية الجبل الخامس

يمتلك الأطفال النقاء الكافي الذي يشعر معه البالغون بمدى التغير الذي طرأ عليهم بتقدم العمر. يستعيد المرء رفقة الأطفال ذاكرة طفولته وكيف أن السعادة تكمن في القلب وكيف أن النجاح لا يفصلنا عنه سوى الإيمان بالقدرة على تحقيقه.

لذا فالحل السحري حتى لا تفقد هذا البريق الطفولي هو ألا تنفصل أبدًا عن طفولتك تلك، وهذا تحديدًا هو السر الذي يحمله بداخله اللاعب البرازيلي داني ألفيس.

لدي نفس الروتين قبل كل مباراة. أقف أمام مرآة لمدة خمس دقائق ثم يبدأ الفيلم في ذهني. إنه فيلم حياتي.
داني ألفيس

هكذا ببساطة يحافظ ألفيس على طفولته الدائمة. يحاول دائمًا ألا ينسي كيف بدأ الأمر لأن البداية هي التي صنعت تلك اللحظة الراهنة. هنا أمام المرآة وعلى بعد خمس دقائق من بداية مباراة كرة قدم ينتظرها الملايين، والسر الوحيد لكي يبقى متألقًا أن يؤمن أن تلك المباراة هي فرصة أخرى منحها الله له لكي يكون سعيدًا وليجعل الناس حوله سعداء.

ولأنه يفعلها مثل الأطفال فأنت لا تملك شعورًا سوى ما تملكه رفقة الأطفال أيضًا، لا تملك سوى الإعجاب به والاستمتاع برفقته.

إذا كنت من محبي الأرقام والتحولات التكتيكية والأدوار المركبة فأنت بالطبع ستحب داني ألفيس. أما إذا كنت من محبي قصص الصعود الساحرة في عالم كرة القدم فأنت بلا شك ستحب داني ألفيس. أما إذا كنت من أصحاب النظرة المختلفة تجاه كرة القدم فأنت رفيق داني ألفيس بلا شك. فقط اترك الانتماء الكروي جانبًا وستدرك على الفور أننا نتحدث عن واحد من عظماء اللعبة.

يقص ألفيس بنفسه قصة حياته التي تمر سريعًا في ذهنه كفيلم قبل كل مباراة. فلنبدأ كما بدأ ألفيس قصته والتي سنمزجها ببعض الحقائق والمعلومات والقصص الأخرى.

إرث الفقر والشغف أيضًا

كعادة طفولة لاعبي كرة القدم نستطيع أن نوجز طفولة داني ألفيس في كلمتين وهما: الفقر والشغف بالكرة، فقط سنضيف عنصرًا ثالثًا وهو والده.

كان على داني الاستيقاظ كل يوم في الخامسة صباحًا لمساعدة والده في رش الفاكهة والنباتات بالمواد الكيميائية لقتل البكتيريا. كانت تلك المهمة غير المناسبة للأطفال هي فرصته الوحيدة للتغلب على الفقر.

أما عن الشغف بالكرة فلم يكن والد داني ألفيس مجرد رجل يعمل في مزرعة رفقة أولاده لكنه كان رجلًا مجنونًا بكرة القدم أيضًا. كان يحلم أن يكون لاعب كرة قدم عندما كان صغيرًا لكنه فشل في ذلك فنقل شغفه بالكرة لأولاده.

أما عن السيد دومينغو ألفيس نفسه فقد شكل الكثير من مسيرة داني خاصة بعد تأسيس فريقه الخاص من الهواة. كان داني يلعب خلاله كجناح وكان يتنافس مع لاعبين أكبر منه بكثير مقدمًا المتعة للجماهير. كان يتطور بشكل كبير وملحوظ.

عرف حينها السيد دومينغو أن ما فشل في تحقيقه هو، سيحققه داني دون شك في أكاديمية كرة القدم التي التحق بها.

الحادثة الأولى للعالم القبيح

قبل أن يغادر داني المنزل قرر والده أن يمنحه ملابس جديدة للعب كرة القدم خاصة أنه سيبيت في تلك الأكاديمية. بعد اليوم الأول من التدريب علق داني ملابسه الجديدة حتى تجف وفي صباح اليوم التالي اكتشف أن أحدهم سرق ملابسه.

أدرك داني حينئذ أن العالم الحقيقي قبيح وأن سمومه أكثر ضررًا من السموم التي اعتادها صغيرًا. هذا ما يحدث عادة لنا جميعًا، الحادثة الأولى التي ربما تغير كثيرًا داخلنا لكن داني لم يتغير. كره العالم القبيح صغيرًا وظل على كرهه له. نستطيع أن نلاحظ ذلك من خلال هذا التصريح الذي أطلقه في حوار مع صحفي الجارديان  «سيد لو» خلال عام 2016 أي بعد 20 عامًا من تلك الواقعة.

يعتقد الناس أنني أبدو سعيدًا لأنني أتقاضى أجرًا جيدًا وأحيا حياة مترفة. لا، كنت أكثر سعادة عندما كنت أعيش في الريف مع والدي . لماذا؟ لأنني لم أكن أعلم مدى قباحة العالم. لا أفهم لماذا يتقاتل الجميع من أجل السلطة والمال والشهرة. ألم يلاحظ أحد بأن الشهرة هي هراء وأن المزيد من المال يعني المزيد من المشاكل؟
داني الفيس

الكلب الذي تجرأ وعبر سور إشبيلية

أقسم داني أنه لن يعود إلى المزرعة إلا بعد أن يجعل والده فخورًا به. بعد خمس سنوات فقط أصبح داني لاعبًا في صفوف الفريق الأول لنادي باهيا البرازيلي، وبعد عام واحد تقدم منه أحد الكشافين ليخبره أن فريق إشبيلية مهتم بخدماته على سبيل الإعارة لمدة موسم.

صرخ داني في وجه الرجل: يا للمفاجأة إشبيلية! سأكون سعيدًا هناك فأنا أحب إشبيلية، لكن في الحقيقة أنه لم يكن سمع بهذا الاسم من قبل لكنه كان يعلم أنه سينجح هناك وبعد أن عرف أن فريق إشبيلية يلعب أمام ريال مدريد وبرشلونة أصبح أكثر حماسة للذهاب.

قضى ألفيس ستة أشهر فكر بعدها أنه لن يستمر هناك أبدًا. فهو مصاب بسوء التغذية كما أنه لا يتحدث مع أحد ولا يهتم به المدرب أبدًا. في تلك اللحظة تحديدًا بدأ داني روتينه المعتاد. كان يغمض عينيه و يشاهد فيلمه الخاص. كان فيلمًا قصيرًا حينئذ، بعض المشاهد من الطفولة والفقر والشغف جعلته يتحول لشخص آخر.

بمجرد أن بدأ الموسم وجه المدير الفني للفريق حديثه للجميع: نحن هنا في إشبيلية لا يتجاوز دفاعنا خط المنتصف أبدًا.

شارك داني في بعض المباريات يمرر الكرة ويستقبلها كأي لاعب لكنه كان دومًا ينظر إلى خط المنتصف مثل الكلب الذي يخشى عبور سور الحديقة. حاول كثيرًا لكن كيف لطفل متحمس يسيطر عليه الشغف أن يبقى هكذا دون حراك للأبد.

بدون سبب تخطى ألفيس خط المنتصف فجأة وتبادل الكرة وراوغ وصنع وأحرز ممتلئًا بالحماس الذي يبقيه حيًا. وهكذا أصبح للمدير الفني خطة جديدة أهم عناصرها هو الاعتماد على الظهير الأيمن داني ألفيس كعنصر هجومي.

في مواسم قليلة تحول فريق إشبيلية من نادٍ يعاني من شبح الهبوط إلى فريق رفع كأس الاتحاد الأوروبي مرتين.

ليس صنيعة برشلونة كما يعتقد البعض

يعتقد البعض ان داني ألفيس هو صنيعة بيب جوارديولا وتكامل فريق برشلونة الذهبي، لكن في الحقيقة ان داني نفسه جزء هام من هذا النجاح في الأساس، بل إننا يمكننا القول بأن بيب نفسه كان محظوظًا كثيرًا للعمل مع داني ألفيس.

حسنًا، السطور القادمة تعود لصحفي الجارديان «سيد لو» عقب فوز إشبيلية على برشلونة بهدفين مقابل هدف في مارس 2007.

يبلغ من العمر 23 عامًا، واسمه دانيال ألفيس دا سيلفا وهو الآن أفضل لاعب في إسبانيا. وقد يفوز بالدوري الإسباني خلال هذا الموسم. وهذا بالتأكيد ليس سيئًا بالنسبة لطفل وصل كمجهول قبل أربعة مواسم. في الوقت الحاضر، يعد ألفيس بطلاً في إشبيلية فهو محبوب لشخصيته ولعبه والتزامه وكوميديته فهو مندمج تمامًا في الحياة الإسبانية.

يصنف ضمن أفضل 20 لاعبًا في إسبانيا على مدار العامين الماضيين وفقًا لدون بالون. داني ألفيس ليس ظهيرًا عاديًا، لقد لعب في مركز خط الوسط الأيمن والظهير الأيمن كما لعب كظهير أيسر وفي مركز خط الوسط الأيسر. ولعب في مركز خط الوسط المدافع حتى أنه لعب في الهجوم أيضًا.

ثلاثة لاعبين في لاعب واحد: صانع ألعاب ولاعب خط وسط بروح الجناح الذي يلعب في الظهير. إنه فرقة تتجسد في رجل واحد، رياضي استثنائي يصرخ ويمزق حول الملعب مثل طفل مفرط النشاط.

انتهى كلام سيد لو المستحق عن داني الفيس وما لاحظه لو لاحظه بيب جوارديولا الذي كان يبدأ ببساطة ثورة جديدة في عالم كرة القدم وكان يعلم أن داني لابد أن يكون جزءًا من تلك الثورة.

برشلونة: الأفضل على الإطلاق

وجد بيب ضالته في ألفيس كما وجد ألفيس المدرب الذي سيصبح معه الأفضل دون منازع. منحت طريقة بيب الحرية الكاملة لألفيس كظهير يمتاز بالقدرات الهجومية. ضمن له بيب أن يحصل على الكرة دون عناء.

وفي المقابل كانت أرقام ألفيس رفقة فريق برشلونة مع بيب وخلفائه لا تصدق. صنع داني 103 هدفًا وسجل 21 هدفًا خر. خلال 391 مباراة.

ولكي تبقى تلك الأرقام أكثر وضوحًا، فعليك أن تعلم أن ظهيري برشلونة الحاليين نيلسون سيميدو وسيرجي روبرتو صنعا مجتمعين 44 تمريرة حاسمة في 383 مباراة مشتركة.

لكن ما يجعل فترة داني مع برشلونة هي الأفضل وجوده خلف ميسي دون شك. فكرة تحول ميسي للعمق ليمنح الحرية لألفيس اللعب كجناح قد تصبح عنوانًا جيدًا للأمر لكن الحقيقة تتجاوز ذلك.

كان ما يربط الثنائي شيء أشبه بالتخاطر. عرف ميسي دومًا مكان ألفيس في الملعب وكان ألفيس يعرف مكان ميسي دون أن ينظر. شراكة خارقة لم يسبق لها مثيل، جعلت منها واحدة من أكثر الثنائيين إنتاجًا وأيقونية على الإطلاق. نتج عن ذلك أن ألفيس كان أكثر من صنع أهدافًا لميسي حتى تحطم ذلك خلال الموسم الماضي على يد لويس سواريز.

لقد حقق نجاحًا هائلاً في برشلونة، حيث لعب 247 مباراة وأصبح ثاني أكثر لاعب كرة قدم مشاركة في المسابقات الأوروبية على الإطلاق خلف باولو مالديني.

رحل داني الفيس عن صفوف فريق برشلونة بعد أن أحرز ستة ألقاب دوري وأربع بطولات كأس وثلاث بطولات دوري أبطال أوروبا وغيرها. ثم أخبرهم قبل أن يرحل أنهم سيفتقدونه ليس كلاعب ولكن كرجل يلعب بروحه من أجل الفريق وهو ما حدث بالفعل.

رحل من برشلونة إلى اليوفنتوس ثم باريس وحقق الألقاب هناك. وفي النهاية قرر أن يعود إلى فريق طفولته ساو باولو. أما عن البطولات فهو الأكثر تتويجًا في التاريخ وكانت آخر بطولة حققها هي الفوز بالكوبا أمريكا حيث توج بأفضل لاعب في البطولة وهو في عامه السابع والثلاثين.

كل مباراة وكل بطولة تجعل فيلمه الخاص أكثر طولًا، لكنه لا ينسى مشاهد البداية أبدًا لأنه اعتاد أن يقول لنفسه أن كل مباراة هي فرصة لكي يبقى سعيدًا ويجعل البقية سعداء.

لا يمكنك فصل داني كإنسان أبدًا عن كونه لاعب كرة قدم مميزًا لأنه يصر ألا يفعل ذلك بل يجعل إنسانيته جزءًا أساسيًا من نجاحه. حتى أنه عرض على زميله أبيدال التبرع بجزء من كبده لإنقاذ حياته. تصرف نقي تمامًا مثل تصرفات الأطفال.