ليس غريبًا أن تتسم آراء جماهير كرة القدم بالتغير الشديد، بل إن محاولة وضع تلك الآراء العاطفية على الدوام في سياق منطقي قد لا يفضي إلى شيء في النهاية. لكن بعض المشاهد تحتاج إلى تحليل من فرط التغير الذي طرأ عليها. أحد أهم تلك المشاهد هو علاقة جماهير النادي الأهلي بلاعب الفريق محمد مجدي قفشة.

في لحظة ما، سجل قفشة القاضية وتحول إلى أيقونة تشجيعية، ثم مع الوقت تبدل المشهد وصولًا لآلاف التفاعلات الغاضبة على صور اللاعب عبر صفحة النادي الرسمية.

كيف تغير المشهد بهذا العنف؟ ربما يمكننا فهم الأمر بتحليل المشهد منذ البداية. تبدو البداية هي لحظة تسجيل قفشة لهدف القاضية ضد الزمالك في النهائي الإفريقي، ربما تلك هي اللحظة الفارقة لكنها ليست البداية الحقيقية للقصة على الأقل عند الجماهير.

ما قبل قاضية قفشة

عاشت جماهير الأهلي سنوات هانئة رفقة جيل تاريخي يعج بالنجوم وحصد البطولات. كان أكثر ما يقلق جماهير الأهلي لسنوات رفاهيات مثل محاولة الفوز بأفريقيا لثلاثة مواسم متتالية ولأن الزمن لا يؤمن جانبه تغيرت الأمور رويدًا رويدًا.

عادت كرة القدم إلى طبيعتها فلا فريق يفوز للأبد، لكن الأمر كان صادمًا لجماهير الأهلي. مرت مرحلة محمود طاهر الغرائبية وتوسم الجميع في عودة لزمن حسن حمدي عبر رفيقه محمود الخطيب، لكن وعلى العكس غرق الأهلي في الضباب أكثر وأكثر.

أصبحت الأوضاع في الجزيرة غير مستقرة تمامًا، صراع الخطيب تركي آل الشيخ ثم خروج إفريقي بخماسية تاريخية وبمجرد أن هدأت الأمور على يد السيد فايلر حتى أتت الكورونا لتعصف بهذا الهدوء ذي السمة السويسرية المنضبطة.

وجد جماهير الأهلي أنفسهم في نهائي قاري أمام الغريم التقليدي وبقيادة فنية مغامرة على يد موسيماني، كانت الخسارة كفيلة تمامًا بانهيار تاريخي قد يمتد لسنوات، وبالفعل على أرض الملعب كانت الخسارة ممكنة ثم أتت اللحظة الحاسمة وسجل قفشة هدف الفوز.

جن جنون الجماهير، لقد أنقذهم الرجل من مذلة تاريخية ومصير متذبذب، طالت النشوة الجميع وتردد اسم قفشة مثل نبي، إلا أن أخطر ما حدث كانت نبوءة هذا النبي المنتظر.

تحدث قفشة بعد المباراة بشكل عفوي غير مرتب لكن هذا الحديث تم تسجيله وكانت الجملة بمثابة وعد خطير: «افتكر هذه الجملة جيدًا أهلي تريكة ووائل جمعة عائد». تلك الجملة كانت أكثر ما لمس قلوب جماهير الأهلي ومع نشوة الفوز صدق الجميع أن تلك النبوءة ستتحقق دون شك، فمن يمكنه اليوم أن يكذب صاحب هدف القاضية.

انتظرت الجماهير الأيام الخوالي، لكنها لم تأت أبدًا، وما زاد الطين بلة كان التحول الذي طرأ على رجل القاضية والمقصود هنا ليس التحول كلاعب كرة بل كأيقونة تشجيع صنعتها جماهير الأهلي في لحظة جنون.

وعود السعادة وحكمة المهاتما

عندما تكون سعيدًا، لا تمنح الوعود للآخرين.
الاقتصادي الأمريكي زياد عبد النور

لا يعرف قفشة شيئًا عن تلك القاعدة الذهبية للاقتصادي الشهير «زياد عبد النور» لذا قرر الرجل أن يرفع سقف الطموحات لأعلى مستوى قد يفكر به إنسان في هذه اللحظة المليئة بالنشوة والسعادة.

يمكنك ببساطة أن تتوقع بقية القصة فلا يوجد لاعب يحاط بسقف توقعات كبير إلا وكانت الصعوبات في انتظاره. لكن الأهم هنا أن قفشة نفسه لم يفهم خطورة الأمر. أشعل فتيل القنبلة وانتظر واقفًا جوارها لا يحرك ساكنًا.

وضع قفشة نفسه في مربع «اللاعب الحراق» الذي أتى ليعيد أمجاد السطوة والسيطرة. ولنكن منصفين ربما كانت الجماهير هي من وضعت قفشة في هذا المربع، لكن تصريحه كان مثاليًا لتلك الحالة دون شك.

أصبح قفشة لاعبًا كبيرًا في يوم وليلة دون أي إثبات داخل الملعب، وفي المقابل أراد الرجل الخروج من مربع القاضية إلى مربع اللاعب الحكيم الهادئ المتزن، تقمص قفشة الشخصية بشكل يليق بلاعب كبير في نهاية مشواره من فرط الحكمة والهدوء.

تحدث للجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي متسلحًا بكثير من الحكم والمقولات أما على أرض الملعب فهو صديق الجميع وأول من يخرج الكرة حال سقوط لاعب منافس حتى ولو كان سقوطًا غير مبرر ولا مشكلة أن يحتوي غضب شيكابالا بعد مشادة مع معلول والجماهير.

هنا ثارت الجماهير، لأن السبب الحقيقي الذي جعل الجماهير تضخم من نجومية قفشة كان التشفي من جماهير المنافس، أرادت جماهير الأهلي أن يبقى اسم قفشة حلًا سحريًا لإثارة غضب جماهير الزمالك. لماذا إذًا يحتوي شيكابالا ويبتسم في وجه المنافسين رغم الخسارة، أرادت الجماهير أن تصنع تميمة فوز ولاعب حراق فتفاجأت بصناعة المهاتما قفشة الذي زهد كل شيء حتى كرة القدم.

على أرض الملعب: التطور الذي لا يحدث

فطنت الجماهير لشخصية قفشة الجديدة ما بعد القاضية. وبمرور الوقت اكتشف الجميع أن جيل تريكة لن يعود، بل إن المصير الذي تبدد بهدف القاضية يلوح ثانية في الأفق، فالدوري ضاع لعامين متتاليين والخماسية الأفريقية تكررت وهنا عدنا لنقطة مهمة وهي ماذا يملك قفشة على أرض الملعب لإسكات هؤلاء الجماهير وتعديل صورته كيفما يشاء.

امتلك قفشة فرصة ذهبية بهدف القاضية وهي صبر الجماهير ودعمها اللامحدود في البداية، لكن قفشة رفض كل الفرص وصمم أن يبدو لاعبًا عاديًا في كل مرة ناهيك عن قصة الحكمة الفجائية تلك، لكنه لا يزال يملك ما يجعله يعيد إحياء مسيرته رفقة الفريق بعيدًا عن مربع الحراق وبعيدًا عن مربع المهاتما، هذا لأن جماهير كرة القدم جميعها لا تكره لاعب يفيد الفريق ويتطور رفقته.

يملك مجدي مميزات تتعلق برؤية الملعب والتمرير، إلا أنه يرفض بشكل مستميت التطور فيما يتعلق بسرعة نقل الهجمة والتخلص من بروفايل صانع اللعب الكلاسيكي والمشاركة في تدوير الكرة رفقة خط الوسط دون الإسهاب أو إبطاء الرتم.

كانت البداية عند السيد كيروش، الرجل الأكثر احترافية الذي وطأت قدمه أرض مصر منذ زمن بعيد. يعتمد العالم الآن على ثلاثي وسط ملعب متكامل ولا يوجد ما يسمى بفكرة صانع اللعب الحريف البطيء؛ لذا لم يجد قفشة لنفسه مكانًا رفقة كيروش وكان عليه الفهم أنه إذا لم يتطور فلن يجد مكانًا مضمونًا في نادٍ كبير. لكنه في المقابل وخلال سنوات لم يقدم ما يثبت للجماهير أنه فهم فكرة لاعب الوسط في كرة القدم الحديثة.

قبل الالتحاق بالأهلي تميز قفشة بقدرته على التصويب وتسجيل الأهداف، وهو الأمر الذي اختفى تدريجيًا من قدم الرجل دون سبب منطقي. لا يعرف أحد لماذا لا يتدرب لاستعادة مستواه فيما يتعلق التصويب والتسجيل؟

قفشه ليس لاعبًا سيئًا لكنه لا يتطور أبدًا ويصمم على لعب دور الرجل الذي يفهم كرة أكثر من الجميع رغم أنه أكثر لاعبي الأهلي احتياجًا للتطور على الجانب التكتيكي والفني، يجب على قفشة الاستعانة بمدربين فنيين متخصصين ومحاولة مواكبة التطور الذي يشهده مركزه.

ربما هذا ما يفسر ظهور آلاف الغاضبين لمجرد ظهور صورة لقفشة خلال صفحة الأهلي الرسمية، لأن هذا الرجل ليس اللاعب الحراق الذي تمنوه كما أنه ليس لاعب الكرة الذي سيعيد جيل بركات وتريكة كما وعد ولأن هدف القاضية لم ينقذ الأهلي من المصير السيئ.