في عام 2006، شهدت سجلات الأرقام القياسية بألعاب القوى رقمًا مُسجلًا باسم الطفل «إرلينج براوت هالاند» صاحب الـ5 سنوات آنذاك، في رياضة القفز من ثبات. تمكن من القفز لمسافة 1.63 مترًا، ليُصبح بذلك صاحب الرقم القياسي في تلك الرياضة من خلال ذلك العمر.

لم يستطع ذلك الطفل الاستغناء عن لذة الأرقام القياسية، وخلال تلك الفترة وحتى تاريخنا هذا، يكسر يومًا بعد الآخر رقمًا جديدًا يجعلك تُلاحظ اسمه من بين كثيرين. حتى منتصف شهر شباط/فبراير من عام 2020، أحرز ذلك الطفل، الذي بات حينها يملك 20 عامًا، 10 أهداف في بطولة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، كأسرع لاعب يصل لهذا العدد في 7 مباريات فقط.

ببلوغه ذلك العُمر، كان قد سجل 39 هدفًا، بهم 6 ثلاثيات «هاتريك»، فقط في 29 مباراة. مع كل هدف يُحرزه المُهاجم النرويجي الأشهر في الساحة الأوروبية حاليًا، ومع كل رقم جديد يقتل جزءًا من ادعاءات البعض التي لاحقته بكونه مهاجمًا ضعيفًا مُضخمًا ليس إلا، لكن هدفه الأخير في ذهاب دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا يملك قيمة تكاد تتخطى قيمة كل ما سبق.

باختصار شديد، لأنه ليس هدفًا من لمسة واحدة من داخل منطقة الجزاء، كما اعتاد التسجيل في سابق المناسبات، أي أن ذلك الهدف بالتحديد يدرأ واحدة من أهم الادعاءات التي تُحيط باللاعب، ومن تلك النقطة ننطلق في بحث حول لاعب يُجبرك بالفعل للبحث حوله. أنت لا تملك قرارًا حقيقيًا هنا.

لا وقت للانتظار

وُلد المهاجم النرويجي الشاب داخل الأراضي الإنجليزية، تحديدًا في مدينة ليدز، من عرق بأصول غير معروفة، أو خليط بين النرويجي والإنجليزي. كان الطفل الثاني من ثلاثة أطفال للأب «ألف لينجه هالاند»، لاعب ليدز يونايتد ومانشستر سيتي السابق.

تقاعد الوالد عن لعبة كرة القدم في عام 2013، وقرر العودة إلى النرويج مسقط رأس الوالد.

في سنوات العيش في إنجلترا، جرب الطفل المولود في عام 2000 كافة الرياضات تقريبًا، لكن أهمها كان رياضة ألعاب القوى.

كانت فترة وصول العائلة إلى النرويج مرة أخرى، فترة ممطرة بطبيعتها في مدينة برايني، لكن قبل وصولهم إلى هناك كان النادي المحلي الأكبر بالمدينة قد أقام صالة مُغطاة للتدريب، فكانت فرصة سانحة للعب كرة القدم والابتعاد عن كافة الرياضات الأخرى.

في أيار/مايو من عام 2015، كان الفريق الأول بنادي برايني النرويجي يُعلن عن انضمام الطفل هالاند صاحب ال 15 عامًا. بزغ نجم هالاند في فرق الشباب بالنادي تحت 19 عامًا، بزوغًا لا يمكن معه إهمال قيمته كمهاجم من طراز فريد. فقد خاض 14 مباراة مع فريق الشباب سجل خلالها 18 هدفًا، فكان لابد من الانصياع لطاقته المتفجرة وضمه للفريق الأول.

بعد ذلك التاريخ بأربعة أعوام فقط، كان قد وقّع باسمه على 9 أهداف من 12 هدفًا سجلهم مُنتخب بلاده للشباب تحت الـ19 عامًا، في شباك المُنتخب الهندوراسي. ربما هو معتاد في المواجهات ضد منتخبات أوروبا الضئيلة كرويًا، أن تشهد أهدافًا أكثر من ذلك، لكن تسجيل 9 أهداف لشخص واحد فقط لا تتكرر كثيرًا.

ما يمكن أن يميز مهاجم دورتموند عن أمثاله، أنه يعرف من داخله أنه جيد حقًا، ويجعل الجميع يُؤمن بذلك دون أن يشعروا. رفض أن يسير في الركب الطبيعي للنجوم، وقرر سلوك الطريق الأصعب.

مع كل هدف ومع كل رقم يُحطم من قبل هالاند، تشعر وكأنه يضع حول نفسه هالة ضخمة من الأضواء، هالة من الطبيعي في ذلك السن أن تقتل صاحبها، كما اعتدنا كثيرًا في أمثلة سابقة، لكنه حتى تلك الحقيقة يرفض الانصياع لها.

جينات الأم أكثر سيطرة

كان هالاند الأب مُدافعًا صلبًا، بإمكانيات مُدافع إنجليزي خالص. لا تتماشى تمامًا مع إمكانيات الابن الفذة التي تُمهد لانفجار مهاجم ربما يكون الأفضل في العالم في غضون أعوام بسيطة، أو على الأقل إمكانياته التي أظهرها حتى اللحظة.

فمثلًا، حسب شبكة سكاي سبورت، قام هالاند في مواجهة الذهاب من دوري أبطال ضد باريس سان جيرمان بتحقيق إنجاز بركضه 60 مترًا في 6.64 ثانية فقط، وبفارق 0.3 ثانية عن الرقم القياسي للركض في تلك المسافة.

وُلد هالاند لأمه «جراي ماريتا»، والأكيد أن البحث عن اسم الأخيرة لن يصلنا لأي شيء يخص كرة القدم بالمرة، ومع ذلك يميل «جرايم سونيس»، لاعب ليفربول السابق، أن تكون تلك الإمكانيات التي يملكها مهاجم النرويج نابعة من الأم، لاختلاف هذه الإمكانيات تمامًا عما كان يملك الأب، لابد أنها جينات نادرة تمامًا!

معجزة القرن

حين خرج البرتغالي «كريستيانو رونالدو» من بلاده نحو المجد في مانشستر يونايتد، لم يكن يُعامل نفسه والصحف بكونه اللاعب الذي سيأكل الأخضر واليابس فيما بعد. كذلك لم يكن لـ«ميسي» ذات الضجيج الذي يُحدثه ذلك الشاب اليافع، حتى أكثر شبيه بهذه الانطلاقة وهو الفرنسي «كيليان مبابي» لم يُحطم كل تلك الأرقام في بداياته، كان له لحظات هدوء.

بعد سبع مُباريات فقط مع ناديه الرابع كمُحترف، أحرز 11 هدفًا، وبات اللاعب الأول في تاريخ النادي الألماني، الذي يسجل في أول لقاء له في كُل البطولات، حتى دوري أبطال أوروبا. كما لو أنه يرغب في كسر الحواجز واحدًا تلو الآخر، من أجل الخروج من جعبة المهاجم المُعتمد على حظ البدايات، لينتقل للنقاش الحقيقي ضمن خيرة مُهاجمي العالم.

دون أدنى تراجع، اقتحم هالاند صراع الحذاء الذهبي عن عام 2019/2020 مُحتلًا المركز الخامس، في الشهر الثاني من عام 2020، برصيد 40 نقطة وبفارق 12 نقطة فقط عن المُتصدر، ومتساويًا مع رونالدو ومع «تيمو فيرنر»، مع عدد أهداف أكثر لصالحه، تفصله عن الصدارة 6 أهداف فقط.

أحرز هالاند 24 هدفًا مُقسمين على فترتيه في الدوري الألماني والدوري النمساوي، وبحساب النقط الخاص بالحذاء الذهبي، يملك الدوري النمساوي قيمة أقل من الدوري الألماني، فتُضرب أهداف لاعبيه *1.5 للحصول على مجموع النقاط، أما في الدوري الألماني فيتم ضرب مجموع الأهداف *2.

لو افترضنا استمراره بنفس ذلك المُعدل في التسجيل، الذي وصل في دورتموند إلى هدف في كل 39.9 دقيقة، والذي شهد ارتفاعًا عن فترته في سالزبورغ، حيث كان يسجل هدفًا كل 52.3 دقيقة، فالأكيد أنه لن يظل في الترتيب الخامس من ذلك الصراع، إن لم يخطف الصدارة في معجزة حقيقية.