وفي هذه السلسلة، نستعرض أهم هذه الشخصيات وتاريخها ومواقفها الملتبسة، لنرى هل كان من الصواب إسباغ أوصاف الثورية عليهم وعلى مواقفهم، أم أن هذه الأوصاف كانت خطأ منذ البداية.

أبو الثوار

لا أحد يعرف من الذي أطلق عليه هذا اللقب، ولماذا اختاروه هو بالذات لإطلاق هذا المسمى عليه، ولماذا أصلا يجب أن يكون للثوار أبا أو أما أو قريب من أي نوع. لكن الإعلام أصر على تعريف الرجل بهذا الاسم، وداوم على نشر تصريحات وعمل لقاءات معه بهذه الصفة.

ويظهر “أبو الثوار” في مناسبات متفرقة، حاملًا لافتة تحمل خلاصة فكره وآراءه في الحياة موجهة إلى الشعب المصري.

كان لافتا دفاع وسائل الإعلام عن “أبو الثوار” بعد الانقلاب، والهجوم على الإخوان لأنهم –حسب وسائل الإعلام- يحاولون تشويه الثورة بالهجوم عليه، وكأنه امتلك التوكيل الحصري للثورة. لكن بمتابعة تصريحات الرجل يتضح لماذا دافع عنه الإعلام.

يقول الرجل في الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود: إن من سيدخل إلى شارع محمد محمود ليس ابنه وسيتبرأ منه! وأن من اشتبكوا مع الشرطة وقتها ليسوا ثوارا.

من هو هذا الرجل حتى يقول تقول هذا الكلام؟ وما علاقته بالمتظاهرين أو الثورة؟ وكيف نصب نفسه حاكما على المتظاهرين؟ وينفي عن أشخاص صفة الثورية؟ كيف تمكن الرجل من نشر هذا اللقب عن نفسه لدرجة أن كثيرين في ميدان التحرير كانوا يتعاملون معه على هذا الأساس؟ أسئلة لن نجد إجابات عليها.

الرجل لم يقصر أبدا في كشف مستوى آراءه، إذ نشر صورة له على وهو يحمل لافتة تمجد في مشروع السيسي المسمى قناة السويس الجديدة. وحضر حفل زفاف أحد ضباط الشرطة، وظهر بانتظام على قنوات “صدى البلد” و”المحور” ليتحدث عن “مصر الجديدة” مشيدا بما يحدث بعد الانقلاب.

ولا يمانع الرجل في التصوير مع “صموئيل العشاى” مدير حملة عمر سليمان أثناء ترشحه للرئاسة.

يقف “أبو الثوار” أمام البوابة الرئيسية لجامعة الأزهر، يحمل لافتة يحذر فيها الطلاب من التظاهر، بحجة أنهم يتعرضون للخداع من “تاجر الشرع والدين”.

ويقف وسط مظاهرة مؤيدة لمرسي أثناء أولى جلسات محاكمته، معترضا على سريتها، يهاجمه المتظاهرون بالقول، فلا يتردد في صفع أحدهم.

وعن تصويت في مشروع الدستور بعد الانقلاب، قال “أبو الثوار” إنه قام بالتصويت ب”نعم” على الدستور من أجل مصر واستقرارها.

ويصدق أبو الثوار جهاز القوات المسلحة علاج الإيدز وفيرس سي، وقال في تصريحات صحفية لموقع مصر العربية: إن هذا الموضوع كشف المتربصين بالقوات المسلحة وجيش مصر، وأنه كان لابد من الوقوف مع الجيش من أجل شفاء ملايين المصابين بالمرض اللعين.

وكما حدث مع الكثير من مؤيدي الانقلاب، تعرض “أبو الثوار” للاعتقال والضرب والإهانة من ضباط الشرطة الذين كان يمدح فيهم، بتهمة خرق قانون التظاهر، قبل أن يفرج عنه، ليغادر الميدان ويتوجه للعيش في مسقط رأسه بكفر الشيخ، ولا يظهر إلا في مناسبات قليلة.

العديد من الشائعات قالت إن الرجل ينتمي إلى جهاز المخابرات بهدف اختراق الثورة، خاصة مع حضوره حفل زفاف أحد ضباط الشرطة. وثار جدل متواصل في وسائل الإعلام حول حقيقة الرجل، ما بين تأكيد ونفي وحوارات ولقاءات، رغم أن الموضوع لا يستحق اهتمام. فالطبيعي أن يترك وشأنه باعتباره مواطنا عاديا له الحق في قول أو فعل ما يريد، أما أن يتعامل معه البعض باعتباره مقياسا للمواقف الثورية، فهذا هو الأمر العجيب.

أم الثوار

هذه ليست سبة، بل هو لقب آخر على غرار “أبو الثوار” حصلت عليه سيدة تدعى “خديجة” وأصبح اسمها “ماما خديجة” وصارت تعرف به من وسائل الإعلام باعتبارها “رمز وأيقونة” للثورة، ويتم الاتصال بها للحصول على تصريحات حول تطورات الأوضاع السياسية.

ظهرت “ماما خديجة” للمرة الأولى بعد الاعتداء عليها من قبل قوات الجيش أثناء أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر 2011.

كما ظهرت “أم الثوار” في فيديو في عهد مرسي تدعو للثورة عليه، وتتوعد الإخوان قائلة: لو عاوزينها دم هنخليها دم.

وفي فيديو آخر تقول لمرسي إن قلبه سيحرق على أولاده وسيكونون “مرميين زي الكلاب”.

الهجوم الشرس لماما خديجة على الداخلية في عهد مرسي تحول إلى مطالبات بالمصالحة بينها وبين روابط الأولتراس. كما أيدت الانقلاب ونزلت ميدان التحرير لتفويض السيسي لمواجهة “الإرهاب”.

ورغم وصفها لمرسي بالعديد من الأوصاف اللاذعة بسبب وقوع ضحايا في عهده، إلا أنها أثنت على دور السيسي “الهام” الذي لا يستطيع أحد آخر القيام به غيره، وطالبته باستكمال مهمته “الوطنية” بعد قيامه بعزل مرسي وفض الاعتصامات التي وقع فيها آلاف القتلى. ويبدو أنها تعرضت للإحباط بعد إعلانه ترشحه للرئاسة لأنها كانت تؤيد حمدين صباحي، وربما كانت تتصور أن السيسي سيخلي الساحة لمرشحها، فإذا به يخدع الجميع!

والغريب أن “ماما خديجة” لا زالت تتحدث حتى الآن عن مطالب الثورة والعدالة الاجتماعية وكأن ما حدث كان في بلد آخر.

“أم ثوار” أخرى ولكن على الجانب الآخر، ظهرت تحت اسم “ماما سلوى” بعد أحداث الاتحادية لتدافع عن موقف أنصار مرسي، كما دافعت عنهم في المؤتمر الذي أقامه مكتب الإرشاد للتعليق على الأحداث، وكانت تظهر في مظاهرات أنصار مرسي بنفس الصفة.

حزب الثورة

ظهرت الفكرة بعد عزل مبارك، ومفادها أن الثورة لا بد أن يكون لها كيان سياسي يعبر عنها ويتبنى مطالبها، وقد بدأت أولى هذه الكيانات فيما سمي “ائتلاف شباب الثورة” وعشرات الائتلافات الأخرى التي ظهرت، ومعظمها لم يتجاوز عدد المنتمين لها أصابع اليدين. وبعضها تم اختراقه واستغلاله بعد ذلك لتأييد السلطة، مثل الكيان المسمى “تكتل القوى الثورية” الذي يؤيد السلطة منذ الانقلاب ويساند كل إجراءاتها. والمدعو “طارق الخولي” الذي انتمى في إحدى الفترات إلى حركة شباب السادس من أبريل، لكنه تحول إلى “سيساوي” أصيل حتى الآن.

وبعد إعلان البرادعي انسحابه من خوض الانتخابات الرئاسية، اتجه الأخير إلى فكرة تأسيس حزب “يعبر عن الثورة”، وبعد العديد من المشاورات استقر الأمر على حزب “الدستور”.

تعامل البعض مع هذا الحزب باعتباره حزب الثورة، لكن مواقف الحزب منذ نشأته تطرح تساؤلات حول حقيقة هذا الوصف.

ظل عدد من أفراد الحزب يدعون ل”عنف ثوري” في عهد مرسي، وهو عنف يوجه ضد القوى “الرجعية” على حد قولهم، أي الإسلاميين عموما والإخوان بصفة خاصة، وبالطبع أيد الحزب الثلاثين من يونيو والانقلاب على مرسي. واشترك عدد من رموز الحزب الحاليين أو السابقين في حكومة الببلاوي التي قامت بفض اعتصامي رابعة والنهضة، وكان من أبرزهم “حسام عيسى” الذي تماهى تماما مع الانقلاب وأيد كل إجراءاته، وانتصر للداخلية على حساب الطلاب أثناء توليه منصب وزير التعليم العالي، ونفى مسئولية الشرطة عن قتل الطلاب.

خبر آخر بتاريخ فبراير 2014، يؤكد فيه “مصطفى إبراهيم” أمين حزب الدستور بالمنوفية، أن فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة جاء بطريقة “حضارية” لم يستخدم فيه سوى القنابل المسيلة للدموع، وأن الحزب سيعقد اجتماعا مع القوى السياسية بالمحافظة للتنسيق والتنبيه على المواطنين بضرورة عمل لجان شعبية لمنع تكرر الاعتصامات من جماعة الإخوان في ميادين أخرى.

انخفضت مطالب الحزب كثيرا بعد ذلك، وقبلت رئيسة الحزب “هالة شكر الله” دعوة السيسي للقاء الأحزاب في القصر الجمهوري، وأعربت عن تقديرها لهذه الدعوة، وعندما ذهبت تحدثت معه عن “الفساد” و”الاحتكار”، وبعض المطالب الجزئية الأخرى كتعديل قانون الانتخابات (الذي يطالب السيسي الأحزاب بدخولها في قائمة موحدة تدعمه) والإفراج عن المحبوسين.

مرشح الثورة

لماذا لا يتحد “مرشحو الثورة” لاختيار واحد فقط يمثل الثورة في انتخابات الرئاسة؟ فكرة طالما طرحها ثوار وكيانات ثورية منذ تنحي مبارك مباشرة. وكان رموزها (البرادعي- حمدين صباحي- عبد المنعم أبو الفتوح- خالد على- هشام البسطويسي- أبو العز الحريري).

في البداية ظهرت دعوى تنادي بالبرادعي رئيسا والبسطويسي نائبا، وبعد ذلك تعددت الاقتراحات، حيث يقوم كل شخص بجمع شخصين من القائمة من أحب الناس إليه ويصنفهم كرئيس ونائب، وربما أضاف شخصا ثالثا كرئيس للوزراء. (البرادعي رئيسا وأبو الفتوح نائبا، أبو الفتوح رئيسا وحمدين نائبا أو العكس.. إلخ)

لكن ما حدث بعد ذلك يطرح تساؤلات حول حقيقة تمثيل كل منهم للثورة، فمنهم البرادعي الذي ساهم في الانقلاب وقبل منصب نائب رئيس الجمهورية قبل أن يقدم استقالته، ومنهم حمدين صباحي الذي رحب أيما ترحيب بعزل مرسي، وساند كل الإجراءات القمعية التي تم اتخاذها بحق المعارضين، وأيد فض رابعة واصفها إياه بالقرار الصحيح، وحمل الإخوان مسئولية الدماء التي سالت.

تصور صباحي أن السيسي سيقوم بكل ذلك ثم يخلي الساحة له للترشح لانتخابات الرئاسة، وحاول بكل الطرق تقديم وعود للأخير بأنه سيبقي عليه وزيرا للدفاع ويمنحه كافة الصلاحيات الممكنة، فقط إذا سمح له بالترشح والنجاح في الانتخابات! ثم كانت المفاجأة أن السيسي رفض التفريط في المنصب واستحوذ عليه في انتخابات حصل صباحي فيها على أقل من 3% من الأصوات. وأصر صباحي على خوض الانتخابات رغم المطالبات الكثيرة له بالانسحاب لأنها انتخابات أشبه بالاستفتاء محسومة نتيجتها سلفا، وهو موقف يتناقض مع مطالبته السابقة لمرسي بالانسحاب من جولة الإعادة أمام شفيق حتى تكون هناك فرصة لإعادة الانتخابات من جديد لأنه حل في المركز الثالث.

وجد صباحي نفسه في مأزق: فإما أن يعترف بالنتيجة ويقر بانحسار شعبيته لهذه الدرجة، وإما أن يطعن في النتائج ويتحمل غضب السلطة، فاختار حلا وسطا، وهو الانتقاد الناعم للانتخابات وإبداء بعض الملاحظات البسيطة على نزاهتها، مقرا في الوقت نفسه بالهزيمة ومهنئا السيسي على فوزه، ومن يومها اختفى صباحي ولم يظهر إلا في لقاء مع السيسي في قصر الرئاسة.

أما الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فكان في البداية اختيارا مثاليا للعديد من الفئات، لكن مشاركة حزبه “مصر القوية” في مظاهرات الثلاثين من يونيو، ومقابلته للرئيس المؤقت “عدلي منصور” بعد الانقلاب، ساهمت في زيادة حالة السخط عليه، رغم معارضته للإجراءات القمعية وتصريحاته القوية ضدها، إلا أنه اكتفى بالمعارضة الشفهية مستسلما لحالة الانكسار التي صاحبت المجتمع بعد بروز قوة الدولة القمعية مرة أخرى.

أما المرشحين الآخرين، فلم يحصل كل منهم على تأييد كبير في الانتخابات، وكانوا أقل من أن يكونوا حالة من الحراك سواء في انتخابات 2012 أو انتخابات 2014، فضلا عن مشاركة بعضهم الصريحة في تأييد الانقلاب، مثل البسطويسي والحريري، ما عدا خالد على الذي عبر عن رفضه لما حدث ويقدر الكثيرون مواقفه.

التقسيم نفسه الذي تحدثنا عنه يغفل مرشحين إسلاميين مثل حازم صلاح أبو إسماعيل، كانت مواقفه ثورية إلى حد كبير، لكنه لسبب ما كان يتم استبعاده من تصنيف “المرشح الثوري” الذي كان يعتمده البعض، وساهمت قضية جنسية والدته في تشويه صورته واستبعاده من الانتخابات