شعار شبيه بشعار حزب الله اللبناني، وخطاب لمؤسس يشبه خطاب أي حليف لإيران، ومال خارجي يغدق على مؤسساتها وأنصارها، في مقراتها علقت صور الخميني، أما موقعها الإلكتروني فلا يترك مناسبة تخص إيران أو حلفائها إلا ينشر ما يبارك أو يستنكر لهذا الحدث أو ذاك.كل ما سبق لم يمنع حركة «الصابرين» الفلسطينية من الإصرار على أنها ليست شيعية المذهب، وهو أمر لم يصدقه عامة الفلسطينيين، فقد أحدث وجود الحركة بقطاع غزة ضجة لم تحدث من قبل، الغزين يخشون من تجربة «الحوثي» في اليمن، وهم لا يأمنون من انحراف أبنائهم الذين يعانون الويلات من البطالة والفقر والقهر من المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وهم يدركون أن أمر استقطاب أبنائهم لتنظيم متطرف أو مذهب غير مذهبهم ليس ببعيد، حتى على الصعيد الفصائلي، أضر وجود الحركة بالفصائل الأكبر وهما حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وحركة الجهاد الإسلامي.


التأسيس وآلية التأطير

في عام 2014، وبينما كان قطاع غزة يعيش ظروفه المتفاقمة نتيجة الحصار والعدوان الإسرائيلي، أعلنت حركة تدعي «حركة الصابرين» وشعارها «الصابرين نصرا لفلسطين» (حصن) عن انطلاقها، وقالت أن أمينها العام هو الفلسطيني «هشام سالم»، وذكر بيان التأسيس «تتطلع الحركة أن يكون لأبنائها دور ونصيب في أداء التكليف الشرعي والواجب الوطني المتعين لتحرير فلسطين إلى جانب كل المجاهدين الصادقين والشرفاء والصابرين».ورغم مشابهة ظروف النشأة لغيرها من الحركات الفلسطينية، إلا أنه سرعان ما أخذ ارتباط الحركة بإيران وبالمرجعية الشيعية يتضح، ليخلق حالة من التناقض وعدم القبول لها في المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة ذو المذهب السني فقط، ولم تنجح كل محاولات المؤسس «سالم» بالتأكيد أن حركته «ليست حركة مذهبية بل حركة مقاومة إسلامية فلسطينية، هدفها الوحيد تحرير فلسطين»، وذلك رغم إعلانه دائما الولاء المطلق للحكومة الإيرانية، إذ نشرت تسجيلات مصورة عديدة لسالم يتحدث بوضوح عن الإخوة بين الشيعة والسنة، أخوة وصلت بالنسبة له لحد اعتبار أن ما يحدث في فلسطين يشبه ما حدث في كربلاء، و أن تحرير بلاده بحاجة إلى «حسين مُضحٍ»، وتؤكد المصادر الفلسطينية أن الحركة توقفت في الشهور الأخيرة عن استخدام «التقية” وظنت أن الوقت أصبح مناسبا للكشف عن هويتها فعقدت مؤتمرات عديدة ذات سمت وطابع إيراني، وتكلمت عن الوصية والدعوة إلى التشيع.ولم يخفِ سالم أنه يتلقى الدعم المالي من إيران، وحدد الجهة الإيرانية التي يتلقي منها الدعم بأنها «لجنة إمداد الإمام الخميني»، وتقدر مصادر فلسطينية قيمة الدعم بـ 12 مليون دولار أمريكي سنويًا، لكنه قال أن المال يأتي من المشاريع الخيرية في غزة.


العمل العسكري

يدرك مؤسسو حركة «الصابرين» إيجابية العمل بداية على هدف «مقاومة الاحتلال»، لذلك شكلت الحركة جناح مسلح يتعدى آلاف العناصر كما يقول المؤسس، وذلك بهدف: «محاربة الاحتلال الإسرائيلي في كل مكان»، وأعلنت الحركة مسئوليتها عن تفجير عبوة ناسفة في دورة عسكرية إسرائيلية جنوب قطاع غزة، كما استشهد أحد عناصر جناحها العسكري في المنطقة الوسطى، وأطلقت صواريخها تجاه دولة الاحتلال.وقد أعلنت الحركة مؤخرًا أن لها عناصر في الضفة الغربية والقدس وأنهم قريبا سوف يوصلون الدعم المالي والعسكري لهم، وبالفعل أعلن مصدر إسرائيلي أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية اعتقلت خلية فلسطينية تعمل على تأسيس فرع لحركة الصابرين في الضفة الغربية (بيت لحم)، وذكر التقرير الإسرائيلي أن: «المنضمين الجدد للحركة كانوا نشطاء سابقين في الجهاد الإسلامي».


الدوافع الإيرانية

لم تعهد فلسطين وجودًا للمذهب الشيعي على مدار التاريخ، لذلك من الطبيعي أن يُعتبر وجود حركة لها رؤية وتوجهات ومرجعية شيعية أمرًا غير مألوف في قطاع غزة، لكن إيران كدولة تؤمن أنه من الممكن البدء ولو بشخص واحد لتنضج جالية شيعية كبيرة لها كما حدث في اليمن، وهي تنتظر فقط أن تصبح البيئة الاقتصادية والسياسية مشجعة على انخراط شباب المنطقة التي تريد نحو انحراف سياسي أو مذهبي.يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة «ناجي شراب» أن نشأة حركة الصابرين في قطاع غزة هو نتاج للتحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، فالحركة التي تبدأ صغيرة من السهل أن تنمو وتكبر، ومن السهل أن تتحول وظيفتها التي بدأت بها وهي وظيفة سياسية وعسكرية إلى وظيفة دعوية تروج للمذهب الشيعي وتعمل على جذب وشد أكبر عدد ممكن من الشباب الفلسطيني الذي لديه قابلية مستقبلية للتحول بسبب البطالة والفقر في قطاع غزة، وانتشار ثقافة التشدد والتطرف، ويضيف شراب: «بالنظر إلى المستقبل، بيئة غزة قد يشجع الشباب على الانخراط في هذا الحركة».إذًا، إيران عملت على خلق حركة «الصابرين» في قطاع غزة بهدف خلق أداة للتغلغل والنفوذ، فهي تؤمن أن نشر الجاليات الشيعية في المجتمع العربي أداة من أداوت النفوذ والتغلغل التي تمكنها من تنفيذ أجندتها، ويوضح شراب: «إيران التي تسعي لأن تكون دولة محورية مركزية في المنطقة العربية تعتبر القضية الفلسطينية إحدى بوابات نفوذها وتغلغلها في داخل المنطقة العربية، ومن منظور السياسية الواقعية، إيران لا تؤمن إلا بالحركات والتنظيمات ذات المرجعية الشيعية، هذه أولوية لها رغم أنها قد توظف حركات سنية أخرى».


إحراج حماس

مما لا شك فيه أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي تسيطر على زمام الحكم في قطاع غزة تواجه تحدي كبير بوجود حركة «الصابرين»، بداية من كون هذه الحركة تواجه رفض شعبيله تحركات ملموسة تجاه الحركة، كالاعتداء على مؤسسها «هشام سالم» أو تفجير منزله بقنبلة، أو ضغط فصائلي يرفض وجود مثل تلك الحركات، وخاصة موقف حركة الجهاد الإسلامي التي تشعر بخطورة الحركة المنشقة التي أخذت الكثير من أعضائها.ورغم أن حماس لم تتحرك تجاه «الصابرين» فحتى الإعلان عن حظر الحركة لم يؤكد ولم يكن له وقع ملموس يبقى موقفها صعبا، يقول شراب: «حماس تعتبر الحركة ظاهرة خطيرة تحتاج إلى معالجة أمنية ودينية، كما لديها تخوف سياسي، لأنه في النهاية من يقف ورائها ويمولها هي إيران»، كما يشير شراب إلى أن حماس تتخوف من أن تصبح «الصابرين» أداة ضغط إيرانية على الساحة الفلسطينية، إذ قد تستخدم إيران الحركة لضغط على حماس أو أي تنظيم حاكم في غزة، وتربط مساعداتها العسكرية بآلية التعامل مع «الصابرين»، كما أن هناك تخوف على المدى البعيد من أن تصبح «الصابرين حركة بديلة عن حماس أو الجهاد أو الحركات الإسلامية الأخرى، خاصة أنها مدفوعة بتوجهات إيرانية وليس حركة وطنية فلسطينية بمرجعية دينية سنية» حسب شراب.


تأزم حركة الجهاد الإسلامي

يرفض سالم اعتبار حركة «الصابرين» منشقة عن حركة الجهاد الإسلامي، رغم أنه شخصيًا كان أحد كوادر الجهاد، وتتكون الحركة بالأساس من أعضاء وأنصار حركة الجهاد المنشقين، كما أن تأسيسها أعلن مباشرة بعد تأزم علاقة «الجهاد» مع إيران والتي على إثرها تم حجب المساعدات الإيرانية عن الجهاد، فتأسست «الصابرين» لتكون بديلا مستقبليا عن حركة الجهاد الإسلامي، وأصبحت تعتبر بمثابة الذراع العسكري لإيران.يقول الخبير في شئون الحركات والتنظيمات الإسلامية «خالد صافي» أن: «وجود خلافات بين حركة الجهاد وإيران دفع الأخيرة إلى البحث عن أذرع في الساحة الفلسطينية، أذرع تخدمها على الصعيد السياسي والعسكري وتنفذ أجندتها»، ويوضح صافي أن إيران لها فكر امتدادي على صعيد الدعوة والسياسيات وهي معنية بوجود من يمثلها، وأضاف: «مع بروز حركة الصابرين، كان هناك تخفيض للتمويل الإيراني لحركة الجهاد في الشهور الأخيرة، لذلك ينظر إلى الحركة أنها بديل عن الجهاد الإسلامي في الأجندة الإيرانية»، ويستدرك بالقول: «لكن لا نستطيع الحكم على ذلك باعتبار أنها نشأت حديثًا، أعتقد أن الفترة القادمة ستنضح الأجندة الإيرانية مع حدوث تغيرات على الساحة السورية واللبنانية واليمنية».ويشير صافي إلى دور التمويل الخارجي في إثارة التنافس داخل الحركات والصراع على هذه الأموال وآلية توظيفها، وقال: «للأسف الأجندة الخارجية لها دور على الساحة الفلسطينية، والتمويل يلعب دورًا في إغراء الكثير من الشباب في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيء»، وتابع القول: «الساحة الفلسطينية مفتوحة لتجاذبات من أجهزة أمنية عربية وإقليمية، على اعتبار أن القضية الفلسطينية قضية مركزية في الشرق الأوسط، والبعض يريد أن يكون له أجنحة أو ورقا للضغط في الملفات السياسية».