يعيش العالم حالة من الذعر غير مسبوقة، ويبدو الأمر منطقيًّا فما يحدث مخيف بلا شك. فيروس قاتل بلا علاج يجتاح العالم مخلفًا وراءه أعدادًا من الضحايا التي تزداد كل يوم. أجبر الجميع على التوقف عن ممارسة الأنشطة المعتادة ملتزمين المنازل في محاولة للحد من انتشار هذا الفيروس.

واحدة من تلك الأنشطة هي مباريات كرة القدم. قد يبدو الأمر تافهًا لكن صناعة كرة القدم صناعة يدور في فلكها ملايين البشر والجنيهات، كما أنها على نفس القدر من الأهمية للبعض الآخر كإثبات أن الحياة بشكلها المعتاد لم تتوقف بعد.

توقفت مباريات كرة القدم في أغلب دول العالم قبيل تحول فيروس الكورونا من أزمة إلى جائحة بشكل رسمي، إلا ان شعور الخوف في حد ذاته مميت هو الآخر، وهو ما دفع البعض لمحاولة طمأنة الآخرين، وفي سبيل نشر تلك الطمأنينة قد يفقد أحدهم أبسط مبادئ الإنسانية والحب والعرفان.

تجلى ذلك بشكل واضح في تصريحات من نوعية «الوضع غير مخيف كما يتصور البعض، سيتم استئناف مباريات كرة القدم عاجلًا أو آجلًا، فهذا الفيروس لا يصبح مميتًا إلا عند كبار السن فقط».

وكأن كبار السن هؤلاء لا يشكلون فارقًا لدى البعض، وكأن موتهم أمر حتمي. إلا أن الأقدار كانت أكثر رحمة من الكثيرين، حيث تزامنت تلك الأحداث مع اليوم المخصص للاحتفال وتكريم الأمهات حول العالم، عيد الأم. وكأنها رسالة واضحة لهؤلاء الذين تناسوا أدوار كبار السن من أجل طمأنينة زائفة. حاول فقط أن تتذكر كيف كانت تحتفل أندية كرة القدم بهذا اليوم وكيف كانت تكرم الأمهات في قلب ملاعب كرة القدم.

إذا لم تكن من المهتمين بالدور المجتمعي والإنساني لكرة القدم فقد حان الوقت لكي تلقي نظرة على تلك الأدوار، التي أصبحت مهمة للغاية خلال تلك الأوقات. دعنا في البداية نلقي نظرة على لقطات تم فيها تكريم كبار السن متمثلين في الأمهات في ملاعب كرة القدم.

كرة القدم ورسائل ما قبل الكورونا

فاجأ الحساب الرسمي لفريق برشلونة جماهير الفريق بعد أن نشر تشكيلة الفريق التي ستبدأ مباراة فياريال بأسماء أمهات اللاعبين خلال موسم 2017/2018 معنونًا ذلك بأن تلك هي أسماء الأبطال الحقيقيين هذا الموسم وكل موسم، متمنيًا عيد أم سعيدًا لكل الأمهات.

الأمر الذي تفاجأت به جماهير الفريق في ملعب الكامب نو بمجرد نزول ليونيل ميسي إلى أرض الملعب مرتديًا قميصه المعتاد لكن باسم مختلف، وهو «سيليا». إنها السيدة «سيليا ماريا كوتشيتيني» والدة ليونيل ميسي، والتي يعرف متابعو الساحر الأرجنتيني ملامحها جيدًا، خاصة أن ميسي يحمل وشمًا لوجهها فوق ظهره.

كانت الرسالة واضحة للجميع، تلك الأسماء لها كامل الفضل في وجود هؤلاء اللاعبين. إحدى عشرة امرأة طُبعت أسماؤهن فوق قمصان أولادهن كاعتراف جلي بأفضالهن. وراء كل لاعب كرة حتمًا قصة من الجهد والصبر والتحمل يبقى بطلها على الأغلب هو والدة هذا اللاعب.

هذا ما فطنت له إدارة فريق أياكس أمستردام الهولندي، حيث قامت إدارة الفريق خلال الاحتفال بعيد الأم لعام 2015 بتنظيم دخول لاعبي الفريق إلى أرض الملعب بجوار أمهاتهم قبل إحدى المباريات في الدوري الهولندي. وقف كل لاعب بجوار والدته ليتلقيا معًا تحية الجماهير.

أظهر مقطع فيديو نشره النادي عبر موقع تويتر تلك اللقطات العاطفية، لكن الأهم هي تلك الرسالة التي حملت العنوان الأساسي «إذا لم يتمكنوا من زيارتنا، فلنقم بزيارتهم. عيد أم سعيد».

تلك هي الرسائل التي كانت تقدمها كرة القدم، لا أن تلعب المباريات فوق جثث العجائز. دعنا نتعرف على بعض القصص التي حملتها كرة القدم عن أهمية الأمهات تحديدًا، لكن بشكل غير مباشر.

فيدال: من أجل والدته لعب كرة القدم

أمي هي قدوتي الوحيدة. لقد علمتني أن أحارب عن طريق الجهد والتضحية.
أرتورو فيدال

هكذا عبر ببساطة لاعب فريق برشلونة أرتورو فيدال عن قيمة أمه في حياته. نشأ فيدال في أسرة فقيرة، لكن ما كاد يدمر الصبي فعلًا لم يكن الفقر، بل والده السيد «أراسمو فيدال»، الذي كان يضع المخدرات كأولوية قبل أسرته. لم تجد والدة فيدال بدًا من العمل بشكل مرهق كخادمة منزل لتنقذ أولادها من مصير الضياع المحتوم.

قرر فيدال بعد أن أتم الرابعة عشرة أنه سيصبح لاعب كرة قدم محترفًا مهما كلفه ذلك من جهد. كانت صورة والدته المتعبة وهي عائدة للمنزل بعد عمل شاق هو ما يجعله يبذل كل ما يستطيع من مجهود على أرض التدريب لكي يصبح لاعبًا محترفًا ويريح أمه من مشقة العمل. فعلها فيدال وأصبح واحدًا من أهم لاعبي كرة القدم فقط من أجل أمه.

أعطتني كرة القدم أفضل الأشياء في حياتي، وهي رؤية والدتي سعيدة.
أرتورو فيدال

سواريز: اختبروا ابني فهو مهاجم ممتاز

لم تملك والدة سواريز حلًا سوى أن تأخذ لويس من يده وتذهب به إلى فريق «إيريتا» في أوروجواي. فالصبي الذي لم يكن يملك سوى حذاء وحيد يذهب به إلى المدرسة كان يضطر أن يلعب حافي القدمين لكيلا يفوت أي مباراة في الشارع. أدركت السيدة «ساندرا دياز» أن هذا الصبي لن يصبح شيئًا آخر سوى لاعب كرة قدم.

أخبر المدرب والدة سواريز أنه سيختبره، لكن دون أي ضمانات. كان لويس في عمر السابعة فقط عندما أشركه المدرب خلال الشوط الثاني رفقة فريق خاسر بهدفين لكي يحرز سواريز أربعة أهداف خلال شوط وحيد.

خلال هذا الوقت انفصل والدا سواريز، تربى سواريز في كنف جدته. يتذكر سواريز أنه كان يقابل والدته ظهيرة كل يوم فقط ليأخذ منها أموالًا تعين العائلة على شراء الطعام. لم تستطع والدة سواريز الانضمام للعائلة أبدًا لأنها مضطرة دومًا للعمل.

ستيرلينج: عاملة النظافة التي رفضت أرسنال

 أمي هي ذلك المحارب الذي يعرف كيف يحسن صنعًا في هذا العالم.
رحيم ستيرلينج

لعبت الجدة بجوار الأم دورًا هامًا أيضًا في حياة اللاعب رحيم سترلينج. قُتل والد رحيم وهو في الثانية عمره فقط. تركته والدته في جامايكا رفقة جدته وذهبت لإنجلترا لمحاولة خلق حياة جديدة لأطفالها.

عاش رحيم رفقة جدته حتى سن الخامسة، ثم التحق بوالدته في إنجلترا حيث كانت تعمل كعاملة نظافة في بعض الفنادق لجني المال. كان على رحيم الاستيقاظ في الخامسة صباحًا قبل المدرسة ومساعدتها على تنظيف المراحيض في الفندق في بعض الأحيان.

لمع نجم رحيم كلاعب كرة قدم وهو صغير، وحاول العديد من الأندية ضمه بالفعل، وعلى رأس تلك الأندية فريق أرسنال، لكن والدته كان لها رأي آخر. أخبرته والدته أنه في أرسنال سيكون مجرد لاعب جيد رفقة الكثير من المستوى نفسه، لذا عليه الذهاب إلى فريق كوينز بارك رينجرز الذي طلب ضمه بالفعل. هناك يستطيع التطور والحصول على الرعاية والاهتمام الكافي كونه أفضل من البقية. وهو ما فعله رحيم بالفعل لكي ينتهي به الأمر كواحد من أفضل لاعبي إنجلترا على الإطلاق.

هكذا دومًا هي كرة القدم، فرصة مناسبة لمعرفة العديد من القصص الإنسانية. لا يمكن أبدًا التعامل مع كرة القدم على أنها مجرد مباريات وأهداف وألقاب. لذا حاول أن تلزم بيتك كي لا تصبح حلقة جديدة في انتشار الفيروس الذي ربما بالفعل يقضي على العجائز من حولنا. عجائز مثل جدة رحيم وجدة سواريز أو والدة فيدال، هؤلاء الذين كانوا سببًا رئيسيًّا في تلك المتعة التي تنتظرها بعودة كرة القدم. ولا تنسَ أن تقول لكل أمهات العائلة: عيد أم سعيد.