تتوالى الأيام على قطاع غزة المُحاصر. اعتادت غزة الحصار والتضييق الأمني، وحساب كل سُعر حراري يدخل للقطاع. لكن ما زاد في الأسابيع الماضية هو حالة القصف العشوائي والبساطي التي تعيشها كل شوارع غزة وبيوتها. يستمر الاحتلال الإسرائيلي في عملية قصف الأبرياء والعُزّل. ترتكب إسرائيل بذلك العديد من جرائم الحرب والانتهاكات السافرة للقانون الدولي والإنساني، وحتى القوانين التي تحكم الحروب كي لا تتحول إلى مأساة إنسانية تجر العالم عقودًا للخلف، حيث الوحشية والهمجية.

بدأت الجرائم بإعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قطع الكهرباء والماء والغاز والوقود بمختلف أنواعه عن قطاع غزة. أتى ذلك بعد وصفه الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية. وأوضح أن إسرائيل تتعامل معهم على هذا الأساس، وهو ما اعتبرته هيومن رايتس ووتش أمرًا مقززًا، وكاشفًا لما تضمره إسرائيل بحق سكان غزة. خصوصًا أن الحديث كان على كل سكان القطاع عمومًا، دون تمييز بين عسكري ومدني.

وينص القانون الدولي على حق السكان المدنيين في الحماية الكاملة حال القيام بعمليات عسكرية. كما يمنع القانون الدولي، أو يُقيّد، العمليات القتالية التي من شأنها أن تصيب المدنيين. كما ينص القانون على حظر استهداف المدنيين عشوائيًا، وبالتأكيد تجريم استهدافهم بشكل مباشر، أو الاقتصاص منهم. وهذا بالضبط ما قام، ويقوم به، الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة.

كذلك يعتبر القانون الدولي من جرائم الحرب القيام بمهاجمة أو تدمير أشياء لا غنى عنها في الحياة اليومية. مثل الحقول الزراعية، والحيوانات، والمواد الغذائية. ويخص القانون بالذكر مصادر المياه ومحطاتها. وكل تلك الأمور اعترفت إسرائيل رسميًا بارتكابها في القطاع تحت سمع ونظر العالم أجمع.

كما خالفت قوات الاحتلال بشكل واضح اتفاقية جنيف، خصوصًا البروتوكول الأول لها، الذي ينص بوضوح على السماح بمرور القوافل الإنسانية، بل وحمايتها وتسهيل وصولها للمدنيين بما يضمن بقاءهم على قيد الحياة. لكن على النقيض من ذلك قامت إسرائيل بقصف معبر رفح المصري أكثر من مرة، فيما يمثل تهديدًا مباشرًا لمرور المساعدات وتعطيلها.

وفي اتفاقية جنيف نفسها، في البروتوكول الثاني، يمنع القانون الدولي قيام القوة العسكرية بإجبار المدنيين على النزوح قسريًا من أماكنهم لأي أماكن أخرى لأسباب تتعلق بالنزاع وطبيعته. لكن هذا تحديدًا ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي عبر القصف العشوائي للأماكن المدنية الآمنة، وقصف المستشفيات والمدارس. مع إسقاط منشورات تحث الأهالي للنزوح نحو الجنوب للحصول على الأمان. لكن حتى ذلك لم يصدق فيه الاحتلال، وقام بقصف النازحين العُزل.

كما وثقت منظمة العفو الدولية ارتكاب الاحتلال لهجمات غير قانونية تتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وإحداث دمار مروع، وهلاك عائلات بأكملها. مثلما حدث مع عائلة الدوس، التي قصفت إسرائيل منزلهم المكون من ثلاثة طوابق. قتل في هذا الهجوم 15 فردًا، منهم 7 أطفال، أصغرهم أدهم عمره بالشهور. استغرق انتشال الجثث من تحت الأنقاض قرابة 6 ساعات. ويؤكد اكتظاظ المبنى بالناس أن إسرائيل لم تُحذر قبل القصف.

كما هاجمت إسرائيل منزل عائلة حجازي، وقتلت منهم 12 فردًا. قال الاحتلال إنه ضرب المنازل لاستهداف أهداف حماس، لكنه لم يوضح طبيعة تلك الأهداف، ولا أعلن عن خسائر حماس جراء الضربة. وعلى هذا المنوال سارت إسرائيل مستترة بالضوء الأخضر المعطى لها من العالم الغربي بالكامل لقتل ومحو عائلات مدنية بالكامل من السجل المدني، دون أن تخشى عقابًا أو لومًا.

ولم توجد في المنطقة المحيطة بأي مبنى قصفته إسرائيل أو بأي من طوابقه أهدافًا عسكرية يمكن استغلالها لتبرير هذا القصف المفاجئ. وهذا ما أكدته أنياس كالامار، الأمينة العامة للمنظمة، أن إسرائيل أعلنت نيتها استخدام كل الوسائل الممكنة للقضاء على حماس. لكنها بدلًا من ذلك دمرت الشوارع تباعًا، ودمرت البنية التحتية، وفرضت قيودًا ستؤدي إلى النفاد السريع للمياه والوقود والأدوية.

كذلك قامت إسرائيل بشكل مؤكد باستخدام قنابل الفوسفور الأبيض خلال عملياتها العسكرية في قطاع غزة. وتعتبر قنابل الفسفور من الأسلحة المميتة، حيث ينتج عن انفجارها حرارة شديدة وأعمدة من الدخان الأبيض الحارق. تؤدي تلك الحرارة مع الأدخنة لإذابة جلد الفرد وفصله عن عظامه. وتبقى الجزيئات الحارقة داخل أجساد الضحايا حتى بعد انتهاء القصف لتسبب تآكل كافة أعضاء الجسد الداخلية.

كما شهدت السجون الإسرائيلية جانبًا من الانتهاكات الإسرائيلية بقتل قياديّ حماس عمر دراغمة في سجونها. يبلغ الرجل 58 عامًا من طوباس شمال الضفة الغربية. واعتقل منذ الأيام الأولى لطوفان الأقصى. وينص القانون الدولي على أن الأسير يجب عدم حرمانه من حقه في الحماية والمحاكمة العادلة.

تتعدد المجازر التي يرتكبها الاحتلال في حق أهل غزة، وأصبحت متلاحقة إلى الحد الذي يُفقد القدرة على الإحصاء. ففي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اليوم رقم 18 من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وثقت وزارة الصحة الفلسطينية 47 مجزرة خلال عدة ساعات فحسب. خلّفت تلك المجازر قرابة 704 شهداء، ما يرفع الحصيلة الإجمالية للشهداء خلال أسبوعين إلى 5800 شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وارتفع بذلك عدد المصابين إلى أكثر من 15 مصابًا.

مع تتابع الهجمات وعدم وقف إطلاق النار أو تقييد القصف على الأهداف العسكرية فحسب تزداد رقعة الدمار في غزة. لكن الهدف الإسرائيلي منها واحد، إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر. بعيدًا عن الدقة أو أهداف محددة أو بنك استهدافات. فالمطلب الإسرائيلي أن تتحول غزة إلى مدينة خيام، لا توجد فيها مبانٍ، ولا علامات للحضارة وللحياة فيها.