سوف يشهد المستقبل طائفة من الأمم الصغيرة والمستقلة، تكون المَعرفة خط الدفاع الأوّل فيها.
عالم الرياضيات والكيمياء الألماني «تشارلز بورتيوس». [1]

في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2009، لاحظت امرأة إسرائيلية حادة البصر تُدعى «نيفا بن هروش» شابًا يعلِّق قنبلة على الجانب السفلي من سيارة في شارع هادئ بالقرب من ميناء تل أبيب، وعندما اعتقلت الشرطة الشاب، ادّعى أنه عميل لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) ويشارك في تدريب. تبين أن قصّته صحيحة وأن القنبلة مزيفة.

يتألف مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي من:

  • أمان (الاستخبارات العسكرية).
  • شين بيت (الاستخبارات الداخلية أو الأمن الداخلي).
  • الموساد (الاستخبارات الخارجية).

يظل الموساد الأكثر شهرة بينهم، حيث ينصب تركيزه على الدول والمنظمات العربية في جميع أنحاء العالم. ولفظ الموساد اختصار لـ «المعهد المركزي للاستخبارات والعمليات الخاصة».

ويقع مقر الموساد الرئيسي في تل أبيب، شارع الملك شاؤول. وقُدِّر عدد موظفيه في أواخر الثمانينيات بين 1500 و2000 فرد، مع تقديرات أحدث تضع الموظفين في حدود 1200 فرد.

كانت هوية مدير الموساد سرية، أو على الأقل لم يتم نشرها على نطاق واسع، حتى أُعلن رسميًا في مارس/أذار 1996 تعيين اللواء «داني ياتوم» كـ بديل لمدير الموساد «شبتاي شافيت»، الذي استقال في أوائل عام 1996.

وظيفة الموساد، كما يشرح موقعهم على الإنترنت: «جمع المعلومات وتحليل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات سرية خاصة خارج حدود [إسرائيل]». وأفضل تعريف للموساد قدّمه «تمير بردوا» رئيس الموساد السابق، في مُقابلة للقناة 12:

منظمة جريمة، مع ترخيص للملك والدولة، وهذا هو الجزء الأجمل فيه.

المَدرسة والشارع

مساءً؛ أصبحت قصّة «نيفا بن هروش» وعميل الموساد الذي كان يتدرب على زرع عبوة ناسفة، مادة موجزة في الأخبار التلفزيونية المحلية.

قد تظن أن الارهابيين فقط هم من يزرعون العبوات الناسفة ويفخخون السيّارات، لكن لجهاز الموساد تاريخ طويل في ذلك. ففي الثامن من يوليو/تموز 1972، فخَّخ عُملاء للموساد سيارة الأديب الفلسطيني «غسان كنفاني»، والذي كان يعيش في بيروت حينها، واُستشهد كنفاني في الانفجار. وفي 12 فبراير/شباط 2008 اُغتيل القائد العسكري لحزب الله «عماد مغنية» في حادث تفجير سيارة في دمشق.

بجانب التدريب والدراسة في مدرسة الموساد، والتّي تُدعَى «المدراشة»، وتقع قرب بلدة هرتسليا. يتلقى عملاء الموساد وضباطه تدريبًا في الشوارع.

بالعودة إلى أيام جاسوس إسرائيل الأشهر «إيلي كوهين»، والذي تمّ زرعه في سوريا عام 1962، نجد أنّه تلقى تدريبًا في شوارع تل أبيب على لُعبة تُشبه الغُميضة. كان «إيلي كوهين» يغادر منزله كل صباح متذرعًا بشيء ما، ويتوجه إلى مركز التدريب في جهاز أمان.

في البداية، تعلّم كيف يقوّي ذاكرته، فكان مدربه «إسحاق» يلقي أشياء على الطاولة، كـ قلم ومجموعة مفاتيح وسيجارة وممحاة وبضعة دبابيس، وينظر إليهم إيلي لثانية أو اثنين ثم يُغمض عينيه. تعلّم أيضًا التعرف على الدبابات والطائرات والمدافع ومصادرها.

كان مدربه يقول: «لنذهب في نزهة»، فيخرجان إلى شوارع تل أبيب المزدحمة، ويهمس له مدربه: «هل ترى كشك الصحف هناك، اذهب الآن هناك وتظاهر بأنك تشتري الصحف، لكن في الوقت نفسه، حاول أن تعرف إن كان ثمة من يتابعك (يُراقبك)». وعندما يرجعان إلى المركز كان إسحاق يصغي إلى تقرير إيلي، ثم يرمي مجموعة من الصور على الطاولة. «كنت محقا بشأن هذا؛ يتبعك بالفعل، لكن ماذا عن ذلك الرجل الواقف قرب الشجرة، هو أيضًا كان يتبعك كظلك». [2]

ونجد كتاب آخر يتحدث عن ذلك التدريب فيقول:

حينما فرغ إيلي من التدريبات الأساسية، قضى أسبوعين من الزمن وهو يمارس لعبة ما في شوارع تل أبيب، كان يتعقبه اثنين أو ثلاثة من المجندين الجدد أمثاله، وهم يسمون «الظلال»، وقد كان عليه التنقل من مكان إلى أخر محاولًا التعرف عليهم، بعدئذٍ يحاول الإفلات منهم، بأنّ يطرأ تغيير ملموس على طراز شخصيته، وقد كانت مهمة عسيرة، قضى إيلي عدة أسابيع في اتقانها… وأخيرًا انعكست الأدوار وأصبح إيلي المُطارِد، الذي يحاول المجندون الآخرون الإفلات منه، وأعاد التجربة مع عملاء مجربين. وقد كان اتقان هذه المهارات أمرًا أساسيًا. [3]

أقسام الموساد

ينقسم الموساد إلى أقسام تؤدي وظائف مختلفة، وعلى مر السنين أعاد الموساد تشكيل الأقسام، حيث قلّل عدد الوكلاء من أكثر من 2000 إلى الـ 1200 الحاليين، مقسمين على النحو التالي (طبقًا لما هو مُعلن):

1. قسم التحصيل

وهو القسم الأكبر والأكثر وضوحًا، مسئول عن عمليات التجسس، وله مكاتب في الخارج تحت غطاء دبلوماسي وغير رسمي. يتكون القسم من عدد من المكاتب المسئولة عن مناطق جغرافية محددة (محطّات): محطّة باريس، ومحطّة لندن وغيرهم. ويعمل في كل محطّة ضباط يكونون حلقة وصل بين الجواسيس والموساد. وابتداءً من عام 2000، قام الموساد بحملة إعلانية للترويج لتجنيد ضباط التحصيل.

2. قسم العمل السياسي والاتصال

وهو مسئول عن العمل والتواصل مع الحلفاء الأجانب ووكالات الاستخبارات الأجنبية، وتأتي في المقدمة «وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA» و«الاستخبارات البريطانية MI6»، بجانب الدول التي ليس لها علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل. وفي المحطات الأكبر؛ مثل باريس، كان لدى الموساد -تحت غطاء السفارة والعمل الدبلوماسي- مراقبان إقليميان: أحدهما لخدمة قسم التحصيل، والآخر لإدارة العمل السياسي والاتصال. [4]

3. قسم LAP) Lohamah Psichlogit)

وهو مسئول عن الحرب النفسية وعمليات الدعاية والخداع. وفي أثناء الإعداد لحرب 1967 كان قسم LAP مسئولًا عن إعداد ملفات عن الطيارين والأطقم الأرضية وضباط الأركان المصريين، ومهاراتهم في الطيران، وما إذا كانوا يشغلون مناصبهم بالكفاءة أو الوساطة، ومنْ منهم يشرب الخمر ومنْ منهم يتردد على المواخر أو يُعاني من الشذوذ الجنسي.

وكان مُدير الموساد حينها «مائير عاميت» يقضي ساعات طويلة من الليل يتصفح تلك الملفات، بحثًا عن نقاط الضعف، ومنْ يمكن ابتزازهم لإجبارهم على العمل لصالحه، وكان يقول: «لم تكن هذه المهمة تبعث على الارتياح، لكن عمل المخابرات يتسم غالبًا بالقذارة».

وبدأت عائلات عسكريين مصريين تتلقى خطابات من مجهولين مُرسَلة من القاهرة، تكشف عن تفاصيل فاضحة عن سلوك الأب الذي تحبه العائلة. وبدأ بعض ضباط الأركان يتلقون مكالمات هاتفية من مجهولين تُقدِّم تفاصيل عن الحياة الشخصية لزملاء لهم. وقد سبَّبت تلك الحملة بلبلة واضحة بين العسكريين المصريين. [5]

4. قسم العمليات الخاصة

المعروف أيضًا باسم ميتسادا Metsada، ثم أعيد تسميته Komemiute، وله دور أساسي؛ حيث يُمثِّل الجناح العسكري للموساد، وهو المسئول عن عمليات التخريب والقتل والقضاء على أهداف مختارة. ومن أبرز وحداته «وحدة كيدون»، والتي مسئولة عن عمليات القتل.

5. قسم الأبحاث

وهو مسئول عن إنتاج المعلومات الاستخبارية، بما في ذلك تقارير الحالة اليومية والملخصات الأسبوعية والتقارير الشهرية المفصلة. تمّ تنظيم القسم في 15 قسمًا أو «مكاتب» متخصصة جغرافيًا، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي السابق والصين وأفريقيا والمغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس) وليبيا والعراق والأردن وسوريا والسعودية والإمارات وإيران. ويركز المكتب «النووي» على القضايا الخاصة المتعلقة بالأسلحة.

6. قسم التكنولوجيا

وهو مسئول عن تطوير التقنيات المتقدمة لدعم عمليات الموساد. ففي إبريل/نيسان عام 2001، نشر الموساد إعلان في الصحافة الإسرائيلية يبحث عن مهندسي إلكترونيات وعلماء كمبيوتر لوحدة تكنولوجيا الموساد. حتى وقت قريب كانت مثل هذه الإعلانات مخفية تحت ألقاب مثل «مطلوب خريجي الوحدات المقاتلة لمؤسسة حكومية».

هناك عاملان وراء قرار تغيير خطهم: الأول، كان الموساد يمر بعملية انفتاح تدريجي على وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة -بنفس الطريقة التي قام بها الشاباك والوحدات العسكرية المختلفة، ولكن بشكل أبطأ. والثاني، وهذا هو العامل الأكثر أهمية، يجب على الموساد أن يقدم بعض التنافس على الإغراءات المقدمة إلى النخبة من موظفي التكنولوجيا الفائقة في القطاع المدني. وليس من السهل القيام بذلك بدون دعاية، حتى لو كانت قليلة.

يقول مهندس كمبيوتر خدم سابقًا في الوحدة التكنولوجية في الموساد:

في العقدين الماضيين، كان معظم الأفراد جنودًا، لكن الوحدة لا تريد الاعتماد على الجنود فقط… في السابق كانت الطريقة هي إرسال الرسائل إلى المواطنين، وكان هناك أيضًا طريقة؛ العضو يجلب صديقًا، وهذا أمر عفا عليه الزمن، لذلك عليك فقط الابتعاد عن طريقة التفكير هذه.

يقول «ريتشارد كلارك»، كبير مسئولي البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب:

تمثلت وجهة النظر داخل الـ CIA في أننا لا نريد القيام بعمل خفي، وإذا قمنا بعمل خفي، نريده أن يتم بطريقة صحيحة ونظيفة. لا نريد التورط في قتل الناس، لأننا لسنا كذلك. فنحنُ لسنا الموساد. [6]

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. دينيس إيزنبرغ وإيلي لاندو واوري دان، «الموساد: جهاز المخابرات الإسرائيلية السري»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الجليل للنشر، عمّان، ص 5.
  2. ميخائيل بار زوهار ونسيم ميشعال، «الموساد أكبر مهام جهاز المخابرات الإسرائيلي»، ترجمة: زينة إدريس، الدار العربية للعلوم (ناشرون)، الطبعة الأولى، 2013، ص 157.
  3. «الموساد جهاز المخابرات الإسرائيلية السري»، مرجع سبق ذكره، ص 64.
  4. جوردان توماس، «جواسيس على الرمال: التاريخ السري للموساد الإسرائيلي»، ترجمة: إبراهيم البغدادي، مكتبة الساقي، بغداد، الطبعة الأولى، 2001، ص 84.
  5. المرجع السابق، ص 78-79.
  6. ماكر مازيتي، «حروب الظل: الحروب السرية الامريكية الجديدة»، ترجمة: أنطوان باسيل، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثالثة، ص 101.