منذ شهرين، كانت المقالات التحليلية تنهال بالمديح على كلا الناديين، وتوقع الجميع نجاح كل منهما في تغيير جلده. وبعد أسابيع قليلة، تحولت نفس المقالات إلى حالة من الشك والحيرة بعد إصابة كليهما بوعكة، لا يعلم أحد موعد انتهائها. الأمر ليس لأننا ضمن جمهور اللقطة الواحدة، وأن التسرع قد تمكن منا جميعًا، ولكن لأن نتائج كرة القدم لا ترتبط دائمًا بالمقدمات. والواقع يقول، إن أرسنال وتشيلسي قد علقا في متوالية إعادة البناء، والتي تكرر نفسها مرة تلو الأخرى دون أن تشعر.

في كل مرة لا يكتمل البناء، تارة بسبب تغيير المصمِم من وقت لآخر كما يحدث في تشيلسي، وتارة لاستخدام مواد رخيصة في البناء كما في أرسنال الذي يمر بضائقة مالية لا تنتهي. لذلك فالأحكام ستتغير من وقت لآخر، وموقف ماوريسيو ساري، وأوناي إيمري سيظل متأرجحًا حتى نهاية الموسم. وبما أن مورينيو قد تحول في تلك الفترة من مقعد التدريب إلى مقعد التحليل فدعنا ننظر لديربي لندن من وجهة نظر السبيشال وان.


خدعة المطعم

أنت لا تعلم أنك خدعت، فقد تناولت طعامك وقمت بدفع المبلغ المطلوب، وخرجت سعيدًا مع وعد بتكرار الزيارة والتعرض لنفس الخدعة من جديد. هل فكرت يومًا لماذا يُسمى ساندوتش البرجر بساندوتش الكينج مع إضافة بعض الألقاب الغريبة للاسم؟ لأن إضافة تلك الزركشة إلى أسماء الوجبات يزيد المبيعات بنسبة تصل إلى 27%. تقديم نفس الشيء بأسلوب آخر، تلك هي الخدعة.

وفقًا لاحصائيات موقع Statsbomb فإن تشيلسي رفقة ساري يسدد بمعدل 15.81 تسديدة للمباراة، ووصل معدل أهدافه المتوقَع إحرازها إلى 1.51 للمباراة. الغريب في الأمر أن تشيلسي في موسمه السيئ رفقة أنطونيو كونتي قدم أرقامًا مشابهة.

كان تشيلسي يسدد بمعدل 16.13 تسديدة للمباراة، ومعدل الأهداف المتوقعة بلغ 1.45 للمباراة. ودفاعيًا كان معدل استقبال الأهداف في المباراة الواحدة 0.89 بينما في هذا الموسم بلغ 0.85. تلك النقلة النوعية التي حدثت للفريق لم تترك سوى أثر طفيف على مستوى الأرقام، لكن لأنها تسمى «Sarri – ball» فإنها تلقى استحسان الغالبية.

عندما يتحدث البعض عن فلسفته الخاصة، فلسفة الاستحواذ والتدرج بالكرة من الخلف ولعب كرة جميلة ثم لا يحصل على النتائج، فإن هذا الحديث يهدف فقط لحماية الخاسرين.
جوزيه مورينيو بعد نهاية الديربي

خدعة المطعم 2، لا تذكر فينجر

في إحدى حلقات رائد الأعمال الأمريكي هانك جرين في برنامجه «SciShow Psych»، أكد أن دراسات عديدة أن الناس ينفقون مزيدًا من الأموال عندما تكون الأسعار في قوائم الطعام مجرد أرقام دون كتابة العملة بجانبها. عندما تجد “جنيهًا” بجوار الرقم 15 مثلاً، فإنك قد تفكر ومن ثم يقودك التفكير إلى التردد. ذلك مجرد أمر نفسي، لا يتعلق بموعد الغداء سواء في بداية الشهر أو آخره.

نفس الأمر ينطبق على أرقام أرسنال هذا الموسم. عندما تجد أن أرسنال رفقة إيمري قد حقق 41 نقطة بعد مرور 22 جولة من البريميرليج، وهو ما يزيد عما حققه أرسن فينجر في الموسم الماضي – بعد مضي نفس العدد من الجولات – بنقطتين فقط. أضف إلى ذلك الـ9 مرات التي خرج فيها أرسنال بشباك نظيفة، في حين اكتفت نسخة إيمري بثلاث فقط.

عندما تذكر اسم فينجر، سيتردد إلى رأسك دوري اللا هزيمة والفشل الذي لاحقه آخر أيامه، لذلك رغم تشابه الأرقام، تظل مجهودات إيمري تحظى بما تستحقه من التقدير، لأنه لا يلتزم بفلسفة جامدة كسابقه. لذا يمكننا أن نقتبس ذلك التعبير من مورينيو ونصف به المدرب الإسباني:«strategic than philosopher».


إيمري الاستراتيجي

بعد مرور أكثر من نصف الموسم، هل يمكنك أن تصنف المدرب الإسباني؟ هل يمكنك توقع تشكيلته للمباراة القادمة؟ الأمر قد يكون مقلقًا لجماهير أرسنال، لأن ذلك يعبر عن عدم استقرار. لكن في المباريات الكبيرة، تمنحهم استراتيجيات إيمري الأفضلية.

أمام توتنهام، واجه هاري كين وسون بثلاثي في قلب الدفاع، وأمام مهاجم تشيلسي الوهمي اكتفى باثنين. هذا هو أكثر ما يميز إيمري عن ساري. الإيطالي العنيد يلتزم بالـ4-3-3 بنفس النسق دون تغيير، حتى بات فريقه متوقَعًا أكثر من اللازم.

لكن المحلل مورينيو سيبدي إعجابه بإيمري لأسباب أخرى. أولها، أن مدرب باريس سان جيرمان السابق فضل اللعب برامسي في المركز 10 بدلاً من أوزيل. الـwork rate أولاً ثم الإبداع ثانيًا، تمامًا كما يفضل مورينيو. الذي فضل لينجارد على مختاريان في مانشستر يونايتد، ومن قبله فضل أوسكار –أكثر من قام بالعرقلة في كأس العالم 2014 بالبرازيل – على ماتا وكيفن دي بروين في تشيلسي.

والسبب الثاني، أن إيمري فاز تاركًا الاستحواذ لخصمه، فأصبح المسرح مهيأ تمامًا كي يصعد مورينيو ويدافع عن نفسه منتقدًا هؤلاء الذين يحصلون على الاستحواذ وينسون النتيجة.

جوزيه مورينيو ردًا على سؤاله: «أيهما يفضل؟ الفوز بالكرة أم دونها؟»


المستقبل المجهول

أفضل الفوز. وخاصة عندما أفوز وفقًا للخطة التي وضعتها.

انتبه ساري بعد اللقاء إلى أن عناصر فريقه لا تمتلك القدرة على تطبيق أسلوبه، ويبدو أنه تذكر الانتقالات الصيفية حيث لم يحصل سوى على جورجينيو. بينما صرح إيمري بعد فتح باب الانتقالات الشتوية بأن فريقه يبجث فقط عن صفقات الإعارة، خاصة بعد الإسراف الذي قام به في الصيف الماضي بجلب 5 لاعبين بـ71.4 مليون جنيه إسترليني فقط.

في وظيفتي القادمة، لن أفتح محادثات مع أي نادٍ إلا بعد معرفة أهدافهم. ماذا يريدون بالضبط؟ وماذا سيقدمون لتحقيقه؟

كانت تلك إحدى تصريحات مورينيو أثناء تواجده في أستوديو شبكة قنوات beIN Sports، والذي ينطبق أيضًا على وضع ساري وإيمري مع إدارتي أنديتهما. يريد تشيلسي أن يتحول إلى أسلوب لعب أكثر جمالية، إذن عليه توفير الأدوات. يريد أرسنال أن يعود لمكانته، إذن عليه إنفاق مزيد من الأموال.

من يتنافس على اللقب اليوم، هما الأكثر إنفاقًا. أما البقية فيتنافسون على المركز الرابع. وفي سباق آخر غير معلن، تحولت أندية لندن الثلاثة (أرسنال، وتشيلسي، وتوتنهام) إلى المنافسة على الأكثر تقشفًا. وحتى ينتهي الموسم، تذكر أن ديربي لندن القديم ما زال قيد الإحياء، وأحكامك المطلقة لن تعمل هنا.